المشهد الأخير للقمر الصناعي الأوروبي ERS-2 من الفضاء قبل الوداع
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
التقط رادار التتبع والتصوير (TIRA) صورة متحركة تظهر القمر الصناعي الأوروبي ERS-2 خلال سقوطه في سماء كوكبنا بعد 30 عاما قضاها في المدار.
وبعد مهمة ناجحة للغاية، عاد ERS-2 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية إلى الغلاف الجوي الأرضي في الساعة 17:17 بالتوقيت العالمي في 21 فبراير 2024.
وكان التنبؤ بالوقت والموقع الدقيقين لعودة ERS-2 الطبيعية صعبا بالنسبة للعلماء على الأرض بسبب عدم وجود عمليات رصد جديدة للقمر الصناعي أثناء دوراته النهائية حول الأرض، في ما يسمى بالاضمحلال المداري (عملية التخفيض المطول في ارتفاع مدار القمر الصناعي).
ESA satellite ERS-2 breaks earlier than expected
The TIRA space observation radar accompanied the re-entry of the ERS-2 satellite on behalf of the ESA and the German Space Situa-tional Awareness Centre
More info:https://t.co/U3rLNtjiun@esaoperations@esapic.twitter.com/FZjksg0gxU
وجمع رادار التتبع والتصوير (TIRA) الذي يشرف عليه معهد فراونهوفر للفيزياء عالية التردد وتقنيات الرادار (FHR) في ألمانيا، صورة بعض الصور النهائية للقمر الصناعي وهو يتهاوى نحو الأرض، ثم أنتج المشرفون على الرادار صورة متحركة على شكل صورة GIF لهذا الحدث.
إقرأ المزيدوقام رادار TIRA الذي يبلغ طوله 34 مترا بتتبع القمر الصناعي أثناء مروره فوقه لبضع دقائق في 19 و20 و21 فبراير.
وكان آخر مرور له فوق القمر الصناعي في حوالي الساعة 8:00 بتوقيت وسط أوروبا في 21 فبراير، حيث كان ما يزال أمام ERS-2 ما يقارب 10 مدارات قبل إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي الأرضي.
ومن خلال مقارنة الصور من جلسات التتبع الثلاث TIRA، يمكننا أن نرى أن الألواح الشمسية لـ ERS-2 كانت مفككة بالفعل ولم تعد مرتبطة بقوة ببقية القمر الصناعي في اليوم السابق لعودته.
وعند التنبؤ بمسار عودة القمر الصناعي إلى الغلاف الجوي، يتعامل الخبراء معه كجسم جامد حتى النهاية تقريبا، ولكن لأن الألواح الشمسية لـ ERS-2 كانت مفككة وتتحرك بشكل مستقل قبل يوم واحد من عودته إلى الأرض، فإنها كانت قادرة على التسبب في تفاعل القمر الصناعي مع الغلاف الجوي بطرق لم نتوقعها.
المصدر: phys.org
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الارض الفضاء وكالة الفضاء الأوروبية القمر الصناعی الغلاف الجوی
إقرأ أيضاً:
هل اعتدنا المشهد؟
تقول الكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور: «إن التعوّد يلتهم الأشياء؛ يتكرر ما نراه، فنستجيب له بشكل تلقائي وكأننا لا نراه، لا تستوقفنا التفاصيل المعتادة كما استوقفتنا في المرة الأولى؛ نمضي وتمضي، فتمضي بنا الحياة كأنها لا شيء».
ما تزال تلك الكلمات تتردد في ذِهني كلما استعدت ذاك الصباح المُتجمّد، في يومي الأول كطالب طِب في مساق الطَّب الشرعي. كان أوَّل ما شهدناه تشريح جُثة شاب عشريني قضى لِتَوّه في حادث دراجة، لم نتعامل معه كجُثة أو موضوع دراسة، بل استوقفتنا تفاصيله الإنسانية: بنطال الجينز، وقميصه ذو المُربَّعات الحمراء والزرقاء، وعلبة سجائر لم يمنحه القدر فرصة لإنهائها. تساءلت حينها عمّا كان يدور في ذِهنه في لحظاته الأخيرة، وعن الأحلام التي وُئِدت، وعن قلبه الفَتي الذي توقَّف عن النَّبض، وعن أمٍّ ثكلى أو حبيبة تنتظر ورود الثامن من آذار.
كان ذلك أول لقاء لنا مع الموت، فقد كانت الجثث التي تعاملنا معها سابقا في مادة التشريح مغرقة في القدم بحيث فقدت ملامحها البشرية، وقد أطبق الصَّمت على الجميع، وهرب الدَّم من بعض الوجوه. لم يحتمل كثيرون الموقف، وخرج آخرون بحثًا عن القليل من الأوكسجين. كان المدرس واقفًا أمام الجثة يملي على الكاتبة بصوت محايد، ويعود بين الفينة والأُخرى إلى سيجارته، يتكلم بلغة خالية من أي عاطفة: «الطول 185 سم، لون الشعر بني، لون العينين...». استهجنّا حياديته، وابتسامته السّاخرة التي كانت تصفع ذهولنا وتأثرنا ولم نكن نعلم حينها أنه لن يمضي كثير وقت حتى نتغير.
توالت الدُّروس، وتوالت الجُثَث، وتكررت المواجهات مع الموت، ولم ننتبه إلى أنَّ رهبة الموقف الأول قد زالت، وأن التعوّد قد تسلَّل إلى قلوبنا. خبا تعاطفنا مع الضحايا وأهليهم، وتحولت التفاصيل الإنسانية الصغيرة إلى مجرَّد أدلّة؛ وربما موضع تندَّر أحيانًا.
هذه التجربة الشخصية ليست حِكرًا على الأطباء؛ بلْ هي جُزء من ظاهرة نفسيّة أوسع تظهر في أوقات الحروب والكوارث، حين تتكرر مشاهد العُنف والدَّمار أمام أعيُننا. في البداية، نشعر بالصَّدمة والحزن، لكن مع تكرار المشهد، يبدأ العقل في بناء جدران دفاعية؛ في مُحاولة لحماية الذّات من الانهيار أو الإحساس بالعجز.
هنا تظهر ظاهرة «التبلُّد العاطفي» أو «الاعتياد»؛ حيث يتراجع التأثّر تدريجيًّا حتى يُصبح الألم مجرّد خلفية باهتة في حياتنا اليومية.
وفي عصر الإعلام الرقمي تتدفق صور العُنف والأخبار المأساوية بِلا توقف، مما يُسرِّع من عملية الاعتياد ويزيد من خطر التبلُّد العاطفي، فالتّعرض المستمر لهذه المشاهد يجعلها تبدو مألوفة وعادية، ويُضعِف قُدرتنا على التَّعاطف مع الضحايا.
فالعقل البشري مُبرمج على حماية نفسه من الألم النفسي الشديد فعندما يتعرض الإنسان بشكل مُتكرر لمشاهد عنف أو مُعاناة، يبدأ في تطوير آليات دفاعية مثل الإنكار أو الهروب أو حتى التقليل من أهمية الحدث، وهذه الآليات ليست دليلًا على القسوة، بل هي استجابة طبيعية للضغط النفسي المستمر؛ لكن هذا الاعتياد قد يحمل في طياته جانبًا مُظلمًا؛ إذ قد يؤدي إلى «نزع الإنسانية» عن الضّحايا، فنراهم مجرد أرقام أو صور عابرة. فقد يتسلل تبلد المشاعر إلى أعماقِنا دون أن نشعر؛ فيجعلنا أقل قُدرة على التّعاطف وأقل رغبة في اتخاذ موقف.
الاعتياد على مشاهد العُنف هو انعكاس لصراع داخلي بين الحاجة إلى الحماية النفسية والواجب الأخلاقي تجاه الضحايا، ومسؤوليتنا أن نبحث عن التوازن، وأن نتمسّك بإنسانيتنا مهما اشتدت قسوة العالم من حولنا، فقد يصبح الصّمت أو اللامبالاة نوعًا من التَّواطُؤ غير المباشر مع الجريمة.
(الغد الأردنية)