ضربت أمريكا أخيرا منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية في سياق خطة هجوم إسرائيلية أمريكية؛ من المؤكد أنّها نتيجة تدريبات تسبق إدارة ترامب (قال الإسرائيليون إنّهم تدربوا عليها مع الأمريكان منذ سنة، أي أثناء إدارة بايدن)، والمؤكد أنّ أكثر ما يشغل الناس الآن السؤال عمّا بعد ذلك، وهو أمر منوط بأمرين، الأول حقيقة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما تنبني عليه مستويات العدوان حجما وزمنا، والثاني الردّ الإيراني، ولن نكون بحاجة إلى الكثير من الوقت لاستكشاف ذلك كلّه، بيد أنّه من المفيد الوقوف على جملة قضايا يمليها هذا العدوان على وعينا في هذه المنطقة.



إنّ أهمّ أهداف الحرب الممتدة من لحظة الإبادة الجماعية على غزّة مرورا بتوسيع الحرب على حزب الله في لبنان وصولا إلى إيران، هي "إعادة صياغة الشرق الأوسط"، بحسب تعبيرات بنيامين نتياهو، وهو التعبير الذي أخذ صيغة جديدة على لسانه ولسان دونالد ترامب بعد العدوان الأمريكي على منشآت إيران النووية؛ حينما قالا إن القوّة هي التي تأتي بالسلام، بيد أنّ هذا التعبير ليس جديدا تماما، وإنّما هو مستفاد من جاوبتنسكي الذي تساءل: "هل يمكن دائما تحقيق هدف سلمي بوسائل سلمية؟" ثمّ أجاب: "ما هو مستحيل هو الاتفاق الطوعي. طالما شعر العرب بوجود ولو أدنى أمل في التخلص منا، فإنهم سيرفضون التخلي عن هذا الأمل مقابل كلمات لطيفة أو مقابل خبز وزبدة، لأنهم ليسوا حشدا من الغوغاء، بل شعب حيّ. وحين يتخلى شعب حيّ عن أمر بهذه الحيوية، فذلك لا يحدث إلا عندما ينعدم تماما أيّ أمل في طردنا، لأنهم لن يتمكنوا من اختراق الجدار الحديدي، عندها فقط سيتخلون عن قادتهم المتطرفين الذين يرددون شعار "أبدا!"، وسينتقل زمام القيادة إلى الجماعات المعتدلة، التي ستتوجه إلينا باقتراح أن نتوصل معا إلى تسوية".

إنّ السلام بحسب زئيف جاوبتنسكي، الأب الروحي لنتنياهو؛ هو خضوع العرب للمصالح الصهيونية، وهذا الخضوع لا يمكن أن يتأتى إلا بالقوّة التي وصفها بالجدار الحديدي، هذه القوّة وظيفتها الإخضاع، وتيئيس العرب من إمكانية هزيمة إسرائيل، وقلب الأوضاع بدفعهم للتخلي عن قادتهم "المتطرفين" الذين يقولون "لا" لتسليم القيادة لقادتهم "المعتدلين" الذين يقولون "نعم".

وكما أنّ جابوتسنكي يتولّى تعريف العرب بمن هو المتطرف ومن هو المعتدل، أو ما هو الاعتدال المطلوب منهم، فإنّ السلام الصهيوني بالضرورة ليس هو السلام العربي، لأنّ العربي سيرفض الهجرة اليهودية، العربي الفلسطيني كما رآه جابوتسنكي كبقية "الشعوب الأصلية في العالم تقاوم المستعمرين ما دام لديها ولو بصيص أمل في التخلص من خطر الاستعمار"، و"هذا بالضبط ما يفعله العرب في فلسطين، وسيواصلون فعله ما دام هناك بصيص أمل واحد بأن في إمكانهم منع تحوّل فلسطين إلى أرض إسرائيل". فالعرب الفلسطينيون يشعرون "بالحب الغريزي الغيور لفلسطين، كما شعر الأزتك القدماء تجاه المكسيك، وكما شعر شعب السيو تجاه براريهم المتدحرجة"، ومن ثمّ لا سبيل إلا إخضاعهم لمفهوم السلام الصهيوني، وهذا لا يتأتّى إلا بالقوّة، ولا ينبغي الشك بكون ذلك أخلاقيا، بحسب جاوبتنسكي الذي يقول: "إما أن الصهيونية أخلاقية وعادلة، أو أنها غير أخلاقية وظالمة. لكن هذا سؤال كان يجب أن نحسمه قبل أن نصبح صهاينة. وقد حسمنا هذا السؤال بالفعل، وأجبنا عليه بالإيجاب"، أي ما دمت صهيونيّا فأنت أخلاقي، مهما كانت أهدافك ظالمة للآخرين ومجحفة بهم.

من المحتمل أن يكون ترامب قد تعلّم من نتنياهو حكاية السلام الذي لا تأتي به إلا القوّة، ثمّ هو في غنى بعد ذلك أن يسأل عن السلام المفروض، أي سياسات الإخضاع والهيمنة، إن كان أخلاقيّا أم لا، لأنّ أمريكا، أصلا، لا تفكر في أخلاقيات الهيمنة والأخضاع، لأنّ ذلك جزء من تكوينها الماهوي الذي لا فكاك لها عنه، فكيف إن كان على رأسها رجل مثل ترامب، يقول الإسرائليون عنه إنه يتفوق على نتنياهو بلادة ونرجسية؟!

إنّ المراد إذن بإعادة تشكيل الشرق الأوسط هو إخضاعه للهيمنة الإسرائيلية، فبعدما كان منطق القوّة التي تأتي بالسلام، أي تأتي بالإخضاع والهيمنة، يعني فرض الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتحويل فلسطين إلى "أرض إسرائيل"، صار الأمر تاليا الحفاظ على الوجود الإسرائيلي بضمان التفوق الإسرائيلي، في اندماج مع الحاجة الغربية، التي ترى في إسرائيل حاجة قصوى لأجل تفكيك المنطقة وفرض التبعية الدائمة عليها، وكما أنّ إسرائيل معنية بأسباب التفوق الذاتي، فهي معنية بإثبات جدارتها للغربيين، الذين تتسع دوافعهم لتبني إسرائيل سياسيّا واستراتيجيا وثقافيّا وأيديولوجيّا، علاوة على سياسات الشراء والرشى المذلة التي ينتهجها اللوبي الصهيوني، والمليارديرات الصهاينة، لشراء السياسيين الغربيين وابتزازهم.

لم يكن الهجوم على إيران، والحالة هذه، لأجل منعها من امتلاك السلاح النووي، وإنما من أجل منعها من امتلاك أسباب المنافسة الإقليمية لإسرائيل. بالنسبة لإسرائيل هذا هو التهديد الوجودي، وبالنسبة للغرب، هذا تحرر وطني، وامتلاك للسيادة، وإرادة لإدارة الذات بالذات، وهو أمر ممنوع غربيّا على دول هذه المنطقة، هنا تتطابق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية بغض النظر عن الدوافع.

علاوة على منطق القوّة الذي يأتي بالإخضاع، المسمّى أمريكيّا وإسرائيليّا بالسلام، وعلى كون هذه القوّة تدوس إن شاءت القانون الدولي ومؤسساته الدولية، فإنّه ينبغي القول إنّه وبقدر ما سعت إسرائيل لإثبات جدارتها في القيام بوظيفتها في المنطقة، فإنّها تظلّ بحاجة للولايات المتحدة الأمريكية، ليست إسرائيل في الهجوم على إيران أكثر من طفل مدلل مشاغب يعاني من مشاعر دلال مفرطة على والده؛ الذي هو أمريكا. احتاجت إسرائيل إلى أمريكا في كلّ شيء؛ الخديعة الاستراتيجية، والمعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي، والإمداد التسليحي والتقني، ونفوذ القوة، والغطاء السياسي والدعائي، وأخيرا القصف المباشر.

الطريف أن استجابة الكثير من العرب لهذه الحقيقة معكوسة، حينما يستجيبون لإرادة جابوتنسكي ويتجردون تماما من إرادة التحرر من الهيمنة الإسرائيلية، بالرغم من إثبات الحوادث الأخيرة المرّة تلو الأخرى بأن إسرائيل قابلة للهزيمة، وتعاني من قصور كبير بالقياس إلى دعايتها الاستعراضية، لولا تفكك هذه المنطقة لصالحها وخضوعها لهيمنتها وتخليها عن إرادتها الحرّة، وبالتأكيد لولا الدعم الأمريكي. ورغم كلّ ما يمكن قوله عن قصور إيران، فإنّه لا يمكن تقييم ذلك دون أخذ حصارها بعين الاعتبار، وأخذ التفوق الإسرائيلي في إطار الجبروت الأمريكي، وتطويع الجغرافيا السياسية المحيطة بإيران لصالح الهيمنة الإسرائيلية.

ما يجب الخروج به من ذلك، هو التحفظ الصارم على كلّ الحكايات التي ظلت تتردد بلا ملل منذ بدايات حرب الإبادة على غزة وحتى الآن عن التباين الأمريكي/ الإسرائيلي بخصوص إدارة المشهد الحربي، لقد كانت أمريكا لصيقة في عمق الإدارة الحربية الإسرائيلية، بتقطيع الجبهات وحشد الأصول والموارد لترهيب أعداء إسرائيل وممارسة الخديعة المتقنة، وصولا إلى لحظة المواجهة المكشوفة مع إيران وحيدة تقريبا، بعد الفراغ من الجبهات، جبهة تلو الأخرى.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيلية ترامب الإيراني السلام القوة إيران إسرائيل السلام القوة ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة تكنولوجيا سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القو ة

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية إيران: مصر دولة مهمة في العالم الإسلامي.. ونتشاور معها دائمًا

أشاد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بالتطور الذي تشهده العلاقات بين القاهرة وطهران، مؤكدًا أنها شهدت نقلة نوعية خلال العام الماضي، بحسب وكالة إرنا الإيرانية.

وأكد عراقجي، في حديثه عن تفاصيل استعادة العلاقات الإيرانية المصرية: «لقد شهدت علاقاتنا مع مصر نقلة نوعية خلال العام الماضي، خلال هذه الفترة، التقيتُ بالرئيس المصري أربع مرات، وهو عدد يفوق ما التقيتُ به أي رئيس آخر، حتى مع الدول التي تربطنا بها علاقات وثيقة، فعلى سبيل المثال، لم أقابل فلاديمير بوتين إلا مرتين فقط، أو رؤساء دول مجاورة أخرى، لكن عدد اللقاءات التي عقدتها مع وزير الخارجية المصري خلال العام الماضي، على ما أعتقد، تجاوز العشرة، كما تجاوزت مكالماتنا الهاتفية ذلك بكثير، معظم هذه الاتصالات تتناول العلاقات الثنائية، وإن كانت قضية غزة وفلسطين جزءًا منها أيضًا».

مصر وإيران

و أكد عراقجي، أن مصر دولة مهمة ومؤثرة في العالم الإسلامى، وقال: «نتشاور بانتظام مع مصر بشأن قضايا فلسطين وغزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والملف النووي، وكذلك بشأن العدوان الأخير، كما أحرزنا تقدمًا جيدًا في مجال العلاقات الثنائية، وكانت هناك سلسلة من العقبات القديمة التي كان من المفترض حلها منذ فترة طويلة، على سبيل المثال، تم تغيير أسماء الشوارع، كما اتخذ الجانب الآخر إجراءات لن أخوض في تفاصيلها، ولكن المهم هو وجود إرادة للتعاون من كلا الجانبين».

وأضاف: «علاقاتنا مع مصر فاقت التوقعات، لكننا لا نحن ولا هم في عجلة من أمرنا للإعلان رسميًا عن هذه العلاقات، سيتم ذلك عندما يحين الوقت، وسنصل إلى هذه النقطة في الأشهر المقبلة، وربما لولا الحرب والتطورات الأخيرة، لكنا قد وصلنا إلى تلك المرحلة في وقت أبكر، لكن هذه القضية ليست حاسمة لدرجة أننا نرغب في الوصول إليها في وقت أبكر، المهم هو أن لدينا علاقات جيدة جدًا، كعلاقات دولتين عاديتين».

اقرأ أيضاًوزير الخارجية الإيراني: وكالة الطاقة الذرية وافقت على نهج جديد للتعاون

وزير الخارجية الإيراني: لا مفاوضات مع الولايات المتحدة ما دامت الاعتداءات مستمرة

وزير الخارجية الإيراني: التدخل العسكري الأمريكي إلى جانب إسرائيل سيكون مؤسفا للغاية

مقالات مشابهة

  • السلام.. ازدهار للجميع
  • إيران ترفض سيطرة واشنطن على الممر القوقازي بعد اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان
  • دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ
  • الرئيس الإيراني: لاعتداءات التي تعرضت لها إيران لم تكن هجمات صهيونية
  • وزير خارجية إيران: مصر دولة مهمة في العالم الإسلامي.. ونتشاور معها دائمًا
  • تفاصيل حول روزبه وادي الذي أعدمته إيران بتهمة التجسس لصالح الموساد
  • اعترفت بقتل 11 زوجا لها خلال مسيرتها الزوجية وعقدت على 18 زوجا بالمتعة.. الإيرانية كلثوم أكبري الزوجة الحنونة التي هزت إيران
  • خبراء الأمم المتحدة: سلاح التجويع الذي تستخدمه إسرائيل في غزة جريمة بموجب القانون الدولي