من غزة إلى نطنز.. جابوتسنكي يصوغ العالم وترمب يوقع باسمه!
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
ضربت أمريكا أخيرا منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية في سياق خطة هجوم إسرائيلية أمريكية؛ من المؤكد أنّها نتيجة تدريبات تسبق إدارة ترامب (قال الإسرائيليون إنّهم تدربوا عليها مع الأمريكان منذ سنة، أي أثناء إدارة بايدن)، والمؤكد أنّ أكثر ما يشغل الناس الآن السؤال عمّا بعد ذلك، وهو أمر منوط بأمرين، الأول حقيقة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما تنبني عليه مستويات العدوان حجما وزمنا، والثاني الردّ الإيراني، ولن نكون بحاجة إلى الكثير من الوقت لاستكشاف ذلك كلّه، بيد أنّه من المفيد الوقوف على جملة قضايا يمليها هذا العدوان على وعينا في هذه المنطقة.
إنّ أهمّ أهداف الحرب الممتدة من لحظة الإبادة الجماعية على غزّة مرورا بتوسيع الحرب على حزب الله في لبنان وصولا إلى إيران، هي "إعادة صياغة الشرق الأوسط"، بحسب تعبيرات بنيامين نتياهو، وهو التعبير الذي أخذ صيغة جديدة على لسانه ولسان دونالد ترامب بعد العدوان الأمريكي على منشآت إيران النووية؛ حينما قالا إن القوّة هي التي تأتي بالسلام، بيد أنّ هذا التعبير ليس جديدا تماما، وإنّما هو مستفاد من جاوبتنسكي الذي تساءل: "هل يمكن دائما تحقيق هدف سلمي بوسائل سلمية؟" ثمّ أجاب: "ما هو مستحيل هو الاتفاق الطوعي. طالما شعر العرب بوجود ولو أدنى أمل في التخلص منا، فإنهم سيرفضون التخلي عن هذا الأمل مقابل كلمات لطيفة أو مقابل خبز وزبدة، لأنهم ليسوا حشدا من الغوغاء، بل شعب حيّ. وحين يتخلى شعب حيّ عن أمر بهذه الحيوية، فذلك لا يحدث إلا عندما ينعدم تماما أيّ أمل في طردنا، لأنهم لن يتمكنوا من اختراق الجدار الحديدي، عندها فقط سيتخلون عن قادتهم المتطرفين الذين يرددون شعار "أبدا!"، وسينتقل زمام القيادة إلى الجماعات المعتدلة، التي ستتوجه إلينا باقتراح أن نتوصل معا إلى تسوية".
إنّ السلام بحسب زئيف جاوبتنسكي، الأب الروحي لنتنياهو؛ هو خضوع العرب للمصالح الصهيونية، وهذا الخضوع لا يمكن أن يتأتى إلا بالقوّة التي وصفها بالجدار الحديدي، هذه القوّة وظيفتها الإخضاع، وتيئيس العرب من إمكانية هزيمة إسرائيل، وقلب الأوضاع بدفعهم للتخلي عن قادتهم "المتطرفين" الذين يقولون "لا" لتسليم القيادة لقادتهم "المعتدلين" الذين يقولون "نعم".
وكما أنّ جابوتسنكي يتولّى تعريف العرب بمن هو المتطرف ومن هو المعتدل، أو ما هو الاعتدال المطلوب منهم، فإنّ السلام الصهيوني بالضرورة ليس هو السلام العربي، لأنّ العربي سيرفض الهجرة اليهودية، العربي الفلسطيني كما رآه جابوتسنكي كبقية "الشعوب الأصلية في العالم تقاوم المستعمرين ما دام لديها ولو بصيص أمل في التخلص من خطر الاستعمار"، و"هذا بالضبط ما يفعله العرب في فلسطين، وسيواصلون فعله ما دام هناك بصيص أمل واحد بأن في إمكانهم منع تحوّل فلسطين إلى أرض إسرائيل". فالعرب الفلسطينيون يشعرون "بالحب الغريزي الغيور لفلسطين، كما شعر الأزتك القدماء تجاه المكسيك، وكما شعر شعب السيو تجاه براريهم المتدحرجة"، ومن ثمّ لا سبيل إلا إخضاعهم لمفهوم السلام الصهيوني، وهذا لا يتأتّى إلا بالقوّة، ولا ينبغي الشك بكون ذلك أخلاقيا، بحسب جاوبتنسكي الذي يقول: "إما أن الصهيونية أخلاقية وعادلة، أو أنها غير أخلاقية وظالمة. لكن هذا سؤال كان يجب أن نحسمه قبل أن نصبح صهاينة. وقد حسمنا هذا السؤال بالفعل، وأجبنا عليه بالإيجاب"، أي ما دمت صهيونيّا فأنت أخلاقي، مهما كانت أهدافك ظالمة للآخرين ومجحفة بهم.
من المحتمل أن يكون ترامب قد تعلّم من نتنياهو حكاية السلام الذي لا تأتي به إلا القوّة، ثمّ هو في غنى بعد ذلك أن يسأل عن السلام المفروض، أي سياسات الإخضاع والهيمنة، إن كان أخلاقيّا أم لا، لأنّ أمريكا، أصلا، لا تفكر في أخلاقيات الهيمنة والأخضاع، لأنّ ذلك جزء من تكوينها الماهوي الذي لا فكاك لها عنه، فكيف إن كان على رأسها رجل مثل ترامب، يقول الإسرائليون عنه إنه يتفوق على نتنياهو بلادة ونرجسية؟!
إنّ المراد إذن بإعادة تشكيل الشرق الأوسط هو إخضاعه للهيمنة الإسرائيلية، فبعدما كان منطق القوّة التي تأتي بالسلام، أي تأتي بالإخضاع والهيمنة، يعني فرض الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتحويل فلسطين إلى "أرض إسرائيل"، صار الأمر تاليا الحفاظ على الوجود الإسرائيلي بضمان التفوق الإسرائيلي، في اندماج مع الحاجة الغربية، التي ترى في إسرائيل حاجة قصوى لأجل تفكيك المنطقة وفرض التبعية الدائمة عليها، وكما أنّ إسرائيل معنية بأسباب التفوق الذاتي، فهي معنية بإثبات جدارتها للغربيين، الذين تتسع دوافعهم لتبني إسرائيل سياسيّا واستراتيجيا وثقافيّا وأيديولوجيّا، علاوة على سياسات الشراء والرشى المذلة التي ينتهجها اللوبي الصهيوني، والمليارديرات الصهاينة، لشراء السياسيين الغربيين وابتزازهم.
لم يكن الهجوم على إيران، والحالة هذه، لأجل منعها من امتلاك السلاح النووي، وإنما من أجل منعها من امتلاك أسباب المنافسة الإقليمية لإسرائيل. بالنسبة لإسرائيل هذا هو التهديد الوجودي، وبالنسبة للغرب، هذا تحرر وطني، وامتلاك للسيادة، وإرادة لإدارة الذات بالذات، وهو أمر ممنوع غربيّا على دول هذه المنطقة، هنا تتطابق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية بغض النظر عن الدوافع.
علاوة على منطق القوّة الذي يأتي بالإخضاع، المسمّى أمريكيّا وإسرائيليّا بالسلام، وعلى كون هذه القوّة تدوس إن شاءت القانون الدولي ومؤسساته الدولية، فإنّه ينبغي القول إنّه وبقدر ما سعت إسرائيل لإثبات جدارتها في القيام بوظيفتها في المنطقة، فإنّها تظلّ بحاجة للولايات المتحدة الأمريكية، ليست إسرائيل في الهجوم على إيران أكثر من طفل مدلل مشاغب يعاني من مشاعر دلال مفرطة على والده؛ الذي هو أمريكا. احتاجت إسرائيل إلى أمريكا في كلّ شيء؛ الخديعة الاستراتيجية، والمعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي، والإمداد التسليحي والتقني، ونفوذ القوة، والغطاء السياسي والدعائي، وأخيرا القصف المباشر.
الطريف أن استجابة الكثير من العرب لهذه الحقيقة معكوسة، حينما يستجيبون لإرادة جابوتنسكي ويتجردون تماما من إرادة التحرر من الهيمنة الإسرائيلية، بالرغم من إثبات الحوادث الأخيرة المرّة تلو الأخرى بأن إسرائيل قابلة للهزيمة، وتعاني من قصور كبير بالقياس إلى دعايتها الاستعراضية، لولا تفكك هذه المنطقة لصالحها وخضوعها لهيمنتها وتخليها عن إرادتها الحرّة، وبالتأكيد لولا الدعم الأمريكي. ورغم كلّ ما يمكن قوله عن قصور إيران، فإنّه لا يمكن تقييم ذلك دون أخذ حصارها بعين الاعتبار، وأخذ التفوق الإسرائيلي في إطار الجبروت الأمريكي، وتطويع الجغرافيا السياسية المحيطة بإيران لصالح الهيمنة الإسرائيلية.
ما يجب الخروج به من ذلك، هو التحفظ الصارم على كلّ الحكايات التي ظلت تتردد بلا ملل منذ بدايات حرب الإبادة على غزة وحتى الآن عن التباين الأمريكي/ الإسرائيلي بخصوص إدارة المشهد الحربي، لقد كانت أمريكا لصيقة في عمق الإدارة الحربية الإسرائيلية، بتقطيع الجبهات وحشد الأصول والموارد لترهيب أعداء إسرائيل وممارسة الخديعة المتقنة، وصولا إلى لحظة المواجهة المكشوفة مع إيران وحيدة تقريبا، بعد الفراغ من الجبهات، جبهة تلو الأخرى.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إسرائيلية ترامب الإيراني السلام القوة إيران إسرائيل السلام القوة ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة تكنولوجيا سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القو ة
إقرأ أيضاً:
ترمب: نهنئ العالم.. إنه وقت السلام و آمل أن تقوم إيران وإسرائيل الآن بخطوات نحو السلام
المناطق_متابعات
شدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الإثنين، على أن المواقع التي هاجمتها الولايات المتحدة في إيران جرى تدميرها تماما.
وكتب ترامب في منشور له عبر منصة ترو سوشيال: “المواقع التي ضربناها في إيران دمرت بالكامل، والجميع يعلم ذلك. وحدها الأخبار الكاذبة ستقول غير ذلك لمحاولة التقليل من الأمر قدر المستطاع، وحتى هم قالوا إنها “دمرت بشكل جيد جدا!”.
أخبار قد تهمك دولة الإمارات تدين بأشد العبارات استهداف قاعدة العديد الجوية في دولة قطر 23 يونيو 2025 - 9:51 مساءً البرلمان العربي يدين ويستنكر العدوان الذي شنته إيران على دولة قطر 23 يونيو 2025 - 9:42 مساءًواتهم الرئيس الأمريكي وسائل الإعلام التي تشير إلى عدم تدمير المواقع النووية الإيرانية تماما بالكذب وعدم المصداقية.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، فجر الأحد، أنها قصفت مواقع نووية إيرانية بأكثر من 182 طنا من المتفجرات، مستخدمة 75 سلاحا، في أكبر عملية تنفذها طائرات الشبح “بي-2” في تاريخ الولايات المتحدة، وقد استغرقت العملية 25 دقيقة فقط.
قال مسؤول أميركي إن الرئيس دونالد ترامب اجتمع بفريق الأمن القومي لبحث استهداف إيران قاعدة العديد.
وأوضح المصدر أن ترامب في غرفة العمليات مع وزير الدفاع ورئيس الأركان.
وأعلنت إيران، الاثنين، أنها شنت هجوماً على القوات الأمريكية في قاعدة “العديد” الجوية في قطر.
وأكد التلفزيون الإيراني إصابة قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر “رداً على العدوان الأمريكي”، فيما أفاد موقع “أكسيوس” الإخباري بأن إيران أطلقت ستة صواريخ صوب القاعدة الأميركية في قطر.
وأكد ترامب، صباح الاثنين، أن الضربات الأمريكية دمرت المواقع النووية الإيرانية المستهدفة، وتسببت بـ”ضرر هائل” على الرغم من تنويه مسؤولين من أن الحجم الحقيقي للأضرار لا يزال غير واضح.
وقال مسؤولون دفاعيون أمريكيون إنهم يعملون على تحديد حجم الأضرار التي سببتها الضربات. ولم تذكر إيران كذلك حجم الأضرار التي لحقت بها في الهجوم، كما لم تكشف طهران عن أي تفاصيل حتى الآن عن الضربات التي تعرضت لها من قبل إسرائيل.
وكتب ترامب على حسابه في منصته التواصلية التي يمتلكها “تروث سوشيال”: “لحق ضرر هائل بجميع المواقع النووية في إيران، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية. التدمير مصطلح دقيق”، دون أن يرفق منشوره بالصور التي أشار إليها.
وأضاف ترامب: “الهيكل الأبيض الظاهر مغروس بعمق في الصخر، حتى سقفه يقع أسفل مستوى الأرض بكثير، وهو محمي تمامًا من اللهب. وقع أكبر ضرر على عمقٍ كبيرٍ تحت مستوى الأرض. هدف محقق!”.
يأتي ذلك فيما أفاد مراسل “أكسيوس” Axios على “إكس” أن ترامب سيجتمع مع فريقه للأمن القومي في الواحدة ظهرا اليوم الاثنين لمناقشة نتائج الهجوم على إيران.
وكان مسؤولون كبار في إدارة الرئيس ترامب أكدوا، أمس الأحد، أن الغارات الجوية الأمريكية على مواقع نووية إيرانية لم تكن تهدف لتغيير النظام، فيما حثت واشنطن طهران على الابتعاد عن الرد العسكري واللجوء إلى التفاوض.
كما لم تكن عملية “مطرقة منتصف الليل” معروفة إلا لعدد قليل من الأشخاص في واشنطن وفي مقر القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوسط في تامبا بولاية فلوريدا.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال دان كين للصحافيين، إن سبع قاذفات من طراز بي-2 حلقت لمدة 18 ساعة من الولايات المتحدة إلى إيران لإسقاط 14 قنبلة خارقة للتحصينات. وقال كين إن الولايات المتحدة أطلقت 75 قذيفة موجهة بدقة، بما في ذلك أكثر من 20 صاروخ توماهوك، إلى جانب مشاركة 125 طائرة عسكرية على الأقل في العملية التي استهدفت 3 مواقع نووية – فوردو وأصفهان ونطنز.
وفيما حذر وزير الدفاع بيت هيغسيث إيران من تنفيذ تهديداتها السابقة بالرد على الولايات المتحدة، وقال إن القوات الأميركية مستعدة للدفاع عن نفسها، قال نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، في مقابلة أجراها معه برنامج “لقاء الصحافة مع كريستين ويلكر” على قناة “إن بي سي” NBC التلفزيونية، إن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع إيران بل مع برنامجها النووي.