السلطة الفلسطينية: ما هي الدوافع وراء استقالة حكومة محمد اشتية؟
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد
"لقد أعلنت عن استقالة حكومتي للسيد محمود عباس في 20 فبراير/شباط واليوم أقدمها كتابيا". هذا ما قاله رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الإثنين، مضيفا: هذا "القرار ناتح عن الحرب في قطاع غزة والوضع الصعب في الضفة الغربية". وتابع: "المرحلة المقبلة تتطلب إجراءات حكومية وسياسية تأخذ بعين الاعتبار الوضع في القطاع وتدعونا إلى إيجاد توافق سياسي فلسطيني".
وتشهد الساحة الفلسطينية انقساما كبيرا منذ الانتخابات التشريعية في 2006 والتي فازت بها حماس (المسيطرة منذ ذلك الحين على غزة)، وصل إلى حد اندلاع صراع بين الحركة الإسلامية ونظيرتها فتح (المسيطرة على الضفة الغربية المحتلة) في يونيو/حزيران 2007.
وبشأن هذه الاستقالة، قال حسني عبيدي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العالم العربي ومنطقة المتوسط بجنيف: "فلسطينيو الداخل، سواء كانوا في الضفة الغربية أو في غزة، انتقدوا السلطة الفلسطينية بشدة واتهموها بعجزها عن حمايتهم من الاعتقالات الإدارية التي يتعرضون إليها".
وتراجعت شعبية الحكومة الفلسطينية منذ عدة أشهر بسبب الوضع في غزة والضفة الغربية. بالمقابل ازدادت شعبية حماس، التي تحظى بدعم 42 بالمائة من سكان غزة و44 بالمائة من سكان الضفة الغربية وفق استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والتحقيقات في نهاية 2023.
وأظهر الاستطلاع أيضا أن ما يقارب 88 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون استقالة محمود عباس. وتدهورت صورة السلطة الفلسطينية بسبب اتهامات الفساد التي تطالها منذ سنين، إلى درجة أن الناشط نزار بنا توفي في يونيو/حزيران 2021 بضربات قوات الأمن الفلسطينية كونه من أشد المنتقدين للفساد داخل السلطة الفلسطينية.
إصلاحات حقيقية أم تجميلية للسلطة الفلسطينية؟تتعرض السلطة الفلسطينية إلى انتقادات خارجية عديدة، من جهات ودول عربية بينها قطر، وأخرى غربية، إضافة إلى معارضين، تطالب بإصلاحها لكي تتمكن في المستقبل من إدارة الضفة الغربية وغزة على حد سواء تحت راية واحدة وهي راية الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن إسرائيل ترفض هذا الحل.
ويعتبر حسني عبيدي أن "استقالة الحكومة الفلسطينية خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح". وهذا ما يعتقده أيضا المحلل الفلسطيني غسان خطاب الذي صرح أن "محمود عباس يريد عبر القرار الذي اتخذه أن يبين للوسيط الأمريكي أنه يسير في طريق الإصلاح".
وسبق أن كان ملف إصلاح السلطة الفلسطينية محل مباحثات بين رئيسها محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن خلال الزيارة التي قام بها إلى رام الله في 10 يناير/كانون الثاني.
قال بلينكن يومها إنه تحدث مع عباس حول "أهمية إصلاح السلطة الفلسطينية لكي تكون قادرة على تحمل مسؤولياتها في غزة وأن يتم توحيدها مع الضفة الغربية تحت إدارة فلسطينية".
وتلبية للمطلب الأمريكي، شرع عباس نهاية يناير/كانون الثاني في القيام بالعديد من الإصلاحات وفي ميادين عدة، كالعدالة إذ عين قضاة جدد في المحكمة العليا. كما أجرى تغييرات في صفوف القوات الأمنية وفي قطاع الصحة. لكن العديد من المختصين في الشأن الفلسطيني أكدوا أن هذه الإصلاحات "تجميلية هدفها تهدئة الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي".
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية يضع استقالة حكومته تحت تصرف محمود عباسمن ناحيته، أكد خليل شيكاكي، مدير معهد البحوث الفلسطينية حول السياسية وسبر الآراء (مستقل) أن "محمود عباس يريد أن يبين للعالم بأنه مستعد لإجراء تغييرات، لكن في الواقع، التغيير الحقيقي الذي يمكن أن يقوم به هو أن يعود إلى منزله ويستقيل من منصبه"، مضيفا أن "أي مسؤول جديد يحل محله سيكون مجبرا أن يكون مخلصا له".
"السلطة الفلسطينية لا تريد أن تقصى من مرحلة ما بعد حرب غزة"وأضاف خليل شيكاكي أن الحكومة الفلسطينية المقبلة ستكرس الانفتاح نحو قوى سياسية أخرى، على غرار حماس. والحركة الإسلامية ليست ضد هذه الاستراتيجية الجديدة، إذ قال أحد قياديها، سامي أبو زهري: "استقالة حكومة اشتيه لن يكون لها معنى إلا إذا كانت في إطار بناء توافق وطني فلسطيني جديد تحسبا للمرحلة القادمة".
ويرى المحلل السياسي حسني عبيدي أنه من "المنطق أن تنفتح السلطة الفلسطينية أكثر على الآخرين خاصة وأن غزة محكومة من قبل حماس وبالتالي هناك إمكانية لتوسيع هذا الحكم وتقاسمه".
وبخصوص الأسماء المطروحة لخلافة محمد اشتيه، هناك اسم متداول وهو الخبير الاقتصادي محمد مصطفى، المتخرج من جامعة جورج تاون في واشنطن والذي عمل في البنك الدولي لمدة 15 عاما. يشغل هذا الاقتصادي البالغ من العمر 69 عاما حاليا منصب مدير صندوق الاستثمار الفلسطيني فضلا عن كونه مستشار الرئيسي محمود عباس لقضايا الاقتصاد.
وأنهى حسني عبيدي قائلا: "السلطة الفلسطينية لا تريد أن تقصى من اللعبة السياسية بعد نهاية حرب غزة. لكن الأولوية بالنسبة للفلسطينيين هي وقف إطلاق النار وعودة الأمن للبقاء على قيد الحياة ومحاربة المجاعة. فعندما يعود السلم سيمكن أن نتكلم آنذاك عن الإصلاحات والانتخابات العامة".
وجدير بالذكر أن عهدة محمود عباس الرئاسية قد انتهت في 2008 دون أن يتم تنظيم انتخابات جديدة لخلافته، وهو ما يدفع منتقديه للقول إنه فاقد للشرعية السياسية. وأمام غياب رئيس منتخب، تعقد الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني أكثر، ما جعله العديد من الفلسطينيين يكررون دعواتهم لكي يغادر السلطة.
فرانس24
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية ريبورتاج محمود عباس غزة الضفة الغربية إسرائيل حماس غزة الحرب بين حماس وإسرائيل محمود عباس استقالة رئيس الوزراء انتخابات فرنسا غزة الحرب بين حماس وإسرائيل حصار غزة المغرب الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا السلطة الفلسطینیة الضفة الغربیة محمود عباس
إقرأ أيضاً:
الحرب تؤزّم الوضع النفسي للفلسطينيين بالصفة الغربية
الضفة الغربية – منذ تحررها من سجون الاحتلال، تعيش الفلسطينية سوزان العويوي قلقا مستمرا يحرمها طمأنينة العيش بسلام، وتضاعف هذا القلق خلال السنتين الأخيرتين اللتين تشهد فيهما البلاد حرب إبادة إسرائيلية تتركز في قطاع غزة وتشمل تصعيدا مستمرا في الضفة الغربية المحتلة.
خلال العامين الماضيين، لم تغادر سوزان مدينتها الخليل جنوبي الضفة الغربية، المدينة المزدحمة بالحواجز العسكرية الإسرائيلية، واقتصر تحركها اليومي على شارعين أو ثلاثة فقط، في محاولة لتجنّب أي احتكاك مع جنود الاحتلال، وحماية نفسها من خطر إعادة الاعتقال أو التعرض للتنكيل على الحواجز.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف أفشلت المقاومة أهداف الاحتلال في غزة على مدار عامين؟list 2 of 2الإبادة التي تُغيّر العالمend of listوفي المرة الوحيدة التي قررت فيها الخروج نحو بيت لحم، رغم أن المسافة قصيرة نسبيا، واجهت ما كانت تخشاه، فقد تم توقيفها على حاجز عسكري لأكثر من ساعتين، وعادت إلى ذكرياتها مع الاعتقال السابق، حتى إنها أعدَّت نفسها لاحتمال الاعتقال، واتصلت بعائلتها لتستلم سيارتها قبل أن يصادرها الاحتلال. لكنها نجت هذه المرة.
مكبّلة
منذ تلك الحادثة، لم تكرر سوزان التجربة، وأصبحت حياتها اليومية أشبه بالعيش في سجن مفتوح يقيّد حركتها ويضاعف شعورها بالخوف والقلق.
تقول سوزان للجزيرة نت "انعكس ذلك على حياتي الاجتماعية، فأصبحت الحركة ضيقة جدا، لا أستطيع زيارة أقاربي أو الأصدقاء كما كنت أفعل سابقا، لأن ذلك يضعني في توتر دائم".
وتضيف أنّه منذ بدء الحرب على غزة، ومع تصاعد الاعتقالات واستهداف الأسرى السابقين والاقتحامات اليومية للمدن والبلدات، لم تعرف طعم النوم ليلا؛ فأصبحت تعيش في ترقب دائم للأخبار والاقتحامات، مما جعل التوتر والخوف جزءا من حياتها اليومية.
وتشرح أن التوتر المستمر أثّر مباشرة على صحتها الجسدية، إذ أصيبت بأمراض عديدة نتيجة الضغوط النفسية، مثل القلق الدائم والذئبة الحمراء (مرض مناعي يتأثر بالحالة النفسية) ومشاكل في القولون، مؤكدة أنها تبذل جهدا كبيرا للسيطرة على هذه الأعراض حتى لا تتطور أو تتضاعف.
لا تختلف ظروف مريم شواهنة، من طولكرم شمالي الضفة الغربية، زوجة الأسير في سجون الاحتلال حمزة الصافي، عن حال سوزان كثيرا، فمنذ اعتقال زوجها في الأيام الأولى من الحرب، تعيش مريم حالة دائمة من الخوف والقلق، حيث اقتحم جنود الاحتلال منزلها بطريقة عنيفة، و"انتزعوا منه الدفء والأمان والعامود الذي كان يستند عليه هذا البيت الصغير"، كما تقول.
إعلانوتروي مريم معاناتها وهي تذرف دموعها "عندما يقتحم غريب بيتك ويسلب منه أمانه واستقراره، هذا شعور لا يُسترد طالما الأسير خلف القضبان، ويبقى عالقا في قلب العائلة وأطفالها".
منذ اعتقال زوجها، تعيش مريم تحت وطأة تهديدات متكررة وضغوط نفسية متواصلة من قبل قوات الاحتلال، وتواجه الحياة بمفردها مع طفلين، أكبرهما لا تتجاوز الخامسة من عمرها.
وتقول للجزيرة نت "آخر تهديد كان قبل شهر تقريبا خلال اقتحام المنزل وإخضاعنا لتحقيق ميداني من ضابط المنطقة. أشعر أن التهديدات هدم لإرادة الإنسان، وكأنهم لم يكتفوا باعتقال الأسير وتفكيك العائلة، بل يريدون حرماننا من محاولة استعادة حياتنا الطبيعية".
هذه الملاحقة المستمرة تجعل مريم وعائلتها في حالة قلق وترقب دائم، مما يؤثر على إحساسها بالأمان وقدرتها على ممارسة حياتها اليومية، ويجعلها تحاول جاهدة إخفاء قلقها عن طفليها للحفاظ على توازنهما العاطفي.
قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واسعة في الضفة الغربية#حرب_غزة pic.twitter.com/hlI23waWD8
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 5, 2025
وضع مأزومتقول الطبيبة النفسية سماح جبر إن الوضع النفسي في الضفة الغربية المحتلة أصبح حالة مأزومة ومستمرة، فنسبة كبيرة يعانون من التوتر المزمن، ويواجه المواطنون ضغطا يوميا يشمل انتشار الحواجز العسكرية ومحدودية الحركة، ونزوحا في مخيمات شمال الضفة، والقلق من الاقتحامات، والخوف الدائم من الاعتقال أو القتل.
وتضيف سماح، التي شغلت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سابقا، أن هذا الواقع خلق حالة من الإرهاق النفسي الجماعي حتى لدى من حاولوا التكيف مع الصدمات السابقة، إذ تراجعت قدراتهم على التحمل وظهرت لديهم أعراض مثل التعب العاطفي وصعوبات النوم والتركيز.
وتشير إلى أن تقارير منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية تؤكد ارتفاعا كبيرا في الاحتياجات النفسية وخدمات الدعم بعد الحرب.
وتشير الطبيبة سماح إلى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الفلسطيني وهي الأطفال والنساء والمسنون، كونهم الأكثر تعرضا للعنف المباشر والضغوط المستمرة، مما يجعلهم أكثر عرضة لخطر الاكتئاب والقلق، وتؤدي إلى عزلة واضطرابات جسدية ونفسية متفاقمة.
وتشدد على أن المعاناة لم تقتصر على هذه الفئات، إذ سجلت العيادات النفسية تزايدا في أعراض القلق والاكتئاب واضطرابات النوم حتى بين طلاب الجامعات والعاملين الصحيين.
وبشأن الإحصاءات -توضح سماح جبر- أن المعطيات الرسمية المباشرة بخصوص الضفة الغربية فقط خلال سنتين بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023 محدودة، وبسبب غياب مسح وطني شامل فمن الصعب تحديد نسب دقيقة للمعاناة النفسية بالضفة، رغم أن تقارير منظمة الصحة العالمية وأبحاثا محلية تشير لارتفاع واضح في معدلات الاضطرابات النفسية في مختلف المناطق، حتى وإن لم تُنشر بعد أرقام وطنية موحدة.
وتختم بالتأكيد أنّ الوضع النفسي في الضفة مأزوم ومتزايد مع أسى وقلق واكتئاب واضحين، داعية إلى توسيع خدمات الصحة النفسية الجماعية، وتدريب المزيد من العاملين، وتفعيل برامج مخصّصة للأطفال والأمهات والشباب.
إعلان دعم نفسيمن جهته، يؤكد تقرير عن آخر مستجدات الحالة الإنسانية، أعدته منظمة "أطباء بلا حدود" في الضفة الغربية المحتلة ونشرته خلال سبتمبر/أيلول الماضي، أن "الانهيار الاقتصادي يتجلى بشكل متزايد في صورة ضائقة نفسية"، مشيرا إلى أن نحو واحد من كل 4 مرضى راجع عيادات الصحة النفسية (22%) في جنين وطولكرم، أفادوا بأن "فقدان الدخل كان السبب الرئيسي لمراجعتهم مكاتب الاستشارات النفسية الأولية".
وحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة، فإن فريقها للصحة النفسية والمرضى يتأثرون بالقيود المشددة على الحركة، مشيرة إلى تقديم 174 جلسة دعم نفسي عن بُعد خلال يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بمتوسط 37 جلسة شهرية خلال الأشهر السابقة من العام نفسه، أي بزيادة قدرها 370%.
ووفقا لنتائج استطلاع للمنظمة شمل 95 مريضا اختيروا عشوائيا من بين المستفيدين من خدمات الصحة النفسية بمحافظة الخليل في مايو/أيار الماضي، أفاد 31% بأنهم أوقفوا عند حواجز عسكرية، مما أثر بشكل مباشر على وقت الوصول إلى غرفة الاستشارات التابعة لها.
وبينما بلغ متوسط وقت الوصول لدى المرضى الذين تم توقيفهم 60 دقيقة، أفاد 15% من المشاركين بتعرضهم للعنف على يد الجنود أو المستوطنين في أثناء تنقلهم. وتشير معطيات المنظمة لعام 2024 إلى تقديمها 36 ألفا و700 استشارة صحة نفسية فردية.