رئيسة الوزراء الإيطالية: علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لتجنب خطر اتساع رقعة نيران التوتر في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن على بلادها أن تفعل كل ما بوسعها لتجنب خطر اتساع رقعة نيران التوترات في الشرق الأوسط، وفي أوروبا.
وقالت "ميلوني" - مخاطبة أفراد الكتيبة الإيطالية ضمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وفقا لوكالة الأنباء الإيطالية (آكي) اليوم الخميس - إن "لبنان يلعب دورا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت "علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لتجنب خطر اتساع رقعة هذه النيران، وأنتم تشكلون جزءًا مما يمكننا القيام به في هذا المجال، أنتم تمثلون الخندق، السواتر الرملية التي تساعد على منع النار من الانتشار".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أوروبا ميلوني الشرق الأوسط الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
ما شكل الشرق الأوسط بعد الحرب؟
في غياهبِ التاريخ وملفاته الساخنة، كانت وما زالت الحروبُ من يعيد تشكيلَ الدول ومفاصلها السياسية، وتمزّقُ الجغرافيات، وتعيدُ ترتيبَ السّرديات؛ فيكتبها المنتصر كما يشاء. اليوم، وفي قلبِ الشرقِ الذي ما هدأَ لهُ لظى، تدورُ رحى حربٍ لم تُعهد من قبل بين كيانٍ صهيوني طالما اعتبر نفسه «لا يُقهر» وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي خُنِقَت وحوصرت منذ عقود عدة؛ فقررت أن تُكشّر عن أنيابِها وتفتحَ جبهة الحساب مع عدو غادر؛ ليكون حسابًا تُدفع فيه فواتيرُ سنواتٍ من الدم والخذلان والحصار، وقبل امتشاق القلم وخوضه في تشابكات هذه القضايا، أوضح للقارئ أن هذا المقال لا يُعنى -بالضرورة- بالتحليل السياسي المحض كما تعهده موازين السياسة، ولكنه أقرب إلى جوهره الفكري؛ ليتلمّس بموضوعيةٍ ماهيّةَ الصراع في الشرق الأوسط ومآلاته المتشابكة.
لا يمكن أن نعتبر الحربَ الدائرةَ بين إيران والكيان الصهيوني بمثابة جولةٍ عابرةٍ من الصراع، وإنما هي زلزلةٌ إستراتيجية تشقُّ تربة الشرق الأوسط، وتكشفُ عن تحوّلٍ جذري في موازين القوة وسرديات التفوق؛ فليس ما نشهده اليوم اشتباكًا عسكريًّا فحسب، ولكنه انكشافٌ صارخٌ لوهمِ الردع الإسرائيلي، وانهيارٌ تدريجيٌّ لصورة الكيان التي قيل لنا طويلًا إنها «لا تُهزم».
حربٌ تُستعمل فيها التقنيات الفائقة، والصواريخ الدقيقة، والطائرات المُسيّرة، لكنّ خلف كل ذلك: إرادة تتكلم باسم المستضعفين وتصرخ بوجه قرنٍ من الظلم. رغم ما أمطرت به إيرانُ سماءَ الكيانِ الصهيوني من لهب الردع عن طريق ترسانتها الصاروخية، وما ألحقته به من وجعٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ قلّ نظيره، إلا أنّها -هي ذاتها- لم تكن بمعزلٍ عن شراك الاستنزاف وأفخاخ التقييد الإستراتيجية التي حيكت ضدها بإحكامٍ مريب منذ سنواتٍ طوال؛ فمشروعات الردع الصاروخي التي ظنّت أنها كافية لترسيخ حضورها؛ لتكون قوةً إقليميةً مهابةً، تبيّن لاحقا أنها لم تُحصِّنها بشكل كامل من الاختراقات الاستخباراتية والعسكرية التي شكلت صدمةً مع أول هجوم إسرائيلي مباغت، وكذلك التفكك المتدرج الذي مارسه الكيان الصهيوني ومعه الحليف الأمريكي بدهاءٍ لا تخطئه العيون؛ فكانت البداية في حرب مع العراق تحوّل إلى صراعٍ استنزافي أنهك الجميع، ولكن الفائز غير المعلن كان الطرف الصهيوني-الأمريكي الذي أحسن تقليب نار المنطقة لمآربه، ويكفي أن نفتح صفحات التاريخ؛ فنجد شهادة محمد حسنين هيكل في كتابه «مدافع آية الله»؛ حيث كشف الستار عن كثيرٍ من تلك التداخلات السوداء.
أما الأشد مضاضةً، فهو ذلك التآكل الذي طال أذرع إيران الحيوية، لا سيما حزب الله الذي كان -بالأمس- قبضةَ الرعب في وجه العدو، ولكنه اليوم فقد من قادته ما جعله جسدًا منهكًا، ومن قدراته ما جعله أقلَّ فاعلية في ميزان القوى، وبموازاة هذا الإنهاك، كان ملف المفاوضات النووية يُدار كما تُدار المرايا الخادعة؛ فسعت إيران بواسطته لبلوغ قبة الردع النووي، ولكنها ما لبثت أن أدركت أن تلك المفاوضات لم تكن سوى فقاعة سياسية، امتصّت الوقت والفرص، وسرّبت أوراق القوة إلى يد الخصوم الذين ضمنوا -بذكاء ماكر- ألا تُولد قنبلةٌ تغيّر قواعد اللعبة.
تؤكد لنا قوانين الحياة أن التاريخ لا يمضي محايدًا؛ فلا تبقى الأحداث محليةً بين حدود تل أبيب وطهران؛ فسرعان ما ترتفعُ ألسنةُ اللهب لتطال الجوار، ولعلّ اللهب سيطال العالمَ كلّه؛ فها هي الولايات المتحدة، راعيةُ إسرائيل وحارسةُ عرشِها، تقفُ على أطرافِ أصابعها، تتهيأ للتدخل المباشر؛ لتنتشلَ حليفتها من براثن الانهيار، وإذا ما دخلت واشنطن الحربَ؛ فإنّ بواباتِ الاحتمالات ستفتحُ على مصراعيها: فهل تبقى الصين صامتة؟ أم تُدرك أن سقوط إيران سيعني تمدّد الهيمنة الأميركية نحو حدودها؟ وهل ترضى باكستان النووية أن يأتيها الدور كما صرّح نتنياهو مرارًا؟ وأيّ شرقٍ أوسطٍ سيتشكّلُ بعد أن تُسحقَ طهران أو تنتصر؟
لسنا هنا أمام حالة نزاع وحسب، وإنما أمام مشروعٍ كاملٍ لإعادة قولبة الشرق الأوسط؛ لإخضاعه للمنطق الصهيوني الجديد، منطقِ التطبيع أو التهديد، منطقِ السلم الخانع أو الحرب الساحقة؛ فبعد أن فشلَ مشروع التطبيع في اختراق بعض العواصم الصُلبة، ها هو الترهيب يأتي بديلًا؛ فنتنياهو، بصلفٍ مدوٍّ، لا يخجل من ترديد فكرة «إعادة تشكيل الشرق الأوسط»، ليس باعتباره تصوّرًا سلميًّا تنمويًّا، ولكنه بصبغةِ حربٍ توراتية توسعيّة، يهدف بواسطتها إلى تشييد ما يُسمى ب»إسرائيل الكبرى»، لا عبر خريطة سياسية ونظريات مؤامرات فارغة، ولكن عبر سطوة السلاح ومشروعات التمزيق.
لهذا، تبدو الحرب الحالية مفتاحًا لبابٍ مظلمٍ أو بابٍ للخلاص؛ فإن سقطت إيران ونظامها؛ فإن المشروع الصهيوني سيتقدّم بثقةٍ إلى عمق العالم الإسلامي، وستكون العواصم الكبرى التالية، ولا سيما باكستان ومصر ضمن المخطط لا محالة، ولهذا جاءت تحذيرات وزير الدفاع الباكستاني ومواقف بعض المفكرين في مصر تؤكد أن التهديد ليس نظرية مؤامرة بل حقيقةٌ تستعدّ للهبوط على الأرض، وستغدو كل عاصمة لم تُطع الكيان -عبر اتفاقيات سلام أو صفقات خنوع- مرشحةً للانكسار، باسم الأمن، وباسم الشرعية الدولية، وبسيوفٍ تُشحذ من خارج الحدود.
لكن وسط هذا المشهد المشتعل؛ ثمة زاوية لا تُرى إلا بنور البصيرة: زاويةٌ دينيةٌ لا تغفلها سنن الله في كونه، تلك السنن التي لا تتغير مهما عتت قوةٌ وطغت، ومهما توحّشت آلةُ القتل وجبابرتها؛ فإن الظلم لا يُخلّد، والطغيان لا يُثمر إلا خسرانًا؛ فما يحدث اليوم من دمارٍ في تل أبيب، ومن انهيارٍ في الاقتصاد الإسرائيلي، ومن شللٍ في الجبهة الداخلية، ليس إلا ارتدادًا طبيعيًّا لقانون تلك السنن الكونية التي أرادها الله؛ فالأنينُ الذي خرج من أطفال غزة، والدم الذي جرى في شوارع جنين وخان يونس وجباليا ورفح لم يذهب سدى؛ فيُترجمُ صواريخَ دقيقةً، وطائراتٍ مسيّرة تنقضُّ على رموز الاستعلاء، ودمارًا في مدنٍ لطالما نُسجت حولها هالةُ اللاهزيمة.
لا أتصور أن الأشهر القادمة -إن لم تكن الأيام القادمة- ستكون عادية؛ إذ ستكون فاصلةً في تاريخ الشرق الأوسط؛ فنحن إما أمام ولادة كبرى لمشروع الصهيونية النهائي بشكلِ نكبةٍ جديدةٍ تطحنُ ما تبقّى من الهُوية العربية والإسلامية؛ فتحوّل المنطقة إلى محمياتٍ تابعةٍ للهيمنة الصهيونية، وإما أننا على مشارف تصدّع سردية «إسرائيل لا تُهزم»، وانهيارٍ مدوٍّ لكيانٍ جثم طويلاً على صدرِ الأمة، ولهذا فإن التجارب توحي بأن سقوط إسرائيل -إن حدث- لن يكون بمنزلة الانتصار العسكري وحسب، ولكنه سيكون زلزالًا في بنية المفاهيم ونمطية العقل الجمعي العربي والعالمي، وسنرى تفكك السرديات الطائفية التي غذّتها أموالُ المخابرات ومختبرات الفتنة، وسنشهد انبعاث روحٍ جديدةٍ تتجاوز الأيديولوجيا؛ لتستعيد المعنى الكبير: أن ما يجمعنا باعتبارنا أمة أكبر من خلافاتنا، وأن فلسطين ليست قضية جغرافيا، وإنما اختبارُ ضمير، وأن الانتصار ممكن، وأن الشعوب إذا ما أرادت التحرر، لا توقفها لا دباباتٌ ولا طائرات.
وسيُكتب -ولو بعد سنين- أن حرب إسرائيل وإيران -وقبلها طوفان الأقصى- كانت بوابةً لتغييرٍ تاريخي شامل، لا لأنها حسمت المعركة في الميدان وحسب، ولكن لأنها أعادت تشكيل الوعي؛ حيثُ علّمتنا أن الخوفَ أكذوبةٌ، وأن الاستسلام خيار، وأن التحرر يبدأ حين نكفّ عن تقديس عدوٍّ ينهار من الداخل؛ فنعيد طرح سؤالِ مقالنا: ما شكلُ الشرق الأوسط بعدَ هذه الحرب؟ وجوابنا: أنه سيُحدده من يصمدُ أكثر، لا من يملك السلاح الأثقل، وسيكتبه من يؤمنُ أن الأرض لمن يزرعها، لا لمن يقصفها، وسيكون إما زمن الانكسار الكلّي، أو فجرًا جديدًا يخرج من بين الأنقاض؛ فيُعيد للعرب كرامتهم، وللمسلمين وحدتهم، وللأرض قدسيتها.
فليكن ما يكون، لكن اعلموا أنّ للتاريخ ذاكرةً، وللعدل ساعة وإن تأخرت؛ فالله غالب على أمره.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني