أنقرة – تخيل أن تفتح عينيك على ضوء خافت يتسلل من نافذة خشبية صغيرة، وعلى وقع خرير جدول رقراق ينساب بمحاذاة كوخك، فيما يتراقص ضوء الصباح على أوراق الشجر المبللة بندى الفجر.

الهواء نقي، والجبال المكسوة بالغابات تحيط بك كحضن أمين يحتضن راحة المسافر بعد عناء المدينة. لا ضجيج هنا سوى همس الطبيعة، ولا رفاهية إلا ما تمنحه لك البساطة الخالصة، كوخ خشبي دافئ، فنجان قهوة على الشرفة، ومشهد لا يتكرر كل صباح.

هذه ليست لوحة خيالية، بل واقعا يعيشه كل من اختار الأكواخ السياحية المنتشرة في ربوع تركيا، من مرتفعات البحر الأسود المغطاة بالضباب إلى وديان أنطاليا المشمسة، وقرى موغلا الجبلية الساحرة.

لقد تحولت هذه الأكواخ من ملاذات بسيطة إلى تجربة متكاملة تمزج بين سكون الطبيعة وأناقة الإقامة، لتصبح عنوانا لعطلة فريدة، هادئة.

الكثير من الباحثين عن مكان استجمام في الأرياف التركية يختارون الأكواخ الخشبية (غيتي)انتشار الأكواخ

لم يكن أحد ليتوقع أن يتحول الكوخ الخشبي البسيط، الذي طالما ارتبط في الأذهان بعزلة الجبال ووحشة الشتاء، إلى أيقونة جديدة للسياحة الراقية في تركيا.

لكن الرياح التي تهب من أعالي البحر الأسود، وتحمل في طياتها عبق الصنوبر ورائحة المطر، كانت تحمل أيضا تغييرا في ذائقة المسافر الحديث.

فلم يعد الكوخ حكرا على العشاق الحالمين أو المغامرين الباحثين عن ملاذ بعيد، بل غدا موطنا مؤقتا لكل من أنهكه صخب المدن، وتاقت روحه إلى همس الطبيعة.

الأكواخ الخشبية تحولت في السنين الماضية إلى أحد رموز السياحة الريفية والفاخرة في تركيا (الأناضول)

في السنوات القليلة الماضية، شهدت تركيا طفرة غير مسبوقة في الإقبال على الأكواخ السياحية، حتى ارتفعت حجوزاتها بنسبة 400% في ربيع عام 2023 مقارنة بالعام السابق، وفقا لبيانات رسمية.

إعلان

مشهد لم يكن ليمر بهدوء على قطاع السياحة، فأصبحت الأكواخ تنتشر كالفطر في أحضان الطبيعة، من مرتفعات الشمال المكسوة بالضباب، إلى وديان المتوسط الدافئة، وسواحل بحر إيجة العطرة.

وهكذا، باتت ولايات مثل موغلا وأنطاليا وآيدن وإزمير، إلى جانب طرابزون وريزا، وجهات محببة لعشاق الأكواخ، بما تحمله من تنوع بيئي ومناخ لطيف ودفء ريفي يحن إليه المسافر، مهما تباينت خلفياته.

أنواع الأكواخ

تفتح تركيا ذراعيها لكل من يبحث عن متعة الهروب من صخب المدن وضجيج الأسمنت، وتقدّم له تجربة مفعمة بالسكينة والجمال، حيث تتنوع الأكواخ السياحية فيها بتنوع طبيعتها الخلابة.

فمن الشمال إلى الجنوب، ومن أعالي الجبال إلى ضفاف البحيرات، تمتد خيارات لا تعد ولا تحصى، تتيح لكل زائر أن يصنع تجربته الخاصة وفق ما تهفو إليه روحه.

أكواخ البحيرات

للبحيرات في تركيا سحر لا يقاوم، فهي لا تكتفي بجمالها الأخاذ، بل تعانق الأكواخ الخشبية المنتشرة على ضفافها وتحول الإقامة فيها إلى مشهد شعري بامتياز.

في شمال تركيا، تعتبر بحيرة أوزونغول في طرابزون من أشهر الأمثلة، حيث تصطف الأكواخ حول البحيرة التي يلفها الضباب في الصباح لتشكل مشهدا أشبه باللوحات الفنية.

الإقامة هنا تتيح للزائر الاستيقاظ على منظر البحيرة الفيروزية المحاطة بغابات الصنوبر، مع إمكانية القيام بجولة قصيرة سيرا على الأقدام حولها أو تجربة ركوب القوارب الصغيرة على صفحتها.

أما في غرب تركيا، فهناك بحيرات مثل سبانجا القريبة من إسطنبول، التي أصبحت بدورها من أكثر الوجهات طلبا لقضاء عطلة سريعة في كوخ على البحيرة.

وتتميز سبانجا بسهولة الوصول إليها (حوالي ساعتين بالسيارة من إسطنبول) مما جعلها ملاذا مفضلا لسكان المدن القريبة وكذلك للسياح الدوليين.

وفي منطقة بحر إيجة، توفر بحيرات سالدا أو إزنيك مشاهد هادئة مع أكواخ مجهزة تطل على المياه حيث يمكن قضاء أمسيات رومانسية بمشاهدة غروب الشمس على صفحة الماء الهادئة.

الغابات والمرتفعات

وإذا كنت من أولئك الذين يجدون عزاءهم بين الجبال وتحت ظلال الأشجار، فإن الأكواخ المنتشرة وسط الغابات وعلى سفوح المرتفعات التركية ستكون ملاذك.

مرتفعات البحر الأسود، خصوصا في شرق محافظة ريزا ومناطق أرتفين، تزخر بقرى جبلية تحتضن أكواخا خشبية كأنها خُلقت لتكون جزءا من الطبيعة.

آيدر، تلك القرية الواقعة على ارتفاع 1350 مترا، تبدو كمقطوعة موسيقية صامتة، حيث يتراقص الضباب بين أشجار الصنوبر، وتنساب الشلالات من الصخور كما تنساب الكلمات من قلب شاعر.

لا تكتفي الأكواخ بتوفير مكان للنوم بل تمنحك تجربة مميزة مثل الحمام الساخن في ظل جو جبلي بارد (الأناضول)

هناك، لا تكتفي الأكواخ بتوفير مكان للنوم، بل تمنحك تجربة استثنائية: حمام ساخن وسط برودة الجبل، وفطور قروي يقدم لك فيه العسل النقي والزبدة الطازجة.

الشرفات في أكواخ آيدر ليست مجرد امتداد معماري، بل منصات تأمل، تطل على الشلالات المتدفقة أو الأودية الممتدة بلا نهاية.

وفي وديان جامليهمشين القريبة، تنتشر أكواخ أخرى تحيط بها مزارع الشاي، وتتناثر بينها الأنهار الجبلية. هناك، يعرف أهل القرية زوارهم بالاسم، ويقدمون لهم الضيافة كما لو أنهم أبناء الدار.

إعلان

دفء العلاقة بين الإنسان والمكان هناك يخلّف في النفس أثرا أعمق من مجرد إقامة قصيرة.

أما إن اتجهت شرقا إلى أرتفين، بالقرب من الحدود الجورجية، فستجد قرى مثل شافشاط، حيث الأكواخ لا تزال ريفية بسيطة، لكنها تطل على مشاهد طبيعية تخطف الأنفاس: جبال شامخة وسفوح مكسوة بالغابات، وشلالات تنهمر بلا توقف.

ولا يفوتنا ذكر قرى موغلا الجبلية جنوب غرب البلاد، التي رغم شهرتها بسواحلها، تخبئ في جبالها أكواخا مدهشة بين غابات الصنوبر، حيث الهواء نقي حتى في ذروة الصيف.

أن تستيقظ هناك في كوخ مطل على واد ساحلي هو أن تبدأ يومك بين البحر والجبال، بين زرقة الأفق وخضرة الأرض.

أكواخ الرفاهية

لا تقتصر الأكواخ في تركيا على الطابع الريفي البسيط؛ فهناك أيضا فئة من الأكواخ والفلل الفاخرة توفر مستوى راقيا من الرفاهية جنبا إلى جنب مع تجربة العيش في الطبيعة.

في مناطق البحر المتوسط الساحلية، وخاصة في أنطاليا وموغلا، تنتشر أكواخ أشبه بفلل صغيرة تضم مسابح خاصة وتطل على مناظر بحرية خلابة.

على سبيل المثال، في بلدتي كاش وكالكان (غرب أنطاليا)، يمكن استئجار أكواخ أو فيلات خشبية راقية على التلال المشرفة على البحر، تتيح لك الاستمتاع بالسباحة في مسبحك الخاص تحت أشعة الشمس الذهبية نهارا، ومراقبة النجوم ليلا بعيدا عن أضواء المدينة.

تجمع الأكواخ بين الطابع التقليدي المصنوع من الخشب أو الحجر الطبيعي وبين خدمات الفخامة الحديثة (الأناضول)

تمتاز هذه الوحدات بجمعها بين الطابع التقليدي (كوخ مصنوع من الخشب أو الحجر الطبيعي)، والفخامة الحديثة وتوفر الجاكوزي وحمامات السباحة الساخنة وأنظمة التدفئة والتبريد الحديثة، وذلك لضمان راحة النزلاء في كل المواسم.

لذا فهي خيار مثالي للأزواج في شهر العسل الذين يبحثون عن خصوصية تامة مع مشهد رومانسي، أو حتى للعائلات التي ترغب في إقامة مميزة بشيء من الترف.

دوافع الإقبال

شهدت سياحة الأكواخ نموا كبيرا في تركيا مؤخرا نظرا للمزايا العديدة التي تقدمها هذه التجربة بالمقارنة مع الفنادق التقليدية، وفيما يلي أبرز الأسباب التي تدفع السياح لتفضيل الإقامة في الأكواخ الريفية على غيرها:

الخصوصية والعزلة الهادئة: توفر الأكواخ قدرا عاليا من الخصوصية، فهي غالبا منفصلة عن بعضها البعض بمسافة جيدة. هذا يعني أنك لن تسمع ضجيج الجيران في الغرفة المجاورة كما في الفنادق.

الأكواخ توفر قدرا عاليا من الخصوصية فهي غالبا منفصلة عن بعضها البعض بمسافة جيدة (الأناضول)

كما أن مواقعها تكون بعيدة عن الزحام، مما يجعلها خيارا مثاليا لمن يبحث عن الهدوء والاستجمام بعيدا عن صخب المدن.

التواصل مع الطبيعة: الاستيقاظ على أصوات الطبيعة من حولك له أثر نفسي إيجابي عميق. كثير من نزلاء الأكواخ يصفون تجربتهم بأنها عودة إلى أحضان الطبيعة تمنحهم راحة نفسية وتجددا للطاقة بعيدا عن الازدحام.

الرحلات الرومانسية والعائلية: يجد الأزواج في الأكواخ ملاذا حالما لشهر العسل أو للاحتفال بالمناسبات الخاصة، فالأجواء الطبيعية تمنح تجربة رومانسية يصعب مضاهاتها.

بالمثل، تعتبر الأكواخ خيارا رائعا للعائلات أيضا، حيث يمكن للأطفال اللعب في الهواء الطلق بأمان، ويمكن للأسرة قضاء وقت نوعي معا حول نار المخيم أو على ضفة نهر قريب.

مناسب لكل ميزانية: على خلاف الاعتقاد السائد بأن هذه التجربة مكلفة جدا، فإن سياحة الأكواخ متاحة لمختلف الميزانيات. فهناك أكواخ بسيطة بأسعار معقولة تتناسب مع محدودي الدخل والشباب، وفي المقابل أكواخ فاخرة للباحثين عن الرفاهية المستعدين لدفع أكثر. هذا التنوع جعل التجربة منتشرة بين شرائح متنوعة من السياح.

ملاذ للعمل عن بُعد: مع ازدياد ثقافة العمل عن بُعد عالميا، استفاد بعض العاملين من حرية الموقع واختاروا الإقامة لفترات في أكواخ وسط الطبيعة للعمل براحة وإلهام أكبر.

متوسط الأسعار

تتفاوت أسعار الأكواخ السياحية في تركيا تبعا لموقعها وحجمها ومستوى خدماتها. وبينما قد تبدو الأكواخ لأول وهلة خيارا ريفيا بسيطا، فإنها اليوم تمتد على طيف واسع من الأسعار والخدمات، يبدأ من الكوخ الصغير الذي يحتضنك مع كتاب وقهوة ساخنة، وصولا إلى فيلا فاخرة بمسبح خاص وإطلالة بانورامية على البحر أو الغابة.

إعلان

مهما ارتفعت الأسعار، فإنها تنخفض بشكل لافت في الشتاء أو في أيام الأسبوع العادية. لذا، فإن توقيت الحجز يعد عاملا حاسما في تحديد التكلفة، تماما كما ينصح بالتخطيط المسبق للاستفادة من العروض الخاصة والتخفيضات.

تصنيف الأكواخ

كوخ صغير: هذه الأكواخ مصممة للفرد أو الزوجين، وغالبا ما تضم غرفة نوم واحدة، من صالة صغيرة، حمام خاص، وشرفة تطل على مشهد هادئ. تتراوح أسعارها عادة بين 80 و150 دولارا لليلة الواحدة، وقد ترتفع قليلا في موسم الصيف.

كوخ متوسط: مناسب لعائلة صغيرة من 3 إلى 4 أشخاص، ويتكون غالبا من غرفتي نوم وصالة مشتركة، وأحيانا مطبخ مجهز لإعداد وجبات منزلية وسط الطبيعة.

الأكواخ تتضمن غرفا منوعة من واحدة حتى 3 غرف تشمل خدمات حسب حجم الكوخ (الأناضول)

تتراوح أسعار هذه الفئة بين 150 و250 دولارا لليلة، وغالبا ما تشمل مرافق مثل مدفأة داخلية، منطقة للشواء، وحديقة صغيرة للعب الأطفال أو تناول الإفطار تحت أشعة الشمس.

كوخ كبير أو متعدد الغرف: هذا النوع من الأكواخ يخاطب الأسر الكبيرة أو مجموعات الأصدقاء. يحتوي عادة على 3 غرف نوم أو أكثر، مع صالة معيشة واسعة وأحيانا تراس كبير يطل على منحدر جبلي أو جدول مائي. تتراوح تكلفته بين 250 و400 دولار لليلة، ويتميز بمرافق إضافية مثل مطبخ متكامل، شرفات مطلة، ومدافئ حجرية تعزز أجواء الدفء في الليالي الباردة.

فيلا أو شاليه فاخر: إذا كنت تبحث عن تجربة إقامة راقية جدا، فإن هذه الفئة ستلبي تطلعاتك وأكثر. عبارة عن فيلات أو أكواخ فخمة، مزودة بمسبح خاص، جاكوزي، حديقة مستقلة، وغالبا ما تكون مبنية من الحجر الطبيعي أو الخشب عالي الجودة. تتجاوز أسعار هذه الفئة 350 دولارا لليلة الواحدة، وفقا لمزايا الإقامة.

وتنتشر الأكواخ السياحية في مختلف أنحاء تركيا، بعضها قريب من المدن ويمكن الوصول إليه بسهولة، وبعضها الآخر في أماكن نائية تتطلب رحلة أطول نسبيا، لكنها غالبا رحلة ممتعة بحد ذاتها عبر طرق جبلية أو ساحلية ذات مناظر خلابة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی ترکیا تطل على

إقرأ أيضاً:

في حفل توزيع جوائز قمة الكوميسا.. منح المصرية فريدة عيد جائزة أفضل مصممة لعام 2025

خلال حفل توزيع جوائز القمة الرابعة والعشرين لقمة "الكوميسا" التي يشارك فيها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، منح معهد الجلود والمنتجات الجلدية الأفريقي (ALLPI) المُصممة المصرية فريدة عيد، جائزة   أفضل مُصممة لعام ٢٠٢٥ ضمن فعاليات معرض مواهب تصميم الجلود في أفريقيا "الجلود الطبيعية تظل متميزة".      

وتسلم الجائزة نيابة عن فريدة عيد، مُمثل عن وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية.

وقال معهد الجلود والمنتجات الجلدية الأفريقي إنه في العام الثالث تظل القارة الأفريقية جزءًا من الحملة العالمية " الجلود الطبيعة تظل متميزة".

وأوضح المعهد، في خطاب، أن فريدة عيد، بوصفها أفضل مصممة أفريقية لهذا العام فإنها ستمثل أفريقيا في المعرض الدولي "الجلود الطبيعية تظل متميزة" المقرر أن تستضيفه تايوان نهاية الشهر الجاري، حيث سيتم عرض أعمالها إلى جانب أعمال فائزين عالميين آخرين.

وأضاف المعهد: تقديرًا لهذا الإنجاز المتميز، تم تكريم فريدة عيد أيضًا في القمة الرابعة والعشرين لرؤساء دول وحكومات الكوميسا، وتؤكد هذه الجائزة المرموقة، على إنجازها الشخصي ومساهمة مصر المتميزة في الصناعات الجلدية في أفريقيا.

طباعة شارك الكوميسا مدبولي السيسي معهد الجلود أفريقيا

مقالات مشابهة

  • قتل زوج ابنته بعد فضيحة مدوية داخل المنزل
  • منح المصرية "فريدة عيد" جائزة أفضل مصممة لعام 2025 بمنافسات معرض "الجلود
  • معهد الجلود الأفريقي يمنح المصرية فريدة عيد جائزة أفضل مصممة لعام 2025
  • في حفل توزيع جوائز قمة الكوميسا.. منح المصرية فريدة عيد جائزة أفضل مصممة لعام 2025
  • وتر حساس يسبب صدمة كبيرة لـ فريدة.. تفاصيل
  • رصاصة طائشة تخطف طفل قلفاو من أحضان والديه بسوهاج
  • ملعب الشرطة يعود إلى أحضان القيثارة
  • البنك المركزي: 8 مليارات دولار الإيرادات السياحية في مصر أول 6 أشهر من 2025
  • رئيس مجلس النواب ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم: “فقدنا قامة علمية فريدة”