عربي21:
2025-05-24@21:32:22 GMT

تونس.. خطر الانهيار

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

استشهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، في ندوة صحفية في اكتوبر 1981، بمقولة العلامة التونسي ابن خلدون: "في بداية الامبراطورية تنخفض الاداءات وترتفع المداخيل، وفي نهايتها ترتفع الاداءات وتنخفض المداخيل". تعكس هذه العبارة بعمق دورة حياة الدول، من النشوء إلى الازدهار، ثم الانكماش، وأخيرًا السقوط. ما نشهده اليوم في تونس يبدو أنه تجسيد حي لهذا السياق التاريخي.



القمع والضرائب.. مؤشرات سقوط الدولة

وفقًا لابن خلدون، يبدأ سقوط الدولة بما يسميه "إرهاف الحد"، والذي يمكن ترجمته في العصر الحديث بالقمع وتقييد الحريات العامة. يشير ابن خلدون إلى أنه "إذا كان الملك قاهراً باطشاً بالعقوبات، منقباً على عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل". بتأمل حال تونس اليوم، نجد أن عودة الدولة إلى هذه السياسات القمعية، وتقييد الحريات، والانفراد بالحكم، أفقدها توازنها وسرع من سقوطها. تعكس هذه السياسات نظام حكم يفتقر إلى الشرعية الشعبية، مما يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وزيادة الاستياء العام.

تونس تقف اليوم على مفترق طرق. أمامها خياران: إما الاستمرار في السياسات الحالية التي تؤدي إلى مزيد من الانحدار والفقر، أو تبني إصلاحات جذرية تحرر الاقتصاد وتعيد الثقة والأمل للشعب والمستثمرين.ومن العلامات الأخرى لسقوط الدولة، كما يقول ابن خلدون، هو ”فرض المكوس“ حيث يستحدث “ صاحب الدولة أنواعًا من الجباية يضربها على البياعات ويفرض لها قدراً معلوماً على الأثمان في الأسواق وعلى أعيان السلع". في تونس اليوم، تتعدد الضرائب المباشرة وغير المباشرة: من الجمارك، وضريبة على القيمة المضافة، وضريبة على الاستهلاك، والخصم من المورد، وغيرها. تؤدي هذه الضرائب الكثيرة إلى زيادة غلاء المعيشة، وشح الموارد، وارتفاع البطالة، وفقر الشعب. هذه السياسات الضريبية القاسية تعمق الأزمة الاقتصادية وتؤدي إلى تدهور الوضع الاجتماعي والسياسي، حيث تصبح الدولة غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها الأساسية، مما يخلق بيئة من الاضطرابات وعدم الاستقرار.

كثرة الضرائب تخرب الاستثمار وتفقر الشعب

تفرض الدولة التونسية خصمًا من المورد على كل مشغل، حيث يخصم كل مستثمر 15% من أجور العمال لتسليمها إلى الدولة. هذا الأمر يزيد من الأعباء على العامل التونسي الذي يكافح لتلبية احتياجات معيشته الأساسية. ومع تزايد الضغط المالي، بات المستثمر في تونس مجرد "مكّاس" يجمع الجبايات للدولة، مما يدفع الكثير منهم للعزوف عن التوظيف لتقليص كلفة اليد العاملة وتجنب الضرائب المفرطة.

هذه السياسات الضريبية القاسية تؤدي إلى تراجع فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد في حدة الأزمة النفسية لعموم التونسيين الذين يعيشون اليوم حالة من الخوف والذل والنكد وفساد الآمال، وخاصة الشباب، حيث تؤكد عمليات سبر آراء أن 75% منهم يائسون من أن يكون لهم  مستقبل في بلادهم ويفكرون في الهجرة. وكل هذا يدفع المستثمرين إلى تجنب الاستثمار في بيئة تفتقر إلى الاستقرار والشفافية، مما يعمق من تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وهو ما ينتكس بالبلاد في حلقة مفرغة يصعب الخروج منها مستقبلا.

الاحتكار خطيئة الدولة

يركز الخطاب الرسمي خلال السنوات الأخيرة تركيزا كبيرا على معضلة الاحتكار وعلى مسؤولية المحتكرين على تخريب الاقتصاد الوطني، ولكن في الواقع الدولة التونسية هي المحتكر الأكبر لكل شيء: السماء والأرض وما تحت الأرض وما فوقها، والمياه والكهرباء، والخمر والتبغ، والوقود، والعملة الصعبة، والحبوب، والعلف، والسكر، والشاي. هذا الاحتكار الشامل يعرقل النمو الاقتصادي ويقف عائقًا أمام الابتكار والمنافسة، ويعزز بيئة من الاستغلال وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى تدهور الخدمات وزيادة معاناة الشعب التونسي في مختلف جوانب الحياة.. بالإضافة إلى ذلك، تعاني جميع مؤسسات الدولة من الخسائر والفساد المستشري، مما يعمق الأزمة الاقتصادية ويجعل من الصعب تحقيق أي تنمية حقيقية.

علينا أن نتذكر دائمًا كلمات ابن خلدون: ”اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها و تحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب…الدولة شريكة في الفساد

الدولة هي الراع الأول للفساد، وإن لم تكن ترعاه فهي شريكة فيه. حيث يترعرع الفساد داخل مؤسسات الدولة. كما أن قوانين المالية هي أساس الفساد في البلاد، بما تكرّسه من ابتزاز للفاعلين الاقتصاديين كبارهم وصغارهم. وهو ما يدفع بالكثيرين إلى الأسواق الموازية لتجنب الضرائب العالية أو القيود الحكومية الصارمة. تلك الأسواق تُعتبر تحديًا مضادًا للدولة وضربا لسياستها، كما تتسبب في زيادة التهرب الضريبي وتؤثر على اقتصاد الدولة بشكل سلبي من خلال تقليل المداخيل المتاحة للحكومة.         

تدهور الاقتصاد مسؤولية الدولة

تدهور الاقتصاد التونسي في السنوات الخمس الأخيرة ككرة الثلج. حيث تراجعت كل المؤشرات الاقتصادية، من ذلك تفاقم نسبة البطالة بسبب الضعف الهيكلي للاستثمار. المدير العام للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، يعيد هذا التراجع إلى انخفاض عامل الثقة وغياب عوامل رئيسية مثل الاستقرار الحكومي والرؤية الاستراتيجية الواضحة. في حين يؤكد عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منير حسين، أن سياسة التقشف التي انتهجتها الدولة تسببت في تعطيل محركات النمو. وهو ما يجعل من الدولة ومؤسساتها وسياساتها السبب الرئيسي للتدهور المستمر للاقتصاد الوطني.

عرفنا المشكل فما هو الحل؟

التغيير السياسي والتحرير المالي هما المخرج الوحيد لتونس حكومة وشعبًا. لا مجال للنمو والازدهار إلا بتحرير الشعب من مخالب الدولة. يجب تحرير الاقتصاد وتخفيض الضرائب، وإعادة الأمل في النجاح والنمو. بترك الثروة بيد الشعب. بهذا الخيار وحده ستنمو المداخيل، ويعود الاستثمار والتشغيل. ولا شك عندنا أن فتح المجال أمام البنوك الاستثمارية الخاصة والمحلية، وتحرير التعامل بالعملة الصعبة، سيزيد من موارد الدولة ويرفع من قيمة الدينار.

تونس تقف اليوم على مفترق طرق. أمامها خياران: إما الاستمرار في السياسات الحالية التي تؤدي إلى مزيد من الانحدار والفقر، أو تبني إصلاحات جذرية تحرر الاقتصاد وتعيد الثقة والأمل للشعب والمستثمرين. المستقبل يعتمد على القرارات التي ستتخذها الدولة اليوم. علينا أن نتذكر دائمًا كلمات ابن خلدون: ”اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها و تحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب… والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال و سعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين و جائين فإذا قعد الناس عن المعاش و انقبضت أيديهم في المكاسب كسدت أسواق العمران و انتفضت الأحوال اختل باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة ".

يا أيها التونسيون، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، فإن تونس ستستمر في طريقها نحو السقوط المحتوم.

*رجل أعمال تونسي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي الاقتصادية اقتصاد تونس رأي أوضاع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه السیاسات ابن خلدون تؤدی إلى

إقرأ أيضاً:

«الاقتصاد» تطلق مركز المعرفة والابتكار لترسيخ التعاون مع القطاع الأكاديمي

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة مشاركون في «اصنع في الإمارات» لـ«الاتحاد»: «مشروع 300 مليار» اسـتراتيجية النمو المستدام للصناعة الإماراتية نهيان بن مبارك: بناء منظومة صناعية تواكب التطورات العالمية

أطلقت وزارة الاقتصاد، مركز المعرفة والابتكار «Knowledge and Innovation Hub»، بالتعاون مع مجموعة من مؤسسات القطاع الأكاديمي في الدولة، بهدف تنمية الشراكة بين الجانبين في مجالات الدراسات والأبحاث الاقتصادية والبحث العلمي.
جاء ذلك، خلال فعالية نظمتها الوزارة أمس في دبي، بحضور معالي عبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، وعدد من مسؤولي الوزارة وقيادات المؤسسات الأكاديمية المشاركة. 
وأعلنت الوزارة في هذا الصدد، عن توقيع شراكات ومذكرات تفاهم مع 18 مؤسسة أكاديمية، تشمل جامعات ومعاهد بحثية ومراكز ابتكار من مختلف إمارات الدولة، لتعزيز تبادل المعرفة بين الوزارة والجامعات والجهات المعنية، حول السياسات والتشريعات والشؤون الاقتصادية، وكذلك القطاعات والتخصصات المتعلقة بها، والاستفادة من أفضل الخبرات والممارسات في هذا الصدد، بما يوفر شبكة وطنية متكاملة تدعم عملية تطوير السياسات الاقتصادية، وتعزز تنافسية الاقتصاد الوطني وبيئة الأعمال في الدولة. 
وقال معالي عبدالله بن طوق المري، إن دولة الإمارات أولت اهتماماً كبيراً بتنمية وتطوير التشريعات الاقتصادية اعتماداً على أفضل الممارسات العالمية، وذلك إيماناً منها بدورها في تعزيز نمو الاقتصاد الوطني ودعم تنافسيته إقليمياً وعالمياً، ونحن اليوم من خلال مبادرة «مركز المعرفة والابتكار» أمام خطوة مهمة لتوسيع شبكة العمل مع القطاع الأكاديمي في الدولة من جامعات ومؤسسات أكاديمية، وخلق منصة جديدة تقود البحث والابتكار وتلتقي فيها المعرفة بالسياسات الاقتصادية، وتعزز التعاون في الأبحاث العلمية والسياسات الاقتصادية، بما يدعم رؤية الدولة في بناء اقتصادي وطني قائم على المعرفة والابتكار، وبما يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031». 
وأضاف معاليه أن الجامعات والمراكز البحثية داخل الدولة، ليست مؤسسات تقدم مراكز للتدريب والتعليم المهني والتقني فحسب، بل تمتلك أيضاً فهماً عميقاً للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها، وهو ما يؤكد أهمية هذه المبادرة في الاستفادة من دور هذه الصروح الأكاديمية الوطنية لابتكار سياسات رائدة عالمياً تدعم مسيرة التنمية الاقتصادية المستدامة في الدولة. 
وأوضح معاليه أن التعليم لا يُقاس بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي، لكن تأثيره عميق الجذور، فهو يسهم في تعزيز إنتاجية العمل، وتحسين الكفاءة التكنولوجية، وجذب الاستثمار، ويشجع على الابتكار وريادة الأعمال، كما يسهم في بناء وتطوير أجيال من العناصر الواعدة بأفضل القدرات التنافسية. 
وشملت المؤسسات الأكاديمية الشريكة للوزارة في إطار مركز المعرفة والابتكار الجديد، جامعة خليفة، والجامعة الأميركية في الشارقة، وجامعة نيويورك أبوظبي، وجامعة السوربون أبوظبي، وجامعة الشارقة، والجامعة الأميركية في الإمارات، والجامعة الأميركية في دبي، وجامعة دبي، وجامعة حمدان بن محمد الذكية، وجامعة أبوظبي، والجامعة الأميركية في رأس الخيمة، وجامعة الفجيرة، وجامعة أم القيوين، وكلية أبوظبي للإدارة، وجامعة العين، وكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومركز تريندز للبحوث والاستشارات، ومركز فكر.

بناء القدرات
تركز مذكرات التفاهم، على تعزيز بناء القدرات في المجالات والقطاعات الاقتصادية، وإجراء أبحاث ودراسات معنية بالأولويات الاقتصادية للدولة، وتنظيم ورش عمل وجلسات طاولة مستديرة لتبادل المعرفة والآراء، فيما يخص الدراسات والسياسات الاقتصادية، ودعم إمكانية تحويل الأبحاث العملية إلى ممارسات عملية، وتبادل المعرفة مع الجامعات الأجنبية، وتطوير برامج أكاديمية وتنفيذية، ودعم التوعية المجتمعية بثقافة ريادة الأعمال والابتكار والإبداع، وتوفير برامج تدريبية وتوعوية للطلاب. 
حضر التوقيع كل من : صفية هاشم الصافي، الوكيل المساعد لقطاع الرقابة والحوكمة التجارية بوزارة الاقتصاد، والدكتورة مارية حنيف القاسم، الوكيل المساعد لقطاع السياسات والدراسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد، وعدد من الرؤساء والعمداء والمديرين التنفيذيين وممثلي أعضاء هيئة التدريس في 22 جامعة ومؤسسة أكاديمية بالدولة.

مقالات مشابهة

  • اجتماع في صنعاء يناقش جوانب التنسيق بين وزارة الإدارة المحلية ومصلحة الضرائب
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • الاستثناء السوري عربيا
  • خبير مالي: الاقتصاد الليبي أمام خطر الانهيار بسبب الارتهان للنفط
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • علاقة الدولة بالاقتصاد وإشكالية التحول من النمطية الى التنظيم
  • «الاقتصاد» تطلق مركز المعرفة والابتكار لترسيخ التعاون مع القطاع الأكاديمي
  • «الضرائب»: لا نية لرفع الشرائح الضريبية والدولة تدعم المستثمرين بالإعفاءات
  • الضرائب: لا نية لرفع الشرائح الضريبية والدولة تدعم المستثمرين بالإعفاءات
  • رئيس مصلحة الضرائب: إصلاحات شاملة لتعزيز الاستثمار ودمج الاقتصاد غير الرسمى