السياسات الاقتصادية واستشراف المستقبل
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
تعد السياسات الاقتصادية والاقتصاد عموما من المجالات المعقّدة مفهوما وتوضيحا، لأنها تحوي عدة مفاهيم ومصطلحات مرتبطة بها ربما لا تكون واضحة لبعض أفراد المجتمع مثل مفهوم الاقتصاد الناجح الذي يبنى على سياسات اقتصادية فاعلة ويبنى على منظومة متكاملة من القيم والسلوكيات الأخلاقية والإنسانية.
ورغم أهمية تفعيل أدوات السياسات الاقتصادية والتوازن بينها في التخطيط لاتخاذ القرار الاقتصادي والمالي في تحقيق اقتصاد متين ورصين، إلا أنّ اقتصار الجمهور على تأطير مفهوم الاقتصاد في جانب مالي بحت، ساعد على ترسيخ فكرة أن الاقتصاد هو جمع الأموال وادخارها واختزاله في نطاق ضيّق «الترشيد في الإنفاق» وتجاهل العوامل الأخرى المرتبطة بالنمو الاقتصادي ودور السياسات الاقتصادية في التحفيز الاقتصادي والاستدامة المالية، وهنا يأتي دور الباحثين والمحللين الاقتصاديين في محاولة تغيير قناعة البعض بأن الاقتصاد ليس علما يهتم بالمال والمعاملات المالية فقط، وأن أحد الأدوات الفاعلة لاستشراف المستقبل هو وضع السياسات الاقتصادية المناسبة والداعمة لتنمية الاقتصاد من خلال فهم التوجهات والمتغيرات المستقبلية ودراستها المتوقعة على الاقتصاد باستخدام النماذج الاقتصادية في التحليل الاقتصادي، ولذلك فإنّ اتخاذ السياسات الاقتصادية المناسبة التي تتميز بالتوازن بين الوضع الاقتصادي والاعتبارات الاجتماعية لأي اقتصاد يعد اللبنة الأساسية لاستشراف المستقبل.
إنّ غرس مفهوم استشراف المستقبل الاقتصادي لدى أفراد المجتمع، ينبغي أن يبدأ بنشر ثقافة التفكير المستقبلي والمتغيرات المتوقع أن تطرأ على المشهد الاقتصادي؛ خصوصا المخاطر المتوقع حدوثها والاستعداد للتعامل معها، وهو ما سعت إليه سلطنة عُمان من خلال تأسيس المكتب الوطني لاستشراف المستقبل بوزارة الاقتصاد من خلال إعداد الدراسات والتحليلات الاقتصادية التي تساعد على رسم السياسات الاقتصادية المرنة ذات البعد الاستراتيجي في التنفيذ؛ لتتماشى مع الخطط والبرامج الوطنية، وفي رأيي أن قياس نجاح المكتب الوطني لاستشراف المستقبل يعتمد على مدى القدرة على الاستشراف الاستراتيجي من خلال دراسة المتغيرات المؤثرة على القطاعات الاقتصادية؛ بهدف إيجاد برامج وطنية بديلة تسهم في تحقيق مستهدفات القطاعات الأكثر عرضة للمتغيرات مثل قطاع التشغيل والتوظيف الذي يشهد تغيرا في نوعية الوظائف الأكثر طلبا في سوق العمل.
أعتقد أن الحلول والمعالجات للتعامل مع الأزمات والمشكلات الاقتصادية ينبغي أن تتجرد من الاستعانة بالنظريات الاقتصادية والأخذ بنتائجها وتحليلاتها كليا؛ كونها لا تتماشى مع المتغيرات الاقتصادية الحالية والمستقبلية، لكن الاستعانة بها لابتكار نماذج اقتصادية جديدة وللتنبؤ بالأحداث المستقبلية ربما هو القرار الصائب؛ لأن القرار الاقتصادي حسب ما أراه وأتوقعه لابد أن يأخذ في الحسبان جميع التطورات التي طرأت على منظومة الاقتصاد، ولم يعد الاقتصاد كما كان في عهد آدم سميث، نحن بحاجة إلى استحداث نظرية اقتصادية من خلال رصد وتحليل الوضع الاقتصادي وقراءة المشهد العام المؤثر في منظومة الاقتصاد وطرح عدة أسئلة حول تشكل بعض الحالات الاقتصادية خلال السنوات الماضية وجمع عدد أكبر من المعلومات والبيانات؛ بهدف اختبار الفرضيات وتجربتها بعد تحليل البيانات بدقة وباستنتاجات علمية رصينة، فتوظيف التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية من خلال الاستفادة من نتائج واستنتاجات الدراسات التحليلية، يسهم في تشخيص المشهد العام بدقة وكفاءة عالية، ما يساعد على وضع الخطط الاقتصادية الكفؤة، ويحسّن من وضع الخطط والحلول الاستباقية للمتغيرات المتوقع حدوثها، إضافة إلى دور التنبؤ في منح صانعي القرار المنظور الأوسع لاستكشاف الفرص والمخاطر المحتملة لاتخاذ قرارات استراتيجية تسهم في حماية منظومة الاقتصاد من أي صدمات مستقبلية، وهنا لا أقصد بالاكتفاء بالتوقعات التنظيرية عند التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية، لأن التوقعات عموما أراها غير كافية لاستشراف المستقبل لا تستند على نتائج دراسات واستنتاجات تجارب علمية، لكنها تحمل مخاوف وآراء مبنية على تحليلات لم يتم اختبارها أو قياسها.
إن استشراف المستقبل واتخاذ القرار الاقتصادي ينبغي أن يضع في الحسبان مواصلة النمو الاقتصادي بغض النظر عن حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وأن يتم مواءمة الإنفاق مع متطلبات تحفيز النمو الاقتصادي، وأعتقد أنه ليس بالضرورة التوسع في الإنفاق خلال فترات الازدهار الاقتصادي، وليس بالضرورة أن يتم تقليل الإنفاق خلال فترات تباطؤ النمو الاقتصادي، وأعتقد من الأهمية الوضع في الحسبان الاشتغال على خطط استراتيجية مبتكرة لاستشراف المستقبل بالاستفادة من مختلف المدارس الاقتصادية في صنع السياسات العامة وفي التحليل الاقتصادي، ليس بالضرورة أن تتواءم مع الدورة الاقتصادية التي يتم من خلالها اتخاذ القرار الاقتصادي بتفعيل أدوات السياسات الاقتصادية التوسعية أو الانكماشية، بل بمتطلبات الإنفاق ودوره في التحفيز الاقتصادي، وهنا نستطيع أن نتجنب الكثير من الإشكالات والتحديات الاقتصادية خلال فترة الأزمات وإدارتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسات الاقتصادیة لاستشراف المستقبل القرار الاقتصادی من خلال
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء يتابع مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.. نواب: خطوة لتعزيز الاقتصاد.. وتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز مشاركة القطاع الخاص أهم المكاسب
برلمانية: برنامج الإصلاح الاقتصادي ركيزة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في مصرنائب: متابعة الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي عززت قوة الاقتصاد ودعمت الفئات الأقل دخلاًنائب: الإصلاح الاقتصادي جعل مصر وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي
عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، اجتماعا؛ لمتابعة مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع صندوق النقد الدوليّ. وحضر الاجتماع حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدوليّ، و أحمد كجوك، وزير المالية، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، و ياسر صبحي، نائب وزير المالية للسياسات المالية، ورامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزيّ، ومسئولو الوزارات المعنية والبنك المركزي.
وأكد رئيس مجلس الوزراء ـ في بداية الاجتماع ـ التزام مصر الكامل ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني، الذي يتم تنفيذه وفق رؤية مصرية تهدف إلى تحقيق مصلحة الاقتصاد الوطني، وتحقيق مستهدفات الدولة في هذا الشأن، لافتا إلى مواصلة الحكومة المصرية العمل على تنفيذ ما تم التوافق عليه من إصلاحات مع الصندوق وفق رؤيتها التي تتبناها للبرنامج، الذي يتم مراجعته بشكل مستمر وفق الظروف والمعطيات المحلية والإقليمية، والذي يراعي مختلف التحديات التي تمر بها المنطقة.
في هذا الصدد ، أشاد النائب عبد الفتاح يحيي، عضو مجلس النواب، بمتابعة الحكومة مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، باعتباره عاملا رئيسيا ساهم في تقوية الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات.
وأشار" يحيي" في تصريح لموقع " صدى البلد" إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي ساهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وذلك من خلال توفير بيئة تنافسية جاذبة، إلى جانب مساهمته في تحسين المؤشرات الاجتماعية، وذلك عن طريق توجيه جزء كبير من الموارد لدعم شبكات الأمان الاجتماعي، للتخفيف من آثار الإصلاح على الفئات الأقل دخلاً.
من جانبه، أكد النائب عامر الشوربجي، عضو مجلس النواب، أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه الدولة يهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي، علاوة على دوره الكبير في حماية البلاد من تداعيات التصعيدات الإقليمية السياسية والاقتصادية .
وأشار" الشوربجي" في تصريح لموقع " صدى البلد" إلى أن برنامج الاصلاح الاقتصادي ساهم في تحقيق استقرار نسبي في السوق المصرية، مما ساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، مع تحسن الأوضاع الاقتصادية، لتصبح مصر وجهة جذابة للراغبين في الاستثمار.
في سياق متصل، ثمنت النائبة ميرفت الكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، متابعة الحكومة مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص الدولة على مواصلة جهودها لتحقيق الاستقرار المالي ودفع معدلات النمو.
وأشارت" الكسان" في تصريح لموقع " صدى البلد" إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي، يعد أحد الركائز الأساسية لدعم استقرار الدولة وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات، مشيرة إلى أنه يستهدف إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتحسين كفاءته من خلال ضبط السياسات المالية والنقدية، وتشجيع الاستثمار، وزيادة الإنتاج المحلي.