لجريدة عمان:
2025-10-09@15:23:05 GMT

«هو مني وأنا منه»

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

شخصيتان مغمورتان أحبهما النبي عليه وافر الصلوات وأزكى التسليم حُبًا شديدًا هُما :«جُليبيب» الفقير المسكين دميم الخِلقة الذي رفض الناس تزويجه بسبب دمامته وعوَزه وهامشيته، فخطب له النبي صلى الله عليه وسلم أجمل بنات الأنصار وقال عنه : «هو مني وأنا منه».. الذي عندما استشهد في إحدى المعارك بكاه عليه الصلاة والسلام وقال إن الحُور العِين تشاجرن عليه.

الشخصية الثانية، شخصية البدوي الدميم أيضًا «زاهر بن حُزام»، الذي كان يأتي من البادية فيقصد بيت النبي فيُهدي النبي مما جلب فيهديه عليه الصلاة والسلام.. ذات يوم سأل زاهر عن النبي بأحد بيوتاته فلم يجده، فذهب رسول الله يبحث عنه بنفسه فوجده في السوق، فاحتضنه فرِحًا وقال وهو يلفه بذراعيه : «زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه».

عندما نقرأ في السيرة النبوية الشريفة ونأتي على مواقف بالغة الإنسانية كهذه نعرف لماذا يخاطب الله عز وجلّ نبيه محمد عليه الصلاة والسلام مادحًا: «وإنك لعلى خُلقِ عظيم» ولماذا لم يُثنِ بصورة مباشرة على كثرة صلواته وصيامه وطاعاته رغم كثرتها ورغم أن رِجليه تفطرتا بسبب قيامه الليل حد إشفاق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عليه.

إن الثناء على رِفعة خُلق النبي وجميل معشره وهو سيد الخَلق وأكرمهم وأشرفهم مع من حوله يُحيلنا إلى وضع مقارنة مع ما كان يصنعه عليه الصلاة والسلام وأصحابه وحال الكثير من أُناس اليوم ممن يعتقدون أن الاستقامة تعني الالتزام بالشعائر وحدها والتي ـ لا خِلاف على أهميتهاـ وإهمال سمات مُكمِلة للدين كالرحمة والشفقة والتواضع وجميل التعاطي مع العباد.

سأذكر مثالين على ذلك، يتمثل الأول في مُصلِ مشهود له بالصلاة يُسابق إلى صف الجماعة الأول ليحظى بمنزلة المُبكِرين، لكنه يعق والديه ويقسو عليهما .. أما الثاني، فملتزم يسارع كذلك إلى الصف الأول ويذهب لأداء العمرة مرات عديدة في العام، يتصدق، غير أنه دنيوي الهوى متعالٍ بحسبه ونسبه يستصغر الخلق يعتقد بالأفضلية والوراثة في الاستقامة والعلم وإتيان الخير.

إن العبرة من التطرق إلى مواقف إنسانية صِرفة صدرت عن النبي عليه الصلاة والسلام هي التأكيد على أن رسالة الإنسان الذي وُجد في الأرض ليعبد الله ويوحده لا يجب أن تقف عند الإتيان بالشعائر وحدها بل أن تقترن بالسلوك الرفيع والإحسان إلى الغير والتواضع، فأول معصية اُرتكبت في حق الله كانت معصية «الكِبر».

عليه أن يعرف أن الدين «المعاملة» ولم يكن في يوم من الأيام أداء شعائره كالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، وأن الله سبحانه وتعالى لا ينتفع من عباداتنا وطاعاتنا إن أكثرنا أو أقللنا ولا يضره تقصيرنا وكفرنا، لكنه يحب أن نكون رحماء بالناس .. يأنس مُجالِسُنا .. نُقرِب الفقير ونعينه على أحوال دنياه .. نتواضع كوننا ضعفاء قليلي الحيلة لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرًا وإن علا شأننا أو كثُر مالنا.

الدين المعاملة لأنه دين إنساني يأمر بلين الجانب وينهى أتباعه عن الجِبر والصلف والإساءة للخلق وتحقيرهم عند الاقتدار.. يحذر من الانخداع بكثرة العبادات، لأن قبولها من عدمه هو من أمور الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

النقطة الأخيرة ..

يقول أبو الدرداء رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلق، وإن الله يبغضُ الفاحش البذيء». (رواه الترمذي)

عُمر العبري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: علیه الصلاة والسلام

إقرأ أيضاً:

حكم قول حرمًا بعد الصلاة.. الإفتاء توضح

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها مضمونة:"ما حكم مصافحة الناس بعضهم بعضًا، وقول كلمة (حرمًا) بعد الصلاة؟".

لترد دار الإفتاء موضحة: أن مصافحة الناس بعضهم بعضًا وقول كلمة (حرمًا) بعد الصلاة -جائزة شرعًا؛ لما فيها من معاني الألفة والمودة بين المسلمين.

حثّ الشرع الشريف على السلام والمصافحة

حثَّ الشرع الشريف على السلام والمصافحة، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"، وابن شاهين في "الترغيب".

وعن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

حكم المصافحة بعد الصلاة

المصافحة مطلوبة عند كل التقاء، ومن ذلك التقاء المصلين بعد الصلاة، فهي سنة بصفة عامة، وسبب لمغفرة الذنوب.

وقد تواردت عبارات العلماء الدالة على استحباب المصافحة بصفة عامة، وأنها مطلوبةٌ ومباحة بعد الصلاة، واستحبها بعضهم.

قال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 530، ط. دار الكتب العلمية): [وكذا تُطلب المصافحة؛ فهي سنة عقب الصلاة كلها، وعند كل لُقِيٍّ] اهـ.

دعاء بالرحمة والمغفرة في وداع الدكتور أحمد عمر هاشمدعاء الصباح والرزق.. كلمات تفتح لك أبواب البركة مع أول النهار

وقال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "حاشيته على درر الحكام شرح غرر الأحكام" (1/ 142، ط. دار إحياء الكتب العربية): [والتهنئة بتقبل الله منا ومنكم لا تنكر كما في "البحر"، وكذا المصافحة، بل هي سنة عقب الصلوات كلها، وعند كل لقي، ولنا فيها رسالة سميتها: "سعادة أهل الإسلام بالمصافحة عقب الصلاة والسلام"] اهـ.

وقال العلامة ابن الحاج المالكي في "المدخل" (2/ 288، ط. دار التراث): [قال الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمه الله: إنه أدرك بمدينة فاس والعلماء العاملون بعلمهم بها متوافرون أنهم كانوا إذا فرغوا من صلاة العيد صافح بعضهم بعضًا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 488، ط. دار الفكر): [والمختار أنْ يقال: إن صافحَ مَنْ كان معه قبل الصلاة: فمباحةٌ كما ذكرنا، وإن صافح من لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء: فسنة بالإجماع؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك] اهـ، ونقله الحافظ أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري في "النفح الشذي شرح جامع الترمذي" (4/ 564، ط. دار الصميعي) وارتضاه.

وقال الإمام النووي أيضًا في "الأذكار" (ص: 266، ط. دار الفكر): [واعلم أنَّ هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخْرِجُ ذلك البعضَ عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها] اهـ.

وقال العلامة ابن علان الصديقي الشافعي في "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" (5/ 397، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية): [قوله: (واعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء) أي سواء كان بعد سفر أو لا. قوله: (وأما ما اعتاده الناس... إلخ) في "صحيح البخاري" من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه، وفيه قال أبو جحيفة: وخرج صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده، فيمسحون بها وجوههم، فأخذت بيده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك. أورد هذين الحديثين المحب الطبري في غايته وأورد أحاديث كثيرة كذلك، وقال: يستأنس بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات لا سيما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبرك أو تودد أو نحوه اهـ، وأفتى حمزة الناشري وغيره باستحبابها عقب الصلوات مطلقًا، أي وإن صافحه قبلها؛ لأن الصلاة غيبة حكمية فتلحق بالغيبة الحسية اهـ] اهـ.

حكم قول المصلي حرمًا عند المصافحة بعد الصلاة
أما قول: حرمًا عند هذه المصافحة فقد جرت العادة أن المصلي إذا قال لجاره: "حرمًا" أن يَرُدَّ عليه بقوله: "جمعًا"، والمعنى: أن هذا من باب دعاء المسلم لنفسه ولأخيه أن يجمعهما الله تعالى في الحرم الشريف، ودعاء المسلم لأخيه مما رغَّب الشَّرع الشَّريف فيه، وبيَّن أنَّه مستجابٌ؛ فعن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه يقول: حدثَّني الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "إن دعاء الأخ لأخيه في الله عز وجل يستجاب" أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والبخاري في "الأدب المفرد"، وابن المبارك في "الجهاد"، والدولابي في "الكُنَى والأسماء".

ودعاء الإنسان لغيره أن يجمعه الله تعالى معه في الحرم -يُعدّ دعاءً للنفس، وهو أرجى للإجابة.

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1526، ط. دار الفكر): [قيل: كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة ليدعو له الملَك بمثلها، فيكون أعون للاستجابة] اهـ.

فإذا دعا الإنسان لأخيه بصفة عامة فإنَّ استحبابَه أمرٌ متأكد في الأوقات الفاضلة، فهو أرجى للقبول والإجابة، ومن هذه الأوقات: الدعاء عقب الصلوات المكتوبات، فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» أخرجه الترمذي وحسَّنه، والنسائي في "السنن الكبرى".

وبالإضافة إلى ما ذُكر، فكأن الإنسان يرجو لأخيه الخير والقبول وزيارة بيت الله الحرام، وهذا من مُستحسَن الدعاء؛ لأن الصلاة في الحرم مظنة القبول وفيها مضاعفة الثواب مائة ألف مرة، وفي ذلك أيضًا إظهار الشوق إلى حرم الله ومقدساته، وفي الدعاء بـ"جمعًا" امتثالٌ لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه.

الخلاصة
بناءً على ذلك: فمصافحة الناس بعضهم بعضًا وقول كلمة (حرمًا) بعد الصلاة -جائزة شرعًا لما فيها من معاني الألفة والمودة بين المسلمين.

طباعة شارك حكم قول حرمًا بعد الصلاة الصلاة حكم المصافحة بعد الصلاة

مقالات مشابهة

  • كيف عظم الله تعالى قدر النبي ﷺ في القرآن الكريم
  • “حماس”: الاتفاق الذي وافق عليه الطرفان هو وقف نهائي للحرب على غزة وعلى العالم أن يراقب سلوك “إسرائيل”
  • مكانة الحياء في الإسلام كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم
  • الإفتاء توضح حكم من سلم ناسيًا بعد التشهد الأول أثناء الصلاة
  • تعرف على مظاهر وعلامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
  • حكم قول حرمًا بعد الصلاة.. الإفتاء توضح
  • من وصايا النبي.. دعاء و7 سور تحفظك من كل شر
  • كيفية صلاة العشاء خطوة خطوة كما صلاها النبي؟.. هذا ما تفعله بكل ركعة
  • أدعية رددها رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام
  • حكم الدعاء والصلاة على النبي بعد ختم القرآن.. دار الإفتاء تجيب