“الغدر” جزء من دين الإمامة الحوثية
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
عُرف الحوثيون بنكث العهود والمواثيق والاتفاقيات، والغدر بمن أعطوهم الأمان، والتجارب والأحداث التي تثبت هذا اللؤم والقبح لا تعد ولا تحصى.
السلوك ذاته، كان جدهم أحمد حميد الدين يتعامل به مع كل من يعارضه، فقد غدر بالشيخ حسين الأحمر وابنه حميد، وقتلهم بعد أن أعطاهم الأمان وسلموا أنفسهم له.
في حقيقة الأمر، شرعنت السلالة الإمامية هذا المنهج منذ وقت مبكر، وجعلته جزءًا من دينها، وبه عرفت، فقد سئل عبدالله بن حمزة في مجموع رسائله عن الأصل الشرعي لقيامه بقتل يمنيين آمنين معاشرين كالأبرهي والنقيب، وكذلك قتل يحيى بن أحمد.
فأجاب ابن حمزة بقوله: من أظهر فساده، واتضح لصاحب الأمر عناده، جاز قتله، وتنكيله، وتذليله، وقد قال الله تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى أشعر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن من ذكرهم إن لم ينتهوا عما كانوا عليه من الفساد أغراه بهم، والإغراء أغلظ حكما من [الأمر]، يعرف ذلك أهل العلم، وقضى بقتلهم، وهو لا يقضي إلا بالحق بأخذهم وقتلهم”.
ثم يقول: “والمعلوم ممن عرف أحوال الأبرهي والنقيب أن فسادهما كان من أعظم الفساد، وعنادهما من أشد العناد (…) والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام هو القدوة لأهل الإسلام، فالمعلوم في سيرته عليه السلام أنه لما تمكن في صنعاء وظهرت يده وبلغه مكر آل يعفر وآل طريف والفجائم، فلم يتمكن منهم إلا بأن دعاهم إلى العطاء، فلما استقر بهم القرار في بحبوحة الدار، أمر بقبضهم، فكبلوا في الحديد، وغللوا إلى الحبس الشديد، فشحن بهم سجون صنعاء، وسجن ظهر، وسجن شبام، وأخذ دوابهم، وسلاحهم، وقاطبة من أموالهم فرقه في المسلمين. هذا وهم في نهاية الأمن والتقربة، فجاز له ذلك لما علم خبثهم وشرارتهم”. (مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه، الجزء الثاني، القسم الأول، تحقيق عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، ص 216 – 217).
وما سار عليه الأئمة ينتهجه أحفادهم الحوثيون؛ ولذا يغدرون بمن يعتقدون أنهم يشكلون تهديدًا على مشروعهم في شبه الجزيرة بعد إغرائهم ومنحهم الأمان. يفعلون ذلك وهم يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله بهذه الجرائم.. فالغدر بالنسبة لهم، جزء من الدين.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
هل ترى شيئا؟ لا تقل شيئا: حملة “مدري”.. تجريم الحوثيين للحقيقة
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
كتبته: فاطمة أبو الأسرار محلل أول، مركز واشنطن للدراسات اليمنية
المصدر: Arab Gulf States Institute in Washington
في السادس من مايو/أيار، أعلنت عُمان أنها توسطت في وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والمتمردين الحوثيين في اليمن. وفي غضون ساعات، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الحوثيين – الذين استهدفتهم حملة جوية أمريكية منذ منتصف مارس/آذار – قد “استسلموا”. ولكن داخل اليمن، واصل الحوثيون فعل ما يفعلونه دائمًا في لحظات الضغط – تشديد السيطرة، وليس تخفيفها. لم يكن هناك بيان عام ولا اعتراف بالتنازل. من خلال حملة مدري، وهي عبارة عامية يمنية تعني “لا أعرف”، حوّل الحوثيون غياب المعلومات إلى مبدأ حاكم. في حرب تكون فيها الروايات قوية مثل الأسلحة، فإن مدري ليست تراجعًا. إنها أكثر أشكال المقاومة فعالية للنظام.
كما هو الحال مع المؤسسة الدينية في إيران أو سلالة كيم في كوريا الشمالية، يدرك الحوثيون أن السلطة تعتمد على احتكار السرد. فعندما يتمكن المواطنون من توثيق الأحداث بشكل مستقل، يفقد النظام سيطرته على السرد. لا يقتصر الأمر على إدارة الرأي العام فحسب، بل يشمل أيضًا منع وقائع أخرى من الظهور. إن حملة الحوثيين “مدري” تُحوّل المواطنين اليمنيين إما إلى مشاركين متواطئين في إنكار جماعي أو أعداء للدولة.
خبراء يعلقون على اتفاق ترامب والحوثيين.. أسوأ تحدٍ للحكومة وتنسيق خليجي أوسع (ذا اتلانتك).. اتفاق “أمريكا أولا” مع الحوثيين يكشف شكل السياسة الخارجية لإدارة ترامب هندسة التجهيل القسريلسيطرة الحوثيين على المعلومات جذورٌ عميقة في تاريخ اليمن. فقد قمع الإمام يحيى، ملك اليمن بين عامي 1918 و1948، التعليمَ العلماني، وحصره في التعليم الديني. لم تكن هذه مجرد سياسة تعليمية، بل كانت خطوةً استراتيجيةً في الحكم لعزل اليمنيين عن الأفكار الخارجية. عندما أسس أحمد نعمان مدرسةً لتعليم الرياضيات في ثلاثينيات القرن الماضي، وُصفت مدرسته بأنها “غير إسلامية” ووُضعت تحت إشراف ديني. وقد حافظ هذا التضييق المتعمد على المعرفة على نفوذ النخبة الزيدية – وهي سابقة تاريخية لحملة الحوثيين “مدري” اليوم على وعيّ المواطنين.
بالنسبة لقيادة الحوثيين المُسيطرة، فإن السلاح الأكثر تهديدًا ليس بالضرورة الصاروخ المُوجّه، بل الهاتف الذكي المدني. كل صورة مُلتقطة تُخاطر بكشف الهوة بين الخطاب الثوري والواقع، كاشفةً عن مخابئ أسلحة في الأحياء السكنية، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى المقاتلين بينما يتضور المدنيون جوعًا، أو أنماط الحياة المُترفة للقادة في ظل الانهيار الاقتصادي في اليمن.
ما بدأ بتوجيهاتٍ مُهموسة لتجنب مناقشة الغارات الجوية الأمريكية تحوّل إلى سياسةٍ مُتشدِّدة. في 17 مارس/آذار، أصدر وزير الإعلام الحوثي، هاشم شرف الدين، توجيهًا بثلاثة محاور أساسية: أولًا، حظر نشر أي صور للغارات الجوية الأمريكية؛ ثانيًا، حظر مشاركة معلومات عن ضحايا هذه الغارات، بما في ذلك حتى أسماء الضحايا؛ وثالثًا، قيود على تحديد المواقع المتضررة من العمليات العسكرية. في الوقت نفسه تقريبًا، ضخّم الإعلامي الموالي للحوثيين هذه الرسالة، مُعيدًا صياغة “لا أعرف” على أنها ليست مجرد حماية ذاتية، بل واجب وطني.
تسليح الصمت
في 20 أبريل/نيسان، أخطأ صاروخ حوثي هدفه، وسقط في سوق مزدحم بمديرية شعوب بصنعاء، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة أكثر من 30 آخرين وإلحاق أضرار بالمنازل المجاورة. ووفقًا لمصادر متعددة، أُطلق الصاروخ من موقع دفاع جوي يسيطر عليه الحوثيون غرب العاصمة. وبدلًا من تحمّل المسؤولية، شنّ الحوثيون حملة قمع. وأُلقي القبض على أكثر من 30 مواطنًا يُشتبه في تصويرهم للأحداث. في البداية، لم تُشر وسائل الإعلام الرسمية إلى الانفجار أو الخسائر البشرية، لكن لاحقًا، ألقت وزارة الصحة التابعة للحوثيين باللوم في الانفجار على غارة جوية أمريكية.
تشير تقارير أيضًا إلى أن الحوثيين بدأوا بقمع مراسم جنازات موتاهم، وهي حساباتٌ جنونيةٌ تُعتبر فيها الاعتراف بالخسارة أمرًا خطيرًا، إذ يُنظر إليه على أنه يُعطي الولايات المتحدة معلوماتٍ قيّمة. وبعيدًا عن السيطرة المحلية، تُعدّ هذه استراتيجيةً لمكافحة التجسس لتعقيد التقييمات الأمريكية والإقليمية. ويهدف إسكات المعزين إلى ترهيب الأحياء، وتقليل فعالية ضربات العدو المُثبتة.
ومع ذلك، حين يطالب النظام ب”مدري”، يرد بعض اليمنيين بسخرية، محولين العبارة المُملاة إلى تحريفٍ خاص. على مواقع التواصل الاجتماعي، يطرح اليمنيون أسئلةً تُجيب على نفسها: “من اختلس رواتب الموظفين؟” مدري. “من حوّل الأحياء إلى مستودعات أسلحة؟” مدري. “من يستجيب لطهران، لا للشعب؟” مدري.
حملة الحوثيين “مدري” هي حربٌ سرديةٌ مُعدّةٌ لطمس الحقائق، وتضليل المحللين، وتقويض المساءلة على المستوى الدولي. فمن خلال قمع الصور، ومنع الجنازات، وكتم الشهادات المباشرة، يسعون إلى الهيمنة ليس فقط على الخطاب المحلي، بل أيضًا على الانطباعات في واشنطن والرياض وبروكسل. يُشكّل هذا التلاعب بالواقع تحديًا مباشرًا للحكومات والمنظمات التي تسعى إلى الاستجابة بفعالية للصراع.
تتوافق حملة الحوثيين “مدري” بشكل جيد مع حملة الاعتقالات السابقة والمستمرة التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة، والمستمرة منذ منتصف عام 2024، واتهاماتهم الأخيرة بوجود ” شبكة تجسس أمريكية-إسرائيلية ” مزعومة، زعموا أنها متغلغلة في المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة. وبينما ركّز الحوثيون، من خلال حملة الاعتقالات والإجراءات ضد شبكة التجسس المزعومة، على نزع الشرعية عن الجهات الخارجية الموثوقة ومكافحة التجسس، فإن هذه الأهداف تدعم جهود حملة “مدري” لإعادة صياغة المشاهدة الأساسية للأحداث على أنها تجسس موجه من الخارج.
بالنسبة لصانعي السياسات الأمريكيين، الدرس واضح: الغارات الجوية وحدها لن تُغير سلوك الحوثيين. ينبغي على واشنطن دمج حرب السرديات في استراتيجيتها العسكرية للحفاظ على الأصوات والشهادات اليمنية التي يسعى الحوثيون إلى إسكاتها. هذا يعني الاستثمار في شبكات تحقق قوية مفتوحة المصدر، قادرة على توثيق الغارات والانتهاكات آنيًا، مع دعم الصحفيين والمدنيين المحليين في الوقت نفسه من خلال الشراكات، والمساعدات الطارئة، والمنصات الآمنة. لا يُمكن قياس النجاح بغياب الأدلة؛ لذا ينبغي على صانعي السياسات تطوير أطر تقييم تأخذ في الاعتبار التعتيم الاستراتيجي للحوثيين على المعلومات.
حملة مدري هي استراتيجية ممنهجة للتعمية القسرية. لكن مع هوسهم بالسيطرة، نسي الحوثيون أقدم قاعدة في التاريخ: ما إن يطلب النظام من الناس ألا يراقبوا، حتى يبدأ الجميع بالمراقبة.