بوابة الوفد:
2025-10-09@08:39:30 GMT

ما بين غزة والسودان

تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT

ما بين غزة والسودان واقع مر ومهدد خطير شرقاً وجنوباً، انشغلنا فى متابعة العدوان الغاشم على قطاع غزة، ومشاهده المؤلمة، وانغمسنا فى قياس تداعياته بعد أن ظهرت نوايا العدوان مبكراً ممثلة فى تهجير سكان القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم إلقاء المزيد من الضغوط والأعباء على الدولة المصرية. لكن رغم ذلك لم نغفل قط الأشقاء فى وادى النيل فى السودان.

إذا كان الدكتور جمال حمدان قد رأى وأنا أتفق معه تماماً أن فلسطين خط الدفاع الثانى عن مصر بعد سوريا، فالسودان هى خط الدفاع الأول عن مصر جنوباً. السودان نقطة ارتكاز جيواستراتيجية تتوسط منطقتى البحر والأحمر والقرن الإفريقى بما يجعل من عدم استقراره يمثل تهديداً مباشراً لكل من وادى النيل وشرق إفريقيا، وإقليم الساحل والصحراء. إلى جانب سبع دول تمثل دول الجوار للسودان وهى منطقة بالفعل مضطربة تعانى عدم الاستقرار، وتأتى الأزمة السودانية لتضيف المزيد من المهددات فى شكل نزوح إنسانى إجبارى وتدفق للاجئين، هجرة غير شرعية، عمليات تهريب للأسلحة، والأخطر أن ذلك كله يمثل بيئة خصبة للجماعات والأفكار المتطرفة.

تعودنا فى قارتنا السمراء نتيجة وأثراً مباشراً للإرث الاستعمارى المتجذر أن الاقتتال الداخلى عادة ما يستدعى تدخلاً خارجياً سواء من الفاعلين من الدول أو الفاعلين الجدد من غير الدول كالجماعات المسلحة أو شركات الأمن على شاكلة فاجنر الروسية، الساحة السودانية وما نشهده من تطور الأوضاع ميدانياً يؤكدان ذلك كله. وإلى جانب الموقع الجيواستراتيجى للسودان الذى يجعل منه أحد مفاتيح السيطرة والتحكم فى أمن الممرات والمضايق البحرية فى البحر الأحمر والقرن الإفريقى ومن ثم التأثير فى مسار حركة التجارة العالمية؛ فالسودان أيضاً دولة غنية لديها من الثروات النفطية والزراعية والمعدنية خاصة معدنى الذهب واليورانيوم فى إقليم دارفور، ما يجعلها نقطة حساسة على وتر التنافس الدولى بين القوى الكبرى. 

تحول السودان إلى ملعب رئيسى للتنافس الدولى خاصة روسيا التى تسعى لنقل ساحة هذا التنافس من الملعب الأوكرانى إلى القارة الإفريقية؛ تسعى روسيا لتعزيز نفوذها فى إفريقيا عبر التركيز على تقديم نفسها بديلاً استراتيجياً مناسباً للنفوذ الغربى، وتحديداً الفرنسى ولنا فى انقلابات غرب إفريقيا خير نموذج ودليل. والغاية النهائية لهذا التنافس الغربى ليس فقط التنافس على القيادة العالمية لكن الأهم النفاذ والهيمنة على الثروات الإفريقية، والسودان همزة وصل رئيسية للنفاذ إلى تلك الثروات؛ فالسودان شأنها شأن غالبية دول القارة؛ أغنى دول من حيث الثروات وأفقر شعوب. 

السودان الآن بين خيارين كليهما مر؛ التقسيم الثانى أو الحرب الأهلية الشاملة والفوضى خاصة فى ضوء تصاعد وتيرة التعبئة والتعبئة المضادة القبلية والعرقية، بدأت ملامح وإرهاصات تقسيم واقعى على الأرض فى السودان، حيث يسيطر الجيش على الشرق والشمال الشرقى، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق العاصمة وغرب البلاد. يدعم ذلك السيناريو استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدنى الاستراتيجية فى ولاية الجزيرة. البرهان جعل من بورتسودان عاصمة مؤقتة للدولة وحميدتى يهدد بإعلان حكومة موازية من الخرطوم، وهو ما يرشح تكرار السيناريو الليبى فى السودان بامتياز. 

مصر بين شقى الرحى؛ شرقاً وجنوباً، بالتعريف النظرى لمفهوم الدولة، فمصر الدولة الوحيدة فى الإقليم التى لا تزال دولة وطنية موحدة تحافظ على سلامتها الوطنية فى خضم إقليم مضطرب، وهو ما يتطلب مزيداً من الوعى الوطنى، والاصطفاف الشعبى خلف القيادة الوطنية.

حفظ الله مصر، وكل عام ومصر والمصريون بخير، وأن يكون عام 2024 عاماً سعيداً مفعماً بالرخاء، وأن يحمل لمصرنا الحبيبة المزيد من الاستقرار والتقدم والازدهار.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزة والسودان قطاع غزة سكان القطاع

إقرأ أيضاً:

اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان

بعد أن كان "اللاوا" زيّا تقليديا يقتصر على أفراد قبيلة الشلك في ولاية أعالي النيل، تحوّل مع مرور الوقت إلى رمز ثقافي وطني يمثل جنوب السودان بأسره.

فقد أصبح اليوم من أبرز الهدايا الرسمية التي تُقدَّم لتكريم الشخصيات المهمة، كما يُستخدم في المهرجانات والاحتفالات الوطنية ويُقدَّم لضيوف البلاد من الأجانب، تعبيرا عن الفخر بالهوية الثقافية الجنوبية.

وتوجد مجموعة الشلك في ولاية أعالي النيل شمال شرقي جنوب السودان، ولها تاريخ عريق امتد عبر قرون، حيث كانت لهم مملكة مستقلة في منطقة فشودة.

وتُعَدّ قبيلة الشلك واحدة من المجموعات النيلية الكبرى في البلاد إلى جانب الدينكا والنوير.

وتُعرَف هذه القبيلة بهياكلها التقليدية المنظمة حول الملك (الرث) والسلاطين والعُمد. ويتميز المجتمع الشلكاوي بنظام اجتماعي متين يرتكز على الزراعة والرعي والممارسات الثقافية التقليدية.

وتبرز ثقافة الشلك في الاحتفالات والفنون الشعبية، بما في ذلك الموت والأزياء التقليدية مثل "اللاوا"، التي تجسد القيم الاجتماعية والمكانة داخل المجتمع، وتشكل تراثا حيا يستمر في التأثير على الهوية الثقافية في أعالي النيل وجنوب السودان بأسره.

سيدات في إحدى الكنائس بجوبا يرتدين اللاوا (الجزيرة)

ويمثل اللاوا لغة بصرية للهوية المحلية، إذ تعكس ألوانه وأنماطه الفروق بين الجنسين والمكانة الاجتماعية والمناسبات.

فالرجال يضعونه على الكتف الأيسر تاركين الأيمن حرا لحمل الحراب والأسلحة التقليدية، بينما تختار النساء والفتيات الألوان الزهرية الزاهية للتعبير عن الرقة والاحتفاء بالحياة.

أما السلاطين وقيادات مملكة الشلك، فيميزهم ارتداء اللون الأحمر الفاتح الممزوج بالبنفسجي، دلالة على القوة والمكانة الروحية، مما يجعل اللاوا لوحة حيّة تعكس تنوع الأدوار والمقامات في ثقافة الشلك.

إعلان

ولا يقتصر تأثير اللاوا على الشلك وحدهم، فقد وجد له نظير لدى مجموعة الباري في الولاية الاستوائية الوسطى، حيث ترتدي النساء زيا تقليديا يعرف باسم "كوربابة". يشبه هذا الزي اللاوا في طريقة لفّه على الجسد، لكنه أقصر وأخف، مع عقدة تسمح بحرية الحركة أثناء الرقصات الشعبية التي ترافق الاحتفالات. وغالبا ما يُرتدى مع تنورة تقليدية مزخرفة، ليظل رمزا للجمال والانتماء الثقافي في فسيفساء التراث الجنوب سوداني.

رث الشلك "كونغو داك" يرتدي اللاوا الأبيض كزي رسمي في مقابلة مع الرئيس كير بالقصر الرئاسي (الجزيرة)

ويختلف اللاوا بحسب الغرض والمناسبة، فهناك اللاوا الصغير للأعمال اليومية كالزراعة والمهام المنزلية، واللاوا الكبير للمناسبات الرسمية والاحتفالات الكبرى أو استقبال الضيوف.

وهذا يعكس قدرة المجتمع الشلكاوي على دمج الجمال والوظيفة في قطعة واحدة من التراث.

وفي السنوات الأخيرة، تجاوز اللاوا حدود قبيلة الشلك ومجموعة الباري ليصبح جزءا من المشهد الثقافي العام في جنوب السودان، حيث يُرتدى في حفلات الزواج والمهرجانات الشعبية والمناسبات الرسمية.

وقد أخذ هذا الانتشار الطابع الوطني تدريجيا، من دون أي توجيه حكومي، ليصبح رمزا يجمع مختلف المجموعات الإثنية ويعبر عن الوحدة الوطنية والفخر المشترك.

وفي الاحتفالات الرسمية يسود اللون الأبيض التقليدي الذي يعكس الوقار، بينما اعتمد العديد من القبائل من غير الشلك تقديم قطع من اللاوا للعريس وأسرته، في تعبير عن الاحترام والانتماء الثقافي.

ويرى الصحفي الجنوب سوداني جيمس ياك أن اللاوا يعد أحد أبرز رموز الهوية الثقافية لقبيلة الشلك، إذ يجسد القيم والمكانة الاجتماعية والتاريخ العريق للمجتمع.

ويضيف في حديث لـلجزيرة نت أن "انتقال اللاوا من زي قبلي إلى رمز وطني جاء نتيجة احترام التقاليد وإعجاب المجموعات الأخرى بجماليته، وأصبح يُستخدم في الاحتفالات الرسمية وتكريم الشخصيات الوطنية واستقبال الضيوف الأجانب، ليعبر عن الوحدة والفخر المشترك بين مختلف الأعراق من دون أي فرضية سياسية".

سيدات مشاركات في احتفال تكريم الرئيس كير بميدان الحرية بجوبا (الجزيرة)

ويشاطر سايمون قاج، الصحفي والمحلل السياسي، هذا الرأي، مشيرا إلى أن الانتشار الواسع لللاوا يبرز قيمته الثقافية والفنية ويتيح التعبير عن الهوية بطريقة مرنة تناسب مختلف المناسبات.

ويقول قاج للجزيرة نت "في بلد يعاني من صراعات وهشاشة مؤسساتية، الرموز التراثية مثل اللاوا توفر مساحة مشتركة للتعبير عن الفخر والانتماء الوطني بعيدا عن الانقسامات القبلية والسياسية، وتسهم في تعزيز الوحدة الوطنية عبر المشاركة الثقافية والتقدير المتبادل بين المكونات المختلفة للمجتمع".

ويشير الباحث دانيال جون من مركز الرؤية للدراسات الثقافية إلى أهمية وجود قواسم مشتركة بين مواطني جنوب السودان لتعزيز الوحدة الوطنية في بلد يتنوع سكانه عرقيا وثقافيا.

وقال جون في حديثه للجزيرة نت "إن اللاوا أصبح رمزا تلقائيا للهوية الجمالية والثقافية لجنوب السودان، إذ وافق الجميع على قيمته الرمزية من دون تدخل رسمي".

إعلان

ويرى أن هذا الانتشار الطوعي يعكس قدرة الثقافة المادية على خلق مساحات مشتركة للتعبير عن الانتماء والفخر الوطني.

وطالب جون سلطات وزارة الثقافة بإعلان اللاوا رسميا كزي وطني لجنوب السودان، معتبرا أن ذلك سيعزز دور التراث في بناء الهوية الوطنية وتقوية الروابط بين مختلف المكونات الثقافية في البلاد.

واختتم بالقول "إعلان اللاوا كزي وطني سيكون رسالة قوية بأن الثقافة والتراث يمكن أن يكونا جسورا للوحدة والفخر المشترك بين كل مواطني جنوب السودان، بعيدا عن الانقسامات العرقية والسياسية، ويمنح الأجيال القادمة رمزا واضحا لهويتهم الوطنية".

مقالات مشابهة

  • بسبب امرأة.. مقتل 14 جنديا في جنوب السودان
  • مقتل 14 جنديا في جنوب السودان بسبب امرأة
  • السودان تستقبل مئات آلاف العائدين من مصر
  • يوم المعلم.. بأي حال عدت يا عيد
  • جريمة بشعة في مخيم أبو شوك غربي السودان
  • السيد شهاب يبحث مع نائب رئيس وزراء بيلاروس المزيد من فرص التعاون
  • اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
  • ترامب: سنجري المزيد من المحادثات مع البرازيل
  • الفن صوت لنضالات السودان الخفية
  • تغريدة كشفت.. ومصادر أكدت