الجزيرة:
2025-11-23@14:03:27 GMT

اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان

بعد أن كان "اللاوا" زيّا تقليديا يقتصر على أفراد قبيلة الشلك في ولاية أعالي النيل، تحوّل مع مرور الوقت إلى رمز ثقافي وطني يمثل جنوب السودان بأسره.

فقد أصبح اليوم من أبرز الهدايا الرسمية التي تُقدَّم لتكريم الشخصيات المهمة، كما يُستخدم في المهرجانات والاحتفالات الوطنية ويُقدَّم لضيوف البلاد من الأجانب، تعبيرا عن الفخر بالهوية الثقافية الجنوبية.

وتوجد مجموعة الشلك في ولاية أعالي النيل شمال شرقي جنوب السودان، ولها تاريخ عريق امتد عبر قرون، حيث كانت لهم مملكة مستقلة في منطقة فشودة.

وتُعَدّ قبيلة الشلك واحدة من المجموعات النيلية الكبرى في البلاد إلى جانب الدينكا والنوير.

وتُعرَف هذه القبيلة بهياكلها التقليدية المنظمة حول الملك (الرث) والسلاطين والعُمد. ويتميز المجتمع الشلكاوي بنظام اجتماعي متين يرتكز على الزراعة والرعي والممارسات الثقافية التقليدية.

وتبرز ثقافة الشلك في الاحتفالات والفنون الشعبية، بما في ذلك الموت والأزياء التقليدية مثل "اللاوا"، التي تجسد القيم الاجتماعية والمكانة داخل المجتمع، وتشكل تراثا حيا يستمر في التأثير على الهوية الثقافية في أعالي النيل وجنوب السودان بأسره.

سيدات في إحدى الكنائس بجوبا يرتدين اللاوا (الجزيرة)

ويمثل اللاوا لغة بصرية للهوية المحلية، إذ تعكس ألوانه وأنماطه الفروق بين الجنسين والمكانة الاجتماعية والمناسبات.

فالرجال يضعونه على الكتف الأيسر تاركين الأيمن حرا لحمل الحراب والأسلحة التقليدية، بينما تختار النساء والفتيات الألوان الزهرية الزاهية للتعبير عن الرقة والاحتفاء بالحياة.

أما السلاطين وقيادات مملكة الشلك، فيميزهم ارتداء اللون الأحمر الفاتح الممزوج بالبنفسجي، دلالة على القوة والمكانة الروحية، مما يجعل اللاوا لوحة حيّة تعكس تنوع الأدوار والمقامات في ثقافة الشلك.

إعلان

ولا يقتصر تأثير اللاوا على الشلك وحدهم، فقد وجد له نظير لدى مجموعة الباري في الولاية الاستوائية الوسطى، حيث ترتدي النساء زيا تقليديا يعرف باسم "كوربابة". يشبه هذا الزي اللاوا في طريقة لفّه على الجسد، لكنه أقصر وأخف، مع عقدة تسمح بحرية الحركة أثناء الرقصات الشعبية التي ترافق الاحتفالات. وغالبا ما يُرتدى مع تنورة تقليدية مزخرفة، ليظل رمزا للجمال والانتماء الثقافي في فسيفساء التراث الجنوب سوداني.

رث الشلك "كونغو داك" يرتدي اللاوا الأبيض كزي رسمي في مقابلة مع الرئيس كير بالقصر الرئاسي (الجزيرة)

ويختلف اللاوا بحسب الغرض والمناسبة، فهناك اللاوا الصغير للأعمال اليومية كالزراعة والمهام المنزلية، واللاوا الكبير للمناسبات الرسمية والاحتفالات الكبرى أو استقبال الضيوف.

وهذا يعكس قدرة المجتمع الشلكاوي على دمج الجمال والوظيفة في قطعة واحدة من التراث.

وفي السنوات الأخيرة، تجاوز اللاوا حدود قبيلة الشلك ومجموعة الباري ليصبح جزءا من المشهد الثقافي العام في جنوب السودان، حيث يُرتدى في حفلات الزواج والمهرجانات الشعبية والمناسبات الرسمية.

وقد أخذ هذا الانتشار الطابع الوطني تدريجيا، من دون أي توجيه حكومي، ليصبح رمزا يجمع مختلف المجموعات الإثنية ويعبر عن الوحدة الوطنية والفخر المشترك.

وفي الاحتفالات الرسمية يسود اللون الأبيض التقليدي الذي يعكس الوقار، بينما اعتمد العديد من القبائل من غير الشلك تقديم قطع من اللاوا للعريس وأسرته، في تعبير عن الاحترام والانتماء الثقافي.

ويرى الصحفي الجنوب سوداني جيمس ياك أن اللاوا يعد أحد أبرز رموز الهوية الثقافية لقبيلة الشلك، إذ يجسد القيم والمكانة الاجتماعية والتاريخ العريق للمجتمع.

ويضيف في حديث لـلجزيرة نت أن "انتقال اللاوا من زي قبلي إلى رمز وطني جاء نتيجة احترام التقاليد وإعجاب المجموعات الأخرى بجماليته، وأصبح يُستخدم في الاحتفالات الرسمية وتكريم الشخصيات الوطنية واستقبال الضيوف الأجانب، ليعبر عن الوحدة والفخر المشترك بين مختلف الأعراق من دون أي فرضية سياسية".

سيدات مشاركات في احتفال تكريم الرئيس كير بميدان الحرية بجوبا (الجزيرة)

ويشاطر سايمون قاج، الصحفي والمحلل السياسي، هذا الرأي، مشيرا إلى أن الانتشار الواسع لللاوا يبرز قيمته الثقافية والفنية ويتيح التعبير عن الهوية بطريقة مرنة تناسب مختلف المناسبات.

ويقول قاج للجزيرة نت "في بلد يعاني من صراعات وهشاشة مؤسساتية، الرموز التراثية مثل اللاوا توفر مساحة مشتركة للتعبير عن الفخر والانتماء الوطني بعيدا عن الانقسامات القبلية والسياسية، وتسهم في تعزيز الوحدة الوطنية عبر المشاركة الثقافية والتقدير المتبادل بين المكونات المختلفة للمجتمع".

ويشير الباحث دانيال جون من مركز الرؤية للدراسات الثقافية إلى أهمية وجود قواسم مشتركة بين مواطني جنوب السودان لتعزيز الوحدة الوطنية في بلد يتنوع سكانه عرقيا وثقافيا.

وقال جون في حديثه للجزيرة نت "إن اللاوا أصبح رمزا تلقائيا للهوية الجمالية والثقافية لجنوب السودان، إذ وافق الجميع على قيمته الرمزية من دون تدخل رسمي".

إعلان

ويرى أن هذا الانتشار الطوعي يعكس قدرة الثقافة المادية على خلق مساحات مشتركة للتعبير عن الانتماء والفخر الوطني.

وطالب جون سلطات وزارة الثقافة بإعلان اللاوا رسميا كزي وطني لجنوب السودان، معتبرا أن ذلك سيعزز دور التراث في بناء الهوية الوطنية وتقوية الروابط بين مختلف المكونات الثقافية في البلاد.

واختتم بالقول "إعلان اللاوا كزي وطني سيكون رسالة قوية بأن الثقافة والتراث يمكن أن يكونا جسورا للوحدة والفخر المشترك بين كل مواطني جنوب السودان، بعيدا عن الانقسامات العرقية والسياسية، ويمنح الأجيال القادمة رمزا واضحا لهويتهم الوطنية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

عُمان يا وطني

ناجي بن جمعة البلوشي

لا يسعني في يومنا الوطني المجيد، إلا التأكيد على أننا كمواطنين لا نحتفل بتاريخ يُروى؛ بل بروح تُستشعر، وتمشي بين الناس بقوة مطمئنة، راسخة كالجبال، رقراقة كالنسيم الذي يهبّ من سواحل صور وصحار وصلالة.

سلامٌ عليكِ يا عُمان الأُمَّة التي تشعر وأنت تتأملها أنّ التاريخ فيها يمشي على مهلٍ، كأنّه يخشى أن يوقظ جمالًا نائمًا في حضن الجبال، أو عبقًا قديمًا يختبئ بين أروقة الحصون والقلاع احترامًا لمكانتها؛ فعُمان لا ترفع نفسها على أحد؛ بل يرفعها تاريخٌ من الصفاء، وحاضرٌ من الثبات، ومستقبلٌ يُبنى على حكمةٍ تخرج من قلبها كما يخرج الماء من عين، لا تنضب.

عُمان هي الوطن الذي إذا ذَكرتَ اسمه شعرتَ أنّ القلب يزداد نورًا، وأنّ الأرض تزداد رسوخًا، وأنّ للحياة معنى يُعاد كل مرة بمعنى أجمل.

يا سلطنة عُمان يا أمّةّ تُشبه الرجُل الذي لا يرفع صوتَه إلّا على الحق، ولا يمدّ يدَه إلّا بالخير، ولا يعرف من المجد إلّا الذي صُنع بالصبر، وبُني بالرفق، وثبت على كتفي التاريخ بلا صخبٍ ولا ادّعاء، فأنتِ أرضٌ تصون هدوءَها كما يصون العابدُ سكينتَه، وترفع رأسها كما ترفع الجبال قاماتها؛ جبالٌ لو نظرت إليها لظننتها شواهدَ على أن العظمة قد تتجسّد حجرًا، وأن الكبرياء قد يُنقشُ صمتًا.

وفي يومها الوطني.. تتجلّى عُمان في هذا اليوم كأنها سفينةٌ عتيقة، مضت بها الرياح قرونًا، فلم تنكسر لها دفة، ولم يتصدع لها لوح؛ لأن يدًا من لطفٍ الخالق كانت دائمًا تمسك بها من أهوال العواصف العالمية والاقليمية وكأن البحر نفسه يعرف اسمها، فإذا ناداها... ناداها بخشوعٍ.

يا أيّتها العالية كوني كما أنتٍ: ضياءً يتّخذ من ذاته مصدرًا، ووطنًا لا ينحني، ورُقيًّا لا يحتاج شاهدًا.

وإذا كانت قراءتنا لعُمان بهذا الوصف من الكلمات، فإن قراءة المُنجزات فيها بعقلٍ هادئ ستظهر لك صورة دولة مبنية على رؤية واضحة، وإدارة متوازنة، واستراتيجيات تنموية ذكية، صورة دولة تدرك أن القوة الحقيقية ليست في الاستعراض؛ بل في التخطيط طويل الأمد، وتنفيذ المشاريع بطريقة منهجية، وتحقيق التوازن بين مختلف عناصر المجتمع والدولة.

ولو تأملنا اليوم الوطني لوجدنا فيه فرصة لنا للتأمل العقلاني في رحلة التنمية المستمرة، وأنه ليوم تقدير منا لشخصيات وسلاطين الدولة البوسعيدية وكيف ساهموا في وضع أسس قوية، جعلت عُمان دولة مستقرة، قادرة على مواجهة التحديات، ومستمرة في بناء المستقبل على قاعدة المعرفة، والخبرة، والرؤية الواقعية.

لا يمكن فهم الإنجازات التي حققتها سلطنة عُمان في العصر الحديث بمعزل عن الإرث المؤسسي والسياسي للدولة البوسعيدية؛ فقد أرست الدولة منذ تأسيسها قواعدَ الحكم الرشيد، واستثمار الموارد، والحفاظ على التوازن الداخلي والخارجي، وهو ما مهد الطريق لعُمان لتصبح نموذجًا متقدمًا في التنمية المستدامة اليوم.

وفي يومها الوطني.. علينا أن ندرك أيضًا أن عُمان لا تحتاج إلى صخب المظاهر لتُعبِّر عن رسالتها، ويكفي أن نرى طريقة بنائها، وانتظام مؤسساتها، وهدوء خطواتها، حتى يدرك المرء أن هذه الأرض تقوم على منطق قبل العاطفة، وعلى حكمة قبل الاندفاع.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الخارجية تفتح باب الترشح للانضمام إلى لجنة ««جنوب السودان»
  • وصول طائرة تقل مرحلين من أميركا إلى دولة جنوب السودان
  • منظمة مراقبة عالمية تُصنّف جنوب السودان ضمن الدول الداعمة لـ«الدعم السريع»
  • "اليمن في الإرميتاج".. روسيا تنشر السلسلة الثالثة من تراث اليمن "جوهرتان حول العنق وعملة معدنية"
  • عُمان يا وطني
  • السعودية وجنوب السودان تبحثان تعزيز التعاون الصناعي والتعديني
  • وزير الصناعة يبحث تعزيز التعاون الصناعي والتعديني مع جنوب السودان
  • وزير الصناعة يبحث تعزيز التعاون الصناعي والتعديني مع جمهورية جنوب السودان
  • أردوغان يشارك بمراسم الاستقبال الرسمية لقمة زعماء مجموعة العشرين
  • المنتخب الوطني يفتتح تصفيات كأس العالم بمواجهة جنوب السودان الخميس القادم