اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
بعد أن كان "اللاوا" زيّا تقليديا يقتصر على أفراد قبيلة الشلك في ولاية أعالي النيل، تحوّل مع مرور الوقت إلى رمز ثقافي وطني يمثل جنوب السودان بأسره.
فقد أصبح اليوم من أبرز الهدايا الرسمية التي تُقدَّم لتكريم الشخصيات المهمة، كما يُستخدم في المهرجانات والاحتفالات الوطنية ويُقدَّم لضيوف البلاد من الأجانب، تعبيرا عن الفخر بالهوية الثقافية الجنوبية.
وتوجد مجموعة الشلك في ولاية أعالي النيل شمال شرقي جنوب السودان، ولها تاريخ عريق امتد عبر قرون، حيث كانت لهم مملكة مستقلة في منطقة فشودة.
وتُعَدّ قبيلة الشلك واحدة من المجموعات النيلية الكبرى في البلاد إلى جانب الدينكا والنوير.
وتُعرَف هذه القبيلة بهياكلها التقليدية المنظمة حول الملك (الرث) والسلاطين والعُمد. ويتميز المجتمع الشلكاوي بنظام اجتماعي متين يرتكز على الزراعة والرعي والممارسات الثقافية التقليدية.
وتبرز ثقافة الشلك في الاحتفالات والفنون الشعبية، بما في ذلك الموت والأزياء التقليدية مثل "اللاوا"، التي تجسد القيم الاجتماعية والمكانة داخل المجتمع، وتشكل تراثا حيا يستمر في التأثير على الهوية الثقافية في أعالي النيل وجنوب السودان بأسره.
ويمثل اللاوا لغة بصرية للهوية المحلية، إذ تعكس ألوانه وأنماطه الفروق بين الجنسين والمكانة الاجتماعية والمناسبات.
فالرجال يضعونه على الكتف الأيسر تاركين الأيمن حرا لحمل الحراب والأسلحة التقليدية، بينما تختار النساء والفتيات الألوان الزهرية الزاهية للتعبير عن الرقة والاحتفاء بالحياة.
أما السلاطين وقيادات مملكة الشلك، فيميزهم ارتداء اللون الأحمر الفاتح الممزوج بالبنفسجي، دلالة على القوة والمكانة الروحية، مما يجعل اللاوا لوحة حيّة تعكس تنوع الأدوار والمقامات في ثقافة الشلك.
إعلانولا يقتصر تأثير اللاوا على الشلك وحدهم، فقد وجد له نظير لدى مجموعة الباري في الولاية الاستوائية الوسطى، حيث ترتدي النساء زيا تقليديا يعرف باسم "كوربابة". يشبه هذا الزي اللاوا في طريقة لفّه على الجسد، لكنه أقصر وأخف، مع عقدة تسمح بحرية الحركة أثناء الرقصات الشعبية التي ترافق الاحتفالات. وغالبا ما يُرتدى مع تنورة تقليدية مزخرفة، ليظل رمزا للجمال والانتماء الثقافي في فسيفساء التراث الجنوب سوداني.
ويختلف اللاوا بحسب الغرض والمناسبة، فهناك اللاوا الصغير للأعمال اليومية كالزراعة والمهام المنزلية، واللاوا الكبير للمناسبات الرسمية والاحتفالات الكبرى أو استقبال الضيوف.
وهذا يعكس قدرة المجتمع الشلكاوي على دمج الجمال والوظيفة في قطعة واحدة من التراث.
وفي السنوات الأخيرة، تجاوز اللاوا حدود قبيلة الشلك ومجموعة الباري ليصبح جزءا من المشهد الثقافي العام في جنوب السودان، حيث يُرتدى في حفلات الزواج والمهرجانات الشعبية والمناسبات الرسمية.
وقد أخذ هذا الانتشار الطابع الوطني تدريجيا، من دون أي توجيه حكومي، ليصبح رمزا يجمع مختلف المجموعات الإثنية ويعبر عن الوحدة الوطنية والفخر المشترك.
وفي الاحتفالات الرسمية يسود اللون الأبيض التقليدي الذي يعكس الوقار، بينما اعتمد العديد من القبائل من غير الشلك تقديم قطع من اللاوا للعريس وأسرته، في تعبير عن الاحترام والانتماء الثقافي.
ويرى الصحفي الجنوب سوداني جيمس ياك أن اللاوا يعد أحد أبرز رموز الهوية الثقافية لقبيلة الشلك، إذ يجسد القيم والمكانة الاجتماعية والتاريخ العريق للمجتمع.
ويضيف في حديث لـلجزيرة نت أن "انتقال اللاوا من زي قبلي إلى رمز وطني جاء نتيجة احترام التقاليد وإعجاب المجموعات الأخرى بجماليته، وأصبح يُستخدم في الاحتفالات الرسمية وتكريم الشخصيات الوطنية واستقبال الضيوف الأجانب، ليعبر عن الوحدة والفخر المشترك بين مختلف الأعراق من دون أي فرضية سياسية".
ويشاطر سايمون قاج، الصحفي والمحلل السياسي، هذا الرأي، مشيرا إلى أن الانتشار الواسع لللاوا يبرز قيمته الثقافية والفنية ويتيح التعبير عن الهوية بطريقة مرنة تناسب مختلف المناسبات.
ويقول قاج للجزيرة نت "في بلد يعاني من صراعات وهشاشة مؤسساتية، الرموز التراثية مثل اللاوا توفر مساحة مشتركة للتعبير عن الفخر والانتماء الوطني بعيدا عن الانقسامات القبلية والسياسية، وتسهم في تعزيز الوحدة الوطنية عبر المشاركة الثقافية والتقدير المتبادل بين المكونات المختلفة للمجتمع".
ويشير الباحث دانيال جون من مركز الرؤية للدراسات الثقافية إلى أهمية وجود قواسم مشتركة بين مواطني جنوب السودان لتعزيز الوحدة الوطنية في بلد يتنوع سكانه عرقيا وثقافيا.
وقال جون في حديثه للجزيرة نت "إن اللاوا أصبح رمزا تلقائيا للهوية الجمالية والثقافية لجنوب السودان، إذ وافق الجميع على قيمته الرمزية من دون تدخل رسمي".
إعلانويرى أن هذا الانتشار الطوعي يعكس قدرة الثقافة المادية على خلق مساحات مشتركة للتعبير عن الانتماء والفخر الوطني.
وطالب جون سلطات وزارة الثقافة بإعلان اللاوا رسميا كزي وطني لجنوب السودان، معتبرا أن ذلك سيعزز دور التراث في بناء الهوية الوطنية وتقوية الروابط بين مختلف المكونات الثقافية في البلاد.
واختتم بالقول "إعلان اللاوا كزي وطني سيكون رسالة قوية بأن الثقافة والتراث يمكن أن يكونا جسورا للوحدة والفخر المشترك بين كل مواطني جنوب السودان، بعيدا عن الانقسامات العرقية والسياسية، ويمنح الأجيال القادمة رمزا واضحا لهويتهم الوطنية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
بسبب «زواج المثليين» .. الكنيسة الأسقفية بدولة الجنوب ترفض الاعتراف بالقيادة بـ «إنجلترا»
أصدر مجمع الكنيسة الأسقفية في دولة جنوب السودان ECSS بياناً رسمياً أعلن فيه رفضه الاعتراف بـالرئيس الأسقفي الجديد لكانتربري و القيادة الجديدة لكنيسة إنجلترا.
التغيير ـــ وكالات
كما أعلن مجمع الكنيسة الإسقفية بدولة الجنوب في بيان عن تجميد موقعه داخل شركة الزمالة العالمية لجنوب الكرة الأرضية للأنجليكان Global South Fellowship of Anglicans وعدم التوقيع على أي قرارات مستقبلية له، وذلك على خلفية تعيين المرأة الأولى التي تحمل أعلى منصب في تاريخ الكنيسة الأنجليكانية، والتي “تدعم زواج المثليين”.
ووجه البيان الصادر من مكتب رئيس الأساقفة الدكتور جاستين بادي أرما إلى جميع رجال الدين والمؤمنين بالكنيسة الأسقفية في جنوب السودان.
وجاء في البيان :”لقد أعلنت كنيسة إنجلترا عن تعيين الموقرة الدكتورة سارة مولالي كرئيسة أساقفة كانتربري الـ 106، وأول امرأة تحمل مثل هذا المنصب الرفيع في تاريخ الكنيسة الأنجليكانية”.
وأضاف البيان أن هذا التعيين مؤسف للغاية”” لكون الرئيسة الأسقفية الجديدة تدعم زواج المثليين. وأشار البيان إلى أن المجمع الأسقفي في جنوب السودان قرر في سنودس (مجمع) فبراير 2023 “قطع علاقاته مع أولئك الذين يحاولون إملاء ممارسات جديدة للكنيسة”.
وأكدت الكنيسة الأسقفية في جنوب السودان، بصفتها كنيسة إقليمية في جنوب الكرة الأرضية، على التزامها “بدعم التعليم المسيحي التقليدي” فيما يتعلق بالزواج والجنس، وتعهدت بمواصلة زمالتها مع التحالف الأنجليكاني العالمي Global South Anglican Fellowship، والكنائس الأنجليكانية، وحركة التجديد في جنوب الكرة الأرضية.
وختم البيان، الموقع من الأسقف الدكتور جاستين بادي أرما، رئيس الأساقفة والمطران لكنيسة جنوب السودان، بالتأكيد على أنهم سيواصلون الصلاة من أجل كنيسة إنجلترا، وسيصلّون من أجل أنفسهم.
الوسومالأسقف الدكتور جاستين بادي أرما الرئيس الأسقفي الجديد لكانتربري رئيس الأساقفة والمطران لكنيسة جنوب السودان زواج المثليين مجمع الكنيسة الأسقفية في دولة جنوب السودان ECSS