تتزايد المخاوف في السودان من انزلاق سريع نحو "الحرب الشاملة" في ظل الاصطفافان والتحشيد الشعبي من طرفي القتال - الجيش وقوات الدعم السريع - وانتشار خطاب الكراهية، وعمليات التصفية، وسط تقارير عن انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية، وفقا لما أعلنته لجنة حكومية شكلت لجمع السلاح غبر المقنن، في أعقاب سقوط نظام الإخوان في 2019.



وبرزت خلال الأيام الماضية العديد من الأحداث التي تشير إلى تحول كبير في طبيعة الحرب الحالية، من بينها حادثة مقتل 11 شخصا يوم الخميس في منطقة "تورطعان" في دارفور بغرب البلاد بتهمة اصطفاف قبيلتهم إلى أحد طرفي القتال، وسبق تلك الحادثة قطع رؤوس 3 شبان مدنيين في مدينة الأبيض بولاية كردفان، أيضا بتهمة موالاة أحد طرفي القتال.

كما شهدت العديد من مناطق العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ونهر النيل والشمالية عدد من التصفيات التي طالت عشرات الأشخاص والتي يعتقد أنها جرت على أساس عرقي.
وتأتي تلك الأحداث في ظل انتشار كبير لخطاب الكراهية وتزايد كبير في وتيرة التحشيد الشعبي الذي بدأ يأخذ بعدا إثنيا وجهويا في العديد من مناطق سيطرة الطرفين.

استقطاب واصطفاف
مع اتساع رقعة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وشمولها أكثر من 70 في المئة من مساحة السودان، بدأ طرفا القتال في عمليات استقطاب واسعة على المستوى الشعبي ومستوى الحركات المسلحة المقدر عددها بنحو 92 حركة، 87 منها في إقليم دارفور وحده، بينما تنشط 5 في كردفان والنيل الأزرق ووسط وشرق البلاد.

وفي حين تعتمد قوات الدعم السريع بشكل كبير في تكوينها القتالي على قبائل تنحدر من إقليم دارفور، تركزت عمليات التحشيد الشعبي التي دعا اليها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في السابع والعشرين من يونيو، في منطقتي شرق وشمال السودان.

وأشار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير، يوم الجمعة، إلى إن حملة التجييش الشعبي التي دعا لها الجيش قامت بتدريب وتسليح نحو 600 ألف من المدنيين.

أما بالنسبة للحركات المسلحة، فقد انقسمت إلى حركات محايدة وهي الغالبية وأبرزها حركتا عضوا مجلس السيادة الهادي إدريس والطاهر حجر، فيما أعلنت 4 حركات انحيازها للجيش وتتبع لنائب مجلس السيادة مالك عقار وجبريل إبراهيم وزير المالية الحالي ومني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ومجموعة مصطفى طمبور، وفي الجاب الآخر تشارك 4 حركات دارفورية واثنتان من الوسط والنيل الأزرق وهما مجموعتا أبوعاقلة كيكل والمك أبو شوتال بفاعلية في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع التي تسيطر على أكثر من 60 في المئة من مساحة البلاد في الوقت الحالي، بينما تقاتل كتيبة البراء المرتبطة بتنظيم الإخوان إلى جانب الجيش.

وفي ظل ضبابية وضع الاصطفافات في إقليم دارفور وغياب معلومات حقيقية عن طبيعة الجهات التي تقاتل إلى جانب طرفي الحرب هناك؛ يبدو الوضع أكثر وضوحا في الخرطوم والوسط، فإلى جانب وحدات عسكرية تتبع لقوات مالك عقار، تنشط كتيبة البراء بقوة في القتال مع الجيش منذ اندلاع القتال.

وبعد اسابيع قليلة من بدء القتال انضمت قوات "درع السودان" التي تشكلت في منطقة البطانة بوسط البلاد قبل أكثر من 6 أشهر من اندلاع القتال بكامل قواتها وعتادها إلى صفوف قوات الدعم السريع.

مخاوف
يرى مراقبون أن سياسة التجييش واستقطاب المجموعات المسلحة هي نتاج لسياسات قديمة اتبعها نظام الإخوان على مدى 3 عقود، محذرين من أن يؤدي ذلك إلى تكرار سيناريو الحرب الأهلية التي استمرت في دارفور ومناطق أخرى من البلاد، وأدت إلى تصفيات وانتهاكات عرقية كبيرة.

وحذرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" خلال ورشة عقدت بالعاصمة الكينية نيروبي، يوم السبت، حول الترتيبات الدستورية والحكم المحلي من خطورة خطاب الكراهية والتعبئة والاستنفار وتجييش المدنيين، مطالبة بنزع السلاح من كل المجموعات التابعة لطرفي القتال لتجنب انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية.

ووفقا للباحث والمحلل السياسي الأمين بلال، فإن الخطورة الحقيقية لهذه الحرب التي بدأت كصراع عسكري عسكري، تكمن في تحولها السريع إلى مرحلة الاصطفافات.

وسط مخاوف من أن تتحول إلى حرب أهلية شاملة بين "الكل ضد الكل"، يوضح بلال في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: "تتمدد الرقعة الجغرافية للحرب حاليا بشكل سريع، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الاصطفافات في ظل تنامي مخيف للخطاب المبني على الإثنية المسيسة وسياسة فرق تسد التي تستخدمها القيادات العسكرية عبر منصات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التي تبث خطاب الكراهية وتعزز النعرات القبلية والجهوية، في ظل انتشار كبير للسلاح في أوساط المواطنين مما يجعل السيطرة على المجموعات التي تحمل السلاح التابعة لطرفي القتال أمرا مستحيلا".

الفوضى الشاملة

وينبه بلال إلى العديد من المؤشرات التي بدأت تظهر بوضوح والتي تشير إلى الدخول في مرحلة الفوضى الشاملة مثل حالات النهب والسلب والتعدي المتزايد على المواطنين العزل.

ويرى أنه، إضافة إلى الأسباب السابقة، هنالك وجود لمحفزات أخرى تسهم في الانزلاق السريع نحو مرحلة الفوضى الشاملة من بينها الوضع الاقتصادي المتردي للسكان والتأثير الكبير للحرب النفسية وانتشار الخطاب المتطرف.

ويتوقع بلال أن يتسبب كل ذلك في وضع كارثي ينقل الصراع من الإطار العسكري إلى الإطار الاجتماعي بين المكونات السودانية علي أساس مناطقي وجهوي، مما يضاعف من المعاناة ويصعب من الحلول.

وبالنسبة للكاتب الصحفي عبد الله إسحق، فإن أكبر مهدد لتماسك البلاد هو عمليات التجييش الشعبي وتكاثر الحركات المسلحة، حيث يشكل خطأ استراتيجيا وسيشجع على الاستقطاب القبلي والإثني وسيؤسس لوجود العشرات من المليشيات المشابهة.

ويقول إسحق لموقع سكاي نيوز عربية "بالنسبة للحركات التي أعلنت انحيازها للجيش لديها أجنحة تقف في الحياد أيضا على عكس ما أعلنته قياداتها، وأعتقد أن وقوف معظم الحركات الدارفورية المسلحة في الحياد أسهم في تحقيق نوع من الهدوء النسبي في دارفور خصوصا بعد خروج الجيش من معظم مناطق الإقليم".  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع إقلیم دارفور طرفی القتال فی القتال العدید من إلى جانب أکثر من

إقرأ أيضاً:

سودانيون يأكلون أوراق الشجر وسط حصار ومجاعة في دارفور وكردفان

ذكرت وكالة "فرانس برس"، في تقرير ميداني، أن المدنيين السودانيين العالقين وسط المعارك الطاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع يواجهون ظروفا إنسانية قاسية في المدن المحاصرة بغرب البلاد، حيث يعجزون عن الحصول على الغذاء ويضطر بعضهم إلى أكل أوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة.

وتسببت الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عامين في مقتل عشرات الآلاف ودخول ملايين المدنيين في دائرة المجاعة، مع انتشار الأمراض والأوبئة وانعدام المساعدات الإنسانية في المناطق التي يفرض فيها الحصار.

وأجرت "فرانس برس" مقابلات مع سكان ثلاث مدن محاصرة من قبل قوات الدعم السريع، هي الفاشر عاصمة شمال دارفور، وكادوقلي وديلينغ في جنوب كردفان، حيث يسعى مقاتلو الدعم السريع إلى السيطرة عليها من الجيش السوداني.

في مدينة الفاشر، قال عمر آدم، وهو نازح من مخيم أبو شوك، إن القصف لا يتوقف طوال اليوم، مضيفاً: "نقضي أغلب الوقت داخل الملاجئ التي حفرناها قرب المنازل".




وأشار إلى أن المواطنين يحفرون ملاجئ بدائية في الساحات العامة وأمام بيوتهم للوقاية من القصف، وأن كل شيء في المدينة "انعدم حتى الأمبز"، وهو علف حيواني مصنوع من قشور السمسم والفول السوداني.

وأكد أن مغادرة المدينة أصبحت "باهظة وغير آمنة"، بينما أشارت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، دينيس براون، إلى تقارير عن "عمليات قتل غير قانونية واختطاف واعتقالات تعسفية" ضد المدنيين أثناء محاولاتهم الخروج من الفاشر.

وكشفت صور الأقمار الصناعية التي حللها "مختبر البحوث الإنسانية" بجامعة ييل الأمريكية، بحسب "فرانس برس"، أن قوات الدعم السريع بنت جداراً بطول 68 كيلومتراً حول الفاشر، لا يترك سوى مخرج واحد يتعرض فيه المدنيون للابتزاز مقابل العبور.

وفي المدينة نفسها، قالت حليمة عيسى، وهي أم لثلاثة أطفال فقدت زوجها في قصف مدفعي، إن أسرتها تعتمد على "وجبة التكية"، وهو مطبخ عام يقدم وجبات مجانية للسكان. وأضافت: "حين تتوقف التكية عن العمل لا نأكل، وإذا مرض أحد الأطفال لا علاج".

وبحسب "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر"، بلغ سعر جوال الأمبز أكثر من مليوني جنيه سوداني (نحو 600 دولار)، وهو مبلغ لا تستطيع معظم الأسر تحمله.

وفي شهادة لطبيب من مستشفى الفاشر ـ طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية ـ قال للوكالة إنه لم يغادر المستشفى منذ ثلاثة أشهر بسبب "نقص الأدوية حتى الشاش الذي نغطي به الجروح انعدم"، مضيفا أن الطاقم الطبي اضطر لاستخدام "قماش الناموسيات لربط الجروح"، وأن تعقيم الأدوات الطبية أصبح شبه مستحيل لانعدام المعقمات.




وأوصفت "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر" المدينة بأنها "مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات"، مشيرة في بيان إلى أن "القذائف تنهمر كما المطر"، وأن "الأجساد تُنتشل من تحت الركام بلا أسماء ولا وجوه، فقط أرقام في سجل طويل من المجازر".

أما في جنوب كردفان، فقالت هاجر جمعة (28 عاما) إن قوات الدعم السريع تحاصر مدينة كادوقلي بالكامل، مضيفة: "نحصل على وجبة واحدة في اليوم، وفي كثير من الأيام لا وجبات نهائياً، فنلجأ لأوراق الشجر والنباتات".

وأكد الطبيب المتطوع حسن أحمد من مستشفى الأطفال في كادوقلي أن "الناس يموتون كل يوم أمامنا، وكان من السهل إنقاذهم في الظروف العادية"، مشيراً إلى أن الصيدليات شبه فارغة ولا توجد أدوية.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من أن 63 ألف طفل يعانون سوء تغذية حادا في جنوب كردفان.

كما شمل الحصار مدينة ديلينغ، حيث قال مجاهد موسى (22 عاما) إن الأسعار "تتضاعف يوميا"، ما يدفع الكثير من السكان إلى الفرار نحو القرى المجاورة.

وأوضح الصديق عيسى، المتطوع في إحدى مجموعات الإغاثة، أن "الأجهزة الأمنية" استولت على شحنة من بسكويت الأطفال كانت أرسلتها "يونيسف"، مشيراً إلى أن الجيش باع محتوياتها في الأسواق.

كما نقلت "فرانس برس" عن شهود قولهم إن الجيش احتجز شحنة مساعدات أخرى من برنامج الأغذية العالمي دون توزيعها على المحتاجين.




وفي سياق متصل، أدانت المحكمة الجنائية الدولية، الأسبوع الماضي، علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم "علي كوشايب"، كأول قائد ميليشيا يحاكم على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور السوداني قبل أكثر من عشرين عامًا.

ووجهت المحكمة إلى كوشايب 27 تهمة تشمل القتل، والاغتصاب، والاضطهاد، والتعذيب، فيما ستُحدد عقوبته في جلسات لاحقة.

مقالات مشابهة

  • بعد تجدد القتال.. رئيس جنوب السودان يقيل قائد الجيش بعد 3 أشهر ويعيد سلفه
  • كبد الدعم السريع خسائر فادحة.. الجيش السوداني يستعيد مواقع إستراتيجية بالفاشر
  • الجيش السوداني يطلق أكبر عملياته منذ بداية الحرب
  • الجيش السوداني يسيطر على مواقع دفاعية في الفاشر وقتلى بقصف للدعم السريع
  • عبد العزيز الحلو يفاجئ “الدعم السريع” بخطوة غير متوقعة.. التحالف على كف عفريت
  • مجزرة في مستشفي الفاشر.. مقتل 12 شخصا وإصابة 17 آخرين في قصف للدعم السريع
  • «الدعم السريع» تفرج عن عناصر من الشرطة بشرق دارفور
  • الجيش السوداني يمد قواته في الفاشر والدعم السريع يعلن إسقاط مسيرة
  • سودانيون يأكلون أوراق الشجر وسط حصار ومجاعة في دارفور وكردفان
  • المحكمة الجنائية الدولية تدين قائداً في ميليشيا الجنجويد السودانية بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية