تقسيم الماء بالليزر لإنتاج الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
يعتبر الهيدروجين (H2) وبيروكسيد الهيدروجين (H2O2) من المواد الخام وحاملات الطاقة المهمة للصناعة. ولكن الطرق التقليدية لإنتاج هاتين المادتين تعتمد على محفزات معقدة وخطوات وسيطة متعددة، كما أنها طرق مكلفة وذات كفاءة منخفضة وينتج عنها تلوث بيئي.
وقدمت دراسة جديدة طريقة مباشرة عالية الكفاءة وصديقة للبيئة لتقسيم الماء بالليزر بغرض توليد H2 و H2O2 في الوقت نفسه وفي الظروف المحيطة العادية ودون استخدام أي محفزات.
قام على الدراسة مجموعة من الباحثين الصينيين بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين ومختبر الدولة الرئيسي للمواد والتقنيات الإلكترونية البصرية، ونشرت في موقع مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) في 23 فبراير/شباط الماضي.
طريقة العملفي هذه الطريقة يُركَّز الليزر تحت سطح الماء النقي، حيث يُستخدم ليزر نابض عالي الطاقة على شكل نبضات فائقة السرعة. وتجري عملية تقسيم الماء في مفاعل كوارتز أسطواني مغلق مصمم خصيصا لهذا الغرض يحتوي على 250 مل من الماء النقي. وعند تشعيع الليزر النبضي في الماء تتحلل جزيئات الماء السائل بعنف إلى جزيئات نشطة، مما يؤدي إلى ظهور فقاعات نانوية صغيرة.
وتتميز هذه الفقاعات الناتجة عن الليزر بارتفاع كبير جدا في درجات الحرارة يمكن أن يصل إلى "10⁴ كلفن"، وتولِّد هذه الفقاعات المستحثة بالليزر بيئة دقيقة مثالية لتفاعلات تقسيم الماء بدون أي محفزات بسبب درجة حرارتها المرتفعة جدا، إذ إنه من الناحية الديناميكية الحرارية، يمكن لجزيئات الماء أن تتحلل بسرعة عند درجات الحرارة المرتفعة.
بعد هذا الارتفاع الكبير في درجة الحرارة يحدث تبريد سريع للفقاعات بمعدل عالٍ يبلغ نحو "10¹⁰ كلفن/ثانية" بفعل الماء السائل المحيط، ويوقف هذا التبريد السريع التفاعلات بسرعة ويمنع التفاعلات العكسية، فيمكن بسهولة عودة H2 و H2O2 إلى الماء في حالة عدم التبريد السريع. وفي النهاية عند انهيار الفقاعات، يُطلق H2 بينما يظل H2O2 مذابا في الماء.
ويلاحظ هنا أن درجة الحرارة المرتفعة العابرة والتبريد السريع هما جوهر هذه التقنية.
وبالنسبة لليزر النابض تُستخدم نبضات متقطعة قصيرة جدا، تبلغ مدة كل نبضة ليزر 10 نانوثانية وتردد 10 هرتزات، فهذه الطريقة عبارة عن عملية متقطعة لتقسيم الماء تشبه طريقة "دفعة تلو الأخرى".
وتعتمد كفاءة تحويل طاقة الليزر الضوئية بغرض تقسيم الماء؛ على الليزر المستخدم، وبالتالي تعتمد على التقدم في علوم وتكنولوجيا الليزر، إذ يمكن لطاقة نبض الليزر العالية وتكرار نبض الليزر أن يزيد بشكل فعال كفاءة تقسيم الماء. ومن المعتقد أنه مع تطور علوم وتكنولوجيا الليزر يمكن أن تنخفض كلفة الليزر بشكل سريع، كما أن سعر الليزر انخفض بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية.
ويعمل الليزر المستخدم في هذه الدراسة بالطاقة الكهربائية. ولكن الكهرباء ليست الوسيلة الوحيدة لتشغيل الليزر. وقد أظهرت العديد من الدراسات السابقة أن الضوء الشمسي يمكن تحويله بكفاءة إلى ليزر. ولذا فإن تقسيم الماء بواسطة أشعة الليزر التي تعمل بالطاقة الشمسية يعتبر حلا عمليا وطريقة قابلة للتطبيق.
(مقطع لعملية تقسيم الماء بالليزر في مفاعل الكوارتز الأسطواني المغلق المصمم خصيصًا لهذه العملية ويحتوي على 250 مل من الماء النقي)
كفاءة الطريقةتُحقق هذه الطريقة لتقسيم الماء مباشرة بالليزر كفاءة مذهلة في تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية، مع معدلات إنتاج H2 وH2O2 عالية في منطقة تفاعل محدودة خلال زمن رد فعل قصير جدا. كل هذا يحدث في ظل ظروف درجة حرارة الغرفة والضغط الجوي العادي، ومن دون استخدام أي محفزات، ودون أي آثار بيئية ضارة.
(مقطع يُظهر الفقاعات التي تحتوي على المنتجات الغازية تتولد حول نقطة تركيز الليزر أثناء عملية تقسيم الماء المستحثة بالليزر)
طرق تقليدية تُستخدم حالياالهيدروجين هو العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الكون، لكن إنتاجه بشكل نقي لاستخدامه في مجموعة من العمليات الصناعية يتطلب طاقة مكثفة تؤدي إلى انبعاثات كربونية كبيرة ملوثة للبيئة.
ويعتمد الحصول على الهيدروجين في الطرق التقليدية على مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، ويُشتق عادة من الوقود الأحفوري، إذ يَنتج الهيدروجين من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وذلك عن طريق تسخين الغاز إلى درجات حرارة عالية في وجود بخار ومحفز، وهو ما يتسبب بتفكك جزيئات الميثان وتشكيل أول أكسيد الكربون والهيدروجين.
وعلى الرغم من أن هذه الطريقة هي الأكثر انتشارا وأقل كلفة، فإنها بسبب الانبعاثات الكربونية التي تنتج عنها غير محبذة في ضوء التحول العالمي إلى إنتاح الطاقة النظيفة غير الملوثة للبيئة. ويُعد أيضا التحفيز الكهربائي والتحفيز الضوئي من الطرق الشائعة المستخدمة لإنتاج الهيدروجين من الماء، ولكن هاتين الطريقتين تتطلبان عادة محفزات معقدة وعمليات تحفيزية مملة.
وبالنسبة للطرق التقليدية لإنتاج بيروكسيد الهيدروجين، فتُستخدم طرق التحليل الكهربائي والأكسدة التلقائية للأنثراكينون، وأكسدة الأيزوبروبانول، واختزال الأكسجين الكهروكيميائي بشكل شائع في إنتاج بيروكسيد الهيدروجين.
وعلى الرغم من أن طريقة إنتاج بيروكسيد الهيدروجين عن طريق الأكسدة التلقائية للأنثراكينون طريقة منخفضة التكاليف وتمثل أكثر من 95% من الإنتاج العالمي لبيروكسيد الهيدروجين، فإنها طريقة كثيفة الاستهلاك للطاقة وتسبب تلوثا للبيئة.
زادت أهمية الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين في الإنتاج الصناعي والحياة اليومية كطاقة خضراء غير ملوثة للبيئة. وتكمن أهمية الهيدروجين باعتباره طاقة نظيفة ومتجددة ذات كثافة طاقية وقيمة حرارية عاليتين، ولا ينتج عن استخدامه ثاني أكسيد الكربون. ويُعتبر الهيدروجين موردا ضروريا لحل أزمة الطاقة والبيئة الحالية، ولكن الهيدروجين في حد ذاته ليس مصدرا للطاقة، فهو ليس طاقة أولية موجودة بشكل حر في الطبيعة، ولكن الهيدروجين شكل ثانوي من أشكال الطاقة التي يجب تصنيعها مثل الكهرباء، فهو حامل للطاقة.
وبالرغم من أن الهيدروجين هو أصغر جزيء في الكون، فإنه يتمتع بإمكانات هائلة، إذ يُستخدم في العمليات الصناعية بداية من إنتاج الوقود الصناعي والبتروكيماويات إلى تصنيع أشباه الموصلات، وهو غاز قابل للحرق داخل المحركات، كما يمكن استخدامه في خلايا الوقود لتشغيل المركبات الكهربائية، أو إنتاج الكهرباء أو توليد الحرارة، ويمكن أن يكون مادة خام أولية في منتجات كيميائية أخرى مثل الأمونيا وهي من أهم المواد الكيميائية الأساسية في إنتاج الأسمدة النتروجينية، والميثانول الذي يستخدم في إنتاج البلاستيك. كما أنه يمكن تخزين الهيدروجين ومشتقاته في صهاريج أو قباب ملحية، وتكمن ميزة الطاقة المخزنة في أنه يمكن استخدامها على المدى البعيد. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فقد تضاعف الطلب على الهيدروجين أكثر من ثلاث مرات منذ عام 1975.
أما بالنسبة لبيروكسيد الهيدروجين فهو مادة خام مؤكسدة ويُستخدم مطهرا في مجال الطب والرعاية الصحية والصناعات الدوائية، ويستخدم أيضا في تطبيقات كثيرة أخرى مثل عمليات التبييض والأكسدة. كما أنه مادة غير ملوثة من الناحية البيئية، ولذلك كان هناك زيادة في الاستخدام الصناعي لبيروكسيد الهيدروجين على مدى السنوات الـ15 الماضية.
وبالنسبة لصناعة النسيج، يُستخدم بيروكسيد الهيدروجين في تبييض ألياف القطن والكتان والبوليستر والبولي يوريثان، كما يستخدم أيضا للتبييض في صناعة الأخشاب والورق، ويمكن استخدامه لتبييض الشعر البشري.
وفي الصناعات الكيميائية يستخدم في إنتاج مواد كيميائية عدة. كما يستخدم كمادة كيميائية للتنظيف والحفر، ويستخدم في إنتاج رقائق أشباه الموصلات.
أما بالنسبة للتطبيقات البيئية، فيُستخدم بيروكسيد الهيدروجين في تنقية مياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الصحي المحتوية على السيانيد، كما يمكن أيضا استخدامه بتركيزات صغيرة نسبيا كمادة كيميائية مطهرة في حمامات السباحة.
ونظرًا لأهمية الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين واستخداماتهما المتعددة، فإن الحاجة ماسة لطرق خضراء غير ملوثة للبيئة لإنتاجهما، وبالمقارنة مع طرق إنتاجهما التحفيزية التقليدية، فإن تقنية تقسيم الماء بالليزر بسيطة ونظيفة ويمكن تشغيلها في درجة حرارة الغرفة والضغط التقليدي دون أي محفزات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الهیدروجین فی هذه الطریقة ستخدم فی فی إنتاج ی ستخدم کما أن
إقرأ أيضاً:
كيف حدث فيضان النيل الأخير؟
نشأتُ في ريف دلتا مصر، وبالتحديد، في محافظة المنوفية التي غرقت بعض قراها في الفيضان الأخير، وخلال خمس وستين سنة، هي سنوات عمري، لم أر خلالها ولم أسمع أن فيضانا أغرق قرى وأراض زراعية في الدلتا..
إنها سابقة لم أشهد مثلها، فكان من البديهي أن أبحث في أسبابها، وبحثت، وكانت النتيجة صادمة؛ هذا الفيضان تم بفعل فاعل، والفاعل هي حكومة الانقلاب في مصر، وليس سد النهضة الإثيوبي، كما ظن معظم المصريين، إن لم يكن كلهم، عدا الخبراء وذوي الاختصاص!
المعلومة "المؤكدة" التي ساقها خبير السدود الدكتور محمد حافظ في لقائه مع الإعلامي محمد ناصر على قناة مكملين تقول بكل وضوح: فيضان سد النهضة الإثيوبي الذي ضرب السودان مؤخرا، ستصل مياهه إلى بحيرة ناصر جنوب السد العالي يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ نشر هذا المقال. فمن أين جاءت مياه الفيضان التي أغرقت 6 قرى في دلتا مصر بالإضافة إلى مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، لأول مرة خلال 65 سنة؟!
للإجابة على السؤال يجب أن نفهم أولا مصطلح هندسة الري..
ماذا يعني مصطلح هندسة الري؟
هندسة الري هي علم وفن تنظيم وتوزيع المياه على الأراضي الزراعية بطريقة تحقق الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وتضمن إنتاجا زراعيا مستداما، مع الحفاظ على التربة والبيئة. تقوم فكرتها الجوهرية على ثلاثة أعمدة متكاملة:
أولا: التحكم في كمية وتوقيت المياه: أي إيصال المياه إلى الزراعات في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة، دون زيادة تؤدي إلى تشبع التربة أو نقص يسبب الجفاف. يتم ذلك عبر تصميم شبكات ري دقيقة تشمل القنوات، والمواسير، والمضخات، والصمامات، وفقا لطبيعة الأرض والمحصول.
ثانيا: تصميم أنظمة توزيع فعّالة: أي اختيار النظام الأنسب: الري السطحي، الري بالرش، أو الري بالتنقيط، حسب نوع التربة، المناخ، والمحصول. يتم حساب الانحدارات، والتدفقات، والضغط بدقة لضمان توزيع متوازن للمياه. تُراعى في التصميم الطبوغرافيا (تضاريس الأرض)؛ لتجنب الغمر أو التآكل.
ثالثا: الحفاظ على الموارد والتربة: أي تقليل الفاقد من المياه بالتبخر أو التسرب، وتحسين كفاءة الاستخدام. تُستخدم تقنيات مثل الري الذكي الذي يعتمد على أجهزة استشعار لرصد رطوبة التربة واحتياجات النبات. كما تُراعى حماية التربة من التملّح أو الانجراف، عبر التحكم في كمية المياه وسرعة تدفقها.
السدود والقناطر النيلية
1- السد العالي (أسوان): أُنشئ بين عامي 1960 و1970.. يُعد أهم سد في مصر، حيث يتحكم في تدفق مياه النيل، ويمنع الفيضانات، ويوفر الري الدائم.. يُكوّن خلفه بحيرة ناصر، وهي من أكبر الخزانات الصناعية في العالم.
2- خزان أسوان القديم: بُني عام 1902، ثم رُفع مرتين (1912 و1933). كان يُستخدم لتنظيم الفيضان قبل إنشاء السد العالي.. لا يزال قائما ويُستخدم في تنظيم التدفقات المائية.
3- قناطر محمد علي (قناطر الدلتا القديمة): أُنشئت عام 1847 على فرع دمياط.. تُعد أول منشأة هندسية لتنظيم الري في مصر الحديثة.
4- القناطر الخيرية: بُنيت عام 1862 على فرعي دمياط ورشيد شمال القاهرة.. تُستخدم لتنظيم توزيع المياه إلى ترع الدلتا الكبرى مثل المنصورية، الإسماعيلية، والرياح التوفيقي.
5- قناطر إدفينا: تقع على فرع رشيد، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة إلى شمال الدلتا.
6- قناطر زفتى: تقع على فرع دمياط، وتُستخدم في تنظيم المياه المتجهة إلى ترعة بنها وترعة الشرقاوية.
7- قناطر نجع حمادي الجديدة والقديمة: تقع في صعيد مصر، وتخدم ترعة الفؤادية وترعة نجع حمادي.
8- قناطر إسنا: تقع جنوب الأقصر، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة شمالا، وتسهيل الملاحة النهرية.
9- قناطر أسيوط الجديدة: أنشئت حديثا لتحل محل القناطر القديمة، وتُستخدم في الري وتوليد الكهرباء.
إذن التصرف في المياه (حبسا وإطلاقا) يخضع لحسابات دقيقة، ومعايير محددة، ما دام عامل الكوارث الطبيعية الخارجة عن السيطرة غير قائم..
وبما أن الفيضان الأخير الذي أغرق ست قرى مصرية، ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، وأراضي طرح النهر، بالإضافة إلى نحو 200 جزيرة نيلية لم يكن نتيجة "كارثة طبيعية" خارجة عن السيطرة، فهذا يعني أننا أمام جريمة مكتملة الأركان تم ارتكابها عن سابق قصد وتصميم! وليس بوسع أي جهة ارتكاب مثل هذه الجريمة إلا وزارة الري. فقرار "كارثي" كهذا (معروف المآلات) لا يمكن أن يصدر عن الوزير الذي هو مجرد سكرتير لدى رئيس عصابة الانقلاب. هنا يأتي السؤال: لماذا ارتكبت حكومة الانقلاب هذه الجريمة الشنعاء التي تستوجب تغيير النظام نفسه وليس الحكومة فحسب؟
أزمة جزيرة الوراق
لعلكم سمعتم بأزمة جزيرة الوراق.. ولمن لا يعرف، فإن أزمة جزيرة الوراق التي تقع في قلب النيل شمال القاهرة، بدأت منذ عام 2017 على إثر محاولة نظام الانقلاب نزع ملكية أرض الجزيرة وإخلائها من سكانها قسريا، تمهيدا لتحويلها إلى مشروع استثماري (إماراتي) ضخم يحمل اسم "مدينة حورس".. نزاع عمره خمس سنوات، لم تفلح سلطة الانقلاب في حسمه لصالحها، رغم الأساليب الأمنية الخشنة التي انتهجتها مع أهالي الجزيرة لإجلائهم قسرا منها.. فكان "الطمر بالماء" هو الحل، وكان "الطوفان".
أزمة أراضي طرح النهر
أراضي طرح النهر هي أراضٍ منخفضة تقع داخل حرم نهر النيل، وتُستخدم تقليديا للزراعة أو البناء المؤقت، لكنها معرضة للغمر عند ارتفاع مناسيب المياه.. كانت هذه الأراضي تُدار سابقا من قبل وزارة الموارد المائية والري، وتُمنح بحق انتفاع مؤقت للجهات الحكومية أو الأفراد.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، استحوذ الجيش المصري (فعليا) على أراضي "طرح النهر"، حين قررت إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة إلغاء/ وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لتلك الأراضي، بناء على توجيهات "رئاسية".
هذا القرار شمل شريطا مائيا على جانبي نهر النيل يمتد من شبرا الخيمة شمالا حتى حلوان جنوبا، ويضم منشآت تعليمية وصحية وترفيهية وثقافية، مثل نوادي القضاة وأعضاء هيئة التدريس.
منذ صدور هذا القرار "الفوقي" نشب نزاع قانوني بين المنتفعين والمستأجرين من جانب والسلطة من جانب آخر، واختصارا للوقت، واستعجالا لتحصيل "الرز" الإماراتي، كان "الطمر بالماء" هو الحل، فكان "الطوفان".
دلالات الاستحواذ العسكري:
1. إعادة تعريف الملكية العامة.. القرار يعكس تحولا في مفهوم "الملكية العامة"، من كونها مساحة خدمية مخصصة للمواطنين، إلى أصل قابل للتوظيف الاستثماري. هذا يتماشى مع توجهات الدولة نحو تحويل المجال العام إلى أداة إنتاج رأسمالي، حيث تُعاد هندسة المدن والضفاف وفق منطق الربح، لا الخدمة.
2. عسكرة المجال العمراني.. نقل إدارة أراضي النيل إلى القوات المسلحة يُعد امتدادا لظاهرة "عسكرة المجال العام"، حيث تتولى المؤسسة العسكرية إدارة قطاعات مدنية، من الإسكان إلى الزراعة، مرورا بالبنية التحتية. هذا يُضعف الرقابة المدنية، ويُعقّد آليات المساءلة، ويُحول التخطيط العمراني إلى قرار فوقي غير قابل للنقاش.
3. تهميش المؤسسات المدنية.. الجهات التي طُلب منها الإخلاء تشمل مؤسسات تعليمية (جامعة حلوان)، صحية (قصر العيني)، ثقافية (المسرح العائم)، وقضائية (نوادي القضاة). هذا يُشير إلى تراجع دور المؤسسات المدنية في إدارة المجال العام، لصالح منطق مركزي يُعيد توزيع الأراضي وفق أولويات غير معلنة.
إذن نحن أمام فيضان مصطنع، الهدف منه إزاحة عقبتي جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر من طريق محمد بن زايد الذي يقضم كل يوم جزءا من مصر، مقابل حفنة من "الرز" يذهب بعضها لسداد ديون لم ير الشعب المصري أثرا لها في حياته، ويبتلع ثقب ياسر جلال الأسود بعضها الآخر، وليغرق أهل الدلتا، وتهدم بيوتهم، وتهلك محاصيلهم، وليُحرم المصريون من حقهم الطبيعي في النظر إلى نيلهم.
قد يقول قائل: لقد ذهبت بعيدا جدا.. وأقول له: حسنا.. راقب ما سيحدث في جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر، بعد عودة مياه النيل إلى منسوبها الطبيعي، وساعتها يكون لنا حديث آخر.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com