عربي21:
2025-10-08@02:52:04 GMT

كيف حدث فيضان النيل الأخير في مصر؟

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

نشأتُ في ريف دلتا مصر، وبالتحديد، في محافظة المنوفية التي غرقت بعض قراها في الفيضان الأخير، وخلال خمس وستين سنة، هي سنوات عمري، لم أر خلالها ولم أسمع أن فيضانا أغرق قرى وأراض زراعية في الدلتا..

إنها سابقة لم أشهد مثلها، فكان من البديهي أن أبحث في أسبابها، وبحثت، وكانت النتيجة صادمة؛ هذا الفيضان تم بفعل فاعل، والفاعل هي حكومة الانقلاب في مصر، وليس سد النهضة الإثيوبي، كما ظن معظم المصريين، إن لم يكن كلهم، عدا الخبراء وذوي الاختصاص!

المعلومة "المؤكدة" التي ساقها خبير السدود الدكتور محمد حافظ في لقائه مع الإعلامي محمد ناصر على قناة مكملين تقول بكل وضوح: فيضان سد النهضة الإثيوبي الذي ضرب السودان مؤخرا، ستصل مياهه إلى بحيرة ناصر جنوب السد العالي يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ نشر هذا المقال.

فمن أين جاءت مياه الفيضان التي أغرقت 6 قرى في دلتا مصر بالإضافة إلى مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، لأول مرة خلال 65 سنة؟!

للإجابة على السؤال يجب أن نفهم أولا مصطلح هندسة الري..
فيضان سد النهضة الإثيوبي الذي ضرب السودان مؤخرا، ستصل مياهه إلى بحيرة ناصر جنوب السد العالي يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ نشر هذا المقال. فمن أين جاءت مياه الفيضان التي أغرقت 6 قرى في دلتا مصر بالإضافة إلى مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، لأول مرة خلال 65 سنة؟!
ماذا يعني مصطلح هندسة الري؟

هندسة الري هي علم وفن تنظيم وتوزيع المياه على الأراضي الزراعية بطريقة تحقق الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وتضمن إنتاجا زراعيا مستداما، مع الحفاظ على التربة والبيئة. تقوم فكرتها الجوهرية على ثلاثة أعمدة متكاملة:

أولا: التحكم في كمية وتوقيت المياه: أي إيصال المياه إلى الزراعات في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة، دون زيادة تؤدي إلى تشبع التربة أو نقص يسبب الجفاف. يتم ذلك عبر تصميم شبكات ري دقيقة تشمل القنوات، والمواسير، والمضخات، والصمامات، وفقا لطبيعة الأرض والمحصول.

ثانيا: تصميم أنظمة توزيع فعّالة: أي اختيار النظام الأنسب: الري السطحي، الري بالرش، أو الري بالتنقيط، حسب نوع التربة، المناخ، والمحصول. يتم حساب الانحدارات، والتدفقات، والضغط بدقة لضمان توزيع متوازن للمياه. تُراعى في التصميم الطبوغرافيا (تضاريس الأرض)؛ لتجنب الغمر أو التآكل.

ثالثا: الحفاظ على الموارد والتربة: أي تقليل الفاقد من المياه بالتبخر أو التسرب، وتحسين كفاءة الاستخدام. تُستخدم تقنيات مثل الري الذكي الذي يعتمد على أجهزة استشعار لرصد رطوبة التربة واحتياجات النبات. كما تُراعى حماية التربة من التملّح أو الانجراف، عبر التحكم في كمية المياه وسرعة تدفقها.

السدود والقناطر النيلية

1- السد العالي (أسوان): أُنشئ بين عامي 1960 و1970.. يُعد أهم سد في مصر، حيث يتحكم في تدفق مياه النيل، ويمنع الفيضانات، ويوفر الري الدائم.. يُكوّن خلفه بحيرة ناصر، وهي من أكبر الخزانات الصناعية في العالم.

2- خزان أسوان القديم: بُني عام 1902، ثم رُفع مرتين (1912 و1933). كان يُستخدم لتنظيم الفيضان قبل إنشاء السد العالي.. لا يزال قائما ويُستخدم في تنظيم التدفقات المائية.

3- قناطر محمد علي (قناطر الدلتا القديمة): أُنشئت عام 1847 على فرع دمياط.. تُعد أول منشأة هندسية لتنظيم الري في مصر الحديثة.

4- القناطر الخيرية: بُنيت عام 1862 على فرعي دمياط ورشيد شمال القاهرة.. تُستخدم لتنظيم توزيع المياه إلى ترع الدلتا الكبرى مثل المنصورية، الإسماعيلية، والرياح التوفيقي.

5- قناطر إدفينا: تقع على فرع رشيد، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة إلى شمال الدلتا.

6- قناطر زفتى: تقع على فرع دمياط، وتُستخدم في تنظيم المياه المتجهة إلى ترعة بنها وترعة الشرقاوية.

7- قناطر نجع حمادي الجديدة والقديمة: تقع في صعيد مصر، وتخدم ترعة الفؤادية وترعة نجع حمادي.

8- قناطر إسنا: تقع جنوب الأقصر، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة شمالا، وتسهيل الملاحة النهرية.

9- قناطر أسيوط الجديدة: أنشئت حديثا لتحل محل القناطر القديمة، وتُستخدم في الري وتوليد الكهرباء.

إذن التصرف في المياه (حبسا وإطلاقا) يخضع لحسابات دقيقة، ومعايير محددة، ما دام عامل الكوارث الطبيعية الخارجة عن السيطرة غير قائم..

وبما أن الفيضان الأخير الذي أغرق ست قرى مصرية، ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، وأراضي طرح النهر، بالإضافة إلى نحو 200 جزيرة نيلية لم يكن نتيجة "كارثة طبيعية" خارجة عن السيطرة، فهذا يعني أننا أمام جريمة مكتملة الأركان تم ارتكابها عن سابق قصد وتصميم! وليس بوسع أي جهة ارتكاب مثل هذه الجريمة إلا وزارة الري. فقرار "كارثي" كهذا (معروف المآلات) لا يمكن أن يصدر عن الوزير الذي هو مجرد سكرتير لدى رئيس عصابة الانقلاب. هنا يأتي السؤال: لماذا ارتكبت حكومة الانقلاب هذه الجريمة الشنعاء التي تستوجب تغيير النظام نفسه وليس الحكومة فحسب؟

أزمة جزيرة الوراق

لعلكم سمعتم بأزمة جزيرة الوراق.. ولمن لا يعرف، فإن أزمة جزيرة الوراق التي تقع في قلب النيل شمال القاهرة، بدأت منذ عام 2017 على إثر محاولة نظام الانقلاب نزع ملكية أرض الجزيرة وإخلائها من سكانها قسريا، تمهيدا لتحويلها إلى مشروع استثماري (إماراتي) ضخم يحمل اسم "مدينة حورس".. نزاع عمره خمس سنوات، لم تفلح سلطة الانقلاب في حسمه لصالحها، رغم الأساليب الأمنية الخشنة التي انتهجتها مع أهالي الجزيرة لإجلائهم قسرا منها.. فكان "الطمر بالماء" هو الحل، وكان "الطوفان".

أزمة أراضي طرح النهر

أراضي طرح النهر هي أراضٍ منخفضة تقع داخل حرم نهر النيل، وتُستخدم تقليديا للزراعة أو البناء المؤقت، لكنها معرضة للغمر عند ارتفاع مناسيب المياه.. كانت هذه الأراضي تُدار سابقا من قبل وزارة الموارد المائية والري، وتُمنح بحق انتفاع مؤقت للجهات الحكومية أو الأفراد.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، استحوذ الجيش المصري (فعليا) على أراضي "طرح النهر"، حين قررت إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة إلغاء/ وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لتلك الأراضي، بناء على توجيهات "رئاسية".

نحن أمام فيضان مصطنع، الهدف منه إزاحة عقبتي جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر من طريق محمد بن زايد الذي يقضم كل يوم جزءا من مصر، مقابل حفنة من "الرز" يذهب بعضها لسداد ديون لم ير الشعب المصري أثرا لها في حياته
هذا القرار شمل شريطا مائيا على جانبي نهر النيل يمتد من شبرا الخيمة شمالا حتى حلوان جنوبا، ويضم منشآت تعليمية وصحية وترفيهية وثقافية، مثل نوادي القضاة وأعضاء هيئة التدريس.

منذ صدور هذا القرار "الفوقي" نشب نزاع قانوني بين المنتفعين والمستأجرين من جانب والسلطة من جانب آخر، واختصارا للوقت، واستعجالا لتحصيل "الرز" الإماراتي، كان "الطمر بالماء" هو الحل، فكان "الطوفان".

دلالات الاستحواذ العسكري:

1. إعادة تعريف الملكية العامة.. القرار يعكس تحولا في مفهوم "الملكية العامة"، من كونها مساحة خدمية مخصصة للمواطنين، إلى أصل قابل للتوظيف الاستثماري. هذا يتماشى مع توجهات الدولة نحو تحويل المجال العام إلى أداة إنتاج رأسمالي، حيث تُعاد هندسة المدن والضفاف وفق منطق الربح، لا الخدمة.

2. عسكرة المجال العمراني.. نقل إدارة أراضي النيل إلى القوات المسلحة يُعد امتدادا لظاهرة "عسكرة المجال العام"، حيث تتولى المؤسسة العسكرية إدارة قطاعات مدنية، من الإسكان إلى الزراعة، مرورا بالبنية التحتية. هذا يُضعف الرقابة المدنية، ويُعقّد آليات المساءلة، ويُحول التخطيط العمراني إلى قرار فوقي غير قابل للنقاش.

3. تهميش المؤسسات المدنية.. الجهات التي طُلب منها الإخلاء تشمل مؤسسات تعليمية (جامعة حلوان)، صحية (قصر العيني)، ثقافية (المسرح العائم)، وقضائية (نوادي القضاة). هذا يُشير إلى تراجع دور المؤسسات المدنية في إدارة المجال العام، لصالح منطق مركزي يُعيد توزيع الأراضي وفق أولويات غير معلنة.

إذن نحن أمام فيضان مصطنع، الهدف منه إزاحة عقبتي جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر من طريق محمد بن زايد الذي يقضم كل يوم جزءا من مصر، مقابل حفنة من "الرز" يذهب بعضها لسداد ديون لم ير الشعب المصري أثرا لها في حياته، ويبتلع ثقب ياسر جلال الأسود بعضها الآخر، وليغرق أهل الدلتا، وتهدم بيوتهم، وتهلك محاصيلهم، وليُحرم المصريون من حقهم الطبيعي في النظر إلى نيلهم.

قد يقول قائل: لقد ذهبت بعيدا جدا.. وأقول له: حسنا.. راقب ما سيحدث في جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر، بعد عودة مياه النيل إلى منسوبها الطبيعي، وساعتها يكون لنا حديث آخر.

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مصر الفيضان سد النهضة السد العالي النيلية مصر السد العالي سد النهضة فيضان النيل قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأراضی الزراعیة أراضی طرح النهر جزیرة الوراق السد العالی ت ستخدم فی مصر

إقرأ أيضاً:

وزير الري الأسبق: أديس أبابا تفتقد الخبرة في إدارة السد الإثيوبي وتسببت بفيضان السودان

قال الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، إن البيان الرسمي الذي أصدرته مصر مؤخرًا، وأشار بوضوح إلى أن ما حدث من فيضانات واضطرابات مائية في السودان، كان نتيجة مباشرة للأفعال "المتهورة" من الجانب الإثيوبي في إدارة السد الإثيوبي، يُعد رسالة تحذير واضحة لكل من مصر والسودان.

وأضاف خلال استضافته ببرنامج "ستوديو إكسترا"، المذاع على قناة:إكسترا نيوز"، ويقدمه الإعلامي محمود السعيد: "ما حدث بمثابة إنذار حقيقي. حتى لو افترضنا حسن النية من الجانب الإثيوبي، فإن ضعف الخبرة وسوء الإدارة تحت ضغط الطوارئ المائية يُظهر خللًا كبيرًا، من غير المنطقي أن يتم ملء السد بالكامل دون ترك مساحة لفيضانات الطوارئ، كما هو الحال في أي سد محترف مثل السد العالي، الذي يُترك فيه هامش للتعامل مع الظروف غير المتوقعة".

وتابع: "عندما فاضت المياه بشكل غير محسوب، وجد الإثيوبيون أنفسهم أمام خيارين: إما ترك المياه تتجاوز جسم السد، وهو ما قد يؤدي إلى انهياره، أو تصريف كميات ضخمة دفعة واحدة لحمايته، وهو ما حدث بالفعل، هذه الكميات تم توجيهها مباشرة نحو السودان، وليس إلى داخل إثيوبيا، تجنبًا لتأثيراتها السلبية على الداخل الإثيوبي، مما تسبب في خسائر كبيرة للسودان".

وأوضح وزير الري الأسبق أن هذه الكميات بعد مرورها من السودان، وصلت إلى مصر في توقيت صعب، لكنه لم يكن مؤثرًا بشدة على الوضع المائي المصري، قائلًا: "لحسن الحظ، هذا التدفق المفاجئ من المياه تزامن مع نهاية موسم الفيضان ونهاية الموسم الصيفي للزراعة، ما يعني انخفاض الاحتياجات المائية في مصر، كما أن السد العالي كان ممتلئًا بشكل مناسب، مما مكننا من استيعاب الصدمة بدون خسائر كبيرة".

مقالات مشابهة

  • بوتين يكشف مساحة الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا
  • كيف حدث فيضان النيل الأخير؟
  • ”الري“ تضخ 40 مليون م³ في أودية القنفذة لدعم المزارعين
  • أحمد عمر هاشم.. تفاصيل الهدية التي سترافق الراحل إلى مثواه الأخير
  • الكشف عن تفاصيل مذهلة في الحلبة.. كنز طبيعي لصحة الجسم وجمال البشرة والشعر
  • أبرز فوائد جوز النمر..من مصر واسبانيا إلى العالم
  • فيضان زانكلين الضخم.. قصة حدث ضخم غير مسار البحر المتوسط
  • وزير الري الاسبق يكشف الأسباب الحقيقية لفيضان النيل
  • وزير الري الأسبق: أديس أبابا تفتقد الخبرة في إدارة السد الإثيوبي وتسببت بفيضان السودان