نشأتُ في ريف دلتا مصر، وبالتحديد، في محافظة المنوفية التي غرقت بعض قراها في الفيضان الأخير، وخلال خمس وستين سنة، هي سنوات عمري، لم أر خلالها ولم أسمع أن فيضانا أغرق قرى وأراض زراعية في الدلتا..
إنها سابقة لم أشهد مثلها، فكان من البديهي أن أبحث في أسبابها، وبحثت، وكانت النتيجة صادمة؛ هذا الفيضان تم بفعل فاعل، والفاعل هي حكومة الانقلاب في مصر، وليس سد النهضة الإثيوبي، كما ظن معظم المصريين، إن لم يكن كلهم، عدا الخبراء وذوي الاختصاص!
المعلومة "المؤكدة" التي ساقها خبير السدود الدكتور محمد حافظ في لقائه مع الإعلامي محمد ناصر على قناة مكملين تقول بكل وضوح: فيضان سد النهضة الإثيوبي الذي ضرب السودان مؤخرا، ستصل مياهه إلى بحيرة ناصر جنوب السد العالي يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ نشر هذا المقال.
للإجابة على السؤال يجب أن نفهم أولا مصطلح هندسة الري..
ماذا يعني مصطلح هندسة الري؟
هندسة الري هي علم وفن تنظيم وتوزيع المياه على الأراضي الزراعية بطريقة تحقق الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وتضمن إنتاجا زراعيا مستداما، مع الحفاظ على التربة والبيئة. تقوم فكرتها الجوهرية على ثلاثة أعمدة متكاملة:
أولا: التحكم في كمية وتوقيت المياه: أي إيصال المياه إلى الزراعات في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة، دون زيادة تؤدي إلى تشبع التربة أو نقص يسبب الجفاف. يتم ذلك عبر تصميم شبكات ري دقيقة تشمل القنوات، والمواسير، والمضخات، والصمامات، وفقا لطبيعة الأرض والمحصول.
ثانيا: تصميم أنظمة توزيع فعّالة: أي اختيار النظام الأنسب: الري السطحي، الري بالرش، أو الري بالتنقيط، حسب نوع التربة، المناخ، والمحصول. يتم حساب الانحدارات، والتدفقات، والضغط بدقة لضمان توزيع متوازن للمياه. تُراعى في التصميم الطبوغرافيا (تضاريس الأرض)؛ لتجنب الغمر أو التآكل.
ثالثا: الحفاظ على الموارد والتربة: أي تقليل الفاقد من المياه بالتبخر أو التسرب، وتحسين كفاءة الاستخدام. تُستخدم تقنيات مثل الري الذكي الذي يعتمد على أجهزة استشعار لرصد رطوبة التربة واحتياجات النبات. كما تُراعى حماية التربة من التملّح أو الانجراف، عبر التحكم في كمية المياه وسرعة تدفقها.
السدود والقناطر النيلية
1- السد العالي (أسوان): أُنشئ بين عامي 1960 و1970.. يُعد أهم سد في مصر، حيث يتحكم في تدفق مياه النيل، ويمنع الفيضانات، ويوفر الري الدائم.. يُكوّن خلفه بحيرة ناصر، وهي من أكبر الخزانات الصناعية في العالم.
2- خزان أسوان القديم: بُني عام 1902، ثم رُفع مرتين (1912 و1933). كان يُستخدم لتنظيم الفيضان قبل إنشاء السد العالي.. لا يزال قائما ويُستخدم في تنظيم التدفقات المائية.
3- قناطر محمد علي (قناطر الدلتا القديمة): أُنشئت عام 1847 على فرع دمياط.. تُعد أول منشأة هندسية لتنظيم الري في مصر الحديثة.
4- القناطر الخيرية: بُنيت عام 1862 على فرعي دمياط ورشيد شمال القاهرة.. تُستخدم لتنظيم توزيع المياه إلى ترع الدلتا الكبرى مثل المنصورية، الإسماعيلية، والرياح التوفيقي.
5- قناطر إدفينا: تقع على فرع رشيد، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة إلى شمال الدلتا.
6- قناطر زفتى: تقع على فرع دمياط، وتُستخدم في تنظيم المياه المتجهة إلى ترعة بنها وترعة الشرقاوية.
7- قناطر نجع حمادي الجديدة والقديمة: تقع في صعيد مصر، وتخدم ترعة الفؤادية وترعة نجع حمادي.
8- قناطر إسنا: تقع جنوب الأقصر، وتُستخدم لتنظيم المياه المتجهة شمالا، وتسهيل الملاحة النهرية.
9- قناطر أسيوط الجديدة: أنشئت حديثا لتحل محل القناطر القديمة، وتُستخدم في الري وتوليد الكهرباء.
إذن التصرف في المياه (حبسا وإطلاقا) يخضع لحسابات دقيقة، ومعايير محددة، ما دام عامل الكوارث الطبيعية الخارجة عن السيطرة غير قائم..
وبما أن الفيضان الأخير الذي أغرق ست قرى مصرية، ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، وأراضي طرح النهر، بالإضافة إلى نحو 200 جزيرة نيلية لم يكن نتيجة "كارثة طبيعية" خارجة عن السيطرة، فهذا يعني أننا أمام جريمة مكتملة الأركان تم ارتكابها عن سابق قصد وتصميم! وليس بوسع أي جهة ارتكاب مثل هذه الجريمة إلا وزارة الري. فقرار "كارثي" كهذا (معروف المآلات) لا يمكن أن يصدر عن الوزير الذي هو مجرد سكرتير لدى رئيس عصابة الانقلاب. هنا يأتي السؤال: لماذا ارتكبت حكومة الانقلاب هذه الجريمة الشنعاء التي تستوجب تغيير النظام نفسه وليس الحكومة فحسب؟
أزمة جزيرة الوراق
لعلكم سمعتم بأزمة جزيرة الوراق.. ولمن لا يعرف، فإن أزمة جزيرة الوراق التي تقع في قلب النيل شمال القاهرة، بدأت منذ عام 2017 على إثر محاولة نظام الانقلاب نزع ملكية أرض الجزيرة وإخلائها من سكانها قسريا، تمهيدا لتحويلها إلى مشروع استثماري (إماراتي) ضخم يحمل اسم "مدينة حورس".. نزاع عمره خمس سنوات، لم تفلح سلطة الانقلاب في حسمه لصالحها، رغم الأساليب الأمنية الخشنة التي انتهجتها مع أهالي الجزيرة لإجلائهم قسرا منها.. فكان "الطمر بالماء" هو الحل، وكان "الطوفان".
أزمة أراضي طرح النهر
أراضي طرح النهر هي أراضٍ منخفضة تقع داخل حرم نهر النيل، وتُستخدم تقليديا للزراعة أو البناء المؤقت، لكنها معرضة للغمر عند ارتفاع مناسيب المياه.. كانت هذه الأراضي تُدار سابقا من قبل وزارة الموارد المائية والري، وتُمنح بحق انتفاع مؤقت للجهات الحكومية أو الأفراد.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، استحوذ الجيش المصري (فعليا) على أراضي "طرح النهر"، حين قررت إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة إلغاء/ وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لتلك الأراضي، بناء على توجيهات "رئاسية".
هذا القرار شمل شريطا مائيا على جانبي نهر النيل يمتد من شبرا الخيمة شمالا حتى حلوان جنوبا، ويضم منشآت تعليمية وصحية وترفيهية وثقافية، مثل نوادي القضاة وأعضاء هيئة التدريس.
منذ صدور هذا القرار "الفوقي" نشب نزاع قانوني بين المنتفعين والمستأجرين من جانب والسلطة من جانب آخر، واختصارا للوقت، واستعجالا لتحصيل "الرز" الإماراتي، كان "الطمر بالماء" هو الحل، فكان "الطوفان".
دلالات الاستحواذ العسكري:
1. إعادة تعريف الملكية العامة.. القرار يعكس تحولا في مفهوم "الملكية العامة"، من كونها مساحة خدمية مخصصة للمواطنين، إلى أصل قابل للتوظيف الاستثماري. هذا يتماشى مع توجهات الدولة نحو تحويل المجال العام إلى أداة إنتاج رأسمالي، حيث تُعاد هندسة المدن والضفاف وفق منطق الربح، لا الخدمة.
2. عسكرة المجال العمراني.. نقل إدارة أراضي النيل إلى القوات المسلحة يُعد امتدادا لظاهرة "عسكرة المجال العام"، حيث تتولى المؤسسة العسكرية إدارة قطاعات مدنية، من الإسكان إلى الزراعة، مرورا بالبنية التحتية. هذا يُضعف الرقابة المدنية، ويُعقّد آليات المساءلة، ويُحول التخطيط العمراني إلى قرار فوقي غير قابل للنقاش.
3. تهميش المؤسسات المدنية.. الجهات التي طُلب منها الإخلاء تشمل مؤسسات تعليمية (جامعة حلوان)، صحية (قصر العيني)، ثقافية (المسرح العائم)، وقضائية (نوادي القضاة). هذا يُشير إلى تراجع دور المؤسسات المدنية في إدارة المجال العام، لصالح منطق مركزي يُعيد توزيع الأراضي وفق أولويات غير معلنة.
إذن نحن أمام فيضان مصطنع، الهدف منه إزاحة عقبتي جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر من طريق محمد بن زايد الذي يقضم كل يوم جزءا من مصر، مقابل حفنة من "الرز" يذهب بعضها لسداد ديون لم ير الشعب المصري أثرا لها في حياته، ويبتلع ثقب ياسر جلال الأسود بعضها الآخر، وليغرق أهل الدلتا، وتهدم بيوتهم، وتهلك محاصيلهم، وليُحرم المصريون من حقهم الطبيعي في النظر إلى نيلهم.
قد يقول قائل: لقد ذهبت بعيدا جدا.. وأقول له: حسنا.. راقب ما سيحدث في جزيرة الوراق وأراضي طرح النهر، بعد عودة مياه النيل إلى منسوبها الطبيعي، وساعتها يكون لنا حديث آخر.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مصر الفيضان سد النهضة السد العالي النيلية مصر السد العالي سد النهضة فيضان النيل قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أراضی طرح النهر جزیرة الوراق ت ستخدم
إقرأ أيضاً:
وزير الري يتابع منظومة الصرف الزراعي والتوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي
أكد الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والري، على أهمية الدور الذى تقوم به هيئة الصرف في مجال تطهير وصيانة المصارف الزراعية وشبكات الصرف المغطى بما يحافظ على هذه المنظومة المهمة، والتي تعد أحد عناصر التوسع في معالجة وإعادة استخدام المياه.
وأشار "سويلم" خلال اجتماعه لمتابعة حالة منظومة الصرف الزراعي، إلى ضرورة التوسع في تنفيذ محطات لامركزية على شبكة المصارف الزراعية لاستخدامها في معالجة مياه الصرف الزراعي في بعض المواقع ذات الملوحة العالية، وبالتالي زيادة كميات المياه التي يتم معالجتها في مصر اسوة بما قامت به الدولة المصرية للاستفادة من معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي من خلال محطات الدلتا الجديدة وبحر البقر والمحسمة .
واستعرض الدكتور هاني سويلم موقف تطهير المصارف الزراعية، حيث تم خلال العام المائي الحالي ٢٠٢٥ / ٢٠٢٦ تطهير مصارف زراعية بأطوال إجمالية تصل إلى حوالى ١١ ألف كيلومتر حتى تاريخه، حيث أسهم تطهير المصارف في تمكينها من استقبال وإمرار مياه الصرف الزراعي بدون أي عوائق وضمان جاهزيتها في التعامل مع أي طوارئ أو ازدحامات مائية خلال موسم الأمطار الغزيرة والسيول.
كما تم خلال العام المائي الحالي ٢٠٢٥ / ٢٠٢٦ تجريف ١.٦٠ مليون متر مكعب، وتمهيد جسور مصارف زراعية بأطوال تصل إلى ٤٩٠ كيلومتر، وتطهير حوالى ٥٧٠ ألف غرفة من غرف شبكات الصرف المغطى، وتنفيذ أعمال غسيل لشبكات الصرف المغطى في زمام يتجاوز ١.٧٠ مليون فدان.
وفي مجال تنفيذ مشروعات الصرف المغطى فقد انتهت الوزارة خلال العام المالي الحالي ٢٠٢٥ / ٢٠٢٦، من إحلال وتجديد شبكات الصرف المغطى في زمام ١٣ ألف فدان من الزمام المستهدف المقدر بــ ٦٠ ألف فدان، وخلال المرحلتين الثانية والثالثة من البرنامج القومي الثالث للصرف (٢٠١٣ – ٢٠٢٦)، فقد تم نهو إحلال وتجديد شبكات الصرف المغطي في زمام ١٧٢ ألف فدان بالمرحلة الثانية، و زمام ١٩٩ ألف فدان بالمرحلة الثالثة، وجارى التنفيذ والطرح في زمام ١٧ ألف فدان أخرى، كما يجرى الإعداد لإطلاق"البرنامج القومي الرابع للصرف" والذى يهدف لإحلال وتجديد وإنشاء شبكات صرف مغطى لزمام وقدره ١.٤٠ مليون فدان.
ووجه "سويلم" بمواصلة العمل من كافة أجهزة هيئة الصرف بالمحافظات لتنفيذ أعمال تطهير وصيانة المصارف الزراعية المكشوفة، ومواصلة التنسيق مع مصلحة الري ومصلحة الميكانيكا والكهرباء فيما يخص تشغيل المحطات القائمة على المصارف الزراعية استعداداً لموسم الأمطار والسيول وضبط المناسيب أمام المحطات، بالإضافة لمواصلة أعمال تطهير وصيانة شبكات الصرف المغطى القائمة، وتنفيذ أعمال إحلال شبكات الصرف المغطى التي انتهى عمرها الإفتراضي ضمن أعمال البرنامج القومي الثالث للصرف.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور هانى سويلم وزير الري مياه الصرف الزراعي أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك:
قد يعجبك
إعلان
أخبار
المزيدإعلان
أخبار مهرجان القاهرة
المزيدوزير الري يتابع منظومة الصرف الزراعي والتوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
32 22 الرطوبة: 41% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك