"اليوم يعودُ لبنانُ إليكم. وهو ينتظرُ عودتَكم جميعاً إليه غداً. فإلى اللقاء. وحتى ذاك لكم من لبنانَ كلُ التحية وكلُ الأُخوّة".. بهذه الجملة "المعبّرة"، اختتم رئيس الجمهورية جوزاف عون كلمته خلال القمة العربية الطارئة بشأن القضية الفلسطينية في القاهرة، كلمة أكّد فيها "الثوابت" اللبنانية إزاء القضية الفلسطينية، لكنّه ضمّنها أيضًا رسائل "نوعية" تنسجم في مكانٍ ما مع "العهد الجديد" الذي يفتتحه، داخليًا وخارجيًا.


 
لعلّ أهمّ ما في هذه العبارة، التي أراد عون من خلالها أن "يثبّت" عودة لبنان، بما يختزله موقع رئاسة الجمهورية تحديدًا، إلى القمة العربية، جنبًا إلى جنب الرؤساء والقادة العرب، بعد فراغ رئاسي طويل، غيّب رئيس الجمهورية عن المشاركة في مثل هذه الاستحقاقات، أنها تحمل بين طيّاتها "رمزية" فتح صفحة جديدة، قوامها "الاحتضان والالتفاف"، انسجامًا مع مبدأ "التضامن العربي" الذي تسبّب الخروج عنه سابقًا باهتزاز العلاقات.
 
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ رئيس الجمهورية الذي حرص على زيارة العاصمة السعودية الرياض، ولقاء وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل الذهاب إلى القاهرة للمشاركة في القمة العربية، أراد أن يقول للعرب إن "شوائب" الماضي ولّت، وإنّ لبنان ينتظرهم جميعًا، بل لعلّه بحاجة إليهم في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية في تاريخه، بعد حرب إسرائيلية عبثيّة ومدمّرة، قد تكون الأقسى عليه منذ عقود طويلة..
 
حضور لبناني استثنائي
 
صحيح أنّ لبنان كان حاضرًا دومًا في القمم العربية، حتى في مراحل الفراغ الرئاسي، حيث كان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يمثّل الدولة اللبنانية، إلا أنّ ما لا شكّ فيه أنّ حضوره في هذه القمّة بالتحديد في القاهرة كان استثنائيًا، حتى إنّ هناك من رأى لبنان معنيًا بهذه القمّة بقدر فلسطين، ولو كانت القضية الفلسطينية العنوان الأساسيّ لها، وقد تمّت الدعوة إليها بصورة طارئة من أجل مناقشة مخططات التهجير ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
 
تجلّى ذلك في كلمة الرئيس اللبناني جوزاف عون، التي تعمّد تضمينها العديد من الرسائل السياسية، سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو العلاقة مع المحيط العربي، أو في اللقاءات التي عقدها على هامش القمة، وقد شملت معظم القادة والرؤساء العرب، والتي كان استهلّها في الرياض عشيّة القمة، بما يعكس الإصرار على أن تكون السعودية وجهته الخارجية الأولى، لما لهذا الأمر من رمزيّة خاصة واستثنائية لا يمكن القفز فوقها.
 
كما تجلّى أيضًا في البيان الختاميّ للقمّة، الذي أفرز للبنان مساحة استثنائية وخاصة، انسجمت مع ما قاله رئيس الجمهورية في كلمته أمام القادة العرب، بما عكس روحًا من التوافق أو الإجماع، غابت عنها الانقسامات أو التحفّظات المعتادة في مثل هذه القمم، بما ينسجم أيضًا مع أدبيّات "العهد الجديد"، بدءًا من خطاب القسم، وصولاً إلى البيان الوزاري للحكومة العتيدة، وهي أدبيات تتلاقى بشكل كبير مع الإرادة العربية الخالصة.
 
رسائل في السياسة
 
على أهمية الحضور اللبناني في القمة العربية، من حيث الشكل، جاءت مواقف رئيس الجمهورية خلالها لتضفي أهمية إضافية، فهو إلى جانب تأكيده على الثوابت من القضية الفلسطينية، حرص على تضمين كلمته رسائل سياسية نوعيّة، على أكثر من مستوى، خصوصًا لجهة تحقيق التضامن العربي مع لبنان، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من الحدود المعترف بها دوليًا، إضافة إلى تسليم الأسرى المعتقلين في الحرب الأخيرة، وإدانة الخروقات المتواصلة.
 
لكنّ ما أثار الاهتمام أكثر تمثّل في الرسائل التي تعمّد الرئيس عون على توجيهها إلى العرب، بما يطمئنهم في مكان ما، ويبدّد الهواجس التي أدّت إلى التباعد في فترات سابقة، ويندرج في هذا السياق قوله إنّ لبنان "تعلّم ألا يكون مستباحًا لحروب الآخرين، وألا يكون مقرًا ولا ممرًا لسياسات النفوذ الخارجية، ولا مستقرًا لاحتلالات أو وصايات أو هيمنات، وألا يسمح لبعضه بالاستقواء بالخارج ضد أبناء وطنه، حتى لو كان هذا الخارج صديقًا أو شقيقًا".
 
وفي الرسائل أيضًا، يلفت حديث الرجل عن رفضه السماح لأحد باستعداء أي صديق أو شقيق، "أو إيذائه فعلاً أو قولاً"، ولعلّه بذلك يسمّي الأشياء بمسمّياتها، باعتبار أن أزمة لبنان مع محيطه العربي نتجت في مكانٍ ما عن بعض المواقف التي فُسّرت سلبًا في هذا المحيط العربي، علمًا أنّ ذلك يأتي ليكمّل ما سبق أن قاله عون في الأسابيع الماضية، خصوصًا لجهة قوله إنّ لبنان لن يكون منصّة للهجوم على الدول، ولا سيما الدول العربية.
 
قد تكون القمة العربية الطارئة التي التأمت في القاهرة، عقدت من أجل فلسطين، إلا أنّ ما لا شكّ فيه أنّ لبنان نجح في اغتنامها في مكانٍ ما، لتسليط الضوء على قضيته، وما لا شكّ فيه أيضًا أنّ الرئيس جوزاف عون تحديدًا وجد فيها خير منبرٍ من أجل "فتح صفحة جديدة" يريدها مع كلّ العرب، في انطلاقة عهده، صفحة اختصرها بقوله إنّ لبنان عاد إلى شرعيته الميثاقية أولاً، والعربية ثانيًا، راميًا بذلك الكرة في ملعب العرب، لملاقاته في منتصف الطريق.. 
  المصدر: خاص لبنان24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة رئیس الجمهوریة القمة العربیة ة العربیة فی مکان

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء يُلقي كلمة مصر خلال القمة الرابعة والعشرين لتجمع "الكوميسا"

ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، كلمة مصر، خلال مشاركته نيابة عن  الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في القمة الرابعة والعشرين لتجمع السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى "الكوميسا"، التي تستضيفها العاصمة الكينية نيروبي، بحضور لفيف من القادة الأفارقة ورؤساء الحكومات ورؤساء المنظمات الأفريقية.

وفي بداية كلمته قال رئيس الوزراء: يُسعدني في البداية أن أنْقِل لكم تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، الذي يُثمّن انعقاد القمة الرابعة والعشرين للكوميسا في العاصمة الكينية نيروبي، ويُؤكد دعمه الكامل لأهداف تجمع الكوميسا، كما يبعث إليكم بخالص تمنياته بنجاح أعمال القمة في تحقيق ما تصبو إليه شُعوبُنا من رفاهية وتقدم.

وأُعرب الدكتور مصطفى مدبولي عن خالص شكره وتقديره لحكومة وشعب كينيا الشقيق على حُسن الاستقبال. وهنأ رئيس الوزراء الرئيس الكيني على توليه رئاسة تجمع الكوميسا، مُتمنياً له التوفيق في قيادة التجمع، كما عبّر أيضاً عن تقديره للرئيس البوروندي على جُهوده المخلصة خلال فترة رئاسته السابقة لتجمع "الكوميسا"، مثمنا جهود الأمانة العامة للكوميسا في الإعداد للقمة.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر تُؤمن بأن التكامل الإقليمي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وتَحْرِص على المشاركة الفاعلة في المبادرات والمشروعات المشتركة في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والصحة، والتحول الرقمي، إيماناً منها بأن العمل الجماعي هو السبيل الأمثل لاستثمار موارد قارتنا.

وأضاف: تُؤكد مصر التزامها بدعم التكامل القاري في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، باعتبارها مظلةً إستراتيجيةً لتعزيز قدرات التكتلات الإقليمية، كما تُؤمن بأهمية التنسيق بين الكوميسا ومبادرات التجارة الحرة القارية لبناء سوق أفريقية حقيقية مشتركة، وجذب الاستثمارات، وتعزيز تنافسية ومرونة الاقتصاد الأفريقي.

وتابع أن مصر تُولي أَولوية لدعم المبادرات التنموية والمشروعات الإقليمية في التجمع الأفريقي وتعزيز قدراته المؤسسية والمالية، فضلاً عن تَسْخير ما حققته مصر من إنجازات تنموية في بنيتها التحتية واللوجستية والرقمية لخدمة مصالح التجمع التجارية وتغطية احتياجات الدول من مختلف المنتجات.

وأكد رئيس الوزراء أن مصر مستمرة في تنشيط دور وكالة الاستثمار الإقليمية لتجمع الكوميسا التي تستضيفها القاهرة، وكذلك استضافة فعاليات هادفة لجذب الاستثمارات لدول الكوميسا، ودعم جُهود تنمية البنية التحتية والرقمية، وتيسير التجارة، وَتَحفيز الاستثمارات، وذلك بهدف زيادة معدلات التجارة البينية، بالإضافة إلى التغلب على التحديات الجمركية وغير الجمركية المتزايدة.

وقال الدكتور/ مصطفى مدبولي: إن اجتماعنا اليوم ينعقد في توقيت بالغ الأهمية، حيث يُواجه العالمُ وقارتنا الأفريقيةُ تحدياتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ مُتشابكة، حيث تُواجه بعضُ الدول الأعضاء بالكوميسا اضطرابات وعدم استقرار سياسي وأمني بما يتطلب مزيداً من التضامن والعمل المشترك والالتزام بالمبادئ الراسخة لِصَوْن السيادةِ وَحُسن الجوار ودعم مؤسسات الدولة وتجنب السياسات الأحادية، ولا تَأْلُو مِصر جهداً لدعم هذه الدول الشقيقة من أجل إحلال الاستقرار وَصَوْنِ السلم والأمن الإقليميين.

وأضاف: كما نُواجه جميعاً تباطُؤ معدل النمو العالمي، وارتفاع معدلات التضخم والديون، وتفاقم آثار تغير المناخ خاصة على الأمن الغذائي والمائي، وهو ما يتطلب تعزيز التعاون المشترك لتحويل التحديات إلى فرص للنمو والازدهار عبر زيادة التجارة البينية، وتعميق سلاسل القيمة المضافة، وتحفيز الاستثمارات المشتركة، ودعم دور القطاع الخاص.

وفي ختام كلمته، جدد رئيس الوزراء التزامَ مصر بالعمل مع جمهورية كينيا الشقيقة لإنجاح قيادتها للتجمع، وتعزيز التنسيق مع الأمانة العامة والدول الأعضاء لإنجاح مسيرة التكامل الاقتصادي الإقليمي.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء يُلقي كلمة مصر خلال القمة الرابعة والعشرين لتجمع "الكوميسا"
  • بروتوكول بين المحكمة العربية للتحكيم وخبراء الضرائب العرب لتعزيز التعاون في مجال الضرائب العربية والدولية
  • أصوات خليجية: بوتين يقدّم بديلًا لا وصاية والقمة الروسية العربية لحظة تحوّل جيوسياسي (صور)
  • اجتماع عربي روسي بالجامعة العربية تحضيرا لقمة بوتين والقادة العرب بموسكو
  • روسيا تدعو 22 دولة وأمين عام الجامعة العربية لحضور قمة موسكو
  • رئيس الجمهورية يستقبل وزير الدفاع التونسي
  • انطلاق ندوة القمة الروسية العربية الأولى.. خطوة إستراتيجية لتعزيز مسيرة التعاون.. اليوم
  • العشري: صناعة الصلب العربية أمام مرحلة تحول محورية
  • قطر تُعلن حضورها القمة "الروسية العربية" في موسكو
  • مصر تترأس القمة "18" لصناع الحديد والصلب العرب بسلطنة عمان