الحرب التي أيقظت الحقيقة بين إيران وإسرائيل
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
محمد بن علي البادي
عندما تنطق الحرب... تسكت الروايات الكاذبة، وتتكشّف المعادن، ويسقط القناع عن الوجوه المصطنعة.
فالحرب ليست مجرد تبادل للضربات، بل امتحان للثبات، وميزان للقوة، وكاشفة للخونة قبل الأعداء.
والحرب الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني لم تكن استثناءً، بل كانت صاعقة أضاءت ظلام التردد، وزلزالًا هزّ المنطقة من أساسها.
فيها اختُبرت الإرادات، وانكشفت النوايا، وسُجلت دروس... من لم يفهمها اليوم، سيدفع ثمنها غدًا.
فهي ليست معركة صواريخ فحسب، بل معركة وعي، وسيادة، وبقاء.
لقد اهتزت لها غرف القرار الصهيوني، وارتبكت لأجلها أجهزة استخبارات دولية، وتزعزعت بسببها حسابات تحالفات عتيقة.
أما الدرس الأكبر، فهو أن الردع الحقيقي لا يُشترى، ولا يُستورد، بل يُصنع من الداخل: بالتطهير قبل التسليح، وبالثبات قبل الصواريخ.
من يتابع الشأن الإيراني عن قرب، يُدرك أن طهران لم تسقط تحت وطأة الضربة الإسرائيلية المباغتة، بل استفاقت منها بسرعة لافتة، والتقطت أنفاسها بثبات وهدوء، ثم شرعت في إعادة تموضعها العسكري والسياسي بحنكة نادرة.
كانت الضربة موجعة، نعم... لكنّ إسرائيل تكبّدت خلالها خسائر بشرية وبنيوية وعسكرية كبرى، حاولت التعتيم عليها، غير أن الإعلام الخارجي سرعان ما فضح المستور، وكشف عمق الاختراق وردّة الفعل الإيرانية، وأثبت أن إيران ليست هدفًا سهلًا، ولا عدوًّا يُستهان به.
وفي سرعة هادئة، أطلقت إيران عملية شاملة لإعادة ترتيب الداخل: تعيين قادة جدد، وتحريك التحالفات، وترميم البنية التحتية، وإعادة توزيع مراكز القوة.
لكنّ الأهم من كل ذلك، أنها بدأت حيث يجب أن يبدأ أي مشروع نهوض حقيقي: من الداخل.
فلم تنتظر ترميم المباني، بل بدأت أولًا بتصفية الخونة والعملاء، وكأنّ الرسالة كانت: "لن نعيد البناء فوق فساد".
فكل يوم يمضي، إلا ويُكشف فيه عن جاسوس جديد يعمل لصالح الكيان الصهيوني أو أحد وكلائه.
إنه عمل أمني واستخباراتي عميق، يُدار ليلًا ونهارًا بلا ضجيج، ويقدّم درسًا استراتيجيًا بالغ الأهمية: أن التحصين الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن الخيانة الداخلية أخطر من ألف دبابة على الحدود.
وقبل الحرب، وأثناء اشتعالها، كانت هناك جيوش إلكترونية منظمة تشن حملة دعائية شرسة ضد إيران، توازي الهجوم العسكري وتخدم أهدافه.
رُوّج حينها أن ما يجري ليس سوى "مسرحية مفبركة" متفق عليها بين أمريكا وإسرائيل وإيران، لتضليل الشعوب وإيهامها بعداء وهميّ لا وجود له.
وقد نجحت هذه الحملات مؤقتًا في زرع الشك، وزعزعة الثقة، ودفع بعض الناس إلى الاستهزاء بالمواقف، بل واتهام الضحية بالتواطؤ!
لكن الحرب نفسها جاءت لتفضح هذه الروايات السطحية، ولتُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن ما دار كان حربًا حقيقية ضروسًا، تكبّد فيها الطرفان خسائر فادحة.
ولو لم تكن إيران تمتلك الجاهزية والقدرة وتماسك القرار، لما توقفت الحرب عند حدّ معين، بل كانت ستتدحرج لما هو أعنف.
وهكذا، سقطت كذبة "التمثيلية"، وتبيّن أن الصواريخ لا تُمثّل، وأن الدم لا يُهرق على خشبات المسارح.
ومع مرور الوقت، لا تكاد تمر فترة حتى تظهر تقارير إعلامية واستخباراتية تؤكد، تصريحًا أو تلميحًا، أن إسرائيل لم تكن وحدها في المشهد، بل كانت عنصرًا ضمن شبكة أوسع، اتفقت على ضرب إيران، أو على الأقل، غضّت الطرف عن ذلك.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن إيران أو اتهام تلك الدول بالتآمر، فالحكمة تقتضي أن نُحسن قراءة الإشارات دون الجزم القاطع، فليس كل ما يُقال يُصدق، ولكن أيضًا: "لا دخان بلا نار"... هكذا علّمتنا السياسة والتجربة.
ولولا قوة الردع الإيرانية، لربما تباهت بعض الأطراف علنًا بسقوط طهران، وتقدّمت لتقطف ثمار الانهيار.
لكن الرد الإيراني الصلب جاء صفعة لإسرائيل، ورسالةً مشفّرة للمشغّلين الأساسيين في الخفاء: أن من يظن إيران لقمة سائغة... لم يفهم بعد طبيعة النار التي يحاول اللعب بها.
لقد أثبتت هذه الحرب أن الردع لا يُبنى في لحظة، ولا في اجتماع طارئ، بل هو ثمرة مسيرة طويلة من التحدي والاستعداد.
ورغم الحصار والعقوبات، استطاعت إيران أن تبني منظومة عسكرية واستخباراتية متماسكة، جاهزة لحرب مفاجئة في أي وقت، وقادرة على فرض معادلاتها.
وهنا يتجلى الدرس الكبير: أن العداوات قد تكون صامتة اليوم، لكنها قابلة للاشتعال في أي لحظة، وحينها لا وقت لبناء القوة... بل لا بد أن تكون القوة قائمة وجاهزة ومتجذّرة.
الخاتمة
إن أعظم ما أظهرته هذه التجربة، أن لا أمان لأمةٍ أو دولة، لا في حدودها القريبة، ولا في بعادها، بل ولا في أحشائها الداخلية. فالخيانة التي تنمو في صلب المجتمع قد تكون أخطر من أي عدوان خارجي.
إذ يمكن لخائنٍ واحد أن يُسقط هيبة دولة، ويفتح بوابات الدمار من الداخل.
لهذا، فإن التحصين الحقيقي لا يبدأ بسياج من الأسلاك الشائكة، ولا بصواريخ عابرة، بل يبدأ بغسل القلوب، وبناء الثقة، ومراقبة الداخل قبل الخارج.
فلا بد لكل وطن أن يدرك أن قوته الحقيقية تكمن في صفائه الداخلي… قبل أن يتصدى لأعدائه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
90 ألفا تظاهروا بأستراليا تعاطفا مع غزة وإسرائيل غاضبة
تواصلت ردود الفعل على المظاهرة الحاشدة التي شهدتها أستراليا أمس الأحد تعاطفا مع قطاع غزة الفلسطيني ما بين تداعيات أسترالية وغضب إسرائيلي.
وقد أعلنت شرطة نيو ساوث ويلز في أستراليا أن عدد المشاركين في المظاهرة بلغ 90 ألفا، نظموا مسيرة حاشدة تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية بغزة وسياسة التجويع التي تستهدف سكان القطاع الفلسطيني.
وقال القائم بأعمال مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، بيتر ماكينا، إن تقديرات عدد المشاركين في الاحتجاج بلغت حوالي 90 ألف شخص، ووصف الحشد بأنه الأكبر الذي يشهده على الجسر الشهير لميناء سيدني.
لكن وسائل الإعلام المحلية نقلت عن المنظمين أن عدد المتظاهرين تراوح بين 200 ألف و300 ألف شخص، كما انضم آلاف آخرون إلى الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بمدينة ملبورن.
ورفع المتضامنون لائحة كتبت عليها أسماء الشهداء من الأطفال الفلسطينيين، كما وصلت حشود كبيرة من المتظاهرين إلى مقر القنصلية الأميركية في سيدني.
وكان منظر المتظاهرين وهم يعبرون جسر ميناء سيدني مهيبا، حيث تحدوا صعوبة الطقس من أمطار غزيرة ورياح عاتية للاحتجاج على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ولفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية هناك.
مساعدات وغضب
على صعيد التداعيات داخل أستراليا، تعهدت الحكومة صباح اليوم الاثنين (بالتوقيت المحلي) بتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية للنساء والأطفال في غزة، وذلك بعد يوم واحد من المسيرة الحاشدة.
وأعلنت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ عن تقديم 20 مليون دولار أسترالي إضافية (13 مليون دولار) كمساعدات إنسانية لقطاع غزة، مما يرفع إجمالي تعهدات أستراليا إلى "أكثر من 130 مليون دولار لمساعدة المدنيين في غزة ولبنان" منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
لكن التداعيات على الجانب الإسرائيلي كانت مختلفة، حيث هاجم وزير الخارجية جدعون ساعر وزعيم المعارضة يائير لبيد المظاهرة التي شهدتها أستراليا.
وفي تدوينة بالإنجليزية على موقع إكس كتب ساعر زاعما أن ما وصفه بـ"التحالف المشوَّه بين اليسار الراديكالي والإسلام الأصولي يجر الغرب للأسف إلى هامش التاريخ".
إعلانأما لبيد، فهاجم المتظاهرين في سيدني، وقال إنهم "ساروا تحت رايات طالبان والقاعدة".
وبدورها ركزت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في تغطيتها للمظاهرة على حمل بعض المتظاهرين لافتات تصور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على هيئة زعيم ألمانيا "النازية" أدولف هتلر، وتلويح آخرين بلافتات تحمل تعليقات مثل "(فلسطين) من البحر إلى النهر" و"إسرائيل تقتل الأطفال في غزة"، فضلا عن ترديد هتافات من بينها "أوقفوا الإبادة الجماعية" و"كلنا فلسطينيون"، كما ظهر كثير منهم وهم يرتدون الكوفية الفلسطينية.