نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً للكاتبة غادة عبد الفتاح، المقيمة في قطاع غزة، تناولت فيه واقع الحياة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عامين، مؤكدة أن حرب الإبادة غيرت كل شيء في القطاع، من المشهد العمراني إلى القلوب والعقول والأرواح.

تبدأ عبد الفتاح مقالها بالإشارة إلى شعورها بالحنين العميق لغزة، رغم وجودها داخلها، موضحة أن هذا الحنين لا ينبع من البعد الجغرافي، بل من تحول المدينة إلى مكان غريب ومشوّه لا يُمكن التعرف عليه.

تقول الكاتبة: "هذه ليست غزة… التفاصيل كلها خاطئة، لا شيء كما هو"، مشددة على أن فقدان الألفة صار ملموسًا حتى وهي تقف على الأرض نفسها التي نشأت عليها.

وتصف غادة حالتها الشخصية مع انهيار الحياة اليومية في دير البلح، حيث تسكن في شقة مزدحمة مع ثلاث عائلات منذ عام كامل، مستقبلة 16 فردًا آخر من عائلتها هربا من القصف في الأسابيع الأخيرة. وتشير إلى انتشار الخيام في الشوارع والأراضي الزراعية، بعضها بين أشجار النخيل المتبقية، التي دُمّرت معظمها أو أحرقت بفعل الدبابات الإسرائيلية. وتضيف: "أكره هذه الكلمة: خيمة. لقد رافقت الفلسطينيين لأجيال، كظلهم".

وفي تفاصيل منزلها الذي لم يعد صالِحًا للسكن كما كان، تروي عبد الفتاح كيف أعيد بناؤه جزئيًا باستخدام حجارة من أنقاض منازل الجيران، مع جدران نصف ارتفاعها السابق، وغياب النوافذ، وتغطية الفجوات بأقمشة نايلون وبطانيات بدل الأبواب. هذه التفاصيل الصغيرة تعكس الواقع المرير للسكان في مواجهة القصف المستمر، حيث كل همسة تنتقل في أرجاء المنزل، والحرية محدودة حتى في صوت الكلام.

تشير الكاتبة إلى أن العيش في غزة أصبح حربًا على التفاصيل: "الله يكمن في التفاصيل"، تقول، مشيرة إلى أن الحرب فرضت تسلسلًا هرميًا في المعاناة. البقاء داخل غرفة بجدران نصفية أفضل من العيش في خيمة، والخيمة المنظمة أفضل من خيمة مُرقّعة بالبطانيات والنايلون والحقائب القديمة. هذا التسلسل الهرمي يمتد أيضًا إلى العلاقات الاجتماعية، وكيفية الحديث ومشاركة المشاعر.

وتروي الكاتبة لقاءاتها اليومية مع الناس، مثل معلمتها السابقة التي ذكرتها باثنتين من زميلاتها القتيلات في غارات إسرائيلية، مؤكدة أن الحيطة والحياد أصبحا ضرورين عند الحديث عن المعاناة: "خسارتي جدران، وخسارته أناس… البقاء على قيد الحياة كدين لا يمكنك سداده".


وتصف الكاتبة تجربة القصف المباشر على منزلها، حيث دوت الانفجارات في منتصف الليل، وامتلأت الغرف بالحطام والغبار، واضطرت العائلة للخروج وسط الظلام للتحقق من سلامة الجميع. وتوضح أن المسيّرات الإسرائيلية حلّقت في السماء، محركاتها تُصدر أزيزًا كحشرات آلية، مع ضوء يشقّ الليل، مما جعل البقاء في الخارج خطرًا دائمًا.

تتحدث الكاتبة عن الحرب على أنها خلقت تسلسلًا هرميًا من الخسارة والمصاعب، فبينما أصيب أحد أقاربها بجروح بسيطة، فقد آخرون أكثر من 40 فردًا من عائلتهم. تطرح الكاتبة التساؤل عن جدوى الحديث عن الدمار الشخصي في مواجهة فقدان الأرواح: "كيف تتحدث عن جدران متصدعة لشخص يعدّ الوجوه الغائبة؟".

كما تصف المعاناة اليومية في المستشفيات، حيث تُنقل الأطراف المبتورة بصناديق ورقية، وتبقى الأسماء محفورة في الذاكرة حتى بعد مرور أشهر، مؤكدة أن هذه اللحظات الصغيرة تعكس جزءًا من هول الحرب وتأثيرها النفسي على السكان.

وتشير الكاتبة إلى التحديات المعيشية، من ندرة الوقود والطاقة إلى الطهي على نار الحطب باستخدام أي مادة متاحة، من ألواح خشبية مكسورة إلى صنادل بلاستيكية وعلب فارغة. كما تتحدث عن صعوبة التعليم، حيث يُجبر الأطفال على الكتابة بخط صغير ومرصوص بسبب ندرة الأقلام والدفاتر، مع حرص المعلمين على توصيل الدروس رغم الظروف الصعبة.

وتختتم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن الحرب لم تقتصر على الدمار المادي، بل طالت المشاعر والأفكار والأحلام. تقول: "الحرب جنونية - جنون يتسلل إلى العقل، إلى الجسد، إلى الأحلام… لا أستطيع استيعاب ما يحدث تماما". وتوضح أن آلة الحرب الإسرائيلية لم تتوقف منذ عامين، وأسفرت عن مقتل وجرح ما يقرب من ربع مليون شخص، وتهجير السكان، وتحويل المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد والأسواق إلى أنقاض، مشددة على أن هذه التفاصيل هي ما تحدد حياة الناس اليومية في غزة.

يقدم مقال غادة عبد الفتاح شهادة مباشرة عن الحياة تحت القصف، ويُبرز كيف أن الدمار المستمر والتهجير القسري والنقص في المواد الأساسية والمخاطر اليومية تشكل الواقع اليومي للفلسطينيين في غزة. ويعدّ هذا النص دعوة للعالم لفهم التفاصيل التي تشكل حياة المدنيين وسط الصراع المستمر، بعيدًا عن الإحصاءات الرسمية أو الأخبار المجردة عن القصف والخسائر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية غزة الخيام الفلسطينيين الدمار فلسطين غزة دمار ابادة خيام صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الفتاح على أن

إقرأ أيضاً:

اعلام عبري: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر، منذ قليل، بإن إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة بما سيصل إلى مئات ملايين الدولارات،  موضحة ان واشنطن طالبت إسرائيل بتحمل تكاليف إزالة الركام الهائل الناتج عن الحرب في قطاع غزة،  وفقا للقاهرة الإخبارية. 

إعلام عبري: واشنطن طالبت إسرائيل بتحمل تكاليف إزالة الركام في غزة أسرار خفية| لماذا تصر إسرائيل على الاحتفاظ بهذه المناطق السورية؟

وعلى صعيد آخر، قالت الامم المتحدة، اليوم، أن الفلسطينيين عانوا لعقود طويلة من فقدان حقوقهم الأساسية، محذرة من الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، حيث لا توفر الخيام الحالية حماية كافية للسكان من الظروف الجوية القاسية. 

ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى التحرك بسرعة لضمان الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، بما يشمل تحسين ظروف المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، والعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، وحماية السكان من أي مخاطر إضافية تهدد حياتهم وأمنهم في القطاع.

واعلن الدفاع المدني في غزة، اليوم، عن انهيار مبنى على سكانه في حي الزيتون جنوب شرقي المدينة نتيجة المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع. 

مقالات مشابهة

  • مناظرة ساخنة بين زاهي حواس ووسيم السيسي.. الأول: بناء الكائنات الفضائية للأهرامات بدون دليل.. والثاني: كانت تُستخدم في توليد الطاقة
  • المنخفض الجوي يضاعف محنة النازحين بمخيمات غزة
  • العراقيون في خطر.. الحرية محاصرة بـالخوف والملاحقات اليومية
  • الخرطوم تنهض من تحت الركام
  • من يتحمل تكاليف رفع الركام من غزة.. إعلام عبري يكشف مفاجأة
  • اعلام عبري: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة
  • بين القصف والمنخفضات الجوية.. نازحو غزة يواجهون الموت داخل الخيام
  • الأجندة اليومية للنشرة العربية ـ الخميس 11 ديسمبر 2025
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • القومي للمرأة يكرم الكاتبة الكبيرة سناء البيسي تقديرًا لدورها في تغيير وعي المجتمع