الكتاب: الاستغلال الصهيوني لمنطقة الجولان المحتلة
الكاتب: إبراهيم عبد الكريم
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق2024، (عدد الصفحات 191 من القطع الكبير).


يُعَدُّ الاستيطان الصهيوني لهضبة الجولان المحتلة في سورية سنة 1967، تجسيداً عملياً المخطط التوسع الصهيوني، ومحاولة لتكريس الأمر الواقع وإلحاق هذه المناطق بالقاعدة الاستيطانية الإحلالية في فلسطين المحتلة سنة 1948.

ويعكس هذا الاستيطان التوجهات الإستراتيجية العليا للكيان الصهيوني انطلاقاً من الذرائع التي يعتمدها إزاء هذه المنطقة، ولاسيما تلك التي تتعلق بموضوعات الجغرافيا السياسية والأمن والديمغرافيا، فضلاً عن الدعاوى الإيديولوجية والسياسية ذات الصلة بالصراع العربي ـ الصهيوني.

ارتباطاً بتلك التوجهات دأبت سلطات الاحتلال على استغلال المقدرات الخاصة بمنطقة الجولان المحتلة في شتى المجالات.. وتُعنى هذه الدراسة بتناول بعض أشكال هذا الاستغلال، ضمن الفصول الثلاثة التي يتضمنها هذا الكتاب: "الاستغلال الصهيوني لمنطقة الجولان المحتلة" للكاتب والباحث الفلسطيني إبراهيم عبد الكريم، المتخصص بالشؤون الصهيونية، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي ـ لصهيوني. ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، ويتضمن 191 صفحة من القطع الكبير، وصدر عن الهيثئة العامة السورية للكتاب في 2024.

المستوطنات الحالية في الجولان المحتل

يتناول الباحث في الفصل الأول، واقع الاستغلال الاستيطاني الصهيوني لمنطقة الجولان المحتلة وفق قسمين؛ الأول المستوطنات الحالية في منطقة الجولان المحتلة، بالتركيز على عدد المستوطنات في الجولان وتوزعها الجغرافي وأسمائها، ومراحل تأسيسها، والجهات المؤسسة لها، وأنواعها، والقاعدة الاقتصادية والأنشطة الأخرى لكل مستوطنة وتنظيم المستوطنين، وتقديم تقديرات إجمالية لعملية الاستيطان في منطقة الجولان المحتلة.

تفيد المعلومات المتداولة في المصادر الصهيونية المنشورة أن عدد المستوطنات القائمة في الجولان عام 2023، المعترف بها رسمياً في قيود سلطات الاحتلال، يبلغ 34 مستوطنة. و لدى تأمل خارطة مستوطنات الجولان يظهر أن نحو نصف عدد هذه المستوطنات يقع في القسم الجنوبي من المنطقة المحتلة، فيما يقع النصف الآخر في المنطقتين الوسطى والشمالية، بالتساوي تقريباً. وضمن هذا التوزع، جرت مراعاة العوامل الجغرافية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية وسواها.وتتيح متابعة المصادر الصهيونية المنشورة عن المستوطنات القائمة حالياً في منطقة الجولان المحتلة إمكانية وضع ملامح إجمالية لصورة الحالة الاستيطانية الاغتصابية الراهنة في هذه المنطقة.. ويُعنى هذا الفصل بتقديم معطيات حول ذلك، استناداً لتلك المصادر، التي سترد في قائمة مصادر المعلومات والإحالات المرجعية.

وتفيد المعلومات المتداولة في المصادر الصهيونية المنشورة أن عدد المستوطنات القائمة في الجولان عام 2023، المعترف بها رسمياً في قيود سلطات الاحتلال، يبلغ 34 مستوطنة. و لدى تأمل خارطة مستوطنات الجولان يظهر أن نحو نصف عدد هذه المستوطنات يقع في القسم الجنوبي من المنطقة المحتلة، فيما يقع النصف الآخر في المنطقتين الوسطى والشمالية، بالتساوي تقريباً. وضمن هذا التوزع، جرت مراعاة العوامل الجغرافية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية وسواها.

أسماء المستوطنات:

يقول الباحث إبراهيم عبد الكريم فيما يتعلقف بأسماء المستوطنات: "في بعض الحالات يجري إطلاق الاسم على المستوطنة قبل الشروع في إنشائها.وفي حالات أخرى، تحمل المستوطنة اسمها منذ البدء بتأسيسها، أو بعد تدشينها. ويلاحظ من المعلومات التفصيلية عن المستوطنات التي سترد لاحقاً، أن تسمية المستوطنة غالباً ما ترتبط برموز ومعان محددة. ويتضح في هذا الشأن أن أسماء مستوطنات الجولان تتركز حول الأنواع التالية:

أ ـ أسماء رمزية توراتية كاملة أو اختزالات مثل: آلوني هبشان- انيعام- جيشور- شاعل- کیشت... الخ.

ب ـ أسماء مستوطنات يهودية قديمة مزعومة مثل: آفيك- حسفين- نوف- كناف.. إلخ أو باسم هيئة استيطانية منحلة كما في حالة بني يهودا.

ت ـ أسماء بعض الأشخاص المؤسسين للمستوطنة أو الذين سقطوا في الحروب، وتحديداً على الجبهة السورية، أو تركيب الاسم من الحروف الأولى لأسماء هؤلاء مثل: أفني ايتان جفعات يواف- نفي أتيف- يونثان كدمات تسفي.. إلخ.. أو باسم شخصية كبيرة ترامب.

ث ـ  أسماء عبرية لبعض المواقع العربية أو محرفة مستمدة من التسميات العربية للمواقع التي تقام عليها أو مستمدة من طبيعة المكان مثل: أودم ـ رموت ـ كتسرين كفار حروف ـ مافو حمة.. الخ.

يحرص الاحتلال على أن يكون لاسم المستوطنة مغزى دعائي أو سياسي، وأن يعبر عن نزعة الارتباط المعنوي المتوخى بين المستوطنين والمكان.

ومن ناحية أخرى يلاحظ أن أسماء بعض المستوطنات تعرضت إلى التغيير فمثلاً كانت مستوطنة كيلع تسمى رامات آلون، ونفي أتيف / رامات اشكول وكدمات تسفي / عين شمشون، وأفني ايتان تل زايت"(ص11).

على امتداد السنوات العشرين التي أعقبت وقوع القسم الأكبر من الجولان تحت الاحتلال سنة 1967، استمر إنشاء نوى المستوطنات بوتيرة عالية في حين كانت عمليات تثبيت هذه المستوطنات رسمياً أو تدشينها تتأخر غالباً لفترة سنوات من تاريخ إنشاء النوى الاستيطانية.. واشتد بناء المستوطنات في الجولان المحتل عقب صعود حزب الليكود بقيادة مناحيم بيغن إلى السلطة في 1977، إذ بلغ نحو 70%من العدد الكلي للمستوطنات التي بنيت خلال سنوات الاحتلال في هذه المنطقة..

ويوضح الباحث  أنَّ الجهات التي انخرطت في عمليات استيطان الجولان، كما سيتضح لدى تقديم معلومات تفصيلية عن المستوطنات تشمل الأحزاب الصهيونية الكبرى والصغيرة وأبرزها: العمل ـ الليكود ـ المفدال ـ مبام وبعض المؤسسات العامة مثل: الهستدروت أي اتحاد العمال ـ الاتحاد الزراعي ـ الوزارات بالتعاون مع الوكالة اليهودية والكيرين كايميت الصندوق القومي والكيرين ها يسود الصندوق التأسيسي.

في حالات عدة، كانت عمليات الاستيطان تتم بشكل مباشر من قبل الأحزاب الصهيونية، أو عبر حركات فرعية تابعة لها، ولا سيما حركات الشبيبة مثل: هشومير هتسعير = الحارس الفتي المرتبط بحزب مبام وبيتار اتحاد شبيبة ترمبلدور المرتبط بحزب حيروت، وبني عكيفا وهي حركة كانت مرتبطة بالجناح العمالي الحركة مزراحي ثم ارتبطت بالمفدال، وتسوفيم / الاتحاد الكشفي.. إلخ.

وفي نحو نصف حالات الاستيطان، كان العمل الاستيطاني في الجولان، يبدأ بإقامة نقاط استيطانية لما يسمى الناحل، أي لأفراد ينتمون إلى الحركة المسماة "الشباب الطلائعي - نوعر حالوتسيم.". ومعروف أن الناحل تأسس في إطار الجيش الصهيوني لدى قيامه عام 1948، وراح ينشط بشكله المعروف حالياً، منذ 1960 عندما قام الكيرين كايميت بإنشاء نقاط استيطانية في مناطق الحدود. ويضم الناحل أفراد التجنيد الإلزامي من أبناء ۱۸ عاماً الذين يرغبون في الخدمة العسكرية في مستوطنات الحدود ويتلقون تدريباً عسكرياً أولياً، ثم ينقلون إلى هذه المستوطنات، حيث يتلقون هناك تدريباً زراعياً لمدة 9 أشهر ثم يلتحقون بعدها بكتائب الناحل.

وتسمى المستوطنة التي يقيمون نواتها باسم هيئحزوت موطئ قدم، وخاصة في المواقع الاستراتيجية التي تغلب عليها الدوافع العسكرية، وتكون مهمة النواة التمهيد لتحويل مستوطنة مؤقتة إلى مستوطنة دائمة.. وبعد مرحلة نقطة الناحل، تأخذ المستوطنة طابع الجهة الاستيطانية التي تبنيها موشاف ـ كيبوتس ـ مركز بلدي. وفي بعض الحالات تكون بداية المستوطنة بصيغة موشاف - كيبوتس = موشفوتس..

يقول الباحث إبراهيم عبد الكريم: "تتركز الفعاليات التي يؤديها مستوطنو الجولان ضمن الأطر الاقتصادية الضيقة، بالمقارنة مع حالات الاستيطان القائمة في فلسطين المحتلة، وتشمل: مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الخفيفة والسياحة والحصول على المواد الأولية الطبيعية.

أساس القاعدة الاقتصادية لأي مستوطنة في الجولان، هو الطاقة التي تمتلكها المنطقة، في كثير من المجالات. وضمن هذه الطاقة يندرج استيلاء المستوطنين على ممتلكات المواطنين العرب الذين نزحوا عن ديارهم مبان - أثاث - منشآت - قطعان ماشية - مداجن - مناحل.. إلخ حيث قام المستوطنون باستغلال هذه الممتلكات المتروكة، واستخدامها في أعمال الاستيطان.ومما يذكر أن العديد من مستوطني الجولان يخدمون في الجيش، وخاصة ضمن الوحدات العسكرية الموجودة في المنطقة، كما أن بعضهم يعمل في مؤسسات داخل ما يسمى الخط الأخضر المناطق المحتلة منذ عام 1948.

اشتد بناء المستوطنات في الجولان المحتل عقب صعود حزب الليكود بقيادة مناحيم بيغن إلى السلطة في 1977، إذ بلغ نحو 70%من العدد الكلي للمستوطنات التي بنيت خلال سنوات الاحتلال في هذه المنطقة..بالرغم من الطابع الجبلي الذي يغلب على المنطقة المحتلة من الجولان، ولا سيما في الجزء الشمالي منها، إلا أن الطاقة الاستيعابية الكامنة لهذه المنطقة مرتفعة نسبياً حيث تبلغ مساحة الأراضي المخصصة للزراعة للمستوطنين نحو 100كم2، ومناطق المراعي نحو 300 كم2.. ومع هذا يُلاحظ أن ثمة ضآلة نسبية في أعداد المستوطنين في المنطقة وهو عام 2022 نحو 7618عائلة، بمجموع نحو 27 ألف مستوطن، نحو ثلثهم في كتسرين.. ولعل في مقدمة الاعتبارات المفترضة وراء ذلك أن منطقة الجولان تصنف كمنطقة طلب استيطاني منخفض من قبل المستوطنين والجهات الاستيطانية المختلفة، بتأثير طول بعدها عن مناطق وسط البلاد وعن المدن الكبرى، إلى جانب الميل إلى السكن في هذه المناطق ذات الطابع المديني. كما أن وضع منطقة الجولان كرقعة يحتدم حولها الصراع مع سوريا، واعتبارها ساحة لأي حرب أو عمليات عسكرية، يعزز لدى كثير من الصهاينة القناعة، في قرارة ذاتهم، بأن منطقة الجولان غير قابلة لأن تكون باستمرار تحت السيطرة الصهيونية، في ظل الموقف السوري المبدئي والصلب الرافض والمقاوم للاحتلال، وهو ما يدفع هؤلاء اليهود للإحجام عن احتمالات التعرض للمخاطر المستقبلية المحدقة بهذه المنطقة(ص17).

محصلة الأعمال الاستيطانية في الجولان

تبين متابعة الأعمال الاستيطانية في منطقة الجولان المحتلة أن عدد الصهاينة الذين استوطنوا في هذه المنطقة، خلال خمسين سنة من احتلالها 1967-2017، لم يتجاوز عدد المواطنين العرب، وهو 22 ألفاً.. وأنه خلال السنوات العشر الممتدة بين 1967-1977بنيت في الجولان 20 مستوطنة، وفي السنوات العشر التي تلتها بنيت 10٠ مستوطنات، بينها4 مستوطنات فقط في الجولان أنشئت منذ سن حكومة مناحيم بيغن قانون ضم الجولان 1981 حتى عام2007.. ثم استقر العدد عند 33 مستوطنة بينها ما تسمى مدينة كتسرين، إلى حين تدشين مستوطنة رمات ترامب عام 2019.

وفي التفصيلات المتعلقة بذلك، وفقاً للمكتب المركزي الصهيوني للإحصاء CBS، في السنوات العشر التي تلت سن قانون ضم الجولان، أي حتى عام 1991، زاد عدد المستوطنين اليهود بمقدار 5000فقط، وهو رقم مطابق تقريباً للزيادة في عددهم خلال فترة ما قبل سن القانون ويكشف معدل نمو الاستيطان اليهودي في الجولان في العقود التالية عن أنه في الأعوام العشرين التي مرت بين 1994-2014، زاد عدد المستوطنين اليهود في الجولان بمقدار 7000 شخص فقط، وهي زيادة كانت في حدود معدل نموهم الطبيعي. بينما زاد عدد المواطنين العرب، خلال الفترة ذاتها، وفق معدل نموهم الطبيعي الذاتي، بنحو 11000 شخص..

وبتأثير التركيز الصهيوني على استيطان الجولان، خلال السنوات اللاحقة، راح عدد المستوطنين الصهاينة في الجولان يزداد، حتى بلغ لغاية عام 2021 نحو 27 ألف مستوطن، مقابل 26 ألف عربي.. ومع ذلك تعنى هذه الأرقام عملياً أن سلطات الاحتلال لم تحقق الأغلبية اليهودية بدرجات كبيرة فى الجولان، رغم تصنيفها لهذه المنطقة بأنها ذات أولوية وطنيةكذا، وأنها جزء لا يتجزأ من الدولة كذا.. وبتقدير بعض الأوساط الصهيونية، تعدّ هذه الحالة شهادة فقر لقدرة السلطات على أداء مهام استراتيجية، ودليلاً على فشل تاريخي مستمر لها..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الجولان سورية الاحتلال احتلال كتاب سورية الجولان عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إبراهیم عبد الکریم هذه المستوطنات سلطات الاحتلال فی هذه المنطقة فی الجولان

إقرأ أيضاً:

الضفة جبهة أخرى لتصفية القضية.. بيانات صادمة وزحف استيطاني لا يتوقف

في مشهد لا يقل قسوة عن نكبة غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني حتى يوليو/تموز 2025، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، تعيش الضفة الغربية نكبتها الخاصة، وسط صمتٍ دولي وإقليمي.

فبينما تتعرض غزة لإبادة جماعية متواصلة على مرأى العالم، تتواصل في الضفة الغربية عملية تهجير ممنهجة، تنفذها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، بأدوات الاستيطان والضم وعنف المستوطنين، وسط غياب أي موقف عربي أو دولي حازم يوقف هذا النّزف الصامت.

عنف المستوطنين جزء راسخ من أدوات تهجير الفلسطينيين من الضفة (الأناضول) زحف استيطاني وعنف لا يتوقف

شهد العام 2025 تسارعا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، بما يشبه سباقًا مع الزمن لتثبيت "الوقائع على الأرض".

ووفق "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، فقد صادقت حكومة بنيامين نتنياهو خلال النصف الأول فقط من هذا العام على بناء أكثر من 17 ألف وحدة استيطانية جديدة، تركز أغلبها في مناطق نابلس والخليل وبيت لحم، في إطار إستراتيجية ربط المستوطنات بعضها ببعض وتقطيع أوصال الضفة.

وتشير معطيات منظمة "بتسيلم" في تقريرها الصادر في مايو/أيار 2025 إلى أن عدد المستوطنين في الضفة تجاوز 730 ألفًا، أي بزيادة 8% عن العام الماضي، وهو ما يؤكد أن السياسات الإسرائيلية تسير نحو تكريس الضم الفعلي، لا التجميد أو التفاوض.

حفارات جيش الاحتلال تهدم مبانيَ في مخيم جنين بالضفة الغربية (الأوروبية)

كما كشفت صحيفة "هآرتس" في 20 يونيو/حزيران 2025 أن الحكومة خصصت 5.6 مليارات شيكل (نحو 1.5 مليار دولار) لتوسيع البنى التحتية الاستيطانية، تشمل طرقًا وشبكات مياه وكهرباء، في خطة تُنفّذ على عجل قبيل أي تغييرات محتملة في البيئة الدولية أو السياسية الأميركية.

من جهة أخرى، صار عنف المستوطنين جزءًا متجذرا في أدوات تهجير الفلسطينيين. فوفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، تم توثيق 1375 حادث عنف من المستوطنين منذ بداية 2025، بزيادة 30% عن نفس الفترة من العام السابق، وتنوّعت بين حرق أراضٍ، وتكسير سيارات، واقتحام قرى وبلدات، وصولاً إلى اعتداءات جسدية قاتلة.

أطفال ينظرون إلى رصيف مُدمّر إلى جوار طريق عقب هجوم إسرائيلي على مخيم نور شمس قرب طولكرم (غيتي)

وفي ترمسعيا شمال رام الله، أحرق مستوطنون عشرات الدونمات من كروم العنب في أبريل/نيسان 2025، كما وثّقت منظمة "يش دين"، وسط غطاء واضح من الجيش الإسرائيلي الذي منع فرق الإطفاء من الوصول بسرعة إلى الموقع.

إعلان

وفي مؤتمر صحفي في جنيف في 28 يونيو/حزيران الماضي، صرّحت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن "السلطات الإسرائيلية تتقاعس بشكل منهجي عن محاسبة المستوطنين، ما يخلق مناخًا من الإفلات من العقاب ويشجّع على تكرار الانتهاكات".

هذا التواطؤ، بحسب مراقبين، لا يعدّ مجرد تجاهل، بل سياسة مقصودة ضمن هندسة بيئة طاردة للفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج"، والتي تمثّل أكثر من 60% من الضفة.

قوانين مدنية بأهداف عسكرية

ويرى مراقبون أن الضم لا يُمارَس فقط ببناء المستوطنات، بل بأدوات تبدو قانونية في الظاهر، لكنها تحمل في جوهرها نية السيطرة على الأرض. فقد وثّقت وزارة الأشغال العامة الفلسطينية في تقريرها السنوي مصادرة أكثر من 12 ألف دونم منذ بداية العام لشق طرق استيطانية جديدة، أبرزها الطريق الذي يربط مستوطنة "إيتمار" جنوب نابلس بمستوطنة "شيلو" قرب رام الله.

وتعليقًا على ذلك، قال حنا عيسى، أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس في 3 يونيو/حزيران 2025 إن "إسرائيل تستخدم القوانين المدنية كأدوات ضم هادئة؛ كأن تسنّ قوانين للتنظيم والبناء، لكنها تمنح التراخيص للمستوطنات وترفضها للفلسطينيين، ما يجعل من البناء الفلسطيني "غير قانوني" في نظر الاحتلال".

وأكد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في يونيو/حزيران أن إسرائيل هدمت أكثر من 210 منازل فلسطينية في مناطق (ج) في النصف الأول من 2025، بحجة عدم الترخيص، رغم أن سلطات الاحتلال نادرًا ما تصدر تلك التراخيص.

وبحسب التقرير ذاته، فإن 95% من طلبات تراخيص البناء المقدمة من فلسطينيين في المنطقة (ج) تم رفضها في السنوات الثلاث الأخيرة.

واكتفى الاتحاد الأوروبي في بيانه الصادر بتاريخ 2 يوليو/تموز 2025 بـ"الإعراب عن القلق العميق" دون فرض أي عقوبات أو خطوات عملية، ما اعتبرته منظمات حقوقية بمثابة "ضوء أخضر ناعم" لاستمرار الانتهاكات.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان رسمي في 6 يوليو/تموز "إن استمرار هذا الصمت الدولي، والاكتفاء بالتعبير عن القلق، يمنح الاحتلال غطاءً واضحًا لتوسيع مشروعه الاستيطاني، في خرق صريح لقرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي يجرّم المستوطنات".

حواجز الطرق الالتفافية والاعتقالات اليومية والهدم الممنهج أدوات حصار داخلي خانق للمجتمع الفلسطيني (الجزيرة) نموذج متطور من الأبارتهايد المقنن

وفي ظل هذا الجمود، ترتفع الأصوات الحقوقية محذّرة من تحوّل الوضع في الضفة إلى "نموذج جنوب أفريقي بنسخته الإسرائيلية".

ووصف الباحث القانوني الفرنسي فرانسوا دوبريه في تصريح لمجلة "لوموند دبلوماتيك" الضفة الغربية بأنها "نموذج متطور للأبارتهايد المقنّن، حيث يُمنح المستوطن كل الحقوق، بينما يُجرّد الفلسطيني من أرضه ومن حقه في البقاء".

وبحكم الواقع، لم تعد الضفة الغربية ساحة اشتباك موسمي أو أحداث متقطعة، بل تحولت تدريجيًا إلى بؤرة انفجار إستراتيجي في قلب الجغرافيا الفلسطينية. فبين مئات الحواجز، وعشرات الطرق الالتفافية، والاعتقالات اليومية، والاقتحامات الليلية، والهدم الممنهج، يتعرّض المجتمع الفلسطيني لحصار داخلي خانق لا يقل شراسة عن الحصار العسكري على غزة.

توغل إسرائيلي في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة (أسوشيتد برس)

وتشير تقديرات مركز "القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني" في تقريره الصادر في يوليو/تموز 2025 إلى أن معدل التهجير الطوعي القسري (بسبب الظروف المعيشية والأمنية) ارتفع بنسبة 42% منذ بداية الحرب على غزة، إذ غادر آلاف الفلسطينيين من مناطق التماس نحو المدن الفلسطينية الداخلية أو إلى الأردن، وسط مؤشرات على تفريغٍ بطيءٍ للضفة.

إعلان

هذا الواقع لا يعبّر فقط عن اختلال في ميزان القوى، بل عن تآكل خطِر في الثوابت السياسية التي قامت عليها عملية السلام منذ اتفاق أوسلو، وسط غياب أي أفق سياسي أو ضغط دولي جاد.

لم تعد الضفة الغربية جبهة ثانوية في ظل نكبة غزة، بل صارت الجبهة الأخطر التي تُستهدف ببطء وتُفرّغ بقسوة تحت غطاء قانوني زائف وعنف استيطاني منظم. إنها المعركة الهادئة التي تُخاض بلا كاميرات ولا صواريخ، لكنها لا تقل فتكًا بمستقبل الأرض والهوية.

فهل يُعد هذا الواقع اقترابا من الفصل الأخير كون الضفة الركن الرئيسي في القضية الفلسطينية أم أن القادم ينذر بنكبة أدهى من كل ما سبق؟

مقالات مشابهة

  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة
  • الضفة جبهة أخرى لتصفية القضية.. بيانات صادمة وزحف استيطاني لا يتوقف
  • أمير الشرقية يؤكد أهمية دعم الشراكات النوعية التي تحقق أثرًا تنمويًا مستدامًا
  • برا وجوا.. جيش الاحتلال يجري مناورات عسكرية في منطقة الجولان
  • الجيش الإسرائيلي: صفارات إنذار في مناطق إسرائيلية قرب غزة
  • إيران تدين العدوان الصهيوني على اليمن وتدعو مجلس الأمن لوضع حد لتقاعسه تجاه هذه الجرائم
  • العدو الصهيوني يستولي على 744 دونمًا من أراضي رام الله
  • الحوثي تتحدث عن هجوم كبير شنته على الاحتلال.. والأخير يتكتم (شاهد)
  • الخارجية الإيرانية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • قوات الاحتلال تعتقل الصحفي الفلسطيني ناصر اللحام