كتب - محمود مصطفى أبوطالب:


أكد فضيلة الإمـام الأكبر الدكحتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن القرآن الكريم؛ كتابُ الله الذي لا ‏يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه، الذي لا ‏يستوعبُ الحديثَ عنهُ زمان ‏ولا يحصُره مكان؛ فقد تعالى فوقَ الزمانِ وفوقَ المكانِ، وذهب بعيدًا إلى ما ‏‏فوق العقول، وإلى ما وراء أحداث التَّاريخ وسجلَّاته، ولا عجب! فهو الكتاب ‏الذي تكفَّل اللَّه -سبحانه ‏وتعالى- بتنزيله ووحيه، كما تكفَّل بحفظِه وحراسة آياته ‏وكلماته، ولم يعهد بهذه المهمة إلى أحدٍ غيره، لا من ‏البشر، ولا من الأنبياءِ ولا ‏من غيرهِم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].


وأضاف خلال كلمته في الاحتفالية التي عقدها مركز دار القرآن جاكيم، بمناسبة زيارة شيخ الأزهر بلماليزيا، أنَّ الله قد صدق وعده فقُيِّض لهذا الكتابِ من وسائلِ الحفظِ في ‏الصُّدورِ ‏وفي السُّطور ما لم يُقيَّض لأيِّ كتاب آخر من الكُتُب، وقد مرَّ ما يقرُب من خمسة عشر قرنًا من ‏‏الزمان على نزول القرآن الكريم، وجيوشُ المتربِّصين به ساهرةٌ تلتمسُ له العيوب وتُفتِّشُ عن الهفوات، ‏ومع ‏ذلك فإنَّ أحدًا من هؤلاء المتربِّصين لم يظفَر ببُغيته، ولم يستطع أن يُسَجِّلَ ‏عليه هفوةً واحدةً يأباها العقلُ ‏الصَّحيح، أو انحرافًا تَضِيقُ به الفِطْرة السَّليمة، أو ‏خطأً واحدًا يَصدِمُ ثوابتَ العلم وتجاربَه المستقرَّة.‏


وأشار إلى أنَّه كان من المتوقَّعِ أنْ تجيءَ الآياتُ الأولى من القُرآنِ الكَريم مُوقِظَةً ‏لفطرةِ الإيمانِ ‏باللَّهِ تعالى؛ ومُكتفيةً بها في تحصيل هذا الإيمان الذي هو: أصل ‏الأصول في الأديان، بل الأصلُ الذي لا ‏يثبتُ في غيابه أصل آخر، غير أنَّا ‏وجدنا القرآنَ يبدأُ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة في آذانهم ‏وعقولهم ‏أوَّلًا، ليتنبَّهوا -بعد ذلك- إلى أنَّ أمرَ العقيدةِ في الإسلام يتأسَّسُ -أوَّلَ ما يتأسَّس- ‏على «العِلْم» ‏والنظر العقليِّ، وليس على مجرَّد «التَّسليم القلبي» الذي لا يستند ‏إلى بدائه العقول والأدلَّة والبَراهين ‏السَّاطعة.‏


وبيَّن شيخ الأزهر خلال كلمته أنَّ العقلَ هو ‏المِحورُ الأساسيُّ الَّذي تدورُ عليه كلُّ تكاليفِ الشَّرعِ، التي هي: ‏‏«خِطابُ اللَّهِ المُتعلِّقُ بأفعالِ المكلَّفِين ‏اقتضاءً أو تخييرًا».. ومَنزلةُ هذا العقلِ في ‏القرآنِ الكريمِ هي من المسلَّماتِ الّتي لا تَقبلُ نِزاعًا ولا جِدالًا، ‏وتلاوةُ القرآنِ ‏تُثبِتُ ذلك ثُبوتَ أرقامِ الحسابِ، وبصورةٍ يَنفرِدُ بها هذا الكِتابُ عن سائرِ الكُتبِ ‏الأخرى.‏ وقد ‏حفَل هذا الكتابُ الكريم وفي كثيرٍ من آياتِه، وعلى نحوٍ لافتٍ للنَّظر، ‏حفل بتحرير شعور الإنسان وقلبه ‏وضميره من عبادة الأحجارِ والحيوانات ‏والأشخاص، وخَلَّص عَقْلَه من الأوهامِ والأساطيرِ والخرافات، ‏وتَسامَى بالنَّفسِ ‏الإنسانيَّة ومشاعرِها فوق رَهَق المادَّة وعبوديَّة الغرائِز، وإغراءِ الشَّهواتِ ‏واسترقاقاتها.‏


وأكَّد أن القرآن صنع رجالًا، بل صنع أمةً كبرى من أمم التاريخ، ‏نقلها ‏‏-على ضعفِها وبساطتِها ورثاثة حالها- من المحليَّةِ إلى العالميَّةِ في غضونِ ‏عقودٍ قليلةٍ، واستطاعت أن ‏تَنشرَ في شرقِ الدُّنيا وغربِها حضارةً لايزالُ دَيْنها ‏ثقيلًا في أعناقِ صُنَّاعِ حضارة اليوم، ورموزِها وفلاسفتِها ‏وعلمائِها ومفكِّريها، ‏وكانت حضارةً مُعجزةً بِكُلِّ المقاييس، لايزال علماء التاريخ، في الغرب قبل ‏الشرق، في ‏حيرةٍ من أمرِ تفسيرِها.‏


وأضاف أنَّ التَّاريخَ يُثبِتُ أنَّ هذه الأمَّةَ حِينَ كانت تُصِيخُ السمعَ إلى نِداءاتِ ‏القُرآنِ وتُطبِّقُ ما ‏اشتمل عليه مِن توجيهاتٍ إلهيَّةٍ، علا قدرها وارتفع شأنها ‏وبَلَغتْ مِن الحضارةِ والتقدُّمِ العِلميِّ والأخلاقيِّ ‏درجةً زاحَمَتْ فيها بمَنكِبَيْها ‏حضاراتٍ عالميَّةً كانت تتفرَّدُ بقيادةِ العالمِ آنَذاكَ، بل استَطاعَ المُسلِمون أن ‏‏يُزِيحوا هذه الحضاراتِ شرقًا وغَربًا في أقلَّ مِن ثمانينَ عامًا مِن آخِرِ آيَةٍ نزلَتْ ‏مِن هذا القُرآنِ الكريمِ ليَملَئوا ‏الأرضَ نُورًا وعدلًا وعِلمًا... وقد كانت قوَّةُ الدفعِ ‏الإسلاميِّ تُجاهَ العِلمِ والفلسفةِ والأخلاقِ والفُنونِ المُتعالِيةِ - ‏مَثارَ إِعجابِ كثيرٍ ‏مِن الأُوربيِّينَ ممن رَصَدُوا ظاهرةَ الفُتوحاتِ الإسلاميَّةِ في أُوربا، ودَرَسُوها في ‏تجرُّدٍ ‏ومَوضوعِيَّةٍ وإِنصافٍ يَستوجِبُ الثناءَ والشُّكرَ.‏


وتابع شيخ الأزهر أنَّ الله قد قَيَّضَ لنصوصِ القرآنِ أن تُحفَظَ في السُّطورِ ‏وفي الصُّدورِ، ممَّا مكَّنَ لرُوحِ ‏الحضارةِ الإسلاميَّةِ أن تَظَلَّ صامدةً في معاركِ ‏التَّطوُّرِ، وأن تَبقى حَيَّة نابضةً ومؤثِّرةً حتَّى يومِ النَّاسِ هذا، ‏رُغمَ ما أصابها مِن ‏تَراجُعٍ وتَقهقُرٍ، ورُغمَ ما وُجِّه -ويُوجَّهُ- إليها مِن ضَرَباتٍ قاسيةٍ، مِنَ الدَّاخلِ ‏ومِن الخارجِ ‏على السَّواءِ، وكانت -دائمًا- كالجمرةِ المُتَّقِدةِ التي لا يَخبُو لها ‏أُوارٌ، حتَّى في زمنِ التَّراجُعِ والنُّكوصِ.. ولو ‏أنَّ أمَّةً أُخرى تَعرَّضَت حضارتُها ‏لِما تَعرَّضَت له حضارةُ المسلمين لتَلاشَت وأَصبَحَت في ذمَّةِ التَّاريخِ منذُ ‏قرونٍ ‏عدَّةٍ.




المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: حكومة مدبولي الطقس أسعار الذهب سعر الدولار معبر رفح التصالح في مخالفات البناء مهرجان كان السينمائي الأهلي بطل إفريقيا معدية أبو غالب طائرة الرئيس الإيراني سعر الفائدة رد إسرائيل على إيران الهجوم الإيراني رأس الحكمة فانتازي طوفان الأقصى الحرب في السودان شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب شیخ الأزهر الذی لا

إقرأ أيضاً:

أحمد عمر هاشم شاهد النبي الكريم بالمنام.. تسجيل صوتي يكشف التفاصيل

أكد الدكتور عبد الغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن مصر فقدت عالم وإنسان عظيم، قدم الكثير للأمة الإسلامية، ولطلاب الأزهر الشريف، وهو الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء.

واعظة: الدكتور أحمد عمر هاشم كان أبًا روحيًا.. وتعلمت منه أن الأخلاق أساس الدعوةالأوقاف توثق مسيرة الدكتور أحمد عمر هاشم الدعوية والعمليةمسجد وطريق ومحطة قطار سريع.. الرئيس السيسي يوجه بتخليد اسم الدكتور أحمد عمر هاشمالرئيس السيسي يوجه بإطلاق اسم الدكتور أحمد عمر هاشم على أحد المساجد بالزقازيق

وأضاف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج” من أول وجديد” تقديم الإعلامية نيفين منصور، أنه عمل مع الراحل أكثر من 25 عامًا، وأنه لم يغضب لنفسه، ولكن كان يغض وينفعل على أي شخص يأتي على الإسلام، وكان يحب الجميع.

وردا على سؤال " هل العالم الراحل شاهد النبي الكريم في المنام، ووالده قام بتفسير الرؤيا له" وقال إن هذا الكلام صحيح، وأن هذه الرؤية كانت في العام الثاني له بكلية أصول الدين".

تسجيل صوتي للراحل عمر هاشم

وتحدث عن الرؤية وقال " إنه يمتلك تسجيل صوتي للراحل عمر هاشم وهو يحكي هذه الرؤية" وأكد أن الراحل شاهد سيدنا رسول الله، وهو يطوف حول الكعبة، وأن والده قال إنه سيحج بيت الله قبله، وبالفعل تحققت الرؤية من خلال فوزه بمسابقة بالأزهر والتوجه إلى بيت الله الحرام".

ولفت إلى أن الراحل ظل يحج بيت الله كل عام لمدة 42 عامًا متصلة، حتى ظهرت كورونا وتوقف من بعدها عن أداء فريضة الحج.

جهوده ومنزلته العلمية


تقلّد الدكتور هاشم - رحمه الله تعالى - عدة مناصب مهمة أبرزها: عضو هيئة كبار العلماء، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو مجلس الشعب المصري بالتعيين من رئيس الجمهورية، وعضو في مجلس الشورى، والمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس لجنة البرامج الدينية بالتلفزيون المصري.

مثل الأزهر في عدة فعاليات كبرى، أبرزها بعثة الحج الرسمية ومؤتمر رابطة العالم الإسلامي، وكان له حضورا بارزا في الحوارات بين الأمم الأخرى في المؤتمرات البرلمانية الدولية، بالإضافة لجهوده العلمية والأكاديمية مثل: الإشراف ومناقشة أكثر من مائتي رسالة دكتوراه وماجستير، أستاذ زائر بجامعة أم درمان الإسلامية لمدة شهرين سنة ١٩٧٦م، أستاذ بكلية الشريعة بمكة المكرمة من سنة ١٩٧٦م إلى سنة ١٩٨٠م، ممثل الأزهر في الملتقى السادس عشر للفكر الإسلامي بمدينة تلمسان بالجزائر عام ١٩٨٢م، المشاركة في مؤتمر السنة والسيرة بالقاهرة بالأزهر الشريف ببحث عن تدوين السنة المشاركة في مؤتمر الطب الإسلامي بكراتشي في باكستان ببحث بعنوان "التراث الطبي الإسلامي".

طباعة شارك أحمد عمر هاشم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عبد الغني هندي الأزهر الأزهر الشريف

مقالات مشابهة

  • أحمد معبد عبد الكريم.. شيخ المحدثين وعالم السنة
  • كيف عظم الله تعالى قدر النبي ﷺ في القرآن الكريم
  • أحمد عمر هاشم شاهد النبي الكريم بالمنام.. تسجيل صوتي يكشف التفاصيل
  • بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني: الراحل أحمد عمر هاشم خدم كتاب الله وساند المسابقة
  • 7 أكتوبر.. اليوم الذي أسقط أسطورة القوة وفضح زمن الخضوع
  • فضل الجيش المصري في القرآن الكريم.. الإفتاء توضح
  • من عمر 6 سنوات.. فتح باب التقديم للمنافسات المحلية بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم
  • نحو مفتتح عهد جديد لإحياء عقل ويقظة وقوة وحيوية العرب والمسلمين: وثيقة منهج قيمي هويتي لتعلم التفكير بتدبر وتعلم القرآن الكريم
  • بالرابط.. خطوات التسجيل في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن الكريم 2025
  • عطية لاشين يوضح الفرق بين «يفعلون» و«يعملون» في القرآن الكريم