عباس المسكري

 

في حياة الأمم لحظات تصنع وعيها وتعيد تعريف شرفها، لحظات لا تمرّ كغيرها، بل تترك في الذاكرة أثرًا لا يُمحى، والسابع من أكتوبر كان تلك اللحظة الفاصلة التي بدّدت الضباب وكشفت الجوهر، فبان الصادق من المدّعي، والشريف من الخانع، إنه اليوم الذي تكلّم فيه الفعل، فصمتت الشعارات، وتهاوت الأصنام التي صُنعت من وهم القوة والخوف.

في ذلك اليوم، انقلبت موازين الفهم والقول رأسًا على عقب، وسقطت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" تحت أقدام الحقيقة، فإذا به جيشٌ أوهن من بيت العنكبوت، يتهاوى أمام عزيمة لا تُقاس بالعتاد، وما إن انكشفت هشاشته حتى هرع يستنجد بحلفائه، فلو لا مظلة أمريكا وسلاحها ومالها، لكان اليوم خبرًا من التاريخ لا أكثر، فلقد فضح السابع من أكتوبر زيف القوة المصطنعة، وكشف أن من يستقوي على الضعفاء لا يملك في داخله إلا الخوف.

ومن قلب غزة خرجت الحكاية، ومن أزقّتها المهدّمة انبعث المجد من جديد، هناك، في أضيق رقعة وأقسى حصار، وُلد رجال من نورٍ ودم، لا يعرفون الانكسار. مجاهدون جعلوا من أجسادهم سورًا يحمي كرامة الأمة، ومن إيمانهم وقودًا لا ينطفئ، هم أبناء الأرض والحق، سلاحهم يقينهم، وقوتهم في صدقهم، بصمودهم علّموا العالم أن الكرامة لا تُشترى، وأن النصر يولد من رحم الألم، لا من موائد المساومة.

لقد صار أبناء غزة عنوانًا للعزة، ورمزًا لكل عربيٍّ ومسلمٍ لا يرضى بالهوان، وفي كل خطوةٍ من خطواتهم تذكيرٌ للأمة بأن الشرف لا يُستورد، وأن البطولة قرارٌ لا شعار، نعم هناك، تحت القصف والجوع، كُتبت أنصع صفحات التاريخ بمدادٍ من دمٍ وصبرٍ وإيمانٍ لا يلين.

لكن ذلك اليوم لم يكشف ضعف العدو فحسب، بل فضح أيضًا زيف بعض من تزيّنوا بلباس الدين والسياسة، فخرجت أصوات تدّعي الورع وهي تلعن المقاومة وتكفّر المجاهدين، فأسقطها التاريخ قبل أن يسقطها الناس، لقد أرادوا أن يُطفئوا نور الصدق بفتاواهم، فإذا بهم ينكشفون أمام الله والخلق، أولئك الذين اصطفّوا إلى جانب الباطل خسروا مكانتهم، وذهبت هيبتهم أدراج الرياح، لأن الأمة بطبعها تعرف أن الحق لا يُحارب باسم الدين، وأن من يخذل المظلوم شريكٌ في ظلمه. لقد باءوا بغيظهم وحقدهم، وبقيت دماء الأحرار أصدق من كل خطبةٍ جوفاء.

مرّت سنتان، وما زال صدى ذلك اليوم يهزّ الضمائر، فلقد أعاد السابع من أكتوبر تعريف العزة في الوعي العربي والإسلامي، وأيقظ في الشعوب يقينًا كان يُراد له أن يموت، فصار ميزانًا يُعرف به الناس، من مع الأمة، ومن عليها، من اختار الكرامة، ومن باعها في سوق الخنوع، ذلك اليوم لم يكن مجرّد معركة، بل لحظة وعيٍ كبرى أعادت للأمة ثقتها بنفسها، وأثبتت أن من يتوكّل على الله لا يُهزم، مهما اشتدّ الحصار وتكاثر الأعداء.

سيبقى السابع من أكتوبر شاهدًا على أن الكرامة لا تموت، وأن الشرفاء مهما ضاق بهم الواقع لا ينكسرون، يومٌ كان عزًّا للأحرار، وفضيحةً للمتخاذلين، يومٌ فيه سقطت الأقنعة، وارتفعت الهامات، مرّت سنتان، وما زال وهجه يضيء القلوب، يذكّر الأمة أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الباطل، مهما علا، زائل، وسيظل السابع من أكتوبر تاريخًا لا يُنسى، ويومًا تعلّمت فيه الأمة من جديد كيف يكون الشرف، وكيف يُصان الحق بالدم لا بالكلام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

7 أكتوبر تاريخ غير المعادلة

يمانيون| بقلم: احترام عفيف المُشرّف

يوم السبت بتاريخ السابع من أكتوبر لعام 2023م عندما انطلقت شرارة طوفان الأقصى والتى غيرت الكثير من المعادلات وغربلت الشوائب لمعرفة الغث من السمين وتجلت المواقف لتفضح كل بموقفه ومكانته وما اختاره لنفسه من الشرف أو العار من المقاومة والمساندة والدعم بأي نوع أو شكل للطوفان ورجاله أو الانبطاح والتخلي، بل والتجريم والتصغير لما قامت به المقاومة الفلسطينة وماساندها من دول محور المقاومة.

هذا التاريخ ميز الألوان وجعلها لونين فقط لايتداخلها أي لون آخر أما أسود فاحم أو أبيض ناصع أو كما يقال في الشريعة الإسلامية برز الإيمان كله للشرك كله. لذلك لامجال للمزايدة والفلسفة الجوفاء وضبابية الموقف أما أن تكون هنا أو هناك فقط لا غير.

وما نراه أن أغلب المواقف قد حددت والكثير قد حجزوا أماكنهم وجلسوا على مقاعدهم عيانا بيانا بكل وضوح وشفافية.
ولهذا أرى أن السابع من أكتوبر له فضل كبير لأننا بدأنا نرى كل شيء بوضوح وانتهت السمفونية المشروخة والتي استمعنا لها منذ عقود وهي تغرد بالقول القضية الفلسطينة هي قضية العرب الأولى والمركزية، والقدس هي البوصلة وهي المقصد وتحريرها هو الغاية والسبيل والذي من أجله تعد الجيوش وتدخر الأسلحة وتشحذ الهمم وتقام القمم العربية والإسلامية وتخرج البيانات المزلزلة التي تدين العدو الإسرائيلي.
سمفونية استمعنا إليها حتى صمت أذاننا ومللناها وسئمناها ولم تعد تحرك فينا ساكنا.

حتى أنقذنا منها تاريخ السابع من أكتوبر 2023م وعرى الجميع ليرتدي الجميع كل ما يناسبه من رداء أما رداء المقاومة والنصرة حتى النصر أو الاستشهاد أو رداء الخنوع والتطبيع والمساندة الظاهرة والتي أخرجها الطوفان من تحت الطاولة التي كانت هذه الفئات مستترة تحتها لعقود من الخيانة للقضية.

نعم فقدنا الكثير من القادة الذين ضحوا بسنين حياتهم للجهاد في سبيل الله وتكللوا بتاج الشهادة في طريق القدس ولكنهم تركوا وراؤهم مشاريع قادة يسيرون على طريقهم ويحذون حذوهم
نعم غزة بلغت فيها المآسي إلى حد لم يعد بقدور البلغاء والفصحاء وصفه. ولكنها تقول للعدو غزة لم ولن تموت وستظل وستقاوم مادام هناك طفل فلسطيني يولد وما دام هناك شرفاء في هذه الأمة.

نعم هناك محاولات كبيرة وقوية في تقطيع أوصال طوق المقاومة ولكن هناك إصرار على الاستمرار والمواصلة وأنها معركة فاصلة لا رجوع عنها ولا استسلام فيها حتى النصر ولاشيء غير النصر مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات ومع كل شهيد يسقط في معركة الكرامة ينهض ألف مجاهد يحملون دمه ومنهجه وروحيته.

وحتى ظهور العمالة الواضحة أفاد الطوفان وزاد من قوته لكي لايتكأ على ركن واهي أو يثق بحكام وجيوش ودول مغلوبة على أمرها ولم يعد بيدها شيء سوى التوسل لسيدها الأمريكى أن لا يسخط عليها.

ليس هذا فقط ما صنعه السابع من أكتوبر فهو لم يفضح الدول الخانعة فقط بل أنه قد أتى على كل شيء و أوضحه فقد فضحت مآسي غزة الشعوب التي أعجبها وضع التدجين والتجميد التي تعيشه منذ زمن طويل وفضح المحللون السياسون والمفكرون والكتاب ومن يسمون أنفسهم عباقرة الزمان وجهابذة العصر، أتى الطوفان ليفضح بعضهم من كانت تحليلاتهم وتعاطيهم مع القضية مقرف ومخزي ومهين لهم.
ويرفع راية من نصع جبينهم ولم يقولوا أو يكتبوا سوى كلمة الحق في هذه المعركة. التى لن ينساها التاريخ.

وهاهو الطوفان مازال يجرف الغثاء ويحتفظ بالدرر
وأن كان لنا أن نتبأ بشيء سوف يحدثه في المستقبل القريب إن شاءالله هو أنه وبهذه الرؤية الواضحة التي أحدثها وكشف بها كل المستترين فأنه سوف ينضم إليه ويسير في ركبه الكثير الكثير ممن كانت أعينهم وعقولهم مشتتة لا يعرفون أين يتجهون. وقد شوشت عقولهم بمن كانت لهم براعة الإقناع بأن مايحدث ليس إلا عبث وغوغاء يحدثها هؤلاء المقاومون فقد وهنت كلماتهم ودحظت حجتهم ولم يعد بإمكانهم اقناع حتى البهائم. وهم يحاولون تغطية شمس الحرية بغربال وبانضمام كل هؤلاء وهم كثر ستتوسع المقاومة أكثر وأكثر وليس ما نقوله تكهنات ولا أمنيات بل هي معطيات وقراءة لما حدث ويحد منذ ثلاث سنوات وإلى اليوم وحتى النصر بأذن الله والعاقبة للمتقين.

مقالات مشابهة

  • “7 أكتوبر”.. سقوط أسطورة الكيان وإعادة رسم موازين القوة
  • فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبر
  • عامان على هجوم 7 أكتوبر.. اليوم الذي غيّر وجه المنطقة
  • الاحتلال يقر بخسائره من العسكريين منذ أكتوبر 2023 (إنفوغراف)
  • من أسطورة الجيش الذي لا يقهر إلى أسرى الكستور.. مصر تحتفل بنصر أكتوبر
  • 7 أكتوبر تاريخ غير المعادلة
  • محافظ بورسعيد: نصر أكتوبر حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأثبت للعالم إرادة المصريين
  • بيان جديد واعتذار من تاتش.. ما الذي جرى صباح اليوم؟
  • الرئيس السيسي: نقف جميعا وقفة عزة وفخر نحيي ذكرى السادس من أكتوبر اليوم الخالد في تاريخ ووجدان الأمة