الصحافة ليست مهنة عادية بالنسبة للفلسطينيين.. أنس الشريف نموذجا
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" العام الماضي، يشن جيش الاحتلال حربا مدمرة، ويرتكب مجازر وحشية وجرائم منقطعة النظير بحق المدنيين في قطاع غزة، خلّفت أكثر من 42 ألفا و850 من الشهداء، وأكثر من 100 ألفا و544 من الإصابات، معظمها أطفال ونساء، ودمارا هائلا بالبنية التحتية وارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في القطاع، وضمن تلك الجرائم؛ الانتهاكات الصارخة والصادمة ضد الصحفيين، وبالتحديد صحفيي قناة الجزيرة الميدانيين.
لم يكن مفاجئا ما عمدت إليه المزاعم الكاذبة التي يروّج لها جيش الاحتلال من خلال استخدام وثائق مفبركة وأدلة ملفقة لإثبات التهم الواهية، بانتماء عدد من صحفيي قناة الجزيرة إلى فصائل المقاومة، هو تحريض مكشوف يُمهِّد لاستهدافهم، ضمن سياسته الفاشية التي قتلت نحو 177 صحفيا، بهدف إرهاب الصحفيين وتخويفهم ومنعهم من أداء رسالتهم، والتعتيم على ما يُرتكب من إبادة وحشية وانتهاكات فاضحة.
لم يكن مفاجئا ما عمدت إليه المزاعم الكاذبة التي يروّج لها جيش الاحتلال من خلال استخدام وثائق مفبركة وأدلة ملفقة لإثبات التهم الواهية، بانتماء عدد من صحفيي قناة الجزيرة إلى فصائل المقاومة، هو تحريض مكشوف يُمهِّد لاستهدافهم
هذه الاتهامات والفبركات ضد الصحفيين أنس الشريف، وحسام شبات، وأشرف السراج، وعلاء سلامة، وإسماعيل أبو عمرو، وطلال العروقي، تضاف إلى السجل الأسود للاحتلال واعتداءاته الممنهجة على أهالي قطاع غزة، وعلى الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، لسعيهم وتوثيق ما يتعرض له نحو مليوني مدني يعيشون ظروفا صعبة في قطاع غزة.
يواجه الصحفيون في غزة شتى أنواع الصعوبات من قتل وتهديد، بالإضافة إلى ما يعانيه باقي أهالي غزة من تطهير عرقي وتجويع وتهجير. ومنذ بدء حرب الإبادة صعّدت قوات الاحتلال من سياسة اعتقال الصحفيين وقتلهم، إذ أحصت المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة أكثر من 100 جريمة قتل بحق صحفيين في غزة ارتكبتها قوات الاحتلال في العام الماضي وحده، واعتقال 98 صحافيا وصحافية على الأقل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بهدف فرض المزيد من السيطرة والرقابة على العمل الصحافي، وفي محاولة مستمرة لسلب الصحفيين حقهم في حرية الرأي والتّعبير وممارسة مهنتهم.
فالاحتلال لم يكتفِ بتدمير العديد من مقرات الوسائل الإعلامية ضمن حربه المستمرة على قطاع غزة، وترهيب الصحفيين وتخويفهم بهدف طمس الحقيقة، ومنعهم من نقل الكلمة والصورة عما يجري داخل قطاع غزة من جرائم بشعة يرتكبها على مدار الساعة، وقناة الجزيرة وحدها تقريبا السبّاقة في نقل الأخبار التي تبث ميدانيا وتنقل جرائم الاحتلال.
ولا ننسى أيضا، خلال العامين الماضيين، عندما استهدفت قوات الاحتلال وقتلت عددا من صحفيي الجزيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، منهم شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية الأمريكية التي اغتيلت عمدا في 2022، وسامر أبو دقة، وحمزة الدحدوح، وإسماعيل الغول؛ الذين استشهدوا في غزة، ولفقت قوات الاحتلال يومها اتهامات لبعض هؤلاء الصحفيين لتبرير جرائمها بحقهم.
دماء كل الذين سقطوا على تراب غزة لا تُحصى كأرقام في سجلات، والاحتلال يدرك تمام الإدراك أن هذه الدماء تروي قصصا عميقة الأثر، لذلك يستهدف الصحفيين عن عمد لأنه يعي أن الصحافة ليست مهنة عادية بالنسبة للفلسطينيين، بل هي وسيلة وبندقية لهم لرفع صوتهم، ولكسر حواجز اللامبالاة في ظل الصمت العالمي المريب
يقوم الصحفيون بتغطية المجازر اليومية في قطاع غزة، وقد برز أنس الشريف منذ بداية العدوان في نقل الصورة المأساوية من شمال غزة، لا سيما في مخيم جباليا منذ نحو 20 يوما، فلم يعد يخفى على أحد أن الاحتلال يحاول ومنذ بداية العدوان الهمجي على قطاع غزة تقويض كل ما يشكل دعما ومساندة لفلسطين سواء كانت قناة الجزيرة أو العاملين في مجال الإعلام أو الصحفي أنس الشريف أو غيره، فالاحتلال يكره كل شيء له علاقة بالحقيقة، فهو كيان قائم على صناعة الكذب والتزوير والافتراء وتشويه وتزوير الحقائق.
إن هذه الاتهامات الملفقة ليست إلّا محاولة جديدة لإسكات صوت الحق وصوت الصحفيين القلائل الباقين في قطاع غزة، ولإخفاء حقيقة ما يُرتكب فيه من جرائم وفظائع، وهو انتهاك صارخ لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948؛ أن لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير. ويتضمن هذا الحق حرية الفرد في تكوين آراء بدون تدخل أحد، والبحث عن واستقبال ونقل المعلومات والأفكار من خلال كافة وسائل الاتصال بصرف النظر عن حدود الدول، وأن القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة والدول الديمقراطية في العالم كله تكاد تجمع على أن حق الرأي والتعبير والحرية الممنوحة لوسائل الإعلام في ممارسة عملها؛ هي الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية.
في الختام، إن دماء كل الذين سقطوا على تراب غزة لا تُحصى كأرقام في سجلات، والاحتلال يدرك تمام الإدراك أن هذه الدماء تروي قصصا عميقة الأثر، لذلك يستهدف الصحفيين عن عمد لأنه يعي أن الصحافة ليست مهنة عادية بالنسبة للفلسطينيين، بل هي وسيلة وبندقية لهم لرفع صوتهم، ولكسر حواجز اللامبالاة في ظل الصمت العالمي المريب والتواطؤ الواضح من القوى الكبرى، ولجذب الأنظار نحو معاناة شعب يناضل من أجل بقائه وكرامته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة الجرائم الانتهاكات الصحفيين الجزيرة غزة الجزيرة الاحتلال جرائم انتهاكات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الاحتلال قناة الجزیرة فی قطاع غزة أنس الشریف
إقرأ أيضاً:
حصيلة غير مسبوقة.. 254 صحفيا شهداء الحقيقة في غزة
على امتداد عامين من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، تحوّل الصحفيون إلى هدف مباشر لقوات الاحتلال في محاولة لطمس الحقيقة وفرض الرواية الإسرائيلية الوحيدة.
وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، استشهد 254 صحفيا وصحفية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حصيلة غير مسبوقة.
وأكدت النقابة أن بين الضحايا 27 صحفية، إضافة إلى 433 مصابا و48 معتقلا من الصحفيين خلال تغطيتهم للعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وقالت تقارير ميدانية وأممية إن قوات الاحتلال تستهدف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بشكل متعمد، رغم أنهم يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، في محاولة "لطمس الحقيقة وفرض الرواية الإسرائيلية الوحيدة".
وشملت الاعتداءات استهداف مراسلي قناة الجزيرة، حيث استشهد نحو 11 صحفيا ومصورا بغارات إسرائيلية مباشرة أثناء تغطيتهم للأحداث في غزة، كما دُمّرت عشرات المؤسسات الإعلامية.
استهداف للحقيقةوبحسب بيانات رسمية فلسطينية، دمّر الاحتلال 12 مؤسسة صحفية ورقية و23 رقمية و11 إذاعة و16 فضائية، إضافة إلى 5 مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة و53 منزلا لصحفيين.
وقدّرت الخسائر المادية للقطاع الإعلامي بأكثر من 800 مليون دولار، في حين لا تزال 143 مؤسسة إعلامية تواصل عملها رغم القتل والتدمير.
وترى منظمات حقوقية أن استهداف الصحفيين ليس عارضا بل مقصودا، ويهدف إلى منع توثيق الجرائم الإسرائيلية في غزة. وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن تحقيقاتها تشير إلى أن القوات الإسرائيلية "تعمدت إطلاق النار على الصحفيين رغم ارتدائهم سترات الصحافة الواضحة".
وبحسب اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة هي "الأكثر دموية في تاريخ العمل الصحفي"، إذ تجاوز عدد الصحفيين الذين قتلوا فيها نظيرهم في الحرب العالمية الثانية (69 صحفيا)، وفي حرب فيتنام التي استمرت عقدين (63 صحفيا).
إعلانكما قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي إن الاحتلال "قتل في غزة عددا من الصحفيين يفوق مجموع من قُتلوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية مجتمعتين".
ومنذ بداية الحرب، منعت إسرائيل دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، وسمحت فقط لمرافقي جيش الاحتلال بالدخول، ما جعل الرواية الإعلامية الدولية تعتمد بشكل شبه كامل على الصحفيين الفلسطينيين المحليين الذين يعملون في ظروف إنسانية قاسية وتهديد دائم.
ويقول مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين إن ما يجري في غزة هو "إحدى أوسع وأبشع الجرائم بحق الصحافة في التاريخ الحديث".
ويواصل الصحفيون المحليون -رغم الجوع والنزوح وفقدان أفراد عائلاتهم- توثيق المأساة اليومية في غزة، بينما وصف تقرير مشترك لـ"مراسلون بلا حدود" ومنظمة "أفاز" (Avaaz) الوضع قائلا "بهذا المعدل من القتل، قد لا يتبقى قريبا أي صحفي لتغطية أخبار غزة وإطلاع العالم على ما يجري فيها".
ورغم الاستهداف والدمار، لا تزال عدسات وأقلام الصحفيين في غزة تنقل مشاهد المجاعة والدمار والمعاناة اليومية لشعب محاصر، في حين يستمر صمت العالم أمام واحدة من أبشع الجرائم التي طالت الصحافة وحرية الكلمة في التاريخ الحديث.