لبنان.. حكاية أول مطبعة بالحرف العربي صامدة منذ 1731
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
تحتفظ غابات الأرز في مرتفعات لبنان الجبلية بكنوز عديدة، بينها أقدم مطبعة بالحروف العربية لا تزال صامدة في موقع إنشائها منذ نحو 300 عام، لتشكل عامل جذب للسياح من داخل البلاد وخارجها.
وتقع مطبعة الشماس عبدالله الزاخر في دير "مار يوحنا الصابغ" في بلدة الخنشارة (شرقي لبنان)، حيث لا تزال محفوظة بكامل أجزائها، وحصل عليها الدير عام 1910، وكانت تكتب بالحروف السريانية، قبل أن يتم تحديثها وتحويل حروفها إلى العربية، واستمرت في العمل حتى 1939.
وأوضح الدليل السياحي المحلي عماد سماحة، وهو من بلدة الخنشارة، أن المطبعة هي أول مطبعة عربية في لبنان والثانية في الشرق (بعد مطبعة حلب التي اندثرت) وثالث مطبعة عربية في العالم (بعد مطبعة روما).
وتأسست المطبعة عام 1731 وطُبع الكتاب الأول فيها عام 1734، واستمر عملها حتى عام 1899، أي لفترة امتدت لنحو 165 عاما متواصلة أنتجت خلالها "كتبا فلسفية ولاهوتية وروحية وغيرها"، وفق سماحة.
وأشار سماحة إلى أن "الزاخر أصله من حلب (السورية) هو من أسس المطبعة، وميزتها أنها أنشئت بموقعها الحالي من جهة حفر الأحرف أو إعداد الحبر وصناعة آلاتها، لكن الجلد والورق كانا يُستقدمان من خارج المنطقة".
الحرف اللباديلم تكن الطباعة سهلة منذ قرون، بل كانت تحتاج إلى جهد ووقت، إذ كشف سماحة عن أن "خط الحرف في هذه المطبعة سُمّي خط اللبّادي".
وحسب سماحة، فإن "هذا الخط صُنع خصيصا للمطبعة نفسها، إذ بعد حفره على معدن الفولاذ بشكل نافر (بارز) ينقش على معدن النحاس الأحمر ليشكل بدوره القلب الداخلي لقالب الحروف".
وأضاف "يوضع في هذا قالب خلطة من معدَني القصدير والرصاص مصهورين معا، بالإضافة إلى حجر الكحل الذي يقوم عمله على فصل المعدن عن القالب، وبذلك يتم إنتاج الأحرف".
ولفت إلى أن الشمّاس عبد الله الزاخر "استحق لقب غتنبورغ الشرق على اختراعه هذا".
وأردف سماحة أن "الأحرف منحوتة بالعكس من أجل أن تكون سويّة خلال عملية الطباعة، لافتا إلى أن الحرف اللبادي مميز، فهو واضح وسهل القراءة والصفحات ما زالت مقروءة لحد اليوم".
الكتاب الأول"ميزان الزمان" هو اسم الكتاب الأول الذي طبع في مطبعة الخنشارة وهو مؤلف من 362 صفحة، حسب سماحة.
وأضاف "ما زال الكتاب معروضا في متحف المطبعة ذاتها لغاية اليوم سليما ومقروءا، هو كتاب روحي، ووصل عدد نُسخ طبعته الأولى إلى 800".
وأشار سماحة إلى أن المطبعة "طبعت نسخا من 33 كتابا، أولها (ميزان الزمان)، وآخرها كتاب الزبور الإلهي (أي المزمور الإلهي) للنبي داوود طبعت منه 15 نسخة".
ولفت إلى أن الكتب المطبوعة "كانت تُباع في دير مار يوحنا في كلّ من مصر، وحلب ودمشق في سوريا، وعكّا في فلسطين".
مراحل الطباعةكما أن عملية إنتاج الكتاب تمر بمراحل مختلفة، بدءا من اختيار الأحرف إلى صفّها ثم طبعها وحياكة الكتاب.
ولفت سماحة إلى أن "طاولة الأحرف طويلة وممتلئة بآلاف الأحرف، لأن الحرف العربي يختلف بشكله في أول الكلمة ونصفها وآخرها، كما قد يتضمن التنوين والشدة".
وأضاف: "أما الكلمات المتكررة، كرؤوس المقاطع والمقالات وأسماء الأشهر والأعداد تم حفرها كاملةً لمرة واحدة بغرض تسهيل عملية الطبع".
وأردف سماحة أن هناك "فرنا يتم فيه صهر المعادن وطبخ الحبر المستخرج من أعشاب موجودة ضمن إطار الدير، وهو على لونين: الأسود والأحمر، ويتميز بأصالة تركيبته غير المتحللة حتى يومنا هذا".
وتابع: "بعد تجهيز الأحرف، يتم تركيبها ضمن الكلمات والأسطر على صفحة خشبية، تُرص على بعضها بملازم حديدية فيتكون لدينا ما يسمى الكليشه، لتصبح جاهزة للمرحلة التالية وهي الطباعة".
وقال سماحة إن "الطباعة تتم ضمن مكبس خاص، بعد وضع الحبر ومن ثم الورق على ما يسمى الكليشه، فتُكبس بشِدّة لفترة من الزمن لينتقل الحبر على الورق، من ثم يُنشّف بإسفنجات خاصة"، وتابع: "بعدها تأتي مرحلة خياطة الكتب بالمعدات التقليدية والتجليد".
أهمية المطبعةصحيح أن المطبعة اليوم لا تعمل لكن أهميتها التاريخية والثقافية كبيرة جدا، حسب سماحة الذي ذكر أن "أهمية المطبعة مقسومة إلى قسمين، ففي عهد عملها كانت تنشر الثقافة والإيمان في بلاد الشام وصولا لمصر، وحتى كان هناك اتجاه نحو الغرب".
والقسم الثاني، وفق سماحة، "يكمن في أهميتها اليوم، التي تختصر بالسياحية الثقافية بامتياز، إذ تُضيء على حقبة من التاريخ المولِّد للنهضة العربية الحديثة".
ولا تزال هذه التحفة الشرقية العربية يقصدها السواح من الخارج أو الداخل وطلاب المدارس والجامعات، كما تكثر بشأنها الأبحاث والدراسات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
ابتكار قرنية شفافة يقدم حلا لأزمة نقص التبرعات العالمية
الثورة نت /..
طور باحثون سويسريون حلا جديدا لعلاج تلف القرنية قد يغير حياة الملايين حول العالم.
وباستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، تمكن الفريق من إنتاج غرسات قرنية شفافة ومتوافقة مع جسم الإنسان، يمكنها إصلاح التلف بشكل كامل ودائم.
وتعرف القرنية بأنها تلك الطبقة الشفافة التي تشبه النافذة في مقدمة العين، وهي الطبقة الخارجية من الأنسجة التي تحمي أعيننا. وعندما تتعرض هذه الأنسجة الرقيقة التي يتراوح سمكها بين 500 و600 ميكرومتر للتلف بسبب العدوى أو الإصابة أو التشوهات الخلقية، قد يؤدي ذلك إلى ضعف البصر أو حتى العمى.
وتوضح الإحصاءات أن الملايين حول العالم يعانون من تلف القرنية، لكن لا يتمكن سوى 100 ألف شخص سنويا من الحصول على عمليات زرع قرنية. ويعود السبب الرئيسي في هذه الفجوة إلى أن الطلب على الأنسجة المتبرع بها يفوق بكثير ما هو متاح منها.
ولمواجهة هذه التحديات، يعمل فريق بحثي مشترك من معهد “إمبا” وجامعة زيورخ ومستشفى زيورخ البيطري وجامعة رادبود الهولندية على تطوير غرسة ذاتية الالتصاق لا تعتمد على التبرعات ولا تسبب رفضا من قبل الجسم.
ويشرح ماركوس روتمار من مختبر Biointerfaces lab في معهد “إمبا”: “يعتمد تركيب الغرسة على هلام مائي متوافق حيويا مصنوع من الكولاجين وحمض الهيالورونيك”. وتحتوي القرنية الاصطناعية أيضا على إضافات خاصة تضمن تحقيق أقصى درجات الثبات الميكانيكي الحيوي.
وتمثل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد نقلة نوعية في هذا المجال، حيث يوضح روتمار أنها تتيح تصميم الغرسة الطبية بدقة لتتناسب تماما مع الانحناء الفريد لقرنية كل مريض، ما يضمن تلاؤما مثاليا مع شكل عينه.
وفي مراحل متقدمة من المشروع، يخطط الباحثون لتحميل الهلام المائي بالخلايا الجذعية البشرية من العين، ما يمكن القرنية الاصطناعية من دعم عملية تجدد الأنسجة الطبيعية.
وبفضل خاصية الالتصاق الذاتي للغرسة، يمكن تجنب الحاجة إلى الغرز الجراحية التقليدية، ما يقلل بشكل كبير من وقت الجراحة ويقي من المضاعفات اللاحقة مثل العدوى أو التندب أو الالتهابات.
ويعتقد أن هذا الابتكار يمكن أن يشكل حلا عمليا لأزمة نقص التبرعات بالقرنية، ويقدم أملا جديدا للملايين ممن ينتظرون عمليات زرع القرنية حول العالم، كما أنه يمهد الطريق لتطوير المزيد من الحلول المتقدمة في مجال طب العيون.
المصدر: نيوز ميديكال