تحل في مثل هذا اليوم قبل 15 عامًا، ذكرى وفاة الشيخ فتحي المليجي، أحد تلامذة الشيخ مصطفى إسماعيل، وعباقرة دولة التلاوة المصرية، وفي السطور التالية نرصد أبرز المحطات في حياة الشيخ فتحي المليجي.

ذكرى وفاة الشيخ فتحي المليجي

والقارئ الشيخ فتحي حسن محمد المليجي من مواليد 1943/9/5 م بقرية الحبش، مركز الإبراهيمية، محافظة الشرقية، وهو أحد تلامذة الشيخ مصطفى إسماعيل، كان يحرص على الصلاة في جامع الأزهر يوم الجمعة من كل أسبوع ليستمع ويتعلم منه في نفس الوقت قبل الانضمام لمجلسه، وكان ملماً بأحكام التلاوة ويتميز بدماثة خلقه وسلامة لغته ومودته وثقافته، وقد تأثر الشيخ المليجي في طفولته بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وكان يحاول جاهداً تقليده.

حفظ الشيخ فتحي المليجي، القرآن الكريم على يد جده الشيخ محمد حسن عمران في القرية نفسها وأتمه على يد الشيخ محمد الباشا في العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الأزهري في مدينة أبو كبير بمحافظة الشرقية عام 1954 وحصل على الابتدائية الأزهرية ثم التحق بالمعهد الإعدادي بالزقازيق قبل أن يلتحق بمعهد القراءات في القاهرة، إبان تلك الفترة بدأت موهبته القرآنية تفرض نفسها بين كبار القراء.

وفي عام 1968 تخرج الشيخ في معهد القراءات وبدأ يشارك في المسابقة المحلية التي تنظمها وزارة الأوقاف للقراء في شهر رمضان حتى فاز بالمركز الأول في عام 1977 ثم انضم لبعثات الوزارة لإحياء ليالي شهر رمضان في الخارج وسافر لأول مرة إلى إنجلترا عام 1983 بصحبة المشايخ «أحمد عامر» ومحمود عصفور « وفؤاد العمروسي» لإحياء شعائر الشهر الكريم في مدينة لندن ثم سافر إلى جلاسجو شمال إنجلترا وأسبانيا والدنمارك والسويد.

كما سافر إلى الولايات المتحدة أكثر من ست مرات وقرأ للجاليات الإسلامية في نيويورك وكاليفورنيا وسان فرانسيسكو كما سافر إلى البرازيل والأرجنتين وبنما والسعودية والإمارات، وفي منتصف الثمانينات سجل الشيخ فتحي المليجي المصحف المجود لإذاعة الكويت، وعين قارئًا بمسجد الثورة في مصر.

ذكرى رحيل مصطفى إسماعيل.. حفيده: سجل 3000 ساعة تلاوة والأتراك انبهروا بصوته أيقونة العصر وأول نقيب لقراء مصر.. أسرار صوت مكة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد نابغة مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل

أما عن ارتباط المليجي بشيخه مصطفى إسماعيل، وقد كان ذلك نقطة تحول مهمة في حياته، حيث بدأ في تتبع خطوات الشيخ مصطفى إسماعيل في أعقاب حصوله على الإعدادية الأزهرية.

وفي مطلع الستينات من القرن الماضي كان يحرص كثيراً على الصلاة في الجامع الأزهر يوم الجمعة من كل أسبوع ليستمع ويتعلم في نفس الوقت منه قبل أن ينضم لمجلسه ويأنس بصحبته حتى بادله الشيخ مصطفى الحب والمودة وبدأ يرافقه في إحياء المناسبات الدينية والمآتم.

وذات ليلة في أواخر حقبة الستينات قدمه الشيخ مصطفى إسماعيل في سرادق بالأزهر وكان وقتها في منتصف العشرينات من عمره .. وبدأ في القراءة بصوت ملائكي عذب وبعد انتهائه شجعه الشيخ «مصطفى» وأثنى عليه كثيراً وكانت هذه الليلة بمثابة نقطة تحول في مسيرته القرآنية المباركة حيث سأله الشيخ مصطفى في أعقاب تلاوته : ماذا تعرف عن قراءة حمزة يا فتحي فأجاب : «إذا أردت أن تسلم من حمزة فلا تقف على همزة»، فأعجب به الشيخ «مصطفى إسماعيل» وأثنى عليه كثيراً ونصحه بالالتحاق بالقسم الحر بمعهد الموسيقى حتى يدرب صوته وبالفعل نفذ الشيخ «فتحي» نصيحة أستاذه.

ذكريات مع الإذاعة المصرية

ظل الشيخ فتحي المليجي يقرأ القرآن في الاحتفالات الدينية ويشارك كبار القراء في المناسبات المختلفة ما يقرب من عشرين عاماً قبل أن تعتمده الإذاعة المصرية ثم التلفزيون في منتصف الثمانينات، ويروي الشيخ المليجي قصة اعتماده بالإذاعة عام 1984 باعتبارها نقطة التحول الثانية في مسيرته القرآنية قائلا..

جلست أمام لجنة اختبار القراء المكونة من الشيخ رزق خليل، الشيخ محمود برانق، الشيخ محمود طنطاوي، والشيخ عفيفي الساكت، وكنت أجتاز الاختبار تلو الآخر بسهولة ويسر وتوفيق من المولى عز وجل حتى وقعت الواقعة التي كادت تحول بيني وبين مصافحة آذان المستمعين عبر الأثير وعندما سألني الشيخ عفيفي الساكت السؤال الآتي : كم قراءة في كلمة تشاء؟ في قوله تعالي :« قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء».. فقلت له هل تمتحنني قراءات أم في رواية حفص؟، ورد الشيخ بحدة: أنا امتحنك في رواية حفص، فقلت له : إذن يكون السؤال «كم وجهاً ؟ وليس كم قراءة؟ وصمت الشيخ ولم يرد، وعلق الشيخ القوصي بقوله هذا صحيح ولكن لم يكن هناك داع لإحراج اللجنة التي قررت تأجيل اعتماده لمدة ستة أشهر، اعتمد بعدها بالفعل بالإذاعة ثم بالتلفزيون لينطلق صوته عبر الأثير ويسمعه كل المسلمين في أنحاء العالم شماله وجنوبه شرقه وغربه.

وقد تأثر الشيخ فتحي المليجي في طفولته كذلك بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد وكان يحاول جاهداً تقليده، كما قال عنه الشيخ أبوالعينين شعيشع انه صاحب صوت لا غبار عليه، وأنه من أنقى الأصوات في العالم، صوت يعجز الموسيقيون عن الإتيان بمثله.

وقال عنه الشيخ راغب مصطفى غلوش، إنه أقرب التلاميذ إلى الشيخ مصطفى إسماعيل وهو قارئ محترم بنفسه إلى آخر مدى كما يتميز صوته بالغزارة والدسامة والنضوج، ووصفه الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي: بأنه مدرسة قرآنية قائمة بذاتها ولا يجرؤ أحد على تقليده.

ورحل الشيخ فتحي المليجي يوم الخميس 5 فبراير 2009، عن عمر يناهز الـ 66 عامًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الشيخ عبدالباسط عبدالصمد القران الكريم الشيخ مصطفى إسماعيل الشیخ مصطفى إسماعیل

إقرأ أيضاً:

قصة إسماعيل تتحقق من جديد في غزة

دنا عيد الأضحى، وفي أنحاء متفرّقة من العالم الإسلامي، تُنظَّم حملات في تركيا لذبح الأضاحي وإرسال الدعم إلى تلك المناطق. دخلتُ إلى موقع إلكتروني تابع لإحدى تلك الجمعيات الخيرية، وكان هدفي أن أقدّم أضحية لقطاع غزة. وقدّم آلاف الأشخاص، مثلي، على هذه الجمعيات لنفس الغرض.

غير أن ملاحظة واحدة استوقفتنا جميعًا: "للأسف، لا يمكن ذبح الأضاحي داخل غزة. نقوم بذبح الأضاحي وتعليبها، ثم نسعى جاهدين لإيصالها إلى داخل غزة".

كانت تلك الجملة بمثابة طعنة مؤلمة في القلب. تخيّلوا، ليس فقط أننا عاجزون عن إنهاء الحرب هناك، بل حتى عن تحقيق هدنة، بل أكثر من ذلك، نحن في وضع لا يسمح لنا بإدخال مساعدات إنسانية!

في غزة، ليس الحديث عن ذبح الأضاحي مطروحًا أصلًا؛ إذ لا يجد الأطفال حليبًا ليشربوه، ولا خبزًا ليأكلوه، فكيف لنا أن نرسل لهم لحوم الأضاحي؟!

قال طبيب تركي عاد قبل أشهر قليلة من غزة: "لم أرَ أي حيوان في الشوارع، وقد أصابني هذا بالدهشة..". ذلك لأن الحيوانات الضالة قد نفقت بفعل القصف والدمار، وأما المواشي من بقر وغنم وماعز، فقد استُهلكت بالكامل، ولم يتبقَّ منها شيء.

في غزة، لعلّ قصة النبي إسماعيل -عليه السلام- تتحقّق من جديد، فالناس هناك باتوا يقدّمون أبناءهم قرابين. هذه هي الجملة الوحيدة التي ما فتئت تتردد في ذهني هذا العيد: "في غزة يُضحّى بالأطفال..".

إعلان

قبل أيام، سُئلت في بث مباشر عن رأيي حيال الهجوم الإسرائيلي على مركز توزيع المساعدات، ففكّرت: ماذا عساي أن أقول؟ ثم أدركت أنني قد استنفدتُ كل الكلمات الممكنة تحت هذا الفلك.

لم يعد لِلتحليلات الجيوسياسية معنى. ولا فائدة تُرجى من شرح الجهود الدبلوماسية.
لقد تبيّن لنا أن الحديث لساعات عن مدى إجرام إسرائيل وقسوتها لا يوقف الحرب. وأصبحنا ندرك جميعًا أن الأمم المتحدة بلا فاعلية. ولم يعد أحد يجهل أن المجازر تُرتكب بقنابل أميركية، وتُنفّذ تحت حماية الجيش الأميركي.

وبات كل مسلم في الشارع يعرف أن الدول الإسلامية عاجزة، غير قادرة على الاتحاد، غير قادرة على منع قتل إخوتها. حتى أوروبا تعترف اليوم بأنها لا تفعل شيئًا إزاء هذه الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب أمام أعيننا.

فماذا عسانا أن نقول بعد؟ ما هي الكلمات التي لم تُقَل بعد؟

يبدو أننا قد استهلكناها جميعًا، ولم يعد في جعبتنا شيء نقوله. لعلّ هذا ما جعلنا نعجز اليوم عن مشاهدة أخبار غزة. نخجل من أنفسنا. صرنا كنعامة تدفن رأسها في الرمل، نُعرض بوجوهنا عن غزة حتى لا نراها، ننشغل بأمور أخرى، نتحدث عن أشياء أخرى.

أعلم أن هذا بفعل العجز. فبسبب ذلك العجز، لا نستطيع أن نشاهد موت أولئك الأطفال.. لكنّ صورةً واحدة، أو مقطعَ فيديو صغيرًا، أو رمزًا بسيطًا لفلسطين، تعيد إلينا تلك الحقيقة المؤلمة التي فررنا منها: "في غزة يُضحّى بالأطفال..".

ضمائرنا لا تتركنا وشأننا، وشعورنا بغياب العدل لا يدعنا ننام، والعجز يعصر حناجرنا ويُقعدنا.. لا تستطيع أن تضمّ ابنك إلى صدرك، ولا أن تنظر في وجه والديك، ولا أن تجلس في بيتك بطمأنينة.. غزة خلخلت أعماقنا، وأيقظتنا، وردّتنا إلى أنفسنا.
جميع مشاعرنا الإنسانية التي انتفضت في وجه الظلم، لم تعد تهدأ، ولم تعد تتركنا نرتاح.. ومهما فررنا، فإن تلك المشاعر الإنسانية، وتلك القيم، تُعيدنا إلى أنفسنا مرة أخرى.

إعلان

لقد بعثت غزة إنسانيتنا من مرقدها، وشحذت تمرّدنا، وجددت إيماننا، وأجّجت غضبنا. وهذا السيل الجارف من الغضب يبحث الآن عن مَسرب، وسيأتي يوم ينفجر فيه سيلًا يجرف في طريقه حصار كل ظالم واحتلاله وقيوده.

لا أعلم إن كنا سنشهد ذلك اليوم، لكنني أُوْمن بأن عاصفة الحرية تلك ستنفجر ذات يوم، في أوروبا، في أميركا، في الشرق الأوسط، في آسيا.. ستُعلن ثورة الضمير في كل مكان في وجه الظلم، وهذا أمر أنا واثق منه.

وأولئك الظالمون الذين لطّخوا جباههم بدماء أطفال غزة، لن يجدوا أمام ثورة الضمير هذه غصنًا واحدًا يتشبثون به.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • نشرة الفن| طرح أول برومو من فيلم The seven dogs.. وقصة وفاة محمود المليجي في ذكرى رحيله
  • في ذكرى رحيله.. سر منح محمود المليجي لقب شرير الشاشة
  • في ذكرى وفاته.. محطات فنية في حياة محمد نجم
  • شريف فتحي يُشيد بجهود بعثة الحج السياحى وخاصة في ظل درجات الحرارة القياسية
  • شريف فتحي: نتابع بدقة الاستعدادات النهائية لتصعيد حجاج السياحة إلى عرفات
  • وليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • ليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • قصة إسماعيل تتحقق من جديد في غزة
  • القبض على المتهم بإنهاء حياة محامي كفر الشيخ
  • الشيخ مصطفى ثابت: زيارة القبور في الأعياد من البر وتذكرة بالآخرة