الدكتورة رانيا يحيى تكتب: من الكسر إلى النصر
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
على مدار عقود تجاوزت نصف القرن، ظل شهر يونيو عالقاً فى بؤرة العقل الجمعى العربى فى عمومه، والشعب المصرى خصوصاً، بكل ما يحمله من غصة وألم، حيث ارتبط بذكرى موجعة مسطورة فى التاريخ، حين تحققت النكسة والهزيمة فأوجعت الأمة العربية بأكملها عام 1967، واستمرت هكذا طيلة هذه السنوات، ولم تُضمَّد الجراح إلا بحلول النصر الأعظم فى أكتوبر 73، ولكن حين يحل علينا هذا الشهر نسترجع تلك الوجيعة، إلى أن جاء نصر آخر لا يقل أهمية باستعادة وطن تم اختطافه واحتلاله من جماعة فاشية إرهابية، نغَّصت علينا الحياة فى سنة هى الأعقد والأسوأ فى عمر بلدنا.
لكن لأن الله سبحانه تجلى فى مصر، وذكرها فى كتابه العزيز، وقال عنها «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، تحققت كلمات الله، وقدَّرها عز وجل فى صورة قائد عسكرى محنك، خشى على وطنه، فقدم نفسه فداء، وضع كفنه على يده، ووقف فى مواجهة قاسية ومربكة للعدو المحتل والمغتصب لحكم مصر. وتبدل الحال بقدرة المولى، وخرجت الملايين من كل فج عميق إلى ميادين مصر من شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، فى مشهد مهيب يوم 30 يونيو 2013، لنودع انكسار هذا الشهر بذكرياته المؤلمة، لشهر الاحتفال والانتصار، شهر الأفراح وتبديد المخططات الصهيونية بأيادٍ مصرية.
لم تقتصر تلك الثورة على الرجال، وإنما لعبت المرأة المصرية دوراً لا يمكن نكرانه، أو اختزاله، حيث خرجت للشارع، مصطحبة أطفالها وجيرانها وأصدقاءها، وتوجهت للميادين، لتقف بعزة وكرامة وشموخ تنادى وتدافع عن حق وطنها، وتثبت أن المرأة المصرية على مدار التاريخ سيدة مواقف سياسية ورؤية مصيرية منذ حضارة أجدادنا قدماء المصريين ووصولاً للعصر الحديث، حيث ساهمت المرأة المصرية فى فك الحصار الأجنبى والاحتلال الغربى حين تصدت لرصاصات الاحتلال فى مسيرات تاريخية جسَّدتها ثورة 1919، واستمراراً لهذا الدور البطولى، اتكأت المرأة على بصيرتها وإيمانها بقدرتها فى التصدى وحماية أمتها، دون خوف أو ذعر، رغم محاولات زعزعة الثقة التى استمرت عبر كل الوسائل، والتهديد والوعيد الذى حاوطها، لكن لأنها قادرة على استشعار الخطر بالفطرة، كان رد فعلها لا يحتسب سوى مصلحة الوطن التى وضعتها المرأة المصرية فوق كل اعتبار، وبتكاتف الجميع شعباً وجيشاً وشرطة، وبريادة حكيمة تمتلك الرزانة والكياسة، امتلك القائد العسكرى زمام الأمور وتحقق الاستقلال من هذا المستعمر الظلامى الفاشى.
لحظات لا يمكن أن تُمحى، ذكريات عشناها بكل ما فيها من قلاقل، هيبة المؤسسات التى أبادوها، الحرائق المدمرة هنا وهناك، الارتباك الحادث فى شتى مجريات الحياة، ليخرج علينا بيان 3 يوليو، باعتباره المخلص من هذا الجحيم. وننجو جميعاً بمصر التى تستحق الحماية والرعاية، لتبدأ مرحلة جديدة من عمر الوطن، ويتغير الحال، وتصبح المرأة المصرية أيقونة تلك الثورة التى استُبدلت بصورة وردة، لتنطلق بإرادة سياسية تؤمن بدورها، فتمكنها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتستصدر التشريعات الموجبة لحمايتها، وتقدم لها جميع أشكال الدعم والرعاية، وتحقق لها التوعية اللازمة، ليصبح مؤشر قياس الفجوة بين الجنسين فى وضع أفضل نتيجة لما يتحقق على الأرض، فقد كانت المرأة المصرية محظوظة أن تعيش فى عصرها الذهبى فى ظل قيادة سياسية تؤمن بقدراتها، وتمنحها مكتسبات تسطرها صفحات التاريخ كشاهد على عصر التمكين، وأصبحت المرأة تتقلد أرفع المناصب كوزيرة ومحافظة، ومستشار السيد الرئيس للأمن القومى، وبلغت أعداد النساء تحت قبة البرلمان 28% فى الغرفة الأولى، و14% فى مجلس الشيوخ، كذلك زيادة أعداد نواب المحافظين والوزراء تأكيداً على الرغبة فى تأهيل المرأة، بل وتوليها أرفع المناصب، ولم تقتصر أشكال التمكين تلك على هذه الوظائف العليا، وإنما وصول المرأة لمنصتى النيابة العامة ومجلس الدولة بعد نضال استمر أكثر من سبعة عقود من الزمان، وزيادة أعداد التمكين القيادى للمرأة فى جميع القطاعات والوزارات دون تمييز، الذى ننطلق منه دستورياً، فليس هناك دليل قاطع على تلك الإرادة سوى مواد الدستور المصرى التى تحظر هذا التمييز، كذلك بلوغ التمكين للمجالات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الحماية الثقافية والتشريعية وفق استراتيجية النهوض بالمرأة المصرية 2030.
لقد كانت المرأة المصرية عموداً فقرياً فى نجاح ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو، وستظل المرأة دوماً هى الحصان الفائز فى أى رهان، مؤكدة على بطولتها وصمودها وبسالتها وإيثارها لصالح دولة عظيمة تستحق منها ومن الجميع مزيداً من العطاء، لأنها ببساطة شديدة «مصر كنانة الله فى أرضه، من أرادها بسوء قصمه الله»
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 30 يونيو الإخوان المرأة المصریة
إقرأ أيضاً:
دكتورة آلاء النجار.. ماشطة ابنة فرعون تحيا في زماننا!!
من كان يتخيل وهو يستمع لقصة "ماشطة ابنة فرعون" مقدار العظمة الذي بلغته تلك المرأة المؤمنة، التي شاء الله أن يمتحنها بنفس القدر الذي امتحن به الأنبياء والمرسلين، تلك المرأة التي آمنت بالله فتعاظَم قدرُه في قلبها، في الوقت الذي تَحَاقر فيه "فرعون" لتراه على حقيقته حقيرا ذليلا، فتخرج عن صمتها وهي بجوار ابنة فرعون حين تناولت بيديها المُشط لِتُمشّط به شعرها قائلة: بسم الله! فتبادرها الفتاة بالقول: ومن هو الله؟! فتجيبها الله ربي وربك، فترد عليها وهل لك رب سوى أبي؟! فتقول أي نعم، الله رب العالمين! وعندها ينكشف السر الذي أبطنته المرأة المؤمنة، ويخرج للعلن بهذه الواقعة البسيطة التي شاء الله أن يجعلها إعلانا للجهر بوحدانيته..
لكنَّ سؤالا مهما ملحّا في واقعنا المُزري يطرح نفسه ويحتاج الإجابة عليه:
لماذا لم تَصمُت المرأة ولم تراعِ ضعفها كامرأة؟! أو لماذا لم تعلن التراجع عن ما قالته للفتاة لتحمله إلى والدها -الطاغية-؟! وهل يبدو أن الماشطة المسكينة لم تتعلم جيدا فقه المصالح والمفاسد، تلك القاعدة الأصولية التي أصبحت تكِئة للمُخَذِّلين والمرجفين في المدينة من أدعياء الحفاظ على مصلحة الدعوة؟! وحالهم -بعدما فضح الله سريرتهم- لم يعد مُدَاراة الظلَمة اتقاء لشرورهم، بل أصبح الارتماء في أحضانهم والنيل من مغانمهم، والنتيجة كانت تضليل الناس عن حقيقة فُجرهم وحربهم على الإسلام والمسلمين!
لله درك يا دكتورة آلاء، نعم الطبيبة الغزاوية أعني، ومن سواها أقصد؟! لله درك يا ماشطة ابنة فرعون زماننا! لله درك وأنت تخرجين من بيتك كل صباح لعلاج الجرحى أنت وزوجك الدكتور"حمدي"، لأداء واجبكما الإنساني، وتتركان أولادكما في كنف الله ورعايته، لله درك فصفات الرجولة التي تمثلت فيك واقعا حيا، قد عدمها كثير من الذكور من أشباه الرجال ومنحت لك ولغيرك من النسوة ممن هنّ على شاكلتكن الكريمة، ولا يَعِيبُكنّ صفة الأنوثة، كما قال المتنبي راثيا والدة سيف الدولة الحمداني:
ولوْ كَانَ الّنساءُ كَمَنْ فَقَدْنَا لفُضّلَتِ النّساءُ عَلَى الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشمسِ عَييّبٌ وَلَا التّذْكِيرُ فَخْرٌ لِلّهِلالِ
لماذا ذكرّتني الطبيبة المؤمنة بماشطة ابنة فرعون؟!
سؤال هام والإجابة عليه تكمن في بعض النقاط التي لا يصح أن نتجاوزها ونحن نتعرض لهول المصيبة وشدة الفاجعة التي وقعت فوق رأس امرأتين مؤمنتين؛ ماشطة آل فرعون والطبيبة آلاء النجار كالتالي:
1- ثقل المصيبة على قلب أي إنسان، ناهيك أن تكون امرأة ضعيفة في فقدان جميع أولادها وليس ولدا واحدا! فلقد اختبر الله -جلّت حكمته- الماشطة في إيمانها وشاء لها أن يجعلها رمزا للثبات، وأن يخلّد ذكراها في العالمين، فقُبض عليها وجرى ترويضها لتعود عن دينها فأبت! ثم جيء بأولادها وأمر الطاغية أن يلقوا بأولادها واحدا تلو الآخر في الزيت المغلي! والمرأة صامدة، حتى انتهوا إلى رضيع معها فشعرت بضعفٍ له فأنطقه الله في مهده قائلا: أن يا أماه اثبُتي فإنك على الحق. وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كانت الليلة التي أُسري بي فيها أتت عليّ رائحةٌ طيبة، فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟! فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون".
2- وهل يتحمل أحدٌ ما جرى لطبيبة غزة الدكتورة "آلاء النجار" وهي في الدوام داخل المستشفى التابع لمجمع ناصر الطبي، في خان يونس جنوب القطاع، يأتيها الخبر الصاعقة، أن القصف قد طال منزلها وفيه أولادها العشرة وزوجها الدكتور حمدي النجار! فتسرع الأم المكلومة هائمة على وجهها، لتكتشف المصيبة التي لا يتحملها عقل، جميع أولادها قد ارتقوا حرقا من القصف، عدا ابنها الكبير "آدم" وزجها حمدي وحالتهما صعبة! وسبحان من ثبّتها وهي المرأة الضعيفة، ومن قال إن الصبر والثبات متعلقٌ بالذكورة والأنوثة؟!
3- حين نتلمس حكمة الملك في عليائه عن هول المصيبة التي وقعت لامرأة ضعيفة مثل "آلاء النجار"، فإننا نرى مشيئة الله وإرادته في رفع ذكراها كما رفع ذكر ماشطة ابنة فرعون، ولِمَ لا؟! فقد بلغت في مصابها مبلغ المصُطفين من عباد الله الصالحين وهي ثابتة، حتى دمعت بسببها أعين الملايين من غير أهل الملة. إن صحيفة الشرف التي دُونت فيها الماشطة ومعها أصحاب الأخدود ثم سمية وياسر وعمار، قد فتحت من أجل الطبيبة "آلاء"، والله حسيبها..
4- واقعة "آلاء" وغيرها من الوقائع حجةٌ على المترخصين حتى وهم في غير خصاصة من أمرهم، حجة على من لا يحسنون غير فقه الحيض والنفاس! حجة على أشباه الرجال، تُعلمهم أنه لا حظ لكم في الرجولة ولستم من أهل قوله تعالى "من المؤمنين رجال".. الآية!