قصة العلم السوري.. من الاستقلال عن فرنسا إلى إسقاط الأسد
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
مر العلم السوري بمحطات تاريخية بارزة، منذ الثورة العربية الكبرى عام 1916 التي تأثر بها السوريون، مرورا بالثورة السورية الكبرى التي طالبت بالاستقلال عن فرنسا عام 1925، وحتى الثورة السورية التي اندلعت ضد النظام السوري عام 2011.
وكان أول علم رسمي لسوريا هو علم "الجمهورية السورية الأولى" الذي رفع لأول مرة في حلب عام 1932، وحمل اسم "علم الاستقلال"، إذ اعتمد رسميا عقب استقلال البلاد عن الانتداب الفرنسي.
وفي عام 2011، تبنى الثوار "علم الاستقلال" رمزا لهم ضد النظام السوري، واستمر يمثّل المعارضة السورية لنحو 14 عاما، إلى حين تمكّنها من خلع بشار الأسد يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، فصار يمثل الحكومة الانتقالية الجديدة.
في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 انتشرت حركات قومية طالبت باستقلال العرب عن الدولة العثمانية، وأججها تدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، فتأثر السوريون بالمد القومي العربي، وأعلنوا دعمهم الثورة العربية الكبرى، ورفعوا علمها الذي مثّل بالنسبة لهم رمز الوحدة العربية.
واتخذت الثورة العربية الكبرى التي انطلقت عام 1916 ضد العثمانيين، علما رمزيا من 3 خطوط أفقية، الأسود بالأعلى يليه الأخضر ثم الأبيض، وعلى جانبه الأيسر مثلث أحمر، قاعدته إلى اليسار ورأسه متجه نحو اليمين. ورفع العلم رسميا في دمشق بعد خروج العثمانيين عام 1918.
وفي الثامن من مارس/آذار 1920، أعلن المؤتمر الوطني السوري استقلال سوريا وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين بن علي ملكا عليها، وأضيف للعلم نجمة ثمانية بيضاء انتصفت المثلث الأحمر.
لم يستمر علم الثورة العربية لأكثر من شهر، إذ رفض مجلس الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى الاعتراف باستقلال سوريا، وأعلن فرض الانتداب على سوريا ولبنان، ومنح فرنسا حق الانتداب.
إعلانرفض السوريون التبعية لفرنسا، فأعلنوا عليها الحرب، لكنهم خسروا لصالحها في معركة ميسلون، فوقعت سوريا تحت الانتداب، وفرضت السلطات علما جديدا لونه أزرق يتوسطه هلال أبيض، مع نموذج مصغر لعلم فرنسا أعلى يسار العلم.
وفي عام 1925، غيّرت السلطات الفرنسية العلم، وجعلته من 3 شرائط، اللون الأخضر في الأعلى، يليه الأبيض، ثم الأخضر مرة أخرى، واحتفظت بعلم فرنسا في الأعلى.
واجه السوريون سياسات قمعية من السلطات الفرنسية، مما عزز لديهم الشعور بالهوية الوطنية ودفعهم إلى رفض علم الانتداب، وأدى ذلك لاحقا إلى اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، وبدأ الثوار يبحثون عن رمز يؤكدون فيه السيادة السورية على أراضيهم.
ظهر "علم الاستقلال" لأول مرة عام 1928 في أول مسودة دستور للجمهورية السورية الأولى، وكانت سوريا لا تزال تحت سيطرة الانتداب الفرنسي، واقترحه إبراهيم هنانو رئيس لجنة الدستور في الجمعية التأسيسية التي كلّفت بصياغة دستور الجمهورية.
رفض المفوض السامي الفرنسي الدستور الجديد بحجة مخالفته صك الانتداب وحقوق الدولة المنتدبة، وحل الجمعية التأسيسية، فاشتعلت ثورة في البلاد، وبلغت أوجها في حلب يوم 11 فبراير/شباط 1929.
توسعت رقعة الانتفاضات، وشارك فيها طلاب المدارس، واستمرت حتى 14 مايو/أيار من العام نفسه، حين رضخ المفوض السامي لمطالب السوريين، وأقر الدستور الجديد الذي حددت فيه أوصاف العلم في المادة 4.
أقرّت الجمعية التأسيسية الدستور عام 1930. ورفع العلم لأول مرة في حلب في الأول من يناير/كانون الثاني 1932، ثم رفع مرة أخرى في دمشق في أثناء مراسم تنصيب محمد علي العابد أول رئيس للبلاد يوم 11 يونيو/حزيران من العام نفسه.
إعلانواعتمدت حكومة سوريا المستقلة علما مكونا من 3 أشرطة، الأخضر في الأعلى يليه الأبيض ثم الأسود، مع 3 نجوم حمراء على الشريط الأبيض.
وحمل العلم معه رمزيات تاريخية مهمة، فاللون الأخضر مثّل الخلافة الراشدة، واللون الأبيض الدولة الأموية، واللون الأسود الخلافة العباسية، أما نجومه الحمر الثلاث، فرمزت إلى حلب ودمشق ودير الزور وهي المدن الإستراتيجية التي لعبت دورا هاما في الثورة السورية الكبرى.
وبعد ضمّ سنجق اللاذقية وجبل الدروز إلى سوريا عام 1936، تغيرت معاني النجوم الثلاث، وصار الأول يرمز إلى حلب ودمشق ودير الزور، والثاني جبل الدروز، والثالث اللاذقية.
وعقب إعلان استقلال سوريا رسميا عن الانتداب الفرنسي عام 1946، رفع العلم رسميا في حلب وحمل اسم "علم الاستقلال"، وبقي العلم الرسمي حتى عام 1958.
اتحدت سوريا مع مصر بين عامي 1958 و1961 تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة"، وأعلن عن الاتحاد رسميا يوم 22 فبراير/شباط 1958 بين جمهوريتي مصر وسوريا برئاسة جمال عبد الناصر بعد تنازل الرئيس السوري شكري القوتلي عن الرئاسة.
واتفق البلدان على اعتماد علم موحد ومجلس تشريعي مشترك ونظام حكم رئاسي، واختارا القاهرة عاصمة للدولة الجديدة، وصار العلم الجديد مكون من 3 خطوط، الأحمر في الأعلى والأسود في الأسفل، وبينهما خط أبيض عليه نجمتان خضراوان، إحداهما تمثل سوريا والأخرى مصر.
وبعد انهيار الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، أعادت سوريا اعتماد علم الاستقلال الأخضر مع نجومه الحمر الثلاث، في محاولة للتخلص من بقايا الوحدة، وبقي العلم الرسمي إلى حين انقلاب حزب البعث على الحكومة يوم الثامن من مارس/آذار 1963.
مع بداية سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على مقاليد الحكم في البلاد، أعيد اعتماد علم الوحدة العربية مع مصر، وظلّ العلم الرسمي من عام 1963 حتى الأول من يناير/كانون الثاني 1972.
إعلانومع وصول حزب البعث إلى سدة الحكم في العراق، حاولت الحكومتان البعثيتان في سوريا والعراق الاتحاد مع مصر، وقررت الدول الثلاث إضافة نجمة خضراء ثالثة لعلم الوحدة السابق.
ومثّلت النجوم الخضراء الدول المتحدة الثلاث، وأهداف الحزب البعثي الثلاثة وهي "الوحدة والحرية والاشتراكية"، لكن الإطاحة بالحكومة البعثية العراقية عام 1963، أفشلت خطط التوحد.
وفي عام 1971 انضمت سوريا إلى اتحاد الجمهوريات العربية مع مصر وليبيا، واعتمد الرئيس حافظ الأسد علم الاتحاد الجديد، الذي استبدل بالنجوم الخضراء الثلاث، نسرا مكتوبا تحته "اتحاد الجمهوريات العربية".
خاضت سوريا ومصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 تحت راية علم اتحاد الجمهوريات، وبقيت سوريا تستخدمه حتى عام 1980، حين ألغاه حافظ الأسد.
عام 1980، أعاد الرئيس السوري حافظ الأسد اعتماد علم الوحدة سابقا بين سوريا ومصر بين عامي 1958 و1961، محاولا تثبيت رؤيته لبناء دولة موحدة قوميا، وبقي العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية، حتى سقوط حكم ابنه المخلوع بشار الأسد يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 ضد حكم بشار الأسد، ظهر "علم الاستقلال" مرة أخرى، باقتراح من أديب الشيشكلي وهو حفيد الرئيس السوري الأسبق الذي قاد الانقلاب الثالث في سوريا عام 1940، وسرعان ما تبنت المعارضة السورية هذا العلم واعتمدته رسميا.
وصار "علم الاستقلال" يمثّل رمزا وطنيا وثوريا، يربط بين نضال الأجداد في الماضي ضد الانتداب الفرنسي، وبين مقاومة الثوار في الحاضر ضد النظام السوري، في محاولة منهم لاستعادة "أمجاد الجمهورية السورية الأولى وتجسيد التاريخ الثوري، من أجل الاستقلال الثاني".
إعلانبقي "علم الاستقلال" يمثّل المعارضة السورية نحو 14 عاما، ورفعه الثوار في مختلف محافظات البلاد وكفّنوا به قتلاهم، ورفعوه فوق خيم النزوح واللجوء، وتبناه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. ولاحقا، صار علما رسميا يمثل المناطق التي حكمتها المعارضة في الشمال السوري.
ووحدت فصائل المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري رايتها تحت علم الثورة، وأعلنت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إطلاقها "معركة ردع العدوان" من إدلب، واستطاعت في 12 يوما، السيطرة على حلب وحماة وحمص، ثم التوغل في دمشق وإعلان إسقاط حكومة الأسد.
وأعلن الائتلاف الوطني السوري يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول عيدا وطنيا لسوريا، واصفا إياه بأنه يوم انتصار الشهداء والضحايا والمعتقلين والمهجّرين والمظلومين، ويوم انتصار الحق والعدالة على الإجرام والظلم، بحسب ما ورد في بيان نشره عبر مواقع التواصل.
واحتفى المهجّرون واللاجئون يومها في أوروبا والوطن العربي برفعهم علم "الاستقلال والثورة السورية" وخرجوا في مسيرات احتفالية، وفي اليوم التالي رفع العلم على مبنى السفارة السورية في موسكو حيث هرب الأسد وحصل على لجوء لأسباب إنسانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الثورة العربیة الکبرى المعارضة السوریة الثورة السوریة علم الاستقلال علم الثورة حافظ الأسد علم الوحدة اعتماد علم بشار الأسد حزب البعث فی الأعلى رفع العلم عام 2011 فی حلب مع مصر
إقرأ أيضاً:
السعي وراء الحياة خارج الأرض .. رحلة العلم بين التلسكوبات والنماذج
يمثل البحث عن الحياة في أماكن خارج كوكب الأرض أحد المحركات الأساسية لعلم الفلك الحديث وعلوم الكواكب، حيث تقود الولايات المتحدة جهودًا ضخمة لبناء تلسكوبات متقدمة ومركبات فضائية مخصصة لهذا الغرض. وعلى الرغم من التقدم العلمي والتقني، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه العلماء في تفسير ما يُعرف بالبصمات الحيوية، أي العلامات التي قد تشير إلى وجود كائنات حية، فضلًا عن صعوبة تحديد المواقع الفضائية الأنسب للبحث.
بحسب ما نشره موقع "Phys"، طوّر العلماء مؤخرًا نهجًا مبتكرًا، يهدف إلى تحديد الكواكب أو الأقمار الأكثر احتمالًا لاحتضان الحياة، ويساعد في تفسير البصمات الحيوية الغامضة. ويعتمد هذا النهج على نمذجة كيفية تكيف أشكال الحياة المختلفة مع بيئات متنوعة، بالاستناد إلى دراسات علمية حول حدود الحياة على كوكب الأرض.
مشروع "نوتيلوس" وتلسكوبات المستقبلفي إطار هذا التوجه، يعمل العلماء على تطوير كوكبة من التلسكوبات الفضائية تُعرف باسم "نوتيلوس"، مصممة خصيصًا لدراسة مئات الكواكب التي يُعتقد أنها شبيهة بالأرض، خلال عبورها أمام نجومها المضيفة، ويُنتظر أن تسهم هذه التلسكوبات، إلى جانب مشاريع أخرى قيد التطوير، في توفير بيانات دقيقة عن هذه العوالم.
إشكالية تفسير البصمات الحيويةالجدل العلمي حول علامات الحياة ليس جديدًا، وقد تجلّى مؤخرًا في الجدل المتعلق بالكوكب الخارجي K2-18b، حيث أُعلن في أبريل 2025 عن اكتشاف إشارات محتملة على وجود حياة، إلى جانب مزاعم سابقة حول وجود علامات حياة في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. تعكس هذه الحالات مدى التعقيد الذي يكتنف تفسير البيانات التي يتم جمعها عن بُعد، والتي غالبًا ما تكون غير حاسمة.
ما هو العالم القابل للسكن؟يُعرّف "العالم القابل للسكن" بأنه الكوكب أو القمر الذي يحتوي على ظروف مناسبة لنشوء الحياة
النهج الكلاسيكي (اتبع الماء)منذ سنوات، اعتمدت وكالة ناسا مبدأ "اتبع الماء"، إذ يُعد الماء السائل عنصرًا أساسيًا لجميع أشكال الحياة المعروفة، وتكمن الفكرة في أن وجود الماء السائل يشير عادة إلى بيئة معتدلة من حيث الحرارة والضغط، لا تعيق التفاعلات الكيميائية ولا تدمر الجزيئات الحيوية.
ومع ذلك، لم يعد هذا المبدأ كافيًا بمفرده، خاصة مع تزايد تعقيد البيانات والتنوع المحتمل في أشكال الحياة خارج الأرض، لذا هناك حاجة إلى معايير أكثر دقة وكمية لتحديد قابلية الكواكب للسكن.
مشروع "الأرض الغريبة" ونهج متعدد التخصصاتفي هذا السياق، أطلق فريق من الباحثين مشروع "الأرض الغريبة" بدعم من وكالة ناسا، حيث تعاون علماء من مختلف التخصصات: الأحياء، الفلك، الكواكب الخارجية، الكيمياء، وعلوم البيئة، ضمن إطار شبكة علوم أنظمة الكواكب الخارجية (NExSS).
كيف يمكننا تحديد احتياجات الحياة إن لم نكن نعرف أشكال الحياة الممكنة خارج الأرض؟رغم المعرفة العميقة بالحياة الأرضية، فإن العلماء يعترفون بإمكانية وجود كائنات فضائية تعتمد على عناصر كيميائية أو مذيبات غير الماء، مما يجعل وضع معايير دقيقة أكثر تعقيدًا.
كيف نتعامل مع ندرة البيانات؟نظرًا لأن الموائل المحتملة خارج النظام الشمسي بعيدة جدًا عن متناول المركبات الفضائية، فإن المعلومات المتوفرة غالبًا ما تكون جزئية أو غير مكتملة، ما يتطلب تطوير نماذج قادرة على العمل مع هذا القدر المحدود من البيانات.
نموذج للتعامل مع المجهوليسعى العلماء إلى بناء نموذج علمي مرن يمكنه التعامل مع الشكوك والنواقص في البيانات، معتمِدًا على الحد الأقصى من المعلومات المتاحة من المراقبة عن بُعد، ومحاكاة سيناريوهات مختلفة لشروط الحياة.
نحو فهم أعمق للحياة في الكونفي النهاية، لا يُعد البحث عن الحياة خارج الأرض مجرد محاولة للإجابة عن سؤال قديم حول ما إذا كنا وحدنا في الكون، بل هو مسعى لفهم حدود الحياة ذاتها، وإعادة تعريف "الملائمة الحيوية" في سياقات كونية لم نتخيلها بعد