نجاة عبد الرحمن تكتب: دراما رمضان بين التشويه والبناء
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
رمضان لم يكن يومًا موسمًا للعبادة فقط، بل أصبح أيضًا موسمًا ثقافيًا وفنيًا يترقبه الجمهور لمتابعة أحدث الأعمال الدرامية. ومع ذلك، شهدت الدراما المصرية في السنوات الأخيرة انحدارًا حادًا في القيم والمحتوى، حيث أصبحت أغلب المسلسلات تصور المجتمع المصري وكأنه غارق في العنف، الانحراف، والخيانة، مما يثير تساؤلات حول الدور الذي تلعبه هذه الأعمال في تشكيل وعي الأجيال الجديدة.
في المقابل، عندما كان قطاع الإنتاج في ماسبيرو هو القوة الرئيسية المنتجة للدراما، كانت الشاشة المصرية تزخر بأعمال تحترم عقل المشاهد، وتعكس القيم المصرية الأصيلة، وتقدم محتوى يرتقي بالثقافة العامة للمجتمع.
أولًا: دراما رمضان الحديثة وتشويه صورة المجتمع المصري
شهدت الدراما المصرية في العقد الأخير تغيرات جذرية في مضمونها، حيث أصبح التركيز على:
• العنف والجريمة: انتشار غير مسبوق لمشاهد البلطجة، تجارة المخدرات، وتصفية الحسابات، وكأن الشارع المصري أصبح ساحة معارك دائمة.
• الإفراط في الجرأة والمشاهد غير اللائقة: تقديم شخصيات غارقة في الانحراف الأخلاقي دون رادع، بما يرسخ صورة مشوهة عن المجتمع المصري.
• تدمير صورة الأسرة المصرية: تقديم العلاقات الأسرية بشكل مشوه، حيث تكثر قصص الخيانة الزوجية، التفكك الأسري، وانعدام القيم.
• الابتعاد عن القضايا الوطنية والاجتماعية الحقيقية: مقارنةً بالماضي، نجد أن القضايا المجتمعية مثل التعليم، الصحة، والفقر باتت مهمشة لصالح الإثارة والرواج التجاري.
النتيجة؟ أصبح الشباب يتأثرون سلبًا بهذه النماذج المشوهة، وتحولت بعض التصرفات السلبية التي تُعرض في المسلسلات إلى سلوكيات مقلدة في الواقع، مما يضر بالنسيج الاجتماعي.
ثانيًا: مقارنة بدراما قطاع الإنتاج في الماضي
في الثمانينيات والتسعينيات، كان قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري هو المسؤول عن تقديم أهم الأعمال الدرامية التي شكلت وجدان المشاهد المصري والعربي. وكانت تتميز هذه الأعمال بما يلي:
• تقديم صورة إيجابية وواقعية للمجتمع المصري
قدمت المسلسلات آنذاك نماذج إيجابية مثل المعلم المثقف، القاضي العادل، الطبيب المخلص، والمهندس المجتهد، مما ساهم في تعزيز القيم المهنية والإنسانية.
الأعمال الكلاسيكية مثل "ليالي الحلمية"، "أرابيسك"، "المال والبنون"، و"الشهد والدموع" جسدت الصراعات الاجتماعية بطريقة عميقة دون اللجوء إلى الإسفاف أو المبالغة في العنف.
• دعم الهوية الوطنية والانتماء
تناولت الدراما موضوعات وطنية مثل نضال المصريين في فترات الحروب، وقصص الأبطال الحقيقيين، كما ظهر في أعمال مثل "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة"، التي زرعت روح الوطنية في نفوس المشاهدين.
تم تقديم الريف المصري بصورة مشرفة من خلال أعمال مثل "الوتد" و"أبو العلا البشري"، عكس ما نراه اليوم من تصوير الريف على أنه مجرد بؤر للجريمة والعنف.
• الاهتمام بالقضايا الاجتماعية الحقيقية
تناولت المسلسلات قضايا حقيقية مثل الفقر، الأمية، وصعوبة الحياة في الأحياء الشعبية، ولكنها قدمت حلولًا درامية تزرع الأمل، مثلما رأينا في "لن أعيش في جلباب أبي" الذي شجع الشباب على الكفاح والاجتهاد.
• رقابة فنية تحترم القيم المجتمعية
كان هناك التزام بعدم تقديم مشاهد تخدش الحياء العام، واحترام الذوق العام، وهو ما نفتقده اليوم في كثير من الأعمال الدرامية الحديثة التي تسعى فقط للإثارة والشهرة السريعة.
ثالثًا: كيف نعيد الدراما المصرية إلى مسارها الصحيح؟
إذا أردنا أن تستعيد الدراما المصرية دورها الثقافي والتنويري، فلا بد من:
• عودة الإنتاج الحكومي بقوة، بحيث يتم تقديم أعمال فنية ذات محتوى هادف بعيدًا عن السعي وراء الربح فقط.
• وضع معايير ورقابة فنية أكثر صرامة لمنع تسلل المحتوى المسيء للمجتمع والهوية المصرية.
• تشجيع الأعمال التي تحترم القيم وتعزز الهوية الوطنية، وتقديم قصص تعكس التحديات الحقيقية للمجتمع المصري مع حلول إيجابية.
• الاستثمار في كتاب السيناريو الموهوبين الذين يستطيعون تقديم محتوى يجمع بين الجاذبية الفنية والرسائل الهادفة.
ما بين دراما الأمس التي كانت تبني الوعي والذوق العام، ودراما اليوم التي تسعى فقط للربح والإثارة، يبقى السؤال الأهم: هل يمكننا استعادة عصر الدراما الراقية، أم أن صناعة الترفيه أصبحت مجرد وسيلة تجارية دون أي مسؤولية مجتمعية؟
إن الإجابة تعتمد على مدى استعداد المنتجين والدولة للعودة إلى دراما تحمل رسالة وقيمة، بدلًا من تقديم صورة مشوهة عن المجتمع المصري لا تمت لحقيقته بصلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رمضان قطاع الإنتاج ماسبيرو المزيد الدراما المصریة المجتمع المصری
إقرأ أيضاً:
الشورى يدعو في جنيف إلى تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية
شارك مجلس الشورى برئاسة سعادة خالد بن هلال المعولي، رئيس المجلس، في أعمال المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات، الذي نظمه الاتحاد البرلماني الدولي بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 29 إلى 31 يوليو 2025م، بعنوان: "التعاون البرلماني وتعددية الأطراف من أجل السلام والعدالة والازدهار للجميع".
وخلال أعمال المؤتمر، ألقى رئيس المجلس كلمة، أكد فيها أن العالم يمر بمرحلة دقيقة تتسم بتصاعد النزاعات المسلحة، وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين، إلى جانب الأزمات المرتبطة بالغذاء والطاقة وتفاقم التغيرات المناخية، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون بين البرلمانات وتضافر الجهود لمواجهة هذه التحديات والعمل المشترك من أجل تحقيق السلام والتنمية المستدامة.
وأوضح سعادته أن التعاون البرلماني لم يعد مجرد إطار لتبادل الخبرات، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحّة لبناء موقف عالمي مشترك يعزز قيم السلم والتعايش، ويحفظ كرامة الإنسان ويصون حقوقه، ويُسهم في تحقيق العدالة والمساواة بين الشعوب.
وأشار سعادته في معرض كلمته، إلى أن سلطنة عُمان لطالما مثّلت حلقة وصل حضارية بين الأمم والثقافات، بما تحمله من إرث تاريخي ونهج راسخ قائم على الحوار والانفتاح وبناء جسور التواصل، مؤكدًا أن العمل البرلماني يجب أن يكون منصة فاعلة لتعزيز التفاهم حتى في ظل تباين المواقف واختلاف الرؤى.
وتطرّق سعادته في كلمته إلى تطورات القضية الفلسطينية، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني يمتلك حقوقًا مشروعة كفلتها القوانين الدولية والمواثيق الأممية، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه، وأعرب عن بالغ القلق تجاه الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مؤكدًا أن ما يجري من تجويع ممنهج وانهيار للبنية الحياتية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، داعيًا البرلمانات الوطنية والدولية إلى اتخاذ مواقف واضحة وحازمة لوقف هذه الانتهاكات، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن، والعمل من أجل سلام دائم يستند إلى حل الدولتين.
كما أكد سعادة رئيس المجلس ضرورة تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية، وتعزيز مبادئ التعاون الدولي وتعددية الأطراف، داعيًا إلى توحيد الجهود البرلمانية واتخاذ خطوات فاعلة تُسهم في تعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق تنمية عادلة ومستدامة تُلبي تطلعات الشعوب نحو الأمن والاستقرار.
وفي ختام كلمته، عبّر سعادته عن أمله في أن يُفضي هذا المؤتمر إلى بلورة رؤى برلمانية موحدة تسهم في إعادة التوازن للنظام الدولي، وتدعم جهود إحلال السلام العالمي، وتدفع نحو بناء منظومة تعاون قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من رؤساء وأعضاء البرلمانات والمجالس التشريعية من مختلف دول العالم، حيث ناقشوا خلال أعمالهم عددًا من القضايا العالمية ذات الأولوية، من بينها التغير المناخي، والأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، إضافة إلى سبل توطيد التعاون البرلماني الدولي بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.
وقد شارك وفد مجلس الشورى في الحلقات النقاشية، من بينها حلقة بعنوان "الابتكار من أجل المستقبل"، بحضور كل من سعادة طارق بن محمد الخروصي وسعادة محمد بن عامر المشايخي، عضوي المجلس، حيث ناقشت الحلقة التحديات الراهنة، من بينها النزاعات المسلحة وأزمة المناخ، إلى جانب مناقشة دور البرلمانيين في تعزيز الأمن من خلال بناء الثقة وتعزيز الشمولية، وقد خلصت الحلقة إلى التأكيد على أهمية التعاون الدولي وتسخير التكنولوجيا بشكل مسؤول لدعم السلام العالمي.
كما شارك سعادة محمد بن عامر المشايخي، عضو المجلس، في حلقة نقاشية حول "تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030"، حيث سلّط الضوء على جهود سلطنة عمان في هذا المجال، وقد أكد المشاركون دور البرلمانات في تعزيز التنمية المستدامة من خلال التشريعات التي تدعم الأمن الغذائي والصحة والطاقة الخضراء.
وعلى هامش أعمال المشاركة، التقى سعادة خالد المعولي، رئيس الوفد المشارك، بعدد من رؤساء المجالس التشريعية العربية والإقليمية والدولية، وبحث معهم أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وبلدانهم، كما تم خلال اللقاءات التباحث حول عدد من الملفات والقضايا الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في غزة.