المسلة:
2025-06-09@01:27:30 GMT

صرخة التأسيس في زمن التكديس

تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT

صرخة التأسيس في زمن التكديس

17 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: رياض الفرطوسي

في زمنٍ تسيّده السرعة وتُدار فيه المعارف بضغطة زر، لم يعد الذكاء يقاس بمدى امتلاء الذهن بالمعلومات، بل بقدرة العقل على الخلق، وعلى التفاعل مع الواقع، وتجاوزه نحو آفاق غير مسبوقة. نحن لا نعيش فقط في عصر المعلومات، بل في قلب الشبكة العنكبوتية، حيث المعارف مؤرشفة، مبوّبة، جاهزة للاستدعاء الفوري.

وهنا يكمن الفرق الجوهري بيننا وبين الغرب: إنهم سلّموا الذاكرة إلى الآلة، واحتفظوا بعقولهم للابتكار.

كتب الفيلسوف الألماني “نيتشه” يوماً: “لا قيمة للمعرفة ما لم تتحوّل إلى قوة خلاقة”. ونحن، في مجتمعاتنا، لا نزال نغرق في بحر الحفظ والتكرار، نُعلّم أبناءنا كيف يحفظون لا كيف يفكرون، نُقمع السؤال بدلاً من أن نحتفي به، ونعيد اجترار ما قاله الأولون بدل أن نغامر في قول جديد.

إن أطفالهم، أدبائهم، فلاسفتهم… يبدون وكأنهم ينتمون إلى مستقبلٍ لم نصل إليه بعد، لا لأنهم يملكون “ذاكرة أقوى”، بل لأنهم حرروا أنفسهم من عبء التكديس، وذهبوا نحو التأسيس. نحن لا نفتقر إلى الذكاء، بل نفتقر إلى المنهج.

الإشكال في نظام التعليم، في الطريقة، في العقلية. مدارسنا لا تصنع مبدعين، بل تحفظةً مهذبين. نُقيم الطالب بعدد الصفحات التي حفظها، لا بعدد الأسئلة التي طرحها أو بعدد الأفكار التي تجرأ على تخيلها. كل من يحاول الخروج عن النسق يتهم بالبدعة أو يُخشى منه. وهكذا تتحول كل محاولة للخلق إلى تهديد، وكل شرارة إبداع إلى خطأ في المقرر.

يقول المفكر الفرنسي “ميشيل فوكو”: “المعرفة ليست بريئة، بل هي أداة للسلطة”. وهذه السلطة، حين تُوظف لقمع الخيال، تُحوّل العقل إلى آلة صامتة. التلميذ الذي يُربّى على التكرار، يكبر ليصبح “موسوعة متنقلة”، لكنه لا يكون أبداً عقلاً مبتكراً. والموسوعة، مهما بدت مدهشة، مكانها الرفوف لا المختبرات، لا ورشات الإبداع، لا المستقبل.

لقد أصبح الذهن الممتلئ بالمعلومات كالسفينة المُحملة فوق طاقتها: غير قادرة على الإبحار. وما لم نحرر أذهاننا من عبء الحشو، لن نحلق في سماء الابتكار.

لقد أشار المفكر “إدوارد سعيد” ذات مرة إلى أن الاستعمار الحقيقي يبدأ حين يتم احتلال العقل. ونحن، دون أن ندري، نعيش تحت استعمارٍ غير مرئي: استعمار التلقين والتكرار.

كل شيء في ثقافتنا يحث على إعادة القول، لا على اختراعه. نعيش في الماضي لا لأننا نحبه، بل لأننا لم نتعلم كيف نغادره.

لذلك، حان الوقت لأن نعيد التفكير في معنى “التعليم”، وأن ننتقل من عصر الذاكرة إلى عصر الخلق. أن نصنع جيلًا يجرؤ على السؤال، لا جيلًا يخاف من الامتحان. أن نعلّم أبناءنا كيف يصنعون المعلومة، لا كيف يستهلكونها. فكما قال “ألبير كامو”: “الثورة الحقيقية تبدأ في العقل”.

ولعل أولى بوادر هذه الثورة أن نتوقف عن تمجيد من يحفظ أكثر، ونبدأ بالاحتفاء بمن يبدع، ولو فكرة واحدة. ففي النهاية، الحضارة لا تُبنى بكمٍّ من المعلومات، بل بجرأة واحدة… على أن نفكر بأنفسنا.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

وسط منظومة متكاملة من الخدمات.. ضيوف خادم الحرمين: نعيش فرحة العمر وسط كرم الضيافة ورحابة الاستقبال

البلاد ــ منى
عبر عدد من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عن سعادتهم مع حلول أول أيام التشريق، مؤكدين أن هذه اللحظات تُتوّج رحلة إيمانية استثنائية حفلت بالتيسير والتنظيم، مؤكدين حجم الرعاية والعناية، التي وفّرتها المملكة لضيوف الرحمن، وأنهم يعيشون فرحة العمر بين كرم الضيافة ورحابة الاستقبال.
وثمّن ضيوف برنامج خادم الحرمين جهود وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في تقديم الخدمات المتكاملة، التي بدأت من لحظة الوصول إلى المشاعر المقدسة، واستمرت في مختلف مراحل النسك، مؤكدين أن المملكة قدّمت نموذجًا يُحتذى به في خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما، بوسائل حديثة وخدمات متكاملة.
وقال الحاج محمد الحضري من ألمانيا:” نعيش فرحة إيمانية لا يمكن وصفها، فكل شيء مهيأ للحاج هنا؛ بفضل الله ثم بجهود المملكة، وأكثر ما لفتني هو اعتماد أحدث التقنيات في تنظيم التفويج وإدارة الحشود، ما جعل التنقل بين المشاعر أكثر سهولة وانسيابية، حتى في أوقات الذروة.
من جانبه، عبّر الحاج محمد عبدالله إدريس من السودان عن شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولسمو ولي عهده الأمين-حفظهما الله- على هذه المكرمة، قائلًا:” لم نأتِ للحج فقط، بل لنشهد تحولًا إداريًا وتقنيًا مبهرًا، فمن بطاقة نسك الذكية إلى الجهود الأمنية والصحية، كل تفصيلة مدروسة وتُنفذ بدقة واهتمام”.
وينعم ضيوف البرنامج من خلال وجودهم في مشعر منى بأجواء إيمانية وسكينة وأمان؛ تشملهم بالرعاية والخدمة لمنظومة عمل تشاركية من مختلف الجهات الحكومية والأهلية المعنية بالحج.
يذكر أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة، استضاف في موسم حج هذا العام نحو (2443) حاجًا وحاجة لأكثر من (100) دولة، وسط منظومة متكاملة من الخدمات، التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد؛ لضمان أداء النسك بكل يُسرٍ وطمأنينة.

مقالات مشابهة

  • الفلكي الجوبي: نعيش هذه الايام نفخة الثور! وهذا ما سيحدث بعد شهر!.
  • شيخ العقل تلقى تهاني الاضحى من رؤساء ومراجع روحية ووزراء ونواب وسفراء
  • الغويل: لا خلاص لهذا الوطن إلا إذا وعى كل مكون مسؤوليته
  • وسط منظومة متكاملة من الخدمات.. ضيوف خادم الحرمين: نعيش فرحة العمر وسط كرم الضيافة ورحابة الاستقبال
  • ابتسامات تُضيء وجوه الحجاج.. ضيوف برنامج خادم الحرمين: نعيش فرحة العمر وسط كرم الضيافة ورحابة الاستقبال
  • إفلاس نادي بريشيا الإيطالي بعد 114 عامًا من التأسيس
  • غسل الدماغ وإبادة العقل لدى الأنظمة الاستبدادية.. التقنيات والأساليب والوظائف
  • محمد هاني: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: النسق وأزمة العقل
  • شيخ العقل: إنه الوقتُ الأنسبُ للتضامن ولتعزيز روح الشراكة بين اللبنانيين