من بياض الإحرام إلى تبييض الصحف.. أسرار الحج في حكم وحكمة
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
جاء ذلك في حلقة جديدة من برنامج "حكم وحكمة" التي تناولت شعيرة الحج، حيث استعرض عبد الكافي مع عدد من الشباب وأحد العلماء الأبعاد الروحية والخلقية والاجتماعية التي تنطوي عليها هذه الفريضة، داعيا إلى تجاوز الشكل الظاهري نحو إدراك المعاني الباطنة.
وافتتح عبد الكافي الحلقة بتأمل شعري وإيماني في صورة الحاج العائد وقد غفرت ذنوبه، وقلبه يفيض طهارة، مسترجعا الصورة القرآنية التي جعلت الحج وسيلة لتبييض الصحائف، وغسل الخطايا، وإعادة الإنسان إلى فطرته الأولى التي فُطر عليها.
وأوضح أن شعيرة الحج هي الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرضها الله مرة واحدة في العمر، لكنها تحمل من العبر والدروس ما يجعلها مصدرا دائما للتجديد والإصلاح، مشيرا إلى أن الله أمر الخليل إبراهيم بالأذان بالحج، فتولى سبحانه تبليغ النداء إلى كل قلب حي.
وتحدث عن الحج في زمن الجاهلية، حيث اختلطت المناسك بالأعراف القبلية، وكان الحجيج يطوفون عراة، وتُحتكر كسوة الكعبة وملابس الإحرام من قبل أهل مكة، حتى جاء الإسلام فنقّى الشعيرة، وربطها بالتوحيد، وأعاد بناءها على الطهارة الظاهرة والباطنة.
وأشار إلى أن الحج لا يعني مجرد استكمال أركان الإسلام من الناحية الشكلية، بل يستدعي إخلاص النية والتجرد من الذنوب والحقوق، مؤكدا أن من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه، ومن حج وهو يحمل أوزار المظالم وظلم الأقارب والجيران لم يحقق مقصود الشعيرة.
إعلانوحذر عبد الكافي من التهاون في حقوق العباد، مشيرا إلى أن بعض الحجاج يعودون ظانين أنهم ضمنوا الجنة، في حين لم يبرّئوا ذممهم من المظالم والحقوق، داعيا إلى التحلل من المظالم، وإرجاع الحقوق قبل الذهاب إلى بيت الله الحرام.
أولى من حج النافلةوشدد على أن من يسر الله له أداء الفريضة مرة، فلا ينبغي أن يكررها تطوعا فيما الحجيج يتزاحمون، بل الأولى أن يوجه ماله إلى كفاية الفقراء والمحتاجين، لا سيما في فلسطين وغزة، حيث يجتمع الظرف العسير مع الحاجة الماسة.
وأكد أنه ليس من الحكمة أن نكرر الحج التطوعي ونتجاهل أولويات الأمة، داعيا إلى بناء المشروعات الخيرية وكفالة الأيتام، وتحقيق النفع للمجتمع، فهذه بدائل نفليّة عظيمة تفوق أحيانا في الأجر حج النافلة، حين تكون الفريضة قد أُديت.
وفي إجابته عن سؤال حول من مات مستطيعا ولم يحج، نقل عبد الكافي فتوى للخليفة عمر بن الخطاب بأنه لا يصلي على من فرط في الحج رغم توفر القدرة، مؤكدا أن على الورثة قبل توزيع التركة أن يخرجوا منها نفقات حجة عنه، بواسطة من ينطلق من بلده، لا من سكان مكة.
وشبه عبد الكافي مشهد الحجيج وهم يرتدون الإحرام ويتجهون نحو المناسك بمشهد يوم الحشر، مشيرا إلى أن هذا التجمع العالمي الفريد من نوعه يذيب الفوارق الطبقية، ويرسخ معنى المساواة بين المسلمين، ويمنحهم فرصة لتجديد العهد مع الله.
وأوضح أن موسم الحج يمكن أن يكون محطة لتجديد وحدة المسلمين، إذ يجتمع المسلمون في الزمان والمكان ذاته، وتتوحد قلوبهم على قبلة واحدة، مشيرا إلى أهمية استثمار هذه المناسبة في مناقشة قضايا الأمة، وصياغة رؤى موحدة لمواجهة التحديات.
كما دعا إلى أن تكون خطبة عرفة ومنتديات العلماء في الحج منابر لوضع توصيات تخدم وحدة المسلمين وتواجه أزمات العالم الإسلامي، مؤكدا أن الاجتماع في هذه المناسبة يمكن أن يصنع الألفة والتواصل العابر للحدود، حيث تتكون علاقات دائمة بين الحجيج.
إعلان النية الصادقةواستشهد بشواهد إنسانية مؤثرة حول الخير الممكن خلال أيام الحج، كزيارة المرضى، وإغاثة الملهوفين، ومساعدة الطلاب والمحتاجين، مشيرا إلى أن كل عمل صالح في هذه الأيام يُرجى له القبول إذا اقترن بالنية الصادقة.
وفي فقرة الشباب، عبر عدد من المشاركين عن تساؤلاتهم تجاه الحج، منها كيف يجهز الإنسان نفسه روحيا لهذه الشعيرة، وكيف يجدد نيته في ظل تعذر أداء المناسك بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى علامات قبول الحج.
وأجاب عبد الكافي بأن على المسلم أن يخلص النية لله في كل عبادة، وأن الله يجزي على النيات، حتى لو لم يُكتب له الحج، مستشهدا بقصة رجل من بني إسرائيل تمنى أن يطعم الناس في المجاعة، فقبل الله نيته رغم أنه لم يملك شيئا.
كما أوضح أن من علامات قبول الحج أن تتحول الطاعة إلى لذة، والمعصية إلى مرارة، وأن يميل القلب نحو الصالحين، وتُغلَق في وجهه أبواب المعصية، وتُفتَح له سبل الخير، مشيرا إلى أن الاستقامة بعد العودة هي المؤشر الأوضح على القبول.
وفي الجزء الثاني من الحلقة، استضاف الدكتور عبد الكافي الأستاذ الدكتور أحمد سعيد حوى، أمين عام رابطة العلماء السوريين، الذي استعرض معاني الحج كعبادة شاملة تجمع بين البعد الروحي والبعد الجماعي، وتعيد ربط الأمة بتاريخها العريق.
وأوضح حوى أن أركان الإسلام، كلّ منها يخدم جانبا من جوانب الدين، والحج في جوهره يجسد وحدة الأمة، ويزيل الفوارق، ويذكر بالبدايات الكبرى مع سيدنا إبراهيم، كما يحاكي مشهد الحشر، ويعيد الإنسان إلى أصل فطرته وتوحيده.
معنى العبوديةوأشار إلى أن تقبيل الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة ليست حركات بلا معنى، بل هي إحياء لسيرة الأنبياء، وترسيخ لمعاني العبودية والطاعة، واستحضار لتاريخ الأنبياء، والاقتداء بإبراهيم وهاجر عليهما السلام.
وأكد حوى أن من ينازع المسلمين في الانتساب إلى إبراهيم لا يملك دليلا، إذ تجسد الشعائر والمناسك إرث إبراهيم في صورته الحية، وهي برهان الانتماء الذي أكده الله بقوله: "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل".
إعلانولفت إلى أن الحج لا يقبل إن كان المال حراما أو مغصوبا، مشددا على أن الديون والحقوق لا تسقط بالحج، بل لا يُغفر للحاج إلا ما كان بينه وبين الله، أما حقوق العباد فلا بد من أدائها أو التحلل منها قبل الحج.
كما دعا حوى إلى مراجعة أولويات الأمة، خاصة في ظل الأزمات والكوارث، مبينا أن أداء الفريضة واجب عند الاستطاعة، لكن حج النافلة ينبغي أن يوازن فيه المرء بين الثواب واحتياجات الأمة الملحة.
وختم بالقول إن الاستقامة بعد الحج، والتحول في سلوك الحاج نحو الطاعة، والانقطاع عن المعصية، هي علامات القبول، داعيا إلى أن يكون الحج محطة تحول دائم في حياة المسلم، لا مناسبة مؤقتة تنقضي بانتهاء المناسك.
2/6/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مشیرا إلى أن عبد الکافی داعیا إلى
إقرأ أيضاً:
من أسرار حرب السودان
من أحاجي الحرب ( ٢١٣٢٢ ):
○ كتب: د. Yousif Kamil Amin
ترجمت التحقيق المرئي الذي أعدّه مركز مرونة المعلومات (CIR)، والذي يُعد من أهم التحقيقات التي كشفت أسرار حرب السودان. التحقيق لا يكتفي بإثبات تدفق الأسلحة والمركبات إلى مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) عبر ليبيا، بل تمكن ولأول مرة من تحديد الموقع الدقيق لمعسكر عسكري ثابت تابع للمليشيا في عمق الصحراء الليبية، وربط هذا المعسكر مباشرة بالهجمات التي وقعت داخل السودان، وعلى رأسها الهجوم على معسكر زمزم للنازحين.
استخدم فريق التحقيق عشرات المقاطع المصورة التي نشرها مقاتلو الدعم السريع أنفسهم، ثم قاموا بتحليل التضاريس، والتكوينات الصخرية، وصور الأقمار الصناعية المؤرشفة. ورغم أن مساحة الصحراء التي كانوا يبحثون فيها تعادل حجم فرنسا وإسبانيا معًا، تمكن الفريق من تضييق نطاق البحث باستخدام صور ليلية التقطت قبل أسابيع من ظهور مقاطع المعسكر على الإنترنت، ليكتشفوا بقعة ضوء جديدة في عمق الصحراء. بمطابقة الأفق وتكوينات الصخور مع المشاهد المصورة، حددوا الموقع بدقة غير مسبوقة.
يظهر في المقاطع قائد المليشيا حمدان كجيلي، الذراع اليمنى لعبد الرحيم دقلو، وهو يقف أمام مركبة لاندكروزر مدرعة مطابقة لتلك التي ظهرت لاحقًا في الهجوم على زمزم. وتم تصوير المشهد قبل أيام قليلة من الهجوم وعلى بعد 18 كيلومترًا فقط من المعسكر، بحضور عبد الرحيم دقلو نفسه. هذه المطابقة الدقيقة بين المعسكر الليبي، وقيادات الدعم السريع، والمركبات التي استخدمت في الهجوم الدموي، تقدم دليلاً قاطعًا على الرابط المباشر بين القاعدة الخارجية والهجوم على زمزم وما تبعه من تهجير جماعي لعشرات الآلاف من النازحين الذين كانوا يبحثون عن الأمان.
التحقيق يتحدث أيضًا عن المفارقة المؤلمة: بينما تتأخر قوافل الغذاء عن الوصول إلى مئات الآلاف من النازحين في زمزم، تتدفق الأسلحة والمركبات المعدلة من معسكر في ليبيا إلى قلب دارفور، لتغذي حربًا يدفع ثمنها المدنيون وحدهم.
#من_أحاجي_الحرب