«كتّاب عُمانيون في مجلة صوت البحرين» لمدن... الريادة العمانية فكريًا وأدبيًا
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
صدر عن «النادي الثقافي» بسلطنة عُمان، كتاب: «كتّاب عُمانيون في مجلة صوت البحرين... 1951 – 1954» للدكتور حسن مدن، الذي بحث في كتابات أربعة من الكتاب العُمانيين، وهم: عبد الله الطائي، ومحمد أمين البستكي، وأحمد محمد الجمالي، وحسين حيدر درويش، مسلطًا الضوء على مضامين كتاباتهم في مجالات الفكر، والأدب، والنقد الأدبي، وأدب الرحلات، ليكشف «ما كان عليه هؤلاء الكتاب من وعي متقدم، وثقافة متنوعة»، وكيف انعكس ذلك على ريادتهم في مجالات الكتابة الصحفية، والأدبية، والفكرية في عُمان والخليج العربي.
ولا يجيء هذا الكتاب، لإبراز «أن كتابًا عُمانيين متميزين كتبوا في صحافة البحرين في منتصف القرن العشرين كوجه من أوجه التفاعل والترابط بين أدباء الخليج العربي» فقط، وإنما جاء بغاية «إظهار أن هؤلاء الكتاب الأربعة تميزوا عن بقية نظرائهم من كتاب تلك المرحلة بأوجه أسبقية وريادية»، وهو ما سلط مدن الضوء عليه من خلال فصول الكتاب، كدعوة للباحثين العُمانيين والخليجيين للعودة إلى تلك الكتابات والإفادة منها «في كتابة أوجه من تاريخنا الأدبي والثقافي». وانطلاقًا من الأديب عبد الله الطائي، الذي كان أحد أبرز رواد النقد الأدبي في المنطقة، والذي تمتع بأفقه الشامل البانورامي للمشهد الشعري في الخليج والجزيرة العربية، يكشف مدن، أن كتاباته النقدية والنصوص التي تناولها تتجلى «أهميتها في توثيق مرحلة لابد من الوقوف عندها من تطور الحركة الأدبية -الشعرية منها خاصة- لكل باحث وناقد في المجال نفسه»، مستنتجًا بأن هذا الأديب تتبع سير من تناولهم من شعراء، متقصيًا كيف أثرت خلفيتهم الاجتماعية، والجغرافية، والمجتمعية، بالإضافة للتنشئة والتكوين التعليمي والثقافي على تجربتهم الشعرية. وبالانتقال للكاتب حسين حيدر درويش، يرى مدن، بأن هذا الكتاب -خاصة في مقالته التي عنونها بـ«أوروبا كما رأيتها»- أول كاتب من أبناء الخليج كتب عن رؤيتنا للآخر الغربي، والأوروبي تحديدًا، بعين خليجية، مبينًا أن ما أولته أوروبا لمنطقة الخليج والجزيرة العربية من اهتمام كبير، حيثُ كانت السيطرة عليها كمنفذ بحري وممر استراتيجي إلى الهند وآسيا عامة أولاً، وكمنطقة غنية بالنفط تاليًا، محل صراع بين الضواري الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث تزاحم عليها البرتغاليون، والهولنديون، والقياصرة الروس، والفرنسيون، لكن الإنجليز حققوا الغلبة على كل هؤلاء وأحكموا قبضتهم على المنطقة، الأمر الذي يراه مدن ذا أهمية لفهم كيف رأى درويش وأبناء المنطقة المثقفون بلدان هؤلاء المتصارعين على منطقتهم. فيما يضع مدن الكاتبين محمد البستكي، وأحمد محمد الجمالي في خانة الكتاب الفكريين، حيثُ نحت كتابتهم منحىً فكري، «ينم عن متابعة جيدة لمستجدات الوضع الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية»، مبيناً بأن مقالاتهم تدور حول ما طرحه عالم ما بعد الحرب، ونشوء معسكرين دوليين، يتبنى كل واحدٍ منهم رؤية وفلسفة نقيضة للآخر، وهما الرأسمالية والاشتراكية، وهو ما اعتنى بإبرازه الكاتبان، «عاقدين المقارنة بين ما يحسبانه إيجابيات وسلبيات كل نظامٍ منهما»، مع ميلٍ نحو المعسكر الاشتراكي. إلى جانب ذلك، اهتم البستكي والجمالي بمكانة الأمة العربية في الوضع الدولي آنذاك، «من منطلق الرغبة في أن تنهض، وأن تتحرر من كوابح التقدم»، وبذلك يرى مدن، بأن هذان الكاتبان سارا على خطى كتاب ومفكرين عرب آخرين، كما تأثروا بالإصدارات التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية، وتباع في (كراتشي)، حيثُ أقاما، والتي أعانتهم في سعيهم لـ«رسم خريطة طريق النهضة المنشودة». كما يلفت مدن، بأن البستكي والجمالي، وعلى خلاف الخطاب القومي الداعي إلى نهضة العرب وتقدمهم، واعتدادهم بعروبتهم، السائد في بقية مقالات كتاب «مجلة صوت البحرين» من البلدان الخليجية والعربية، نزعا إلى إدخال مفردات ومفاهيم جديدة، غير مألوفة في تلك الكتابات، وهي مفاهيم متأثرة بالفكر الاشتراكي الذي يرجح مدن بأنهما اقتربوا منه تحت تأثير البيئة الفكرية والسياسية في مدينة (كراتشي)، والتي منها، أرسلوا مقالاتهم إلى «مجلة صوت البحرين»، في مرحلة كانت تشهد صعود هذا الفكر.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا کتاب ا
إقرأ أيضاً:
جيل ألفا وما بعده في معرض الكتاب
تعمدت في معرض مسقط الدولي للكتاب الأخير أن أبدأ من أقصى يمين المعرض حيث الجناح العماني، كنت في قرارة نفسي قد قررت أن هذا اليوم هو الأول لزياتي وبالتالي لن أنفق المال على أيّ من الكتب التي سوف تصادفني، تغيرا في استراتيجيتي الفاشلة لسنوات ماضية والتي تعتمد على قائمة منتقاة وبأسماء دور نشر محددة وفي مجالات محددة، حيث لم تكن هذه الطريقة صالحة فأجدني قد ملأت شوالا من البلاستيك بكتب ما سجلتها في القائمة، وكأن الأخيرة قائمة مشتريات المنزل التي أيضا لا أحسن إدارتها فأشتري أكثر من حاجتي وأشياء أخرى لا توجد في القائمة وأغفل عن أخرى مسجلة.
بعد مروري على دار ودارين وثلاث وقد استوقفتني تلك الكتب التي تطبع لصالح التعريف بالمكانات الفكرية والأدبية العمانية سواء تلك التي تتعلق بالأماكن أو بالأسماء مع ما تحتويه تلك النوادر من تاريخ وتأريخ للمكان والزمان والإنسان، في أحيان كثيرة أجدها تسابق لعرض سير وأخبار وقصص وأشعار ونماذج تأصيلية لأسماء لها عشرات النتاجات أو لتعريفات لا تقدم كثيرا للجانب المعرفي الحالي القائم على فلسفات وجدليات العلوم الإنسانية ومدارسها المختلفة.
شدتني إحدى دور النشر المشاركة في المعرض وكم النتاجات الحديثة والمتنوعة لأسماء عمانية شابة وجديدة ومتوهجة من عناوينها أو العارضين لها خلف مصطبة المبيعات ومحاولات الإقناع بالشراء، وعندما أخذت أقلب ما يشبه «النوفيلا القصيرة» إذ بإحداهن تخبرني بأن كاتبة تلك الرواية موجودة وسيسرها أن توقع لي وأن أحمل رواية موقعة من كاتبها أو بالأحرى كاتبتها، كما أنه توجد فلانة صاحبة رواية كذا وهي تلك الواقفة هناك، وتوجد مجموعة قصصية لفلان وهو الواقف هنا، وتلك الرواية لفلانة وهي تلك! كانت كل تلك الوجوه جديدة بالنسبة لي، سرى هاجس بأني مبتعد عن الساحة الأدبية ومقل في حضور فعالياتها، وهو ما أعرفه وأطمئن له، لذا فتحت حوارا مع كاتبة تلك الرواية الصغيرة، بدأت بتهنئتها بالإصدار وأنه لشيء مفرح أن ترى الكتابات الشابة واليانعة تزهر في معرض الكتاب، فاجأتني بأن هذا إصدارها الثالث وأنها قد طبعت من قبل إصدارين وتناوشتهما من بين العناوين في تلك المصطبة وقد راكمتهم في يديها لكي آخذهما، وكان السعر بالنسبة لي مرتفعا حيث وكما أسلفت أعلاه عن توجهي التسوقي في هذا المعرض فابتكرت طريقة مهذبة للاعتذار بأنني نسيت محفظتي ولكن وبلا شك ستكون لي عودة للمكان. فسألتها إن كانت قد نشرت شيئا من أعمالها أو كتاباتها أو قد حضرت في مناشط ثقافية كالتي تقيمها المؤسسات كالنادي الثقافي أو المنتدى الأدبي أو غيرها، فاجأتني بأنها أبدا لم تفعل وعندما لحقها السؤال الثاني في مصفوفة ديكارت ولماذا لم ترتبك أو يزعجها السؤال وإنما أجابت بسؤال مواز وما الفائدة؟ وهكذا كنت أجيب وتسأل وتجيب وأسأل، ومما سبق اكتشفت بأنها وكافة أصحاب الأعمال والإصدارات أو جلهم في تلك الدار لم يشاركوا أو ينشروا في الملاحق الثقافية أو المجلات الأدبية أو حتى لم يحضروا الفعاليات التي تنظمها المؤسسات الثقافية، وأن هذا اهتمام شخصي ومهارة مكتسبة تتشارك مع مجموعة من الأصدقاء والناتجين لها في محيطها وغير معنية بالآخرين.
كان ذلك تصريحا غريبا لكاتبة في بداياتها، ومع هذا وجدت طريقي بين الجموع لأنسل إلى دار أخرى، وكالعادة لا بد أن تجد أحد معارفك وربما أصحابك في ذات الدائرة المهتمة بالأدب وما ينتجه القلم، ومع السلام عرفني على كاتبة كانت توقع على إصدارها وتحتفي به مع باقة ورد عملاقة من زوجها الذي يقف بجانبها، ناولني صاحبي روايتها وقال لي لندعمها، ولكن ظلت حبيسة في داخلي ولم تخرج للساني، وفعلا وقعت لي على روايتها وأضافت أنه الإصدار الثاني وأني يجب أن اقرأ الإصدار الأول وهكذا وفي سوق الكتب أخذت كتابين من دون أن أخطط لذلك.
وفي يوم لاحق لمعرض الكتاب مررت على تلك الدار التي تنشر للأسماء الشابة ومجموعة من الأسماء العريضة والشابة من العمانيين والعمانيات، ولم أجد أصحابها ولكني سألت عن الدار وطبيعتها وكيف تعمل لاكتشف أنها كانت مكتبة لبيع القرطاسيات وفي غضون سنتين سابقتين تحولت لدار نشر ويمكنك بمبلغ رمزي أن تمتلك كتابك الخاص بك، كرواية أو ديوان شعري أو مجموعة قصص قصيرة أو في التنمية البشرية أو حتى في الفلسفة الابيوقراطية.
تذكرت لقاء بمجموعة من الصحفيين والكتاب السعوديين في مهرجان ثقافي في مدينة فاس المغربية قبل عشر سنوات عندما سألتهم عن مذكرات جميلة توثق لمرحلة بأصدائها وطبيعتها بعنوان (مذكرات موظفة سعودية) للكاتبة السعودية فاطمة الفقيه وكان جوابهم بأنهم لم يسمعوا به، وكنت مندهشا، حيث إننا تعودنا على أن نسمع وأن نقرأ إصدارات كتابنا خاصة إذا كانت تحمل شيئا جديدا ومختلفا وإضافة في مجالها وأحيانا كثيرة دعما للكاتب أو الكاتبة، كيف؟ قالوا بأنك تصبح على إصدارات وتمسي على إصدارات وكأن الكتابة أصبحت ممارسة مشروعة للجميع ومن كل الزوايا، إنه عالم لامحدود وعالم مندلق وبصخب لا يمكن حصره، لم أستوعب ذلك لحظتها، ولكن في آخر معرض للكتاب كان ذلك واضحا، إنه عالم متدفق ومتنوع.
عندما عدت للمنزل تفاجأت بأن زميلي بالعمل وفي مجموعة المراسلة الضيقة بالعمل (whatsup) قد أرسل مقتطفا من رواية يضعني فيها باسمي وقبيلتي كبطل لها، وكان نصا فنتازيا طويلا مليئا بالتشويق واللغة السلسة والأحداث الدرامية، وبما أني أعرف زميلي فأنا متأكد بأنه يستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي (chatgpt) في توليد ذلك النص، وعلى قدر ما أحسست بعدم الراحة لذلك إلا أنني جاريته، فرددت عليه بنص يظهر هو فيه باسمه وقبيلته لرواية رومانسية، وهكذا في غضون نصف ساعة كانت هناك روايتان مختلفتان يقرأها زملاؤنا الآخرون في تلك المجموعة الواتسبية، بما تحمله من وصف وأحداث وتشويق وسلاسة، وعندما التقينا بالعمل ومن باب الدعابة كان حديث المشاركين حول تلك الروايتين، بل وصل الأمر أن أحدهم طالب بالتكملة لأن الكاتبين استطاعا أن يربطاه بنصهما وهو في حياته لم يقرأ قصة أو رواية ويكملها.
وللعودة حول ما اشتريته من المعرض بسبب رعونة صاحبي لدعم الكاتبة فقد اكتشفت بأنها كتابات جيدة في الكتابين، وبأن لديها أسلوب سردي جميل، وتمتلك أدوات الكتابة الأدبية الفنية من رسم الشخوص وإدارة الحدث وصولا للعقدة وسلاسة اللغة بل وحتى توظيف الخيالي في رسم الأحداث بطريقة غير فجة أو مفارقة، ولكني لم أتواصل معها لمعرفة أكثر حول الكاتبة ونصوصها وطبيعة قلمها، فمن الإجحاف الزج بها مع الذكاء الاصطناعي إن كانت هي من أبدع تلك النصوص وأيضا من الخسران إن كان الذكاء الاصطناعي هو من صاغ تلك النصوص الجميلة.
اليوم ومع التقدم العلمي والتقني الداخل في شتى مناحي الحياة يلتهم الذكاء الاصطناعي كل ما هو فريد وكل ما هو خاص، ويصبح من الصعب التفريق بينه وبين الإبداع البشري، وإن كانت هناك محددات وخاصة في الكتابة الأدبية فربما هي التسلسل المرن وربما العسير في الإنتاج السابق، في التجارب والنضج، في التدرج، يفرض الواقع التقني والذكاء الاصطناعي اليوم إيجاد مفاهيم جديدة تطويرية لمواكبة كل هذا الغزو الضخم للمعرفة والتدفق اللامحدود للإنتاج ولصياغة عالم تبدو ملامحه قريبة من الإنسان بعد خمس سنوات أو عشر سنوات أخرى، أسئلة من قبيل إلى أين سيصل بنا أو إلى أين يقودنا؟ أو ما البوصلة والمعيار وما هي الجودة وما هي المخاطر وما هي المنافع؟ كلها أسئلة تتفتق من واقع قادم وواقع شرس لا يهتم بالسؤال قدر اهتمامه بإنتاج أنماطه ومعايريه الخاصة والمتقدمة عند جيل ألفا وما بعده من القادمون الجدد.
سلطان العزري كاتب وقاص عماني