عمّان – تتزايد حدة المخاوف الأردنية حيال تصاعد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود (الأردنية – السورية)، وتكثّف معها عمّان جهودها للتصدي لها.

وتصف السلطات الأردنية عمليات التهريب بأنها تهدف "لزعزعة استقرار البلاد"، الأمر الذي عبر عنه العاهل الأردني عبد الله الثاني مؤخرا في كلمته باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

تغير قواعد الاشتباك

الملك الأردني حذر من إمكانية تطور قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية إلى مواجهة شاملة بالقول "سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية"، كما تطرق إلى احتجاجات السويداء السورية ضد الوضع الاقتصادي المتردي هناك، مشيرا إلى أنها "قد تؤدي إلى تدفق جديد للاجئين السوريين إلى الأردن".

ويعيد مراقبون تنامي المخاوف الأردنية إلى "استخدام المهربين لأساليب جديدة ومتطورة لم تكن مستخدمة من قبل، كالبالونات الطائرة على اختلاف أحجامها، والتي تحمل في جوفها كميات متنوعة من المواد المخدرة، إضافة إلى الطائرات المسيّرة القادمة من الجنوب السوري".

الملك عبد الله قال"سنحمي بلدنا من أي تهديدات تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية" (رويترز)

وتتفاقم مخاطر الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطق في الجنوب السوري مع تنامي عمليات التهريب والتسلل، رافق ذلك ما وصفته مصادر رسمية أردنية بـ "الغياب شبه الكامل لقوات النظام السوري ضمن المناطق الحدودية على الجانب السوري".

غياب الثقة

ويرجح الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار "حدوث مواجهة عسكرية في المستقبل القريب"، مشيرا -في حديثه لـ"الجزيرة نت"- إلى أن "العلاقة بين عّمان ودمشق مضطربة منذ عقودٍ طويلة، وما يحدث حاليا على الحدود الأردنية-السورية هو عمليا بمثابة حرب حقيقية تقوم على تهريب الأسلحة والمخدرات والإرهابيين عبر الحدود الأردنية مع سوريا، وليس أمام عّمان سوى الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى أن الحراك الدبلوماسي -الذي انتهجه الأردن- لم يُحدث ذلك الاختراق المطلوب".

وردا على سؤال "الجزيرة نت" حول شن الأردن عملية عسكرية محتملة في الجنوب السوري لإقامة منطقة عازلة لوقف عمليات التهريب قال أبو نوار "الأردن الرسمي يستخدم سياسة العمل المتدرج في العلاقة مع النظام السوري"، موضحا بالقول "يحتاج الأردن للحصول على موافقة دولية كبيرة لإقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، كما أن الأمر يحتاج إلى عمليات طيران مستمرة لسلاح الجو الملكي الأردني لحماية تلك المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وصد سلاح المدفعية السوري الذي من المؤكد أنه سيقوم بقصف المنطقة العازلة بما فيها من سوريين" وفق قوله.

مراقبون يرون أن إقامة الأردن منطقة عازلة مع الجنوب السوري يحتاج موافقة دولية وأموالا طائلة (الجزيرة)

وهذا الأمر -كما يرى أبو نوار- يحتاج لأموالٍ طائلة، لا يستطيع الأردن تكبدها وحده، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبالتالي الأردن بحاجة إلى دعمٍ مالي خليجي مستمر في هذا الشأن".

وأشار أبو نوار إلى أن "المبادرة العربية مع النظام السوري جاءت لأهداف نبيلة، الغاية منها استقرار سوريا، وعودة شعبها إلى وطنه مجددا"، مستدركا؛ "لكن بشار الأسد لن يتخلى عن النظام لأنه عمليا يرتبط بالإيرانيين، والروس، وحزب الله، وهؤلاء جميعا جزء أصيل من الصراع في سوريا، وبالتالي هو لا يحكم بالمعنى الحرفي داخل الأراضي السورية".

وقال وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة إنه "قبل وبعد المبادرة العربية تجاه سوريا كان الأردن يتحدث بشكل مباشر مع الدولة السورية حول قضية المخدرات والمتفجرات القادمة من سوريا، وكذلك كان هناك تنسيق مع روسيا التي كانت تحضر في الجنوب السوري بشكل كبير قبل أن تؤثر الحرب الروسية-الأوكرانية على حجم الوجود العسكري الروسي في الجنوب السوري".

خيارات عدة

وقال المعايطة في تصريح لـ"الجزيرة نت" إن "الخيارات المطروحة أمام الأردن تقوم على استمرار السعي السياسي مع كل الأطراف المعنية، والأهم ما يقوم به الأردن من خلال قواته المسلحة وأجهزته الأمنية في حماية حدوده من محاولات التهريب".

ورأى المعايطة أن على الأردن "السعي مع دول مهمة في العالم لإقامة تحالف يواجه حرب المخدرات التي تستهدف دول المنطقة والعالم وليس فقط الأردن، وهناك مساحة واسعة أمام الأردن باستعمال كل الخيارات المتاحة في حفظ أمنه وحدوده".

وحول تصريحات ملك الأردن من تفاقم الأزمة السورية، أوضح المعايطة أنها "تعكس خيبة أمل من السلبية التي تعامل بها النظام السوري مع المبادرة العربية، وأيضا مع دعوات الأردن لسوريا للقيام بواجبها داخل أراضي سوريا ومنع محاولات التهريب من قبل المليشيات والتجار وأي جهات رسمية سورية متورطة ومستفيدة من هذه التجارة".

الأردن أسقط عدة مسيّرات قادمة من الأراضي السورية يحمل بعضها مخدرات وأخرى أسلحة (الجيش الأردني) تنسيق متعثر

ولفت المعايطة في حديثه لـ"الجزيرة نت" إلى أنه "بعد المبادرة العربية كان هناك اتفاق مع سوريا على تنسيق أمني وعسكري لمواجهة حرب المخدرات -لكن مع الأسف- كانت الاستجابة السورية نظرية بدون إجراءات على الأرض، وهذا ما يفسر حديث الملك في نيويورك بحزم عن عدم قدرة القيادة السورية على التحكم بما يجري في بلادها، وعن تراجع سيطرة النظام السوري على القرار في سوريا".

وأشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريح سابق له إلى أن بلاده ستقوم بما يلزم لمواجهة عمليات التهريب القادمة من الحدود الشمالية، وأضاف "لن نسمح بتهديد أمننا الوطني، ولن نسمح بإدخال المخدرات وكل ما تسببه من كوارث إلى الأردن".

وأوضح الصفدي أن عمليات التهريب "منظمة" وأن المهربين "يمتلكون قدرات كبيرة"، لافتا إلى "وجود مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية وجهات أخرى مسؤولة عن التهريب".

 

الأردن استضاف اجتماعا تشاوريا لوزراء خارجية عرب مع نظيرهم السوري في الأول من مايو/أيار الماضي (رويترز)

وترى المصادر الأردنية في تقديراتها أن "الجانب السوري بدأ في التراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة بموجب المبادرة الأردنية (خطوة مقابل خطوة)، خاصة مع تصريحات تلفزيونية للرئيس بشار الأسد الشهر الماضي، "تركت ظلالا سلبية على مستقبل الالتزام السوري، ومحاولة نفض يده من المسؤولية عن ملف أزمة المخدّرات والسيطرة عليها".

ويتحدث الأردن مرارا عن عمليات تهريب يحبطها، منها ما أعلنه أواخر أغسطس/آب الماضي، بشأن إحباط جيشه تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من سوريا، عبر عملية وصفها بـ"النوعية"، جرى خلالها إصابة عدد من المهربين بالرصاص، فضلا عن إحباطه 8 محاولات تسلل لطائرات مسيرة من سوريا للأردن خلال أقل من عام، تنوعت حمولتها بين المواد المخدرة والأسلحة والمتفجرات، وفق بيانات للجيش الأردني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المبادرة العربیة عملیات التهریب النظام السوری الجزیرة نت من سوریا إلى أن

إقرأ أيضاً:

اللاجئون والمخدرات وإيران.. لوموند: التطبيع العربي مع دمشق في طريق مسدود

ينتقد الشركاء العرب "الديكتاتور السوري" عدم تعامله مع القضايا الحاسمة بالنسبة لهم: عودة اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، وجعل حد للتوسع الإيراني في سوريا.

بهذه الجملة لخصت صحيفة لوموند تقريرا لمراسلتها في بيروت هيلين سالون قالت فيه إن الرئيس السوري بشار الأسد بدا كما لو كان أحد المدعوين العاديين لقمة رؤساء الدول العربية التي انعقدت في البحرين يوم الخميس 16 مايو/أيار الجاري، بل ظهر في بعض الصور المعروضة في شوارع المنامة وهو يبتسم كما في صورة لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واضع قانون ليهي: يجب تطبيقه على إسرائيلواضع قانون ليهي: يجب تطبيقه ...list 2 of 2لوفيغارو: تفاصيل مثيرة بشأن إصابة آلاف الأطفال بالإيدز في باكستانلوفيغارو: تفاصيل مثيرة بشأن ...end of list

لكن سالون لفتت إلى أن التطبيع العربي مع سوريا لا يزال يواجه منتقدين، ويثير الإحباط والانزعاج حتى بين مؤيديه على خلفية ما يمارسه "الدكتاتور السوري" منذ 12 سنة من قمع ضد شعبه.

ونقلت، في هذا الإطار، عن جهاد يازجي، مدير النشرة الاقتصادية سيريا ريبورت قوله إن الأسد، على الأقل، استفاد من عودته للحاضنة العربية وهو ما سيكون من الصعب التراجع عنه، لكنه لفت إلى أن "هذا لا يغير شيئا بالنسبة للحل السياسي في سوريا، ولا على صعيد الدعم المالي وإعادة الإعمار”.

وقالت إن عدم حديث الأسد أمام القمة ربما كان الهدف منه هو عدم الإضرار بصورة الوحدة العربية حول فلسطين، مذكرة بمغادرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني قاعة الاجتماع في 2023 عندما بدأ الأسد حديثه.

واعتبرت سالون أن إدانة ملك الأردن عبد الله الثاني لتهريب الأسلحة والمخدرات الذي تقوم به الجماعات الإجرامية هو انتقاد ضمني للأسد.

كما أوضحت أن كشف الأردن، في اليوم الذي سبق القمة، عن إحباطه في نهاية شهر مارس/آذار الماضي لتهريب أسلحة من قبل مليشيات موالية لإيران من سوريا جاء في الوقت المناسب لإحراج الأسد.

وفي تعليقه على هذه القضية نقلت المراسلة عن المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة قوله ‘لا أحد راض حقا عن التطبيع مع سوريا، ولكن لا يوجد انقطاع، ويحاول الجميع أن يظلوا واقعيين، لمنح الأمر فرصة".

وأبرزت سالون أن الأولويات الإقليمية تغيرت مع الحرب في غزة، مشيرة إلى أن الدول العربية جددت دعوتها لإنهاء الأزمة السورية عبر حل سياسي. وحثت على تنفيذ "إعلان عمان" الذي يدعو إلى عودة اللاجئين السوريين ومكافحة تهريب المخدرات ووضع حد للتوسع الإيراني في سوريا.

بيد أن جهاد يازجي يرى أن السوريين ليسوا في وضع يسمح لهم بتقديم تنازلات بشأن القضايا التي تهم العرب، لافتا إلى أنه لا شيء متوقع في قضية اللاجئين السوريين المعقدة، رغم أنها أصبحت متفجرة في لبنان، وهناك تزايد في تهريب المخدرات والأسلحة على حدود الأردن مع سوريا مما يثير غضب المملكة الهاشمية، على حد تعبيره.

وبخصوص الكبتاغون، تقول سالون عن سوريا تنتجه بكميات صناعية ويتم تهريبه إلى الخليج وأوروبا، وهو يدر مليارات اليورو على خزائن عائلة الأسد، التي أفرغتها الحرب والعقوبات الدولية، وفقا للمراسلة.

أما إيران، فإن السياسة البراغماتية "للدكتاتور السوري" تجعله يحجم عن أي شيء يمكن أن يؤثر سلبا على علاقاته بطهران، أو على النفوذ الذي يمارسه حزب الله على أراضي سوريا.

وفي نهاية تقريرها أبرزت المراسلة أن المزايا الاقتصادية لسوريا من التطبيع مع الدول العربية لا تزال هزيلة، إذ لم تستقر في سوريا سوى 14 شركة خليجية فقط في عام 2023، كما ألغي مشروع محطة طاقة كهروضوئية كان قد تم توقيعه في نهاية عام 2021 مع الإمارات.

وما زاد الطين بلة، وفقا للمراسلة، هو العقوبات الأميركية المفروضة في إطار "قانون قيصر" منذ عام 2019، ناهيك -كما يؤكد جهاد يازجي- عن أنه "لا توجد فرص كبيرة مع نظام مافيوزي (يعمل بطريقة المافيا) لدرجة أنه لم يعد هناك أي حافز للاستثمار في سوريا".

مقالات مشابهة

  • "قسد" تعلن توقيف المسئول العسكري الأول لداعش في الرقة السورية
  • الرئيس السوري: نتضامن مع إيران فى كل الظروف
  • أسماء الأسد.. سيدة المكتب السري بين سرطانين
  • محاكمة مسؤولين سوريين في فرنسا.. ما أصداء الخطوة الغيابية؟
  • جرائم ضد الإنسانية.. لوفيغارو: محاكمة تاريخية لـ3 جنرالات سوريين بفرنسا
  • المرعاش: الدبيبة يشتري ولاء الميليشيات في الزاوية ولا يتدخل في القتال بينها
  • اللاجئون والمخدرات وإيران.. لوموند: التطبيع العربي مع دمشق في طريق مسدود
  • ‏رويترز نقلا عن الرئاسة السورية: تشخيص مرض قرينة الرئيس السوري بسرطان الدم
  • تحذيرات من عودة «داعش» لسوريا والعراق
  • الحشيمي: للتعامل مع أزمة النزوح السوري بحكمة