قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والذي جاء تحت عنوان" الفتوى وتحديات الألفية الثالثة"، يأتي في وقت تفرق أحداثه بين الحق والباطل، والأمانة والخيانة؛ فالدفاع عن الأرض والعرض حق وأمانة، والاستشهاد في سبيل الله حق وأمانة، وإقامة كيان على زور من التاريخ باطل وخيانة، وقصف المدنيين الآمنين باطل وخيانة، وسكوت المؤسسات المعنية باطل وخيانة، ناقلا صادق دعوات الأزهر الشريف وإمامه الأكبر إلى الشعب الفلسطيني الصامد الذي يتمسك بأرضه، ويقف بكل بسالة وبطولة في وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة، وتأكيد فضيلته أن استهداف المدنيين وقصف المؤسسات جريمة حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار يسجلها التاريخ بأحرف من خزي على جبين الصهاينة.

وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته في المؤتمر، إن هذا المؤتمر يشير ابتداء إلى ضرورة وجود تناغم بين الأصول والثوابت وبين المتغيرات والمستجدات، أو بحسب عنوان المؤتمر بين «الفتوى وتحديات الألفية الثالثة»، فيجمع بين الفتوى، وهي ركن ركين في الحياة، يبصر الإنسان بها طريقه إلى الله، ويلتمس الصواب في حركته مع الناس، ويدرك إدراكا واعيا موقفه من نفسه، وبين النظر إلى المستقبل، ومحاولة تعرف ملامحه، وما فيه من تحديات تعم جنبات الحياة.

وأوضح الدكتور الضويني أن هذا المؤتمر يأتي حلقة في سلسلة الوعي الذي تعمل عليه المؤسسة الدينية في مصر؛ لمناقشة القضايا المعاصرة في إطار شرعي يستجيب للواقع وفي الوقت نفسه لا يخرج عن الثوابت، ويحفظ على الناس الضروريات الخمس، التي تدور حولها أحكام الشريعة، والتي عدها الإمام الشاطبي -رحمه الله- أسس العمران؛ بحيث لا يتصور عمران مجتمع ولا صلاح أمور أفراده إلا من خلال حفظها.

وأردف أن من المُسَلم به عند العقلاء أن العالم المعاصر يواجه تحديات في كثير من مجالات الحياة: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وغير ذلك، وأن هذه التحديات ككرة الثلج كلما تحركت زاد حجمها وتضاعف أثرها، دون أن تتوقف عند مكان بعينه، وكأنما انتقلت نظرية «الأواني المستطرقة» من مجال الفيزياء إلى مجالات الحياة كافة، فما تكاد تسمع بأزمة في ناحية من نواحي الأرض إلا وتظهر آثارها في نواح أخرى.

وبيّن وكيل الأزهر أن التحديات الاقتصادية أصبحت شديدة الوطأة؛ ينطق بآثارها فقر وجوع وحرمان وبطالة وفجوة متزايدة بين المعدمين والمترفين، وتحرم آثارها القاسية بيئات كثيرة من أقل مقومات الحياة، بسبب نظريات وممارسات اقتصادية منفلتة من الضوابط الأخلاقية، لا يجد المنظرون لها أي حرج في أن تسعد قلة من البشر على حساب الكثرة الكاثرة منهم، وأن تزداد بيئات غنى وثراء وتقدمًا ورخاء، وأن تزداد بيئات أخر فقرا وجهلا ومرضا!.

وأكد وكيل الأزهر أن التحديات الاجتماعية لا تقل خطرًا ولا أثرًا عن التحديات الاقتصادية؛ فإن المجتمع الدولي يعاني من تفكك واضطراب في نواته الصلبة، ألا وهي الأسرة؛ فباسم الحقوق والحريات خرجت علينا أصوات منكرة شرعًا وعقلًا، وراحت تنادي مرة بعلاقات تأباها الفطرة السوية، وتتناقض مع ناموس الكون الذي خلق الله فيه كل شيء ذكرًا وأنثى، وراحت تعلن مرات أخرى ما لا ينبغي إعلانه فهددت استقرار الأسرة، وكان ما كان مما تعاني مجتمعاتنا ويلاته من طلاق وفراق وشقاق وسوء أخلاق.

وأضاف أنه في الوقت الذي بُحَّت فيه أصوات المؤسسات الرشيدة -ومنها مؤسساتنا الدينية- وهي تنادي بضرورة هذا الكيان وأهميته بالنسبة للأفراد وللمجتمعات على السواء، نرى مخططات شيطانية خبيثة ترفع شعارات براقة خادعة تحاول نقض عُرى هذا الميثاق الغليظ، وأما التحديات السياسية فيكفي أن نقرأ بعض الإحصائيات الدولية التي تكشف عن إنفاق مرعب في إنتاج أدوات تدمير الشعوب من أسلحة ومخدرات ورعاية جماعات تخريبية، تعمل على إشعال الحروب، وتجذير الخلافات، والعبث بالهويات والخصوصيات.

وأوضح الدكتور الضويني أنه يكفي أن نتأمل خريطة العالم لنرى ما يجري فيها من تلاعب وعبث ومقامرة بالمجتمعات وأحلام أهلها، دون شعور بوخز من ضمير حي يتألم لمشاهد القتلى والجرحى والثكلى والمهجرين والنازحين، وقد يكفينا شرًا أن تلتزم المنظمات الدولية بما تعلنه في مواثيقها ولوائحها، ولكن المواثيق واللوائح والمعاهدات لا تعرف الطريق إلى بعض المجتمعات!، ثم أنى تكون عدالة هذه المواثيق والمعاهدات والقائمين على حراستها يمنحون الأمن والسلام والرخاء من يشاءون، ويمنعونه عمن يشاءون؟!.

وبيّن وكيل الأزهر أن ما يحمله الربع الأول من المائة الأولى من الألفية الثالثة من تحديات ضاغطة ينذر بتحديات أكبر منها في بقية الألفية، وبالرغم من هذه التوقعات الصعبة فإن فتاوى الأمل والتفاؤل لا تتركنا نتوقف عند جلد ذواتنا، وإن فتاوى الإيجابية لا تدعنا نستغرق في الشكوى والأنين دون طلب العلاج؛ ولذا؛ فإن من المهم أن نحاول وضع حل لهذه التحديات والأزمات، وأن يؤسس العلماء والمفتون لعهد جديد من «الإفتاء الواعي» ترتب فيه الأولويات، وتراعى فيه المقاصد والأعراف حتى نتمكن من مواجهة الواقع والمستقبل وتحدياته ومستجداته بفتاوى تقود المجتمعات إلى الأمن والسلام.

وشدد الدكتور الضويني أن من حق الناس على المفتين أن يوحدوا المناهج، بحيث ينحسم داء الفتوى بغير علم، ويستغني الناس أولاً عن فتاوى المولعين بالتكفير والتفسيق والتبديع، التي أدت بنا إلى إزهاق الأنفس المعصومة واستحلال الأموال المصونة، إضافة إلى ما تركته فينا من كراهية وشقاق، وإشغال للمجتمعات والأوطان عن أهدافها، وثانيًا عن حاملي لواء التيسير الذين ميعوا باسم التيسير الثوابت والأصول، وثالثًا عن متصيدي الغرائب الذين يجردون الفتاوى من ملابساتها وسياقاتها الزمانية والمكانية، ورابعًا عمن يبيحون لكل إنسان أن يفتي نفسه بما شاء، فيعطون بذلك صك الشرعية لكل عمل وإن كان مخالفًا لما استقر عليه العلماء.

وتساءل وكيل الأزهر كيف يتجرأ آحاد الناس فيفتون في مسائل الشأن العام مما لو عرضت إحداها على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر؟ وكيف يتبنى إنسان الاحتياط في الفتوى مطلقًا، وينسى أن يزاوج بين الاحتياط وقواعد التيسير الكلية: «إذا ضاق الأمر اتسع»، و«المشقة تجلب التيسير»؟، وإذا كان من حق كل إنسان أن يفتي نفسه بما يشاء وأن يختار من الفتوى ما يهوى فما الحاجة عندئذ لهذه المجامع الفقهية وكليات الشريعة ودور الإفتاء؟ بل ما الحاجة لمن يحاول إقناع الناس بهذا الرأي الأعرج؟

إن مثل هذه المعالجات هي في الحقيقة مجازفات ومغالطات وموجة من التمسح العلمي مستغربة عن فقهنا وعن مناهجنا وعن تاريخ أمتنا العلمي.

وشدد وكيل الأزهر أن الجرأة على الفتوى في شأن الناس والمجتمعات والأمم ممن لا علم له آفة خطيرة، وكثيرا ما تكلم عنها العلماء، ولكن من الآفات أيضا أن يسكت الأمناء عن بيان الحق، فلا تسمع لهم همسا، وإذا كنا نعاني من الفتاوى المعلبة والمستوردة من سياقات غريبة عن زمانها ومكانها، أو من الفتاوى التي لا تبرح الكتب والمؤلفات، والتي لا تعرف للناس طريقا، أو حتى تلك التي تصدر عن مؤتمرات يحدث فيها بعضنا بعضا؛ فإننا نعاني وبالقدر نفسه من عدم الفتوى في الوقت الذي يجب فيه أن تكون بيانا وهداية.

وتابع، بضرب مثال لمشكلة حية تتعلق بظاهرة التعدي على الحريات والخصوصيات، ومحاولة مسخ الهويات، والمتاجرة بآلام وآمال المجتمعات، ومنع بعض الشعوب من تقرير مصيرها، وإقامة دولتها؛ أين هذه الفتوى البصيرة التي تقوم لهذا العبث ولهذه الفوضى؟، أين هذه الفتوى المعاصرة التي جرمت هذا الإرجاف والإرهاب والتخريب والتقتيل والتشريد في زمن يتغنى بالحريات وحقوق الإنسان؟، أين هذه الفتوى التي تناولت محاولات الهيمنة وأدوات العولمة التي تحاول بكل ما تملك أن تحول بين حاضر الشعوب وماضيها وتراثها، وخاصة الشعوب العربية والإسلامية؟.

وأضاف الدكتور الضويني أنه ستجدون فتاوى لكنها خجلى لا تكاد تبين، وقطعا أنا لا أدعو إلى فتاوى حماسية تتوهج معجبة فتلفت الأنظار لحظة ثم تنطفئ أبد الآبدين، بل أرفض كل فتوى تجور على الضروريات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها وصيانتها على الإنسان حتى لو كان غير مسلم، وإنما أدعو إلى فتوى عادلة عاقلة ترى ما يجري على أرض فلسطين التي تنزف جراحها من عروق العروبة والمسلمين!، وأدعو أيضا إلى فتوى رشيدة تربي الناس، وتأخذ بأيديهم إلى رحاب الشريعة الواسع، وتقر الأمن والأمان من غير تضييع للأوطان.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه مما ينبغي أن نتفطن له أن إحجام الفقهاء عن الاجتهاد في الوقائع المتغيرة والتحديات المتسارعة سيترك المجتمعات الإسلامية «للآخر» يملؤها بما يشاء، وهو «لون من الوقوع في فصل الدين عن الحياة، أو فصل الحياة عن الدين، وهو ما نتنكر له كشعار، ثم نمارسه كواقع»،والتاريخ يشهد أن سعي الإنسان المستمر للبحث والاكتشاف والتجديد والإبداع على مر العصور صحبه فقهاء وعلماء استطاعوا أن يكيفوا النوازل والمستجدات، دون تحريف، ولا بد من الاعتراف بأن التحديات التي حملتها بواكير الألفية الثالثة توجب النظر والتأمل والبحث الدقيق الرصين، وتفرض على العلماء والمفتين أن يجمعوا إلى الكتب والمقررات والتدريب والتأهيل المعتاد قلوبا مؤمنة وبصيرة نافذة وعقولا مسددة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر الألفیة الثالثة

إقرأ أيضاً:

هل فاتتك الصلاة لسنوات؟.. الأزهر يوضح كيفية قضائها

الصلاة هي عمود الدين، وثاني أركان الدين الإسلامي بعد الشهادتين، فرضها الله على عباده، و الصلاة أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، قال الله تعالى: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا"، فهي ليست مجرد حركات، بل خضوع، وخشوع، وطمأنينة، ومناجاة بين العبد وربه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ، حُرِّمَ عَلَى النَّارِ، لذا فإن من فاتته صلوات فإنه يجب قضاؤها ولا يجب أن يتخاذل عن ذلك.

كيفية قضاء الصلوات الفائتة

أجرت دار الإفتاء المصرية، أجاب الشيخ محمد وسام أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية عن كيفية قضاء الصلوات الفائتة؟ قائلا "إن كانت 5 صلوات فأقل تقضى بالترتيب، وإن كانت أكثر من ذلك فإنها تقضى مع كل صلاة صلاة من الصلوات الفائتة مثلها".

حكم صلاة الفجر لمن يسافر قبلها.. دار الإفتاء تجيبفضل الصلاة في جوف الليل .. الأفضل بعد الفريضةهل نسيان البسملة في الفاتحة يبطل الصلاة؟.. الأزهر يجيبدعاء بعد صلاة الوتر .. كان يردده النبي ثلاث مراتما يستحب للمسلم فعله بعد صلاة الوتر؟ الأزهر يجيبصلاة الضحى.. اعرف وقتها وهل تكون سرية أم جهرية وحكم أدائها في جماعة

وتابع أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية: "كأن يؤدى مع صلاة الظهر أو قبله صلاة ظهر فائتة مثلها، وإذا شق عليه أن يؤدى الصلاتين مع النوافل فليترك النافلة ويؤدى الفرض لأن الفرض مقدم على النافلة".

كيف يقضي تارك الصلاة ما فاته؟

وكان المركز العالمي للأزهر حدد كيفية قضاء الصلوات الفائتة ومنها من كان تاركا للصلاة لسنوات في النقاط التالية:

يجوز قضاءُ فوائت الصلوات المكتوبة في أي وقت من اليوم والليلة، ولا كفارة لها إلا قضاؤها. من فاتته صلوات يوم؛ قضاها مرتبة، فإذا زادت الفوائت عن خمس صلوات؛ سقط الترتيب. من كان تاركًا للصلاة فترةً من عمره، ثم تاب، فعليه تقدير الفترة التي كان تاركًا للصلاة فيها، ثم قضاء ما فاته من الصلوات، مع كل فريضة حاضرة أخرى فائتة، أو قضاء صلوات يوم كامل متتاليات في أي وقت من ليل أو نهار. حكم تارك الصلاة 

وكان قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، ردًا على سؤال حول حكم ترك الصلاة عمدا، إن ترك الصلاة من الكبائر العظيمة، ولا ينبغي لمسلم أن يتساهل فيها أو يتكاسل عنها، فهي عمود الدين، و"من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين".

وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، أن هناك فرقًا بين من ينكر الصلاة كليًا ويقول إنها ليست فرضًا، فهذا يقع في الكفر الصريح، لأنه أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، وهذا أمر نادر ولا يُتصور حصوله في الغالب، أما من يتركها كسلًا أو تسويفًا، وهو يعلم أنها فريضة، فهذا مرتكب لكبيرة عظيمة، لكنه لا يُخرج من الإسلام، ومع ذلك فعليه أن يتوب فورًا.

وتابع أمين الفتوى في دار الإفتاء "من يتكاسل عن الصلاة ويقول: (نفسي أصلي لكن الشيطان يغلبني)، فهذا أمل في خير، ونقول له: ارجع إلى الله، وباب التوبة مفتوح، لكن أن يترك الصلاة وهو في كامل وعيه ويفعل ذلك عمدًا مع قدرته، فهذا يُخشى عليه جدًا، ويجب أن يُراجع نفسه سريعًا، لأنها ليست مجرد عبادة بل صلة بالله".

طباعة شارك الصلاة الصلاة هي عمود الدين ثاني أركان الدين كيفية قضاء الصلوات الفائتة قضاء الصلوات الفائتة قضاء الصلاة الصلاة قضاء تارك الصلاة نسيان الصلاة صلاة الأزهر الإفتاء

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء لـ تأدية الصلاة.. ويوجه نصيحة
  • بالتعاون مع الأزهر.. «الأوقاف» تنظم ندوات للحفاظ على البيئة بـ 1544 مسجدًا
  • ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يجيب
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان
  • البحوث الإسلامية: إصلاح ذات البين عبادة تتفوق على الصيام والصدقة
  • ماذا نفعل حتى لا نصاب بالسحر؟.. أمين الفتوى يجيب
  • هل فاتتك الصلاة لسنوات؟.. الأزهر يوضح كيفية قضائها
  • ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • دور الأزهر الشريف في صيانة الشرع والمجتمع