ناشونال إنترست: هل تتجه إثيوبيا وإريتريا لحرب أخرى؟
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
حذرت مجلة "ناشونال إنترست" في مقال من أن هناك مؤشرات تدل على أن إثيوبيا وإريتريا تستعدان لحرب بين الدولتين الجارتين الواقعتين في منطقة القرن الأفريقي.
وجاء في المقال الذي كتبه الباحث في برنامج دراسات الأمن الدولي بجامعة ييل الأميركية، غويتوم جبريلويل، أن من بين تلك المؤشرات تدفق شحنات الأسلحة من الإمارات والطائرات المسيرة من تركيا على إثيوبيا، كما أن هناك تقارير تفيد بأن إثيوبيا وإريتريا كلتيهما تعملان على زيادة حشد قواتهما على جانبي الحدود.
واعتبر الكاتب أن أي تصعيد متبادل بين الدولتين ووجود ثقافة "إستراتيجية" تنطوي على ارتياب عميق قد تدفع أحد الطرفين إلى توجيه ضربة استباقية تتحول إلى حرب شاملة.
اتفاق السلام مع التيغرايواستعرضت ناشونال إنترست -وهي مجلة أميركية نصف شهرية متخصصة في الشؤون الخارجية- الأوضاع في إثيوبيا عقب توقيع الحكومة الفدرالية في أديس أبابا وجبهة تيغراي على اتفاق للسلام العام الماضي في بريتوريا بجنوب أفريقيا أدى إلى توقف القتال في شمال إثيوبيا.
وكانت الوظيفة الأساسية لذلك الاتفاق -برأي جبريلوتيل- تتمثل في تغيير نمط التحالفات الإستراتيجية في القرن الأفريقي، وتمهيد الطريق لحرب جديدة. وقد لعبت تلك التحالفات دورا محوريا في الإعداد للحرب الأهلية الإثيوبية منذ البداية.
وقال الباحث في مجال الأمن الدولي إن إحدى المهام الأولى التي اضطلع بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عندما تسنم السلطة في عام 2018 هي تحقيق السلام مع إريتريا والعديد من جماعات المعارضة المحلية.
تحالف إقليميلكن آبي أحمد كان منشغلا في واقع الأمر بإقامة تحالف إقليمي لترسيخ نموذج قومي استبدادي في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي، فكان أن تحالف محليا مع القوميين الإثيوبيين ونظرائهم من عرقية الأمهرا، وعلى المستوى الإقليمي مع الرئيسين الصومالي محمد عبد الله فرماجو والإريتري أسياس أفورقي، وبلغت ذروة محاولاته بتوقيع الاتفاق الثلاثي في سبتمبر/أيلول 2018.
وزعم جبريلوتيل في مقاله أن الهدف الأساسي لتلك التحالفات هو التعاون في شن حرب ضد القوميات العرقية الأخرى في المنطقة، مثل الأورومو ومن بعدها ضد إقليم تيغراي حيث لعب إقليم أمهرة الإثيوبي ودولة إريتريا دورا حاسما في المجهود الحربي.
وبعد 4 سنوات -من الحرب في أقاليم أوروميا وبني شنقول وتيغراي، بات واضحا أن محاولات آبي أحمد للقضاء على القومية العرقية في بلاده قد باءت بالفشل، وأوشك اقتصادها على الانهيار.
وإزاء ذلك، عقد آبي أحمد سلاما -وصفه مقال ناشونال إنترست بأنه كان تكتيكيا- مع جماعات المعارضة الأورومية وجبهة تحرير تيغراي.
تراجع عن كل الوعودوعلى الرغم من أن تلك المصالحات لم تكن صادقة -حسب المقال- فإنها انطوت على تراجع رئيس الوزراء الإثيوبي عن جميع الوعود التي قدمها لإريتريا والأمهرة والقوميين من أبناء وطنه.
ويمضي جبريلوتيل إلى القول إن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لم يصرح علنا بمعارضته لاتفاق بريتوريا، إلا أنه سعى إلى تقويضه وإضعاف حكومة آبي أحمد من خلال مواصلة احتلاله لجزء كبير من إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا.
ويضيف في مقاله أن آبي أحمد لم يرد حتى وقت قريب علنا على تدخلات إريتريا في الشؤون الداخلية لإثيوبيا وانتهاكه لسيادتها.
منفذ على البحر الأحمرغير أن الحكومة الإثيوبية أقدمت في الآونة الأخيرة على تحريض شعبها لاستعادة ما يسميه آبي أحمد "حق إثيوبيا التاريخي والطبيعي" في منفذ على البحر الأحمر.
وبالإضافة إلى الأفلام الوثائقية والبيانات العامة التي تروج لرسالة مفادها أن إثيوبيا محرومة من حقها غير القابل للتصرف في منفذ بحري، فقد أقيم عرض عسكري في أديس أبابا مؤخرا حيث كان الجنود يهتفون "البحر لنا، والسفينة لنا".
ويعتقد جبريلوتيل أن خطاب آبي أحمد "الوحدوي" ليس مجرد رد على "استفزازات أفورقي الأخيرة، بل يعد جزءا من حنين إلى ماضي الإمبراطورية الإثيوبية البعيد"، الذي يراه نموذجا يجب الاقتداء به في الوقت الحاضر.
ومع ذلك، فإن الكاتب يرى أن هناك عدة عوامل قد تمنع إثيوبيا وإريتريا من تصعيد الصراع بينهما إلى حرب واسعة النطاق، من بينها أن الجيش الإثيوبي غارق في وحل إقليم أوروميا، ولا يزال يتعافى من حربه في تيغراي.
كما أن الجيش الإريتري فقد الكثير من جنوده في الحرب الأخيرة مع إثيوبيا، ومن غير المرجح أنه يرغب في مواجهة جيش إثيوبي يتمتع بموارد جيدة تحت إمرة قادة متمرسين من تيغراي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: آبی أحمد
إقرأ أيضاً:
للإبادة وجوه كثيرة .. التجويع سلاح حرب فعال في إثيوبيا وغزة
في عالم يشهد تكرار الأزمات الإنسانية وسط صمت دولي مطبق، يبرز استخدام "التجويع كسلاح حرب" كواحد من أبشع الأدوات التي تستهدف المدنيين ببطء، دون قنابل أو صواريخ. هذا السلاح القديم المتجدد، الذي أودى بحياة مئات الآلاف في إثيوبيا، يعاود الظهور اليوم في قطاع غزة، ليحاصر سكانه وسط دمار الحرب وغياب الغذاء والدواء.
مجاعة إثيوبيا: جريمة متكررة بصيغة رسميةفي ثمانينيات القرن الماضي، كانت مأساة تيجراي في شمال إثيوبيا عنوانًا لمأساة إنسانية رسمت ملامحها يد الدولة لا قسوة الطبيعة.
فكما تشير الكاتبة "جيل واردن" في مقالها المنشور في صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، فإن الحكومة الإثيوبية آنذاك تعمدت حجب المساعدات الغذائية عن إقليم تيجراي لإخضاعه بالقوة، في واحدة من أبشع الجرائم السياسية التي قدمت على أنها "كارثة طبيعية".
كانت الحكومة الإمبراطورية في عهد هيلا سيلاسي سباقة في هذا النهج القمعي؛ حيث لم تكتف بمنع الغذاء، بل أقنعت حليفتها بريطانيا بشن غارات جوية على تيجراي عام 1943 لقمع التمرد، في مشهد يعكس كيف يمكن للتحالفات الدولية أن تسهم في تجويع الشعوب بدلًا من إنقاذهم.
ومع توقيع اتفاق بريتوريا في 2022 لإنهاء حرب دموية راح ضحيتها أكثر من 600,000 تيجرايي، ظن كثيرون أن السلام قد حل. لكن الواقع يؤكد أن التجويع لا يزال مستمرًا، والنازحون غير قادرين على العودة إلى منازلهم في ظل احتلال أراضٍ تيجراوية من قبل قوات إثيوبية وأخرى إريترية.
غزة: كارثة إنسانية بلا صواريخفي عام 2025، باتت غزة نموذجًا حيا آخر على استخدام التجويع كسلاحٍ سياسي وعسكري. لكن، وكما كتبت "جابي هينسليف": "هذه المرة، لا توجد كارثة طبيعية. ما يحدث هو حصار مقصود، مدروس، وممنهج".
تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الغذاء والوقود إلى القطاع، وتقيد عمل وكالات الإغاثة، بل وتتهم باستخدام نقاط التفتيش والمعابر كأداة عقاب جماعي، وسط سكوت دولي مطبق. حتى المساعدات المحدودة التي تدخل عبر مؤسسات دولية، تواجه أحيانًا بعرقلة أو إعادة توجيه لا تضمن وصولها إلى المستحقين.
ولا تختلف هذه الأساليب كثيرًا عما حدث في تيجراي، حيث تستخدم أدوات الدولة والمنظمات الموالية لها في صناعة المجاعة لا مواجهتها. أطفال غزة يموتون اليوم ليس فقط تحت القصف، بل من الجوع ونقص الماء وتلوث الهواء، في مشهد يعيد للأذهان صور المجاعات التاريخية في إفريقيا والبلقان، ولكن هذه المرة تحت سمع وبصر العالم المتحضر.
سلاح بلا ضجيج.. لكنه أشد فتكًاتكمن خطورة "التجويع كسلاح" في أنه لا يحدث فجأة، ولا يترك وراءه حطامًا ماديًا يسهل توثيقه. بل هو موت بطيء، يومي، يتسلل إلى البيوت عبر بطون فارغة وأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية.
وهو سلاح يستخدم دون إعلان، ولا يدان دوليًا بالقدر الكافي، رغم كونه مجرمًا بموجب القانون الدولي، ووفقًا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الذي يحظر "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".
ورغم هذا، لا تزال سياسات الحصار والمجاعة تستخدم دون مساءلة، سواء في غزة أو في تيجراي، مما يكشف فشل النظام الدولي في حماية المدنيين وتطبيق القانون الإنساني.