منذ إطلاق مركبة الفضاء الروسية "سبوتنيك" ورحلتها حول مدار الأرض عام 1957، تطورت أنظمة الأقمارالاصطناعية وأصبحت تضطلع بدور محوري في مجالات عديدة لخدمة البشر مثل الملاحة بأنواعها والاتصالات والتبادل التجاري، فضلا عن أهميتها في مراقبة البيئة ومنظومات الدفاع الدولية وغيرها، وهو ما جعلها بالنسبة للبعض هدفا رئيسيا لهجمات القرصنة الإلكترونية.

وسلط تقرير لوكالة الأنباء الألمانية الضوء على هجمات القرصنة التي وقعت في السنوات الأخيرة مثل الهجوم الذي استهدف منظومة قمر الاتصالات "كيه إيه" الخاص بشركة فياسات الأميركية عام 2022

وأكد التقرير ضعف مثل هذه المنظومات أمام الهجمات الإلكترونية، حيث تسبب الهجوم بتعطل إمكانات تصفح الإنترنت بالنسبة للآلاف في أوروبا، وأظهر الأهمية الإستراتيجية للأقمار الاصطناعية باعتبارها أهدافا مهمة في الحروب التي تجري عبر الأثير.

ولم تعد مثل هذه الهجمات تشكل حوادث فردية، بل صارت اتجاها متزايدا بعد أن أدرك قراصنة الإنترنت حجم الضرر البالغ الذي يمكن أن تسببه.

ويقول الباحث مسؤول التكنولوجيا في شركة "أوربي سكاي سيستمز" للأمن السيبراني والمتخصص في تكامل الذكاء الاصطناعي والروبوتكس وأمن تكنولوجيا المعلومات سلفستر كاسماريك:" إنه من الضروري العمل بشكل فوري لتعزيز سبل تأمين الأقمار الاصطناعية، وهو ما يتطلب القيام بعمل حاسم في الوقت الحالي لتجنب سيناريوهات مثل انقطاع خدمات ضرورية، وما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة".

وأشار كاسماريك في مقال للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" المتخصص في الأبحاث العلمية، إلى أن هجوم عام 2022 الذي نسبت تقارير مسؤوليته إلى أطراف على صلة بروسيا، نجح في اختراق بروتوكولات الاتصال الخاصة بالقمر الاصطناعي، مما أدى إلى انقطاع خدمات الإنترنت.

وأفضى الهجوم إلى اضطرابات وظائف الاستشعار في مختلف الأنظمة الإلكترونية في أوكرانيا وأجزاء من أوروبا، وكان له تأثير على أكثر من تسعة آلاف مشترك في فرنسا وقرابة 13 ألفا في دول أوروبية أخرى، كما أدى إلى انقطاع الاتصال بين شركة طاقة ألمانية رئيسية وأكثر من 5800 من توربينات توليد الطاقة من الرياح تقوم الشركة بتشغيلها.

وذكر المقال أن عملية اختراق بعض المحطات الطرفية الخاصة بخدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية ستارلينك عام 2022 جذبت الانتباه إلى مدى دقة هذه النوعية من الهجمات، حيث كشفت عمليات القرصنة مدى ضعف منظومة الاتصال بالأقمار أمام الهجمات، وأظهرت الحاجة إلى زيادة خواص التشفير وتعزيز برمجيات التأمين.

عملية اختراق خدمة ستارلينك عام 2022 جذبت الانتباه إلى مدى دقة هذه النوعية من الهجمات (شترستوك)

ورغم أن شركة سبيس إكس التي تمتلك الخدمة نجحت في تدارك نقاط الضعف في المنظومة بشكل عاجل، فقد أثبتت هذه الواقعة أنه من الممكن عن طريق هجمات أخرى أكثر تعقيدا استهداف مثل هذه الخدمات مرة أخرى مستقبلا.

ويؤكد كاسماريك أن ضعف أنظمة الأقمار الاصطناعية أمام هجمات القرصنة لم يعد مسألة نظرية، بل إن هذه الحوادث التي تتابعها منظمات مثل وكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني ومعهد السلام السيبراني تسلط الضوء على خطورة هذه التهديدات.

وكشفت دراسة أجرتها الوكالة الأوروبية على سبيل المثال، أن عدد هجمات القرصنة ارتفع بنسبة 300% خلال السنوات الخمس الماضية، مع التركيز بصفة خاصة على تعطيل أنظمة الاتصال ذات الأهمية البالغة في الأقمار الاصطناعية، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ويشير خبراء الأمن السيبراني من وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة علوم الطيران والفضاء الأميركية "ناسا"، إلى أهمية تطوير أنظمة تشفير قوية لحماية بروتوكولات الاتصال في الأقمار الاصطناعية، وأن هذه الإجراءات ضرورية لحماية بيانات مهمة والحيلولة دون اختراق أنظمة الأقمار بشكل غير قانوني.

وأظهرت حوادث سابقة مثل السيطرة على مسيّرات عسكرية أميركية بواسطة عملية قرصنة إلكترونية عام 2009، أنه حتى أكثر الأنظمة تأمينا ليست بمعزل عن هذه التهديدات، وأنه من الضروري العمل باستمرار لتحديث أنظمة الحماية للتخفيف من أضرار الهجمات السيبرانية.

وكثيرا ما يشير المنتقدون إلى ارتفاع الكلفة والصعوبات الفنية التي تتعلق بتقنيات تأمين الأقمار الاصطناعية، ولكن كاسماريك يرى أنه مهما بلغت كلفة تأمين الأقمار الاصطناعية، فإنها لا تقارن بالخسائر التي قد تحدث إذا تعرض لهجوم سيبراني رئيسي.

وأكد كاسماريك أن المسألة لا ترتبط بالخسائر المالية فحسب، بل تتعلق بالحفاظ على استمرارية الخدمات الحيوية التي تؤثر على حياة ملايين البشر. ويقول إن تقنيات الأمن السبيراني في الوقت الحالي أصبحت توفر حلولا أرخص وسهلة الدمج في منظومات الأقمار الاصطناعية.

وذكر في هذا الصدد أن المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا التابع لوزارة التجارة الأميركية كشف النقاب مؤخرا عن سلسلة من المعادلات الخوارزمية الخاصة بالتشفير والتي تعتبر وسيلة فعالة من ناحية التكلفة لتأمين اتصالات الأقمار الاصطناعية في مواجهة الهجمات السيبرانية الكمية في المستقبل.

كما تعاونت شركة البرمجيات "كيو سكيور" مع شركة "أكسنتشر" للاستشارات التكنولوجية لابتكار برامج تشفير لحماية آليات نقل البيانات وتأمين البث الفضائي للأقمار الاصطناعية بشكل أفضل، بحسب كاسماريك.

وخلص كاسماريك في مقاله إلى أهمية أن تتضافر جهود صناع السياسات وقادة شركات التكنولوجيا وعامة البشر في إعطاء الأولوية وتعزيز الاستثمارات الموجهة للأمن السيبراني الخاص بالأقمار الاصطناعية من أجل حماية اقتصاد الفضاء الذي تبلغ قيمته 386 مليار دولار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأقمار الاصطناعیة هجمات القرصنة عام 2022

إقرأ أيضاً:

الشاباك يعلن إحباط عشرات الهجمات الإيرانية ضد شخصيات إسرائيلية

أعلن جهاز "الشاباك" وهيئة السايبر الإسرائيلية، أنّهما أحبطا العشرات من الهجمات الإلكترونية الإيرانية ضد عدد من الشخصيات الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة.

وذكر "الشاباك" وهيئة السايبر في بيان، أنه "في الأشهر الأخيرة تم تسجيل ارتفاع مقلق في محاولات التصيّد الاحتيالي من قبل جهات إيرانية، تستهدف مباشرة إسرائيليين، وعلى رأسهم شخصيات رفيعة عامة في المنظومة الأمنية والسياسية والأكاديمية والإعلامية"

وأشار البيان إلى أنه "منذ بداية العام تم إحباط ما لا يقل عن 85 محاولة هجوم، ركزت على محاولة التسلل إلى أنظمة الحواسيب والأجهزة المحمولة لعدد من الإسرائيليين"، وفق ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وذكر أنه "ضمن موجة الهجمات، حاول المهاجمون الإيرانيون الوصول إلى بريد إلكتروني، وحواسيب وهواتف ذكية للمستهدفين، بهدف جمع معلومات شخصية عنهم: عناوين سكن، علاقات شخصية، وأماكن يتواجدون بها بشكل متكرر، وهي معلومات قد تستخدمها الجهات المعادية، من بين أمور أخرى، في التخطيط لاعتداءات أو لتجنيد خلايا محلية لتنفيذ نشاط عدائي داخل إسرائيل".



وتابع: "في إطار نشاط الشاباك، تم تنفيذ عشرات من عمليات إحباط لهجمات سيبرانية على أجهزة/حواسيب تعود لأشخاص إسرائيليين منذ بداية العام".

وأشار إلى أن "الاتصالات التي تتم من الجهات الإيرانية تُنفذ عادة عبر واتساب، أو تيليغرام أو بريد إلكتروني، مع بناء قصة تغطية مخصصة لكل مستهدف، بحسب مجال اهتمامه أو عمله، بحيث لا تبدو الرسالة غريبة أو مثيرة للشك".

وأكد أن "طرق الهجوم متنوعة، لكنها غالبا تشمل إرسال رابط مزيف لاجتماع عبر (غوغل ميت)، يُطلب من المستهدف إدخال اسم المستخدم وكلمة المرور، والتي تُسرق من قبل المهاجمين. وباستخدام هذه المعلومات يتمكن المخترق من الوصول إلى حساب Google الخاص بالمستهدف، ما يمنحه أيضًا إمكانية الوصول إلى محتويات بريد  Gmail، كلمات مرور لخدمات أخرى، مواقع تواجد المستهدف، صور مخزنة على السحابة، ومعلومات شخصية إضافية".

ولفت إلى أن "طرق هجوم إضافية يستخدمها المهاجم الإيراني تشمل تطبيقات مختلفة تتنكر على شكل تطبيقات شرعية، بالإضافة إلى هجمات تتم من خلال تنزيل ملفات إلى الحاسوب لغرض القراءة أو الموافقة، يتم من خلالها تثبيت برامج تجسس".

مقالات مشابهة

  • "فوربس": شركة أمريكية تطور مركبة فضائية للكشف الأسلحة النووية في الأقمار الصناعية
  • الأمم المتحدة: الهجمات الأخيرة على موانئ الحديدة أثرت على الاستجابة الإنسانية في اليمن
  • وزير الري يؤكد أهمية الاعتماد على صور الأقمار الصناعية والأدوات التكنولوجية في إدارة المياه
  • الشاباك يعلن إحباط عشرات الهجمات الإيرانية ضد شخصيات إسرائيلية
  • خبير إستراتيجي: لأول مرة تقف مصر بدون حليف أمام المخاطر التي تواجهها
  • أفغانستان.. طالبان تحرّم كرة قدم الطاولة والألعاب الإلكترونية
  • « الفضاء المصرية» تستضيف طلاب أسيوط في رحلة لاكتشاف أسرار الأقمار الصناعية والتكنولوجيا الفضائية
  • بريطانيا تعلن إنشاء قيادة سيبرانية لـإحباط الحرب الإلكترونية
  • الأمم المتحدة: الهجمات على مطاري صنعاء وبن غوريون غير مقبولة
  • مقتــ.ل 42 شخصًا في نيجيريا بسبب العنف بين الرعاة والفلاحين