مستوطنات إسرائيلية تنتعش وقرى فلسطينية تجف.. أزمة المياه تعكسا صراعا أعمق
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
عبر القرى المغبرّة في الضفة الغربية المحتلة، حيث لا تصل خطوط المياه الإسرائيلية، تموت أشجار النخيل وتقبع البيوت البلاستيكية خالية ومهجورة. يعيش الفلسطينيون بمياه بالكاد تكفيهم لاستحمامهم وأطفالهم وغسل ثيابهم، عدا عن توفير المياه لمواشيهم وزراعة الأشجار المثمرة.
وعلى النقيض من ذلك، تشير وكالة أسوشيتد برس، إلى أن المستوطنات الإسرائيلية تبدو كواحات، حيث تنتعش الأزهار البرية وتسبح الأسماك في المزارع بصفوف منتظمة ويمرح الأطفال في مسابح تابعة للمساكن.
يعكس الصراع على المياه في هذه الرقعة الصغيرة سباقا أوسع بالسيطرة على الضفة الغربي، بالأخص وادي الأردن، حيث يعتبره الفلسطينيون سلة خبزهم لدولتهم التي يأملون في تأسيسها يوما ما، بينما يراه الإسرائيليون أساسيا لحماية حدودهم الشرقية.
يقول حمزة ضراغمة، 63 عاما، لأسوشيتد برس: "الناس عطاشى، والمحاصيل عطشى"، ويضيف مزارع التمور في منطقة الجفتلك المحاذية للوادي حيث تقبع أشجار النخيل الجافة "يحاولون عصرنا خطوة بخطوة".
وفي أنحاء الضفة الغربية الأخرى، أشغلت مشاكل المياه القرى الفلسطينية والمدن منذ معاهدة السلام في التسعينيات والتي منحت إسرائيل السيطرة على مياه الضفة الغربية بنسبة 80 في المئة، وانعكست بنواح أخرى في حياة الفلسطينيين.
الاتفاقيات خلقت أيضا حكومة فلسطينية محدودة السلطة والتي زودت المياه لمدنها من خلال اللجوء بكثافة إلى احتياطاتها الجوفية التي تشاركها مع إسرائيل وتشتريها من شركة تابعة للحكومة الإسرائيلية.
وهذا الاتفاق خلف الفلسطينيين الذين يعيشون فيما تبقى من 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة الحكومة الإسرائيلية مهملين، ومنفصلين عن كل احتياطات المياه الفلسطينية والإسرائيلية. وهذا يشمل معظم مناطق وادي الأردن.
وكان من المفترض أن تستمر المعاهدات لخمس سنوات فحسب، إلا أنها لا تزال تطبق حتى يومنا هذا، بحسب أسوشيتد برس.
ويشير إيال هاروفيني، مؤلف دراسة أخيرة حول أزمة المياه أصدرته منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان الإسرائيلية، في حديثه للوكالة إلى أن "كمية المياه التي تزودها إسرائيل لم تتكيف مع حاجات الفلسطينيين، ولم تتغير في كثير من الحالات منذ السبعينيات".
وأضاف "البنية التحتية مصممة لتستفيد المستوطنات".
ويتصل 500 ألف مستوطن يهودي يعيشون في الضفة الغربية بمخزون المياه الإسرائيلي عبر شبكة معقدة توفر المياه دون انقطاع، بينما لا يحظى الفلسطينيون بهذه الخدمة، وبالتالي، في خضم حرارة الصيف تصلهم مياه البلدية فقط بشكل متقطع.
ومع ازدياد نسبة الجفاف في المنطقة وارتفاع درجات الحرارة وفرض حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية الحكم العسكري على المنطقة، يقول فلسطينيون إن مشاكل المياه أضحت أسوأ.
ويقول رئيس سلطة المياه الفلسطينية، الوزير مازن غنيم: "هذا أصعب صيف نعيشه منذ تسعة أعوام".
واتهم غنيم شركة المياه الوطنية الإسرائيلية بتقليل كميات المياه المزودة للمدن الفلسطينية، بينها بيت لحم والخليل بنسبة 25 في المئة خلال الأسابيع التسعة الماضية. وذكر فلسطينيون في الخليل إن المياه انقطعت من صنابيرهم هذا الصيف لمدة شهر.
يقول أسامة أبو شرخ، 60 عاما، والذي يعمل سجادا في مدينة الخليل القديمة أنه خطط لكل يوم بهذا الصيف وفقا لمقدار تدفق المياه، فعندما تجري عبر الصنابير، حتى ولو لفترة محدودة، تنطلق العائلة في موجة من الطبخ والتنظيف وملء تنكات المياه، والتي تحتفظ بمياه بهظة يتم شراؤها من شاحنات خلال فترات انقطاع المياه الطويلة.
وزعم غنيم أن انقطاعات المياه الأخيرة تعود لـ "مشكلة سياسية" بسبب حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية، والتي اتخذت خطوات شديدة ضد الفلسطينيين، ويقول: "لو كانوا مستوطنين، لكانت المشكلة قد حُلّت فورا".
من جهتها، عزت سلطة المياه الإسرائيلية انقطاع المياه الأخير لمشاكل تقنية، وأوصت أسوشيتد برس بطرح أي أسئلة على "COGAT" وهي الوكالة الإسرائيلية التي تعنى بالشؤون المدنية للفلسطينيين.
لكن، وبصورة عامة، يتناقص المخزون مع ارتفاع الطلب في المجتمعات الفلسطينية والإسرائيلية بشكل أكبر من المتوفر طبيعيا. وفي معظم مناطق الضفة الغربية، حيث تفرض إسرائيل سيطرة أمنية ومدنية بالكامل، لا يسمح للفلسطينيين بحفر الآبار أو تعميقها دون الحصول على تصاريح يصعب توفرها.
ومنذ عام 2021، دمرت السلطات الإسرائيلية قرابة 160 بئرا ومخزونا وشبكات مجار فلسطينية غير قانونية عبر أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، بحسب ما ذكره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA" التابع للأمم المتحدة.
ونوهت أسوشيتد برس إلى أن وتيرة التدمير تتسارع، ففي النصف الأول من عام 2023، ردمت السلطات الإسرائيلية حلول الفلسطينيين لتوفير المياه بشكل قريب لما فعلته العام الماضي.
ودافعت "COGAT" عن عمليات الردم قائلة إن "تخصيص المياه للزراعة يتم وفقا للقانون".
وفي التجمعات الرعوية في شمالي وادي الأردن، يبلغ استهلاك الفلسطينيين من المياه 26 لترا (7 جالونات) في اليوم فقط. وهذا أقل بكثير من الحد الأدنى لمعيار منظمة الصحة العالمية وهو 50-100 لتر ، مما يجعلها مصنفة كمنطقة كوارث وفقا لمنظمة "بتسيلم".
في المقابل ، قالت المنظمة الحقوقية إن المستوطنين الإسرائيليين في غور الأردن يستهلكون ما بين 400 و 700 لتر للفرد في اليوم في المتوسط. ومع ذلك، على عكس الأردن المجاور ودول الشرق الأوسط الأخرى التي تعاني من الجفاف، تمتلك إسرائيل الكثير من المياه.
فبفضل شبكة تحلية المياه الرائدة عالميا ومياه الصرف الصحي المعاد تدويرها، لم تعد إسرائيل تعتمد على الاحتياطيات الجوفية بنفس الصورة التي كانت تلجأ إليها بعد الاستيلاء على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، في حرب عام 1967.
ويرى جان سيلبي، الخبير السياسي في قضايا المياه في جامعة شيفيلد، في حديثه لأسوشيتد برس أن "الدافع الرئيسي للأفعال الإسرائيلية لم يعد متعلقا بالمياه بعد الآن، بل بالسياسة".
ولا يقتصر استخدام شبكة المياه الإسرائيلية على تزويد المستوطنات بالطاقة، التي يعتبرها معظم المجتمع الدولي غير قانونية، بل أيضا لري كروم العنب وبساتين الزيتون في البؤر الاستيطانية اليهودية، والتي يتم بناؤها دون تصريح رسمي.
ومن خلال تمكين البؤر الاستيطانية اليهودية من زراعة الأراضي المتنازع عليها وتصدير النبيذ الفاخر والتمور الناعمة، توسع إسرائيل سلطتها على الضفة الغربية، بحسب ما ذكره الباحث المناهض للاستيطان، درور إتكس، للوكالة.
وأضاف "الزراعة وسيلة أكثر فاعلية للاستيلاء على الأرض من البناء".
وبالنسبة لإبراهيم صوافطة، العضو في مجلس قرية بردلة المحلي، الواقعة شمالي وادي الأردن، أصبح تخصيص المياه الإسرائيلي لعبة محصلتها صفر: ندرة المياه الفلسطينية نتيجة ازدهار المستوطنات الإسرائيلية.
وعلى مر السنين، شاهد صوافطة قريته تتقلص حيث جفت مصادر المياه القليلة المتاحة، تاركة التمر بلا طعم وأجبرت المزارعين على التخلي عن بساتين الحمضيات والموز.
وقال إن أكثر من 12 عائلة زراعية غادرت بردلة مؤخرا إلى بلدة شمالية بها المزيد من المياه، واستبدل آخرون حقولهم بوظائف ذات رواتب أفضل في المزارع المزدهرة في المستوطنات الإسرائيلية.
وذكر الصوافطة في حديثه عن السلطات الإسرائيلية "لا يريدوننا أن نكون مزارعين… إنهم لا يريدوننا أن نكون مكتفين ذاتيا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الضفة الغربیة أسوشیتد برس وادی الأردن
إقرأ أيضاً:
مخيمات الضفة الغربية..ضحية جرافات الجيش الإسرائيلي
طولكرم"أ.ف.ب": تبدلت ملامح مدينة طولكرم في شمال الضفة الغربية المحتلة بعدما هدمت جرافات الجيش الإسرائيلي المنازل في مخيمي اللاجئين هناك، ضمن ما تقول الدولة العبرية إنها حملة للبحث عن مسلحين فلسطينيين.
وسمح الجيش الإسرائيلي لآلاف السكان الذين شّردوا من منازلهم باسترجاع ما يمكنهم من ممتلكات لساعات قبل أن يبدأ بهدم المباني وفتح طرق واسعة بين الأنقاض التي تراكمت.
ويخشى السكان أن يؤدي هذا الهدم إلى محو المباني لا بل محو وضعهم كلاجئين أيضا وهو الوضع الذي فرض عليهم في أعقاب النكبة التي حدثت في العام 1948 إبان قيام دولة إسرائيل، عندما تم تهجير نحو 700 ألف فلسطيني.
ويتمسك الفلسطينيون بـ "حق العودة" إلى أراضيهم ومنازلهم التي هجروا منها وهو أحد أبرز القضايا الشائكة في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيهدم 104 مبان إضافية في مخيم طولكرم هذا الأسبوع في مرحلة جديدة للعملية العسكرية التي أعلنها في يناير الماضي.
ووصف الجيش العملية بأنها حملة قمع مكثفة تستهدف المخيمات التي تعتبر معاقل للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تقاتل ضد إسرائيل.
الأربعاء، عاد عبد الرحمن عجاج (62 عاما) إلى المخيم لأخذ بعض مقتنيات منزله.
ويقول "جئنا إلى المخيم، وجدنا الدار مهدومة، كومة حجارة".
وبحسب عجاج فإن الهدم تم "بدون تنسيق، بدون أي إبلاغ".
ولد عجاج في مخيم طولكرم بعد أن فر والده من القرية التي عرفت قبل النكبة باسم "أم خالد" والتي أصبحت اليوم مدينة نتانيا الإسرائيلية على بعد 12 كيلومترا إلى الغرب.
ويقول إنه لم يتوقع أن يكون حجم العملية بهذا القدر.
تهجير 40 ألف شخص
بدأت إسرائيل عمليتها في شمال الضفة الغربية من مدينة جنين، التي لطالما اعتبرت معقلا للمسلحين الفلسطينيين، لكنها سرعان ما امتدت إلى عدة مدن أخرى من بينها طولكرم، الأمر الذي أدى إلى تهجير ما لا يقل عن 40 ألف شخص وفق أرقام الأمم المتحدة.
ويوضح عجاج لوكالة فرانس برس "كانوا (الجيش الإسرائيلي) يجتاحون المخيم، ننام في الخارج، ونعود بعد يومين أو ثلاثة".
اما اليوم وبعد أن فقد منزله، فيعيش تجربة مماثلة لتلك التي عايشها والداه عندما ظنا أن خروجهما من قريتهما في العام 1948 كان موقتا.
ويضيف "آخر مرة، خرجنا بدون عودة".
خسر عجاج منزله المؤلف من طابقين والذي كان يقطنه 14 فردا، كما خسر محلا تجاريا كان يمثل مصدر رزق له بعد أن خسر عمله داخل إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023.
وشقت الجرافات الإسرائيلية طريقها في طولكرم عبر الأزقة الضيقة في المخيمين، طولكرم ونور شمس.
وفي مخيم طولكرم، تم شق ثلاثة شوارع عريضة لتسهيل وصول الجيش إليه، وتراكمت أكوام الحجارة والخرسانة على جوانبها.
القضاء على قضية اللاجئين
يشير عجاج إلى أن عمليات الهدم منذ أن شنت إسرائيل عملية "السور الحديدي" كانت تدريجية وعلى دفعات.
وبعيدا من الأهمية العسكرية للطرقات الواسعة التي شقتها الجرافات، يرى كثير من السكان أن إسرائيل تسعى إلى تدمير فكرة المخيمات نفسها وتحويلها إلى أحياء عادية وجزء من المدن الموجودة فيها.
ويخشى السكان أن يؤدي ذلك إلى تهديد وضعهم كلاجئين وتقويض "حق العودة" إلى أراضيهم التي كانوا فيها قبل النكبة.
وتعارض الحكومة الإسرائيلية الحالية ووزراؤها من اليمين المتطرف والذين يطالبون بضم الضفة الغربية كاملة، هذا الحق ويعتبرونه تهديدا ديموغرافيا لبقاء إسرائيل كدولة يهودية.
يقول الباحث سليمان زهيري من مخيم نور شمس القريب إن "المقصود هو تغيير أو شطب رمزية المخيم الوطنية وشطب قضية اللاجئين وحق العودة".
ويستذكر الزهيري هدم الجرافات الإسرائيلية الأسبوع الماضي لمنزل شقيقه.
ويقول بينما كان يقف على تلة مقابلة للمخيم "كان مشهدا مأسويا، لا يمكن وصفه، البيت ليس جدرانا وأسقفا فقط، هناك ذكريات، أحلام، مقتنيات".
وبحسب الزهيري فإن المبنى الذي هدم كان يتألف من ثلاث طبقات تعيش فيها ست عائلات.
ولطالما اضطر سكان المخيمات الفلسطينية إلى التوسع عموديا بسبب ضيق المساحة.
تفجير مبنى اضافي
في مخيم طولكرم أيضا، يقول عمر عوفي (66 عاما) إنه تمكن الأربعاء من نقل بعض مقتنيات منزله على ثلاث مراحل.
ويضيف "جئت لآخذ أغراضي المهمة من ملابس، صحون، طناجر، وزيت زيتون".
ويخشى عوفي الذي انتقل للعيش عند أحد أقاربه، أن يتم هدم منزله، بعد هدم منزل جيرانه الذي يلاصق منزله.
ويقول "تعز علينا دارنا. ليس لدينا سكن، أصبحنا معدمين".
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية جمدت الخميس أوامر الجيش بالهدم الجماعي لعدد من المباني في مخيم طولكرم، ومنحت الدولة شهرين للرد على التماس قّدم ضد القرار، وفق ما أفاد المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة).
الأربعاء، وبينما كان الأهالي يحاولون النجاة ببعض مقتنياتهم من فرشات وخزائن وأجهزة تكييف من داخل المخيم، على مرأى من جنود الجيش الإسرائيلي، سمعت أصوات عدة أعيرة نارية، قبل أن يدوي انفجار قوي في أرجاء المدينة.
وأعقب ذلك عمود من الغبار ارتفع في السماء في ما بدا أنه تفجير لمبنى اضافي.
ويقول عجاج "المخيم يختصر كل طفولتي وطفولة والدي".