موقف المقاومة وإسرائيل من الأسرى
تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
المُقاومة الفلسطينية تُدافع عن أرضها وحقها في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يخطط لاقتلاع أهل فلسطين العرب من أرضهم والانفراد بفلسطين، بل وإلغاء كلمة فلسطين والعروبة وإحلال اسرائيل محل فلسطين كلها، وإحلال الهوية الصهيونية محل العروبة.
وواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَعَد إسرائيل بأمرين؛ الأول: إقامة إسرائيل الكبرى على حساب دول عربية مجاورة لإسرائيل انتهاكاً للقانون الدولي.
واللافت للنظر أن قيادات المقاومة كانوا أسرى محررين ما يعني لدى إسرائيل أن الشعب الفلسطيني مصر على تحرير فلسطين في المرحلة الأولى من الاحتلال وربما في المرحلة الثانية تحرر فلسطين كلها من إسرائيل نفسها. وهذه نقطة مؤثرة جدًا في مستقبل إسرائيل خاصة بعد أن حاربت المقاومة عدوا يعتمد الجندي الإسرائيلي على قوته ويدرك أنه لص، بينما تستند المقاومة إلى ركن شديد وهو الله ووعده.
فالجندي الإسرائيلي يعرف أنه جزء من المشروع الصهيوني وتم غسل دماغه بالأكاذيب بأنه يهودي وان يهوديته والتوراة المحرفة أباحت لهم القتل والإبادة علماً بأن الصهاينة لا علاقة لهم بالشريعة اليهودية. وقد أظهرت حملتهم الإبادية في غزة وسكوت العالم عليهم وكأن إبادة غزة قرباناً لإنقاذ العالم.
وظهر أن حقوق الإنسان والمجتمع الدولي وَهمٌ كبيرٌ، وأن واشنطن وبعض الدول الأوروبية شريك كامل لإسرائيل في خطة الإبادة بالجنود والأسلحة والتمويل والتغطية السياسية على المستوى الدولي على جرائم إسرائيل.
ولما كانت إسرائيل تجسيد للمشروع الصهيوني والمشروع الصهيوني راهن على سذاجة من استجابوا له، وسعى إلى إقامة دولة خاصة بهم تجنبهم الاضطهاد وسند الغرب لهم، تقوم هذه الدولة على الدعاية الصهيونية والهجرة الطوعية على أساس أن واشنطن تضمن لها الأمن، دولة آمنة بجيشها ذي القوة الخارقة وتحالفاتها وضعف العرب بسبب تمكين واشنطن لها، دفاعًا عن المهاجرين المخدوعين في أرضهم المقدسة، وحسب الرواية الصهيونية كل فلسطين ملك لهم والمطلوب إفراغ فلسطين من أهلها حتى يحل محلهم الصهاينة. ولم يتوانوا عن تزوير التاريخ بعد تزوير التوراة وتمسحوا باليهودية وقالوا على الله بغير الحق، والله ورسله وكتبه بريؤون منهم. وظهر أنه يستحيل التعايش تحت أسطورة حل الدولتين وتبين أن المشروع الصهيوني يخفي نواياه الحقيقية وتظاهر بأن الصهاينة يريدون أن يفلتوا من الاضطهاد ولذلك سعت بريطانيا إلى خداع العالم كله بأن قدمت مشروع قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وظل العالم تحت هذا الوهم حتي كشفت إسرائيل عن خططها الحقيقية، فسارعت بإصدار قانون الدولة اليهودية عام 2017 وقانون حظر إقامة دولة فلسطينية 2023.
وأكدت محكمة العدل الدولية أن وضع إسرائيل في فلسطين هي أنها دولة محتلة لأراضي الغير. ولذلك استفز مشهد التسليم الصهاينة وهذا أحد عوامل تفكيك إسرائيل.
ففريق المقاومة اختار شبابًا صحيح التكوين العضلي بلباس عسكري مرتب، كما إن معاملة المقاوم الفلسطيني للأسير الصهيوني تتسم بأقصى الإنسانية رغم ظروفهم الصعبة، حتى أن بعض الأسرى قبل رأس المقاوم تعبيرًا عن الأسف لمعاملة الصهاينة للفلسطينيين، وكانت أيضا تعبيرا عن الامتنان لحسن المعاملة بما يعكس قيم الإسلام في مواجهة بربرية إسرائيل.
وكانت مظاهر الصداقة بادية بين المقاوم والأسير بخلاف العلاقة العدائية بين الأسير الفلسطيني والسجان الصهيوني. واستفز وكان مشهد تسليم المقاومة للأسرى الصهاينة قد استفز المسؤولين الصهاينة الذين اعترفوا أن المقاومة انتصرت وهي تتصرف تصرف المنتصر وتعكس قيم الإسلام مقابل البربرية والوحشية التي ظهرت في سلوك إسرائيل.
سلوك المقاومة تجاه الأسرى يعكس حضارة الإسلام لدرجة أعتقد أن كثيرًا من الناس سوف يقتدون بسلوك المقاومة الحضاري ويدخلون الإسلام؛ فالمقاوم خير دعاية للإسلام.
هذه المظاهر وغيرها دفعت إلى التفكير في جدوى تبني الغرب للوحش الصهيوني. وكذلك اتخذت إسرائيل موقفا غريبا ضد المقاومة إذ اشترطت عليها عدم اقامة هذه الطقوس وعدم احتفال أهالي الاسري بهم. ولما رفضت المقاومة تلاعبت إسرائيل بالأسرى لديها.
إن سلوك المقاومة تجاه الأسرى سلوك طبيعي وليس مصطنعا، وهي دعاية قوية للعالم لكي يحكم من يستحق فلسطين، وهذا مسمار في نعش إسرائيل وهذا يضاف إلى أن العالم كله سمع الرواية الفلسطينية بعد أن ظلت الرواية الصهيونية تحتكر الساحة الدولية. ولذلك طوفان الأقصى يريد تحرير فلسطين من الاحتلال.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف تؤثر الضغوط الاقتصادية على موقف ترامب من التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التوتر المتصاعد، في أزمة مفتوحة على احتمالات متعددة، قد تُلقي بتداعياتها على العالم أجمع، بغضّ النظر عن مآلاتها أو مدى اتّساعها. وبينما يتصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل، يتصدر الاقتصاد كعادته المشهد، بوصفه المحرّك الأول لقرارات الدول ومواقفها.
ومن العراق إلى أفغانستان، لم تكن مغامرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ذات نتائج ناجحة، بل كانت باهظة الكلفة اقتصاديًا، ومُنهكة سياسيًا. أما اليوم، فتبدو الصورة أكثر تعقيدًا: خصوم واشنطن باتوا أكثر قدرة وتنظيمًا، في وقت تزداد مؤشرات الوهن الداخلي الأميركي.
وإذا قررت الولايات المتحدة الانخراط المباشر في هذا الصراع، فلن تقتصر التداعيات على الجانب الجيوسياسي، بل ستتفاقم الكلفة الاقتصادية في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد الأميركي من تصدّع في ركائزه، وتراجع في الثقة الدولية، لاسيما بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وهذا المقال يرصد كيف تتحول الحرب الخارجية إلى كُلفة اقتصادية داخلية، وكيف يمكن لارتفاع أسعار البنزين، وتضخم القروض، وتآكل الثقة بالدولار، أن يدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة حساباتها. ففي نهاية المطاف، قد لا يكون صندوق الاقتراع أقل حساسية من برميل النفط، ولا الداخل الأميركي أقل تأثيرًا من الخارج.
1- أسعار النفط والبنزين.. فتيل الغضب الشعبيوتنتج منطقة الشرق الأوسط ما يقارب 26% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 27 مليون برميل يوميًا، وتشكل مصدرًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال.
ويُعد مضيق هرمز شريانًا إستراتيجيًا، تمرّ عبره ما بين 20 و21 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل أكثر من 30% من تجارة النفط البحرية العالمية. وأي تعطيل في هذا الممر أو استهداف للبنية التحتية النفطية، يؤدي فورًا إلى تقلبات عنيفة في الأسواق.
ورغم انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج بشكل مباشر، فإن التأثير غير المباشر لا يزال كبيرًا. فوفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تستورد واشنطن نحو 500 ألف برميل يوميًا من الشرق الأوسط من إجمالي وارداتها البالغة 5.8 ملايين برميل، معظمها من كندا والمكسيك. وبما أن تسعير النفط يتم عالميًا، فإن أي ارتفاع في الأسعار العالمية ينعكس تلقائيًا على أسعار البنزين داخل السوق الأميركية.
إعلانوفي ولايات مثل كاليفورنيا، ارتفع سعر الغالون إلى 4.8 دولارات، بفعل الضرائب البيئية المرتفعة وتقلبات السوق. وإذا تجاوز سعر برميل النفط عتبة 100 دولار، فقد يصل سعر الغالون إلى 6 دولارات، مما يفاقم الأعباء المالية على الأسر الأميركية ويزيد من الاستياء الشعبي.
وفي هذه الأجواء، يُصبح الغضب الشعبي أمرًا حتميًا، خاصة إذا وُجّهت أصابع الاتهام إلى إدارة ترامب بوصفها مسؤولة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن إشعال هذا الصراع.
ومع تآكل القدرة الشرائية، وارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع، يتحوّل الضغط الاقتصادي إلى نقمة سياسية، وقد تجد الإدارة نفسها مضطرة إلى التحرك، ليس انطلاقًا من الحرص على السلام، بل خوفًا من "فاتورة الغضب" المتصاعدة وسط تراكُم أعباء الحرب التجارية والسياسات المالية المتوترة.
2- اختناق سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار السلعوفي حال استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل، قد يتوسع نطاق التوتر ليطال شرايين التجارة العالمية: البحر الأحمر ومضيق باب المندب، اللذان يمرّ عبرهما ما بين 12% إلى 15% من التجارة البحرية العالمية، فهما يشكلان معبرين إستراتيجيين لنحو 30% من حركة الحاويات المرتبطة بقناة السويس. وتُقدّر القيمة السنوية لهذه المسارات التجارية بأكثر من تريليون دولار.
وخلال هجمات الحوثيين أواخر عام 2023 وبداية 2024، اضطرت شركات الشحن العالمية إلى الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح، متجنبة البحر الأحمر لأشهر.
أما في حال توسع النزاع الحالي، فقد تمتد دائرة الاشتباك إلى خليج عدن والمحيط الهندي، جنوب اليمن وشرق أفريقيا، مما قد يُعرقل الوصول إلى مواد خام أساسية، ويعزل أكثر من نصف القارة الأفريقية بحريًا.
وفي هذه الحالة، سيزداد تعقيد الحصول على السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع كلفتها عالميًا، وهو ما ينعكس على الداخل الأميركي في شكل تضخم مستورد، يرهق الفئات المتوسطة والفقيرة في بيئة اقتصادية أصلًا هشّة بسبب الحروب التجارية المتكررة والتضخم المستمر.
3- صراع الشرق الأوسط يمتد إلى قلب الاقتصاد الأميركياندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل سيكون له أثر مباشر على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني أساسًا من ضغوط متراكمة بسبب التضخم المرتفع والديون المتضخمة. وستواجه الأسر الأميركية صعوبة متزايدة في تأمين احتياجاتها الأساسية مع ارتفاع الأسعار وتراجع الإمدادات.
ومع اشتداد الصراع بين إيران وإسرائيل، قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى ضخ أموال إضافية لدعم تحالفات عسكرية أو عمليات مباشرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط مالية خانقة.
وتجاوز الدين العام الأميركي حاجز 36 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 124% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ عجز الميزانية السنوي حتى أبريل/نيسان 2025 نحو 1.05 تريليون دولار، بزيادة تقارب 23% عن العام السابق.
وإذا استمر التصعيد، فقد نشهد: رفع ميزانية الدفاع من 850 مليار دولار إلى تريليون دولار سنويًا. ارتفاع كلفة الفوائد على الدين العام إلى ما يزيد على تريليون دولار، وهو رقم يقارب مخصصات وزارة الدفاع. تمويل دعم خارجي قد يتطلب إصدار سندات جديدة بمليارات الدولارات، مما يزيد عبء الدين العام.أما المواطن الأميركي، فقد يلمس هذه التداعيات في شكل:
زيادة الضرائب أو خفض الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية. خطر خفض التصنيف الائتماني، مما يرفع كلفة الاقتراض على الأفراد والدولة.وبالنظر إلى الارتفاع الحاد بعوائد السندات وتكاليف الفائدة، فإن الاقتصاد الأميركي لم يعد يحتمل مزيدًا من الإصدارات. ويزداد هذا المأزق تعقيدًا مع سعي إدارة ترامب لخفض الضرائب، مما قد يقلص الإيرادات العامة بنحو 700 مليار دولار سنويًا.
وفي حال انخرطت واشنطن بعمق في الحرب، فستكون أمام معادلة صعبة: كيف تموّل التصعيد العسكري دون خنق الاقتصاد أو استفزاز الداخل الأميركي؟
5- الركود التضخّمي الخطر المركّب الذي يهدد الاقتصاد الأميركيفي ظل تراكم العجز وتضخم الدين وتباطؤ النمو، يواجه الاقتصاد الأميركي ضغوطًا متزايدة منذ أشهر، وسط فشل نسبي في احتواء التضخم رغم سياسة الفائدة المرتفعة التي اعتمدها مجلس الاحتياطي الفدرالي.
ومع تزايد احتمال تصاعد النزاع بين إيران وإسرائيل، وما يرافقه من اختناق في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة والسلع، يُرجّح أن يدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود التضخمي، وهي من أسوأ السيناريوهات الاقتصادية الممكنة.
ففي الربع الأول من عام 2025، سجّل الاقتصاد انكماشًا حقيقيًا تراوح بين -0.2% و-0.3%، مما يعني أن وتيرة النمو لم تكن كافية لتعويض أثر التضخم. وقد بلغ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل "للفدرالي" نحو +3.6%، متجاوزًا المستهدف الرسمي.
وهذا المزيج من تراجع الناتج وارتفاع الأسعار يجسّد الركود التضخمي، وهو وضع يصعّب من خيارات صانعي السياسات، إذ تصبح أدوات السياسة النقدية والمالية مقيدة في آنٍ واحد.
كيف يتأثر المواطن الأميركي؟
ترتفع الأسعار بينما تبقى الأجور والدخول شبه ثابتة، مما يُضعف القدرة الشرائية للأسر. الفوائد المرتفعة تُثقل كاهل الأميركيين الذين يعتمدون على القروض العقارية وقروض التعليم وبطاقات الائتمان. سوق العمل يتجمّد، ويتراجع التوظيف، مما يرفع القلق حيال الاستقرار الوظيفي. الثقة العامة تتراجع، ويزداد الميل إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، مما يبطئ الدورة الاقتصادية. الغضب الشعبي يتصاعد، وتتجه الأنظار إلى الإدارة السياسية باعتبارها مسؤولة عن تدهور المعيشة.هذا الضغط المركّب يعمّق من التحدي السياسي أمام إدارة ترامب، إذ يجد المواطن نفسه يدفع ثمن حرب لم يخترها، بينما تتآكل مدخراته وترتفع كلفة معيشته يوماً بعد يوم. ويُخشى أن يتحول الركود التضخمي من أزمة اقتصادية إلى أزمة شرعية سياسية.
6- رفع الفائدة ضريبة خفية يدفعها الأميركيونومع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران، تتعرض قطاعات حيوية في الاقتصاد الأميركي لضغوط شديدة، أبرزها قطاع الطاقة والسلع الاستهلاكية. وهذه الضغوط قد تدفع بالأسعار نحو الارتفاع مجددًا، مما يعيد شبح التضخم إلى الواجهة.
وفي هذا السياق، يجد مجلس الاحتياطي الفدرالي نفسه أمام خيار صعب: هل يرفع الفائدة مجددًا لكبح التضخم المستورد، أم يتريث خوفًا من خنق النمو المتباطئ أصلًا؟
ورغم أن وتيرة النمو الاقتصادي تباطأت خلال النصف الأول من 2025، فإن احتمال رفع الفائدة يبقى قائما، لا لسبب داخلي بل بسبب موجة تضخم خارجية تُفرض على الاقتصاد الأميركي من خلال سلاسل التوريد وأسعار الطاقة العالمية.
وهكذا، يتحول رفع سعر الفائدة من أداة تقليدية للسيطرة على التضخم إلى ضريبة اقتصادية خفية تطال حياة المواطن الأميركي بشكل مباشر.
إعلانتأثير هذه الضريبة على الأسر الأميركية:
بلغت ديون الأسر الأميركية 18.2 تريليون دولار بالربع الأول من عام 2025، منها 12.8 تريليونا قروضا عقارية، أي ما يمثل حوالي 70% من إجمالي الدين. كل نقطة مئوية تُضاف إلى معدل الفائدة تعني مئات الدولارات شهريًا من الأعباء الإضافية على أصحاب القروض العقارية والطلاب وأصحاب بطاقات الائتمان. الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري للتوظيف، تواجه صعوبات تمويلية متزايدة، مما يؤدي إلى تجميد التوظيف وتأجيل الاستثمار. الفئات المتوسطة والفقيرة، التي تعتمد على الائتمان لتغطية نفقاتها اليومية، تُصبح الأكثر تضررًا من رفع الفائدة.وهذه "الضريبة الخفية" لا تُفرض عبر تشريعات، لكنها تُستخلص من جيب المواطن عبر الفائدة الشهرية المتزايدة، ومن عرق العامل الذي لا يستطيع مجاراة تكاليف المعيشة.
وإذا استمر التصعيد العسكري، فإن تداعيات هذه السياسة النقدية قد تمتد إلى كل منزل أميركي، وتُحوّل الاستياء الشعبي إلى أزمة سياسية تتجاوز الاقتصاد.
7- ورقة الضغط الاقتصادي هل تجبر ترامب على التراجع أو التدخل؟حين أطلق ترامب حربه التجارية في أبريل/نيسان الماضي، لم يكن تراجعه لاحقًا نتيجة ضغوط دبلوماسية أو سياسية، بل بسبب صدمة اقتصادية موجعة ضربت الداخل الأميركي.
فقد انهارت مؤشرات وول ستريت، وارتفعت عوائد السندات بشكل حاد، وتراجع الدولار، وبدأ ما يُعرف اقتصاديًا بـ"بيع أميركا" أي فقدان الثقة في الأصول الأميركية بوصفها ملاذًا آمنًا.
وكانت تلك الهزات الاقتصادية أقوى من أي خطابات سياسية، وأجبرت الرئيس على التراجع خطوة إلى الوراء، تحت ضغط داخلي قبل الخارجي.
واليوم، وبينما تتصاعد نُذر الحرب بين إيران وإسرائيل، وتتوسع آثارها تدريجيًا نحو الداخل الأميركي، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن في سياق أشدّ تعقيدًا.
فارتفاع أسعار البنزين، وعودة التضخم، وتزايد كلفة القروض، وتآكل مدخرات التقاعد، كلها تتحول إلى ضريبة حرب خفية تجبر المواطن الأميركي على دفعها دون أن يكون طرفًا في قرار الحرب.
ومع تزايد الغضب الشعبي، خصوصًا في الولايات المتأرجحة، قد تتحول هذه الموجة إلى تهديد مباشر لشعبية ترامب، لا سيما بين أوساط الطبقة الوسطى والمزارعين وهم نواة قاعدته الانتخابية.
وتبدو ملامح هذا التحوّل في المشهد السياسي واضحة:
انقسام متصاعد داخل الحزب الجمهوري بين جناح متشدد يدعو للمواجهة، وآخر براغماتي يرى في الكلفة الاقتصادية تهديدًا للمكاسب السياسية. مؤيدو شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" بدؤوا يُعبّرون عن قلقهم من التورط في حرب لا مردود لها، ويطالبون بضبط النفس. ضغط متزايد من رجال الأعمال والشركات الكبرى في قطاعات التكنولوجيا والنقل والبنوك لتفادي الانزلاق العسكري الذي قد يهدد استقرار الأسواق.وهكذا، قد تجد إدارة ترامب نفسها مضطرة -حتى ولو تكتيكيًا- إلى تهدئة التصعيد أو القبول بتسوية محدودة، لا بدافع السلام، بل تحت وطأة الداخل الأميركي.
فالقرارات العسكرية لا تُتخذ في الميدان فقط، بل تُرسم ملامحها بالميزانية، وتُقاس بتقارير الاستطلاعات، وتُختبر بمؤشرات السوق. وكما تُقول القاعدة القديمة: الجيوش تزحف على بطونها أما الدول فتتحرك على إيقاع الاقتصاد. والاقتصاد هذه المرة هو الورقة الأولى التي تحدد من يتقدّم، ومن يتراجع.