الثورة نت:
2025-12-13@10:49:39 GMT

استراتيجية «حماس» في قلب موازين التفاوض

تاريخ النشر: 9th, October 2025 GMT

استراتيجية «حماس» في قلب موازين التفاوض

 

حتى هذه اللحظة، وبغض النظر عن التزام كيان الاحتلال بما سيتم الاتفاق عليه بشكل نهائي، أم أنه كعاده سينقض كل ما تعهد وسيتعهد به مستقبلًا، فإننا اليوم نقف أمام مشهد معقد منذ بداية العدوان على غزة، أظهرت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس براعة لا نظير لها، ليس فقط في ميدان القتال والاستبسال، ولكن بشكل لا يقل إثارة للإعجاب في فنون التفاوض الاستراتيجي مع هذا العدو الذي يجيد كل فنون الكذب والخداع والتضليل.

لقد نجحت هذه الحركة في تحويل مسار الصراع من مواجهة عسكرية غير متكافئة إلى معركة دبلوماسية ذكية، حيث استطاعت ببراعة تحويل ورقة الضعف الظاهرية إلى أوراق قوة تفاوضية، مجسدة بذلك مبدأ «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» ولكن بأدوات تختلف عن لغة الرصاص. تقدم هذه الورقة تحليلًا عميقًا للاستراتيجية التفاوضية لحماس التي مكنتها من حسم المفاوضات لصالحها بنفس الكفاءة التي حسمت بها معاركها الميدانية:

د/ نبيل أحمد الدرويش

 

أولًا: تحويل الأوراق: من القوة العسكرية إلى الرهانات التفاوضية

الرهانات التفاوضية الذكية

 إعادة تعريف ساحة المعركة: لم تنتقل حركة حماس وفصائل المقاومة من القتال إلى المفاوضات بموقف ضعيف، بل استثمرت ما تبقى لديها من أوراق ضغط بذكاء. فقد حولت الأسرى الإسرائيليين الذين تم أسرهم خلال عملية طوفان الأقصى إلى عملة تفاوضية استراتيجية، ما مكّنها من الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطًا داخلية هائلة، مع تأييد غالبية المجتمع الإسرائيلي لإنهاء الحرب.

 الاستفادة من السياق الدولي: استغلت الحركة المناخ الدولي المناهض للحرب والرافض للمجازر في غزة كرافعة تفاوضية، ما جعل القوى الدولية شبه متحالفة مع مطلبها بوقف العدوان. كما جاء توقيت إعلان قبولها المشروط لخطة ترامب في لحظة حرجة، مع تعرض كيان الاحتلال لاتهامات دولية بتقاعسه عن تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية لمنع أعمال الإبادة الجماعية.

المرونة التكتيكية في المفاوضات

 قبول المبدأ ورفض التطبيق المفروض: اعتمدت حماس استراتيجية «القبول المشروط»، حيث وافقت على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين وفق مقترح ترامب، مشروطة بتوفير الظروف الميدانية للتبادل، بما يشمل وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي. هذا نقلها من موقع المستجيب إلى شريك تفاوضي يضع شروطه.

 تفكيك الشروط الدولية: لم ترفض حماس البنود الأمريكية بشكل قاطع، بل استخدمت أسلوب تفكيك التفاصيل لإظهار تعقيدات وعيوب الخطة، مثل استحالة تسليم الأسرى خلال 72 ساعة دون حوارات وتفاصيل إضافية. وبهذا الأسلوب، تحولت الخطة الأمريكية من وثيقة نهائية إلى إطار مفتوح للنقاش والتفاوض.

ثانيًا: الأبعاد الاستراتيجية للأداء التفاوضي لحماس

توحيد الجبهة الداخلية

 بناء التحالفات الواسعة: حرصت حماس على استشارة الفصائل الفلسطينية والوسطاء قبل اتخاذ أي قرار، ما عزز موقفها التفاوضي عبر إظهار أن القرار يمثل إرادة فلسطينية جماعية وليس موقفًا حزبيًا.

 ربط القضايا الجزئية بالكلية: ربطت ملف الأسرى بالقضايا الكبرى مثل وقف الحرب والانسحاب الكامل، ما منع الاحتلال من تحقيق مكاسب جزئية دون تقديم تنازلات سياسية كبرى.

استغلال التناقضات الداخلية في الجانب الإسرائيلي

 استثمار الضغوط الداخلية على نتنياهو: استغلت حماس الانقسام الداخلي والاستياء الشعبي من أداء الحكومة الإسرائيلية، مع المظاهرات المستمرة لعائلات الأسرى، لزيادة الضغط على الحكومة للتوصل إلى اتفاق.

 كشف تناقضات الخطة الأمريكية: استفادت الحركة من الغموض في خطة ترامب، مثل غياب الجداول الزمنية وآليات التنفيذ، لتكثيف مطالبها التفاوضية وبيان قصور الخطة وعدم واقعيّتها.

ثالثًا: المقارنة مع الأداء التفاوضي الإسرائيلي

العيوب الهيكلية في الموقف التفاوضي الإسرائيلي

 التبعية للاعتبارات الداخلية: أصبح موقف الكيان الإسرائيلي رهينة التحالفات الحزبية والسياسات الداخلية، حيث يخشى نتنياهو انهيار الحكومة إذا قدم تنازلات كبيرة، مما أفقدها المرونة وجعلها تبدو غير جادة في المفاوضات.

 الفجوة بين الخطاب والممارسة: رغم إعلان كيان الاحتلال استعداده تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، استمر الجيش في الهجمات على غزة، ما أضر بمصداقيتها كشريك تفاوضي.

استغلال الموارد التفاوضية المحدودة

 تحويل المحنة إلى منحة: جسدت حماس نموذجًا في استثمار نقاط الضعف كأدوات تفاوضية، عبر إعادة تأطير الواقع الميداني والإعلامي لتحقيق مكاسب ملموسة رغم قيودها.

 الحصار الاقتصادي والعسكري: حوّلته إلى قضية إنسانية دولية أعادت تعريف الصراع من أمن إلى مأساة إنسانية، ما عزز التعاطف الدولي وزاد الضغط على إسرائيل. كما استخدمت التفوق العسكري الإسرائيلي ضده من خلال التركيز على الخسائر المدنية، مما زاد العزلة الدولية للكيان وتآكل شرعيته الأخلاقية.

 مواجهة التصنيف “الإرهابي” من قبل بعض القوى الغربية: ركزت حماس على شرعية المقاومة وفق القانون الدولي، لتحييد التأثير السلبي للتصنيف وتثبيت مشروعية النضال الوطني.

الدروس الاستراتيجية المستفادة

 تحويل نقاط الضعف إلى قوة: تمثل حماس نموذجًا فريدًا في تحويل التحديات إلى فرص، حيث استطاعت تحويل الحصار والعدوان إلى رافعة معنوية وسياسية، ما عزز موقعها التفاوضي إلى جانب قدراتها الميدانية.

 فهم نفسية الخصم: أظهرت الحركة إدراكًا دقيقًا لنقاط ضعف إسرائيل، خصوصًا حساسية قضية الأسرى والانقسامات الداخلية، ما مكنها من صياغة استراتيجية تضغط على هذه النقاط بفعالية.

 الربط بين الميدان والمفاوضات: نجحت حماس في تنسيق العمليات العسكرية مع المسار التفاوضي، ما أعطى وزنًا إضافيًا لموقفها واستثمرت التفاعل بين الجبهتين لتعزيز قوتها الشاملة.

الخاتمة: نحو نموذج تفاوضي جديد

تمثل تجربة حماس في مفاوضات الحرب على غزة نموذجًا جديدًا في التفاوض ضمن صراعات غير متكافئة، حيث استطاعت تحويل هزيمة محتملة إلى نصر تفاوضي عبر الخروج من دائرة الاستسلام إلى فضاء تفاوضي بنّاء وكفؤ.

لقد أثبتت حماس أن الكفاءة التفاوضية لا تقل أهمية عن الكفاءة القتالية، وأن الإرادة القوية تمكن الأمم من تحقيق الانتصار في ساحات القتال كما حول طاولة المفاوضات. هذه التجربة أعادت رسم صورة المقاومة، التي تجيد فنون القتال وفنون التفاوض معًا.

ختامًا، يمكننا القول إن القوة التفاوضية الحقيقية تكمن في إعادة تعريف شروط اللعبة نفسها، وهو ما نجحت حماس في تحقيقه ببراعة، محققة تفوقًا تفاوضيًا لا يقل عن تفوقها الميداني.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

روبيو يبحث مع وزير الخارجية الإسرائيلي تنفيذ خطة ترامب بشأن غزة

بحث وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، قضايا الأمن الإقليمي والجهود الإنسانية وتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن قطاع غزة المكونة من 20 نقطة.

وجاء ذلك خلال زيارة ساعر لواشنطن تمهيدا لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية المقررة نهاية شهر ديسمبر الجاري، قبيل انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى والمحتجزين مابين إسرائيل وحركة"حماس" الفلسطينية، والبدء فى المرحلة الثانية من الاتفاق.

وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية في بيان صحفي، اليوم الخميس، إن الجانبين تطرقا أيضًا خلال المباحثات إلى الأوضاع في سوريا ولبنان، وأعلنا التزامهما بالتعاون لدعم للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وكان قد تم التوصل في 9 أكتوبر 2025، إلى اتفاق ما بين حركة حماس وإسرائيل حول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المكونة من ثلاث مراحل، بشرم الشيخ بوساطة مصرية أمريكية قطرية وجهود تركية.

اقرأ أيضاًروبيو يبحث هاتفيا مع نظيره الألماني الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا

روبيو: تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر لتحقيق مستقبل أفضل

روبيو يؤكد التزام الولايات المتحدة بتعزيز العلاقات الثنائية مع جامايكا

مقالات مشابهة

  • تحرك استيطاني جديد.. الائتلاف يضغط لرفع العلم الإسرائيلي شمال غزة
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة
  • روبيو يبحث مع وزير الخارجية الإسرائيلي تنفيذ خطة ترامب بشأن غزة
  • ضغوط أمريكية لتنفيذ المرحلة الثانية.. واشنطن تلزم تل أبيب بالتقدم في اتفاق غزة
  • خالد مشعل يحل ضيفا على موازين ويكشف خيارات حماس المستقبلية
  • انطلاق حملة دولية لتحرير الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي
  • مزهر يدعو لتوسيع الحراك الدولي لمواجهة العدوان الإسرائيلي ويؤكد مركزية دعم الأسرى
  • اعتقالات واسعة بالضفة تسبق الذكرى الـ38 لانطلاق حركة حماس
  • حماس: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى
  • استشهاد أسير فلسطيني في سجون الاحتلال بعد تدهور حالته الصحية