الذكاء الاصطناعي تكلفة عالية على البيئة
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
يتحول العالم بشكل سريع ومكثف إلى عصر الذكاء الاصطناعي، لكن الدراسات والأبحاث تكشف بصمته الكربونية العالية وتأثيراته البيئية الناتجة بشكل رئيسي عن استهلاك الطاقة الكبير، واستخراج الموارد، وإنتاج النفايات الإلكترونية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كشفت دراسة رائدة عن التأثير البيئي الهائل لأنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث قدر الباحثون فيها أنها تؤدي إلى انبعاث أكثر من 102 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
وتضمنت الدراسة التي أجرتها جامعتا "تشجيانغ" و"نانكاي" تحليل التأثير البيئي لـ79 نظاما رئيسيا للذكاء الاصطناعي تم تطويرها بين عامي 2020 و2024، وكشفت عن اتجاهات مثيرة للقلق في استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون.
وأظهر التحليل أن المتطلبات التشغيلية تتجاوز بكثير انبعاثات التدريب، حيث تمثل بعض الأنظمة مثل "جيميني ألترا" (Gemini Ultra) من غوغل أكثر من ثلث الانبعاثات بين أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي.
وأشارت الدراسة إلى أن البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي نمت بشكل كبير لدرجة أنها تنافس الانبعاثات السنوية لدول بأكملها، كما أن المطالب التشغيلية في الاستخدام اليومي للذكاء الاصطناعي تتجاوز بكثير انبعاثات التدريب.
يتطلب تدريب النماذج الكبيرة، مثل "جي بي تي" (GPT) أو نماذج التعلم العميق، كميات هائلة من الطاقة الكهربائية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن ينتج تدريب نموذج كبير انبعاثات كربونية تعادل انبعاثات عشرات السيارات طوال عمرها الافتراضي.
إعلانكما تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء للتبريد وتشغيل الخوادم، وإذا لم تكن هذه المراكز تعتمد على مصادر طاقة متجددة، فإنها تسهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتشير تقديرات إلى أن مراكز البيانات على مستوى العالم تستهلك ما بين 1% و2% من إجمالي الكهرباء العالمية، ومن المتوقع أن تزيد تلك النسبة مع نمو صناعة الذكاء الاصطناعي.
فعلى سبيل المثال، يتطلب تدريب نموذج "جي بي تي-3" طاقة تقدر بحوالي 1287 ميغاواتا في الساعة، وهو ما يعادل استهلاك الطاقة لـ120 منزلا في الولايات المتحدة لمدة عام.
كما تشير التقديرات إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد يستهلك ما يتراوح بين 7% إلى 10% من الكهرباء العالمية بحلول عام 2030 إذا استمر النمو الحالي. وإذا كان مصدر تلك الطاقة من الفحم الحجري فإن التاثيرات البيئية ستكون هائلة.
التصنيع والاستهلاك
يعتمد تصنيع الأجهزة التي تدعم الذكاء الاصطناعي، مثل وحدات معالجة الرسومات "جي بي يو" وشرائح الذكاء الاصطناعي، على معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت.
ويؤدي استخراج تلك المعادن المهمة في صناعة الذكاء الاصطناعي إلى تدمير البيئة، بما في ذلك إزالة الغابات لاستخراجها وتلويث التربة والمياه، كما أن عمليات التعدين واستخراج تلك الموارد تتطلب بدورها طاقة كبيرة، مما يزيد من البصمة الكربونية.
وتستخدم مراكز البيانات أيضا كميات كبيرة من الماء لأغراض التبريد، حيث يتم تبريد الخوادم لمنع ارتفاع درجة حرارتها، وتشير الدراسات إلى أن بعض مراكز البيانات الكبيرة يمكن أن تستهلك ملايين اللترات من الماء سنويا.
ومع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي تتقادم الأجهزة بسرعة أو يتم التخلي عنها، مما يزيد من كمية النفايات الإلكترونية التي يتم التخلص منها، وتحتوي تلك الأجهزة الإلكترونية على مواد سامة يصعب إعادة تدويرها، مما يؤدي إلى تلوث البيئة عند التخلص منها، وتزيد من نسبة الانبعاثات التي يؤدي تراكمها إلى التغير المناخي.
إعلانومع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات مثل النقل والصناعة والترفيه، يزداد الطلب على الطاقة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري إذا لم يتم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
تأثيرات غير مباشرةتؤدي صناعة الذكاء الاصطناعي إلى تأثيرات غير مباشرة على البيئة، إذ من الممكن أن يجعل الإنتاج في جميع القطاعات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة الطلب على الموارد الطبيعية واستنزافها.
كما أن زيادة الاعتماد على التوصيل السريع والتجارة الإلكترونية التي ينظمها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون من وسائل النقل بجميع أنواعها.
من جهة أخرى، يؤثر بناء مراكز البيانات والبنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي التي قد تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، على النظم البيئية الطبيعية والتنوع البيولوجي، كما يؤدي استخراج الموارد لتصنيع الأجهزة إلى إزالة الغابات وتدمير الموائل الطبيعية.
وبشكل عام، قد تؤدي زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى نمط حياة أكثر استهلاكا للطاقة، ما يزيد من الضغط على الموارد الطبيعية.
لذلك يجب أن يكون التطوير المستقبلي للذكاء الاصطناعي مصحوبا بسياسات بيئية صارمة لضمان ألا تأتي فوائده على حساب البيئة
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی انبعاثات الکربون استهلاک الطاقة مراکز البیانات إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
مع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان المستخدم تنفيذ مهام معقدة عبر الأوامر الصوتية فقط، من حجز تذاكر السفر وحتى التنقل بين نوافذ المتصفح. غير أن هذا التقدم اللافت يثير سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستغني بالفعل عن لوحة المفاتيح والفأرة؟ يبدو أن الإجابة تكمن في ما يُعرف بـ"الخطوة الأخيرة" تلك اللحظة الحاسمة التي تتطلب تأكيدًا نهائيًا بكلمة مرور أو نقرة زر، حيث يعود زمام التحكم إلى الإنسان.
حدود الثقة
رؤية مساعد ذكي مثل Gemini من Google وهو يحجز تذاكر مباراة في ملعب أنفيلد أو يملأ بيانات شخصية في نموذج على موقع ويب، قد تبدو أقرب إلى السحر الرقمي. لكن عندما يتعلق الأمر بلحظة إدخال كلمة المرور، فإن معظم المستخدمين يتراجعون خطوة إلى الوراء. في بيئة عمل مفتوحة، يصعب تخيل أحدهم يملي كلمة سر بصوت مرتفع أمام زملائه. في تلك اللحظة الدقيقة، تعود اليد البشرية إلى لوحة المفاتيح كضمان أخير للخصوصية والسيطرة.
اقرأ أيضاً..Opera Neon.. متصفح ذكي يُنفّذ المهام بدلاً عنك
الخطوة الأخيرة
رغم ما وصلت إليه المساعدات الذكية من كفاءة، إلا أن كثيرًا من العمليات لا تزال تتعثر عند نهايتها. إدخال كلمة مرور، تأكيد عملية دفع، أو اتخاذ قرار حساس — كلها لحظات تتطلب لمسة بشرية نهائية. هذه المعضلة تُعرف بين الخبراء بمشكلة "الميل الأخير"، وهي العقبة التي تؤخر الوصول إلى أتمتة كاملة وسلسة للتجربة الرقمية.
سباق الشركات نحو تجاوز العجز
تحاول شركات التكنولوجيا الكبرى كسر هذا الحاجز عبر مشاريع طموحة. كشفت Google عن Project Astra وProject Mariner، وهي مبادرات تهدف إلى إلغاء الحاجة للنقر أو الكتابة يدويًا وذلك بحسب تقرير نشره موقع Digital Trends. في المقابل، يعمل مساعد Claude من شركة Anthropic على تنفيذ الأوامر من خلال الرؤية والتحكم الذكي، حيث يراقب المحتوى ويتفاعل كما لو كان مستخدمًا بشريًا.
أما Apple فتعوّل على تقنية تتبع العين في نظارة Vision Pro، لتتيح للمستخدم التنقل والتفاعل بمجرد النظر. بينما تراهن Meta على السوار العصبي EMG، الذي يترجم الإشارات الكهربائية من المعصم إلى أوامر رقمية دقيقة، في محاولة لصياغة مستقبل دون لمس فعلي.
ثورة سطحية
رغم هذا الزخم، ما يتم تقديمه حتى الآن لا يبدو كاستبدال حقيقي للأدوات التقليدية، بل أقرب إلى إعادة صياغة شكلية لها. لوحة المفاتيح أصبحت افتراضية، والمؤشر تحوّل إلى عنصر يتحكم به بالبصر أو الإيماءات، لكن جوهر التفاعل بقي على حاله. هذه التقنية تحاكي الوظائف التقليدية بواجهات جديدة دون أن تتجاوزها كليًا.
الطموح يصطدم بالواقع
تجدر الإشارة إلى أن معظم هذه التقنيات لا تزال إما في طور التطوير أو محصورة في أجهزة باهظة الثمن ومحدودة الانتشار. كما أن المطورين لم يتبنّوا بعد واجهات تتيح الاعتماد الكامل على الأوامر الصوتية أو التفاعل بالإشارات داخل التطبيقات الشائعة، ما يجعل الانتقال الكامل بعيدًا عن أدوات الإدخال التقليدية حلمًا مؤجلًا في الوقت الراهن.
الذكاء الاصطناعي.. شريك لا بديل
في نهاية المطاف، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على لوحة المفاتيح أو الفأرة في القريب العاجل. هو بالتأكيد يقلل من اعتمادية المستخدم عليهما، ويقدّم بدائل ذكية وسريعة، لكنه لا يلغي الحاجة إلى التحكم اليدوي، خاصة في المواقف التي تتطلب دقة أو خصوصية أو مسؤولية مباشرة. ربما نصل يومًا إلى تجربة صوتية كاملة تتفاعل مع نظراتنا وحركاتنا، لكن حتى ذلك الحين، سنبقى نضغط الأزرار ونحرّك المؤشرات بحذر وثقة.
إسلام العبادي(أبوظبي)