عبد الله علي إبراهيم: أيَّامٌ أَمْرِيكِيَّة!
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
سألني كمال الجزولي قبل نحو سنتين أو كذا أن أكون ضيفاً على روزنامته. وكانت هي المرة الثانية. كتبت في المرة الأولي عن يوميات كابوس يطاردني في حلمي عن أيام تخفشي في الظلام من أمن الرئيس نميري وفي طاقم الحزب الشيوعي المتفرغ. أما في المرة الثانية فكانت بعنوان “أيام أمريكية” أنشرها هنا مقتصرة على أيام أربعة من أيام الله السبعة.
الإثنين
هذا يوم ال “GPS” لفريد زكريا، المحلل السياسي الأمريكي من أصول هندية، على قناة السي إن إن. لم أحرص على حضور برنامج مثله منذ تفرق جمع برنامج الأحد التحليلي على الإي بي سي في التسعينات. وكان نجمي المفضل جورج ويل اليميني الذكي الماكر في تعبيره. وما يزال يكتب عموده، مع ذلك، للواشنطون بوست.
واسمِّي برنامج زكريا “عدل الرأس”، يطوف بك وضيوفه في خبر الأسبوع المنصرم بيسر، وله كلمة يقدم لها البرنامج تنضح علماً وذكاء.
أعادني مرة إلى المقارنة الدارجة التي نجريها بين خيبتنا في الديمقراطية بينما نجحت الهند. وراعني أن منصور خالد خصص ما يقرب الكتاب لهذه المقارنة لغير صالحنا في شذراته. والمؤسف أنه لا يبدو، متى وضعنا المسألة هكذا، أننا عرفنا عن الهند شيئاً منذ سمَّينا مؤتمر الخريجين تيمناً بالمؤتمر الهندي، ولهجنا باسم غاندي!
ووقفت من البرنامج على أن ما أبقى الهند في الديمقراطية هو صبرها عليها برغم الحقائق الاجتماعية البشعة التي تكتنفها. فلو طرأت واحدة منها في أي بقعة من السودان لنهض من “يقلبها” بسلاحه لا غير. فلا يتجلى الصبر الهندي على الديمقراطية، بوصفها حلالة المشاكل على المدي الطويل، كتجليها في عادة وأد البنات المعاصرة في الهند. فنحن قد فرغنا من استرذال هذه العادة، شرعاً وروحاً، منذ 15 قرناً. والحمد لله على نعمة الإسلام. ولم أصدق أذني، خلال مشاهدة برنامج فريد، أن هذه العادة ما تزال سارية المفعول في الهند. وكانت موضوع حلقة في برنامج الرجل عن برنامج تلفزيوني يقدمه النجم السينمائي الهندي المحبوب أمير خان (اختارته التايم من ضمن مائة رجل وامرأة تركوا بصمة على حياة أمتهم) يعقد فيه مناقشات حية مع الجمهور حول محن الهند المصموت عنها بالذات! ومن ذلك نظام الطوائف، والإجهاض، والعنف مع النساء. وبلغ من شيوع عادة الوأد أن تحدثَت للبرنامج زوجة فرض عليها أهلها الاجهاض خمس مرات لأن رزقها من الذرية كان من البنات. بل أدى التخلص من البنات في الهند إلى أن زاد عدد الرجال هناك عن عدد النساء بخمسة وأربعين مليوناً. وبلغ الوأد من الشدة أن الحكومة منعت الأطباء من إبلاغ الأسر بجنس المولود في الرحم!
لما كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يدعو حزبه، حتى بعد حله، للعمل الجماهيري الصبور الدؤوب، كان ذلك من حسن ظنه الوثيق بالديمقراطية لأنها تعمل لطويلة .. مش على الهبشة!
الثُّلاثاء
وددت لو أن قرار قيام وحدة للدراسات الأثيوبية بجامعة الخرطوم استبدل أثيوبيا بالولايات المتحدة. فدراسات أثيوبيا مما بالوسع القيام بها في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالجامعة بقليل من الجهد. فاتفقت لي حاجتنا للعلم المؤسسي بأمريكا منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١م. فعِلمُنا بأمريكا توقف عند عقائد من بعيد عن الإمبريالية” لليساريين أو “أمريكا التي عرفتها” لسيد قطب (ولم يعرف شيئاً لم يكن يعرفه قبل زيارته لها)، أو ما نتخطفه من الوسائط التي تتقحمنا، أو ممن أقاموا بها منا بغزارة مؤخراً. وفي ذلك غث كثير. واحتاج العلم الأوثق بها إلى مؤسسة من باحثين جدعين يعدلون رأس وطننا حيال هذه القوة الأعظم.
ومررت بتجربة مؤسفة في مسعاي لطلب العلم المؤسسي بأمريكا. فصفوة الرأي عندنا مضربة عن هذا الضرب من العلم. فكانت دعتني جماعة لندوة عن الاسلام بعد أحداث 11 سبتمبر. وتهيأت بكلمة نقدت فيها جهلنا بأمريكا على ما نظنه من علم بها. ولا أعرف حتى الآن لماذا انصرف الحضور عن كلمتي ليتداولوا في خطة تسيير مظاهرة الي السفارة الأمريكية، فطويت أوراقي وقررت الاضراب عن مظاهرة من فكرهم في أقدامهم!
الجُّمعة
في تكساس يتعقب الجمهوريون الديمقراطيين في مجلس نواب الولاية لاعتقالهم بتهمة التغيب عن اجتماعات المجلس منذ شهر، حيث أن هذا التغيب خطة قصد بها الديمقراطيون حرمان المجلس من النصاب حتى لا يجيز تشريعاً ينتقص حق غير البيض في الاقتراع الميسر.
وإذا لم تعتبر بهذه المخاشنة الحزبية البرلمانية في أن الديمقراطية هي أفضل أسوأ النظم فهاك هذه: وقف قبل أيام سناتور ديمقراطي بمجلس شيوخ ولاية تكساس يتكلم في المجلس لمدة خمسة عشر ساعة متصلة. ولم يتوقف لتناول وجبة أو حتى لقطع الجمار. وتسمى هذه الممارسة بـ “الفيلبستر”. وهي خطب يريد منها صاحبها أن تطول لمنع المجلس من إجازة مسودة تشريع يعارضه. وهي خطب لا معنى لها غير حرق الوقت. فتجد من يقرأ خلالها من كتب وصفات الطبخ، أو قراءة إعلان الاستقلال الأمريكي مرات ومرات، أو قراءة الأسماء والأرقام في دليل التلفونات!
وأطول “الفيلبسترات” طرا هو ما قام به السناتور ستورم ثيرموند في مجلس الشيوخ لكي يعطل إجازة قانون الحريات المدنية لسنة ١٩٥٧م. فقد بدأ خطبته في الساعة الثامنة وأربعة وخمسين دقيقة، في ٢٨ أغسطس 2021م، ولم يفرغ منها إلا الساعة التاسعة واثني عشر دقيقة مساء اليوم التالي. وقرأ على النواب خلال ذلك إعلان الاستقلال، ووثيقة الحقوق، وخطبة وداع الرئيس واشنطن، وما وقع في يده من وثائق التاريخ الأخرى!
وظاهر ثيرموند شيوخ آخرون معارضون للقانون استغرقوا في “الفيلبستر” نحو ٥٧ يوماً قبل إجازة القانون.
لو حدث هذا عندنا كان المارشات دقت!
السَّبت
صرت أحرص على أن يكون قلمي ومذكرتي بجنبي وأنا استمع إلى الحوارات السياسية. وأعجب لدنو مأتى المعني للمتحدث بالعبارة الجزلة. اللغة عند محدثينا في الوسائط حالة من الفخاخة يضطرب الواحد في جنباتها على أنه بسمل وحوقل ودعا وطوف. ولا يبلعه المشاهد إلا بأغنية موعودة. كتبت عن فريد زكريا وهو ينعى على أمريكا هزيمتها في أفغانستان مهما قيل عن سوء إدارة خطة الخروج:
“The naked truth there is no elegant way to lose a war”!
كما كتبت ناقلاً من غيره:
“Hope is not a strategy; Courage is not the absence of fear but rather the recognition that there is something more important than fear”!
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
زوجة إبراهيم شيكا: كل من ظلمني خصيمي ليوم الدين.. ورفعت قضية لرب السماء
خرجت زوجة اللاعب الراحل إبراهيم "شيكا" عن صمتها، لتوجه رسالة مؤثرة عبر حسابها الشخصي على موقع "فيسبوك"، بعد حملة من الهجوم والاتهامات التي طالتها عقب وفاة زوجها، الذي رحل متأثرًا بمرض السرطان.
وقالت في منشورها: "بقالي فترة بسأل نفسي سؤال واحد: أنا عملت إيه؟! كل اللي عملته إني وقفت جنب جوزي وحاولت أنقذ حياته. دخلته أحسن مستشفيات، سواء داخل مصر أو خارجها، ومع ذلك رضيت بقضاء ربنا وقلت أكيد له حكمة".
وأضافت: "مين فيكم خسر شيكا؟ أنا وأولادي. أنا اللي اتحولت لأرملة في سن صغير، وأولادي بقوا أيتام. السرطان سرقنا منه، وأنا اللي فضلت بعافر علشان ميخسروش".
وتابعت بانفعال: "بتشوّهوا ذكرى راجل واجه المرض بشجاعة، وشارككم لحظات الحزن والأمل. كل ورقه طبية كانت واضحة، وعُرضت على وزارة الرياضة، وعلى كبار الأطباء، وكل حد ساعدنا. ومع ذلك، بتتهموني إني تاجرت بيه؟!".
وختمت رسالتها بالقول: "أنا خصيمة كل من ظلمني ليوم الدين. لا سامحكم الله، ولا عفا عنكم، وربنا يُريني فيكم نفس الشعور، عدلًا وليس حقدًا. رب العالمين حرم الظلم على نفسه، وأنا بشهد كل من قرأ كلامي ده.. إني ما استاهلتش كل اللي اتقال عني".