بعد شهور من الترقب والتعقيدات السياسية، أعلن رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمس استكمال تشكيل “حكومة الأمل”. هذه الحكومة، التي تأخر تشكيلها نتيجة تعقيدات التوازنات السياسية والمجتمعية، الحدث مثل لحظة فارقة بما عكسه من محاولات جادة لإعادة هيكلة الدولة وإعادة ثقة السودانيين في مؤسساتهم.

تشكيل هذه الحكومة لم تكن سهلة، إذ كان على رئيس الوزراء الموازنة بين متطلبات تمثيل القوى المسلحة، والضغوط المناطقية، وأولوية الكفاءة، مع ضرورة إشراك الشباب والنساء ، ما جعل عملية اختيار الوزراء معقدة ومرهقة.

بدأ واضحًا أن التحدي الأكبر يكمن في الجمع بين الكفاءة والتمثيل السياسي والاجتماعي دون الإخلال بتوازنات حساسة، وهو ما انعكس في طول فترة التشكيل وتغير بعض الأسماء حتى اللحظة الأخيرة.

من أبرز سمات الحكومة الجديدة تعيين الدكتورة لمياء عبد الغفار وزيرة لشؤون مجلس الوزراء، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحكومات، أن تتبوأ امرأة هذا المنصب الحيوي. هذا التعيين بجانب أنه رمز للتمثيل النسائي، مثل خيارًا استراتيجيًا مبنيًا على الخبرة المهنية، إذ تمتلك الدكتورة لمياء سجلًا متميزًا في التخطيط الاستراتيجي والتنمية وقضايا المرأة، مما يعزز من قدرات الجهاز التنفيذي على التنسيق والعمل المؤسسي المتناغم.

في وزارة الخارجية أثار تعيين السفير عمر صديق الكثير من النقاش، بسبب عدم منحه حقيبة الخارجية كاملة. الرجل يمتلك خبرة دبلوماسية ضخمة تمتد من سويسرا إلى بكين، ولديه سجل حافل في التعامل مع المنظمات الدولية. في ظل حاجة السودان الملحة إلى تحرك خارجي مكثف لإعادة التموضع إقليميًا ودوليًا. وسط حديث عن رغبة رئيس الوزراء تولي الحقيبة بنفسه هذا إن صدق فإنه يظهر خلل بنيوي قد يؤدي إلى إرهاق القيادة التنفيذية، ويُفقد السياسة الخارجية الدور المطلوب، خاصة وأن الملف الخارجي يحتاج إلى قيادة متفرغة ذات خبرة وحيوية لاستعادة العلاقات الدولية وبناء سردية متماسكة عن موقف السودان من الحرب.

من ثم يظل خيار ترفيع عمر صديق لتولي حقيبة الخارجية متوازنًا أكثر، إذا لم يتراجع رئيس الوزراء عن توليها بنفسه، وهو خيار يعكس الحاجة إلى كفاءة مهنية متخصصة في الوقت الراهن.

كذلك برز حضور واضح للكفاءات الفنية، حيث أسندت وزارة الطاقة إلى المهندس المعتصم إبراهيم الذي يحمل سيرة مهنية حافلة، حيث شغل في السابق منصب المدير العام لشركة “شل” العالمية في السودان، قبل أن يُنتدب إلى جنوب أفريقيا مديراً عاماً لها بجوهانسبرغ، ما أكسبه خبرات نوعية في إدارة ملفات الطاقة والبترول على المستويين الإقليمي والدولي.

كما يترأس إبراهيم حالياً مجلس أمناء جامعة شندي، مما يعكس تداخله بين الجوانب الأكاديمية والتطبيقية، ويمنحه رؤية متوازنة بين الإدارة، والتطوير المؤسسي، وتوطين المعرفة.

كذلك تولى المهندس أحمد الدرديري غندور القادم من قطاع الاتصالات وزارة التحول الرقمي والاتصالات، في ظل إدراك متزايد لدور التكنولوجيا الحديثة في تحديث مؤسسات الدولة وتعزيز الاقتصاد الرقمي. يمتلك الشاب غندور خبرة تتجاوز 17 عامًا في قطاع الاتصالات، ويُعد متخصصًا في إدارة أمن المعلومات والتقنيات الحديثة.

على صعيد التعليم، جاء الدكتور التهامي الزين حجر إلى الوزارة من مقاعد الاستاذية حيث كان يشغل رئيسا لقسم الكيمياء بجامعة بحري ، ما يؤشر إلى استمرارية جهود إصلاح القطاع التعليمي الذي تأثر بالحرب، بينما أُسندت وزارة الشباب والرياضة إلى البروفيسور أحمد آدم، في محاولة لإعادة الاعتبار لهذا القطاع المهم في بناء الطاقات الوطنية وتوجيه الشباب.

من الناحية التنظيمية، يشكل دمج بعض الوزارات مع أخرى تحديًا جديدًا، إذ تتطلب هذه الخطوة إعلانًا واضحًا للمهام والاختصاصات الموكلة إلى كل وزارة، لتجنب الازدواجية وتحقيق التنسيق الفعال بين الجهات المختلفة. ففي وقت شهدت فيه الحكومة دمج وزارات عدة مثل وزارة الري والزراعة وزارة الخارجية والتعاون الدولي، يبقى الإعلان عن اختصاصات كل وزارة خطوة حاسمة لضمان وضوح الأدوار، وتقليل التعقيدات البيروقراطية، وتسريع تنفيذ البرامج والخطط الحكومية.

ومع ذلك، لا تزال حقيبتي البيئة والخارجية بانتظار الحسم الكامل، ويُرجح أن تُمنح وزارة البيئة لشخصية نسائية لاستكمال تمثيل المرأة ضمن التشكيل الوزاري، مما يعكس التزامًا ملموسًا بتعزيز دور المرأة.

بحسب #وجه_ الحقيقة فإن عبور حكومة الكفاءات الوطنية نحو الأمل يمثّل لحظة تاريخية في مسار الانتقال السياسي لبلادنا، حيث تتقدّم الكفاءة على المحاصصة، وتُعلّق الآمال على قدرة الحكومة في تجاوز الأزمات التي تواجه السودان. إن اكتمال التشكيل الوزاري لا يكفي بذاته، بل يُعدّ بداية لاختبار حقيقي لفعالية هذه الكفاءات في تحويل الإرادة السياسية إلى نتائج ملموسة على الأرض. وتبقى المعيارية الحاسمة لنجاح هذه الحكومة في قدرتها على بناء مؤسسات فاعلة بجانب استعادة الثقة الشعبية، وإرساء أسس دولة العدالة والتنمية والسلام . فالأمل في واقعنا اليوم لم يعد شعارًا ، بل استحقاقًا يتطلب الرؤية، والشفافية، والعمل المسؤول.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الثلاثاء 29 يوليو 2025م [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: رئیس الوزراء

إقرأ أيضاً:

رئيس جهاز العبور يقر خطة عاجلة لتحسين الخدمات بمشروعات الإسكان ومتابعة يومية للموقف

عقد المهندس تامر جبر رئيس جهاز تنمية مدينة العبور، اجتماعًا موسعًا مع ممثلي سكان مشروع الإسكان المتوسط «دار مصر» بالحي الترفيهي، وذلك في إطار حرص الجهاز على تعزيز التواصل المباشر مع المواطنين والعمل على الارتقاء بالخدمات المقدمة داخل المدينة. وشهد اللقاء حضور المهندس علاء حماد نائب رئيس الجهاز وعدد من المديرين التنفيذيين بالإدارات المختصة.

وخلال الاجتماع، استعرض ممثلو السكان عددًا من الملفات التي تمس الحياة اليومية داخل المشروع، حيث ركزت المطالب على ضرورة مواجهة ظاهرة الكلاب الضالة، ورفع كفاءة منظومة النظافة، ومتابعة أداء الشركات المسؤولة عن الخدمة، مع الاهتمام بالمسطحات الخضراء والزراعة والممرات الداخلية ومداخل الكمبوند.كما شملت المناقشات متابعة حالة المرافق وملفات الصيانة الخاصة بالأسانسيرات والمداخل والبردورات واللاندسكيب، إلى جانب الحاجة إلى زيادة أفراد الأمن داخل المشروع وتحسين مستوى الانضباط، فضلًا عن معالجة مشكلات ضعف وانقطاع المياه في أوقات الذروة ورفع كفاءة شبكة أعمدة الإنارة.

وفي هذا السياق، وجه المهندس تامر جبر بزيادة عدد أفراد الأمن بالتنسيق مع الشركة المسؤولة لضمان تقديم خدمة آمنة ومتواصلة للسكان على مدار الساعة. وأكد رئيس الجهاز أنه لن يتم التهاون مع أي تقصير في مستوى الخدمات، مشددًا على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشركات المتقاعسة. كما أصدر توجيهات للإدارات المختصة بسرعة التعامل مع ملاحظات السكان، مع تنفيذ متابعة ميدانية يومية داخل المشروع لقياس مستوى التحسن وضمان التنفيذ الفعلي للتوجيهات الصادرة.

وفي ختام اللقاء، أكد رئيس جهاز العبور استمرار عقد اللقاءات الدورية المباشرة مع المواطنين لتحويل الشكاوى والمقترحات إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع. كما شدد على أن أبواب الجهاز مفتوحة أمام جميع السكان، مشيرًا إلى إمكانية التواصل عبر الخط الساخن لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 15100 والمتاح على مدار الساعة.

مقالات مشابهة

  • الإطار:رئيس الحكومة المقبلة هو مدير عام تنفيذي للزعامة الإطارية ولن يخرج عنها
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة السلام في السودان و مفاجأة الإسلاميين
  • انطلاق بطولة الطائرة للمؤسسات على كأس شهداء حكومة التغيير والبناء
  • رئيس جهاز العبور يقر خطة عاجلة لتحسين الخدمات بمشروعات الإسكان ومتابعة يومية للموقف
  • حكومة الوحدة تبحث التعاون الاقتصادي والإصلاح المالي مع وزارة الخزانة الأمريكية في واشنطن
  • أنور إبراهيم للجزيرة: التدخلات تؤجج حرب السودان وندعم فلسطين
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: السعودية وإحلال السلام في السودان
  • وزراء حكومة الإمارات يزورون معرض دبي للطيران ويشاركون في فعالياته
  • رئيس الوزراء يكشف لـ صدى البلد: هل تستطيع الحكومة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟
  • الحكومة تعتمد عدد من التوصيات الصادرة عن اللجان .. تفاصيل