كل شعيرة من شعائر الحج تحكي قصة الإنسان مع الله، مع ذاته، مع ضعفه وقوته. ومن لم يحج، يكفيه أن يتأمل، أن يشاركهم بالدعاء، أن يشتاق، فإن الشوق، في حد ذاته، عبادة. من زار البيت الحرم، في العمرة، يدرك أكثر من غيره، مدى تأثير هذا الموقف أمام بيت الله الحرام، ومن وقف على عرفات يدرك أكثر ممن زار البيت؛ عظم هذه المشاعر.
مناسك وُضعت بدقة لتهيئ الحاج لما هو مقدم عليه، وبروتكولات سبقت تلك التي تراكمت عبر القرون لتوضع في كتيبات تدرس قبل الدخول على الملوك والرؤساء، فالإحرام؛ هو لحظة الاستعداد على الدخول على الملك سبحانه، بالاستعداد ماديا ونفسيا ومعنويا للقاء، ففي الإحرام بما يشمله من غسل وتطيب وخلع للباس الدنيا وارتداء لباس الآخرة، لرسالة للحاج بأن اخلع ذاتك قبل سلطانك، وجاهك وتجرد لما أنت مقدم عليه، واغتسل من كل ما أصابك من أدرانك، وتهيأ، وبخلع لباس الدنيا والاكتساء بالبياض معنى آخر بوجوب النقاء ونزع الطبقية، لأن الكل أمام الملك سواء.
من لم يحظ بهذا الشرف، شرف الحج والصلة، شرف المشهد واللقاء، أكرمه الله بعطاء الكريم الذي لا يمنع، والملك الذي إن أعطى أغنى، العدل الذي إذا ما قسم عدل، فجعل له من الخير والعطاء ما يكافئ من حظي وظفر، فشرع لهم من العبادات والنسك ما إن به ينالون رضاه، ويحظون بعفوه، ويجيب لهم حاجاتهم
وفي تلك الأيام المعدودات، حين تتدفق الأرواح إلى البيت العتيق، ثم ترتقي إلى صعيد عرفات، تتنزل السكينة على قلوب الحجاج بنزول ربنا، وتضج الأرض بنداءات التلبية، ويذوب القلوب شوقا، وتتطلع إلى رضا الملك، وتطمع في أن يتقبل توبتها، أو يجبر كسرها، أو أن يستجيب لحاجتها.. الكل يدعو، رافعا أكفه بلهفة من ضاع طويلا، ووجد الطريق، يرفعون أكفهم وكأنهم كادوا أن يلمسوا السماء يتلقون العطاء من كريم جواد، وهو سبحانه يمد إليهم يديه بالعطاء لا يخذلهم، وهم في ذلك واثقون وعد ربهم، لأنه سبحان وعد أن يعطي كل واحد مسألته، رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم ومطالبهم وغاياتهم، وفي هذا الاختلاف دلالة أخرى.
من لم يحظ بهذا الشرف، شرف الحج والصلة، شرف المشهد واللقاء، أكرمه الله بعطاء الكريم الذي لا يمنع، والملك الذي إن أعطى أغنى، العدل الذي إذا ما قسم عدل، فجعل له من الخير والعطاء ما يكافئ من حظي وظفر، فشرع لهم من العبادات والنسك ما إن به ينالون رضاه، ويحظون بعفوه، ويجيب لهم حاجاتهم.
لكن في الغربة للعيد مذاق مختلف، فيه شجن البعد، وحنين القرب، ودمعة تتأرجح على حافة القلب، بين شوق للوطن، ورغبة في مشاركة الحجيج، هذا الشرف الذي نالوه بلقاء الملك، والنهل من فيض عطائه.
ففي الغربة تبحث لعيدك عن عيد، فتضم روحك وتحمل نفسك وتقطع المسافات، لتجد لنفسك في هذا اليوم العظيم، لمحة مما يعيشه الحجاج على أطهر بقاع الأرض، ومثلي المئات ممن يبحثون لأنفسهم عن هذه اللمحة، مشاعر الأخوة والتوحد بالجماعة؛ حتى ولو اختلفت الألوان واللهجات، أو حتى اللغات، فالكل في هذه الغربة يبحث عن الفرحة في يوم أمرنا الله أن نفرح، حتى ولو كان الحال لا يسمح بذلك، في الوطن، للعيد زينة وعادة؛ لكن الغربة، العيد له جوهر، في الوطن نبحث عن الفرحة في التفاصيل، لكن في الغربة نجد للعيد معاني وقيما غفلنا عنها مع ألفة الأهل والأحبابفالفرحة في العيد عند المسلمين عبادة، لذا تجد الأفريقي يبتسم للأسيوي والطفل العربي يركض خلف شيخ بلقاني ليعايده، وأناس بملامح أوروبية يتبادلون التهاني بلغة عربية مكسّرة، لكنها صادقة حد الصفاء.
مئات المغتربين من كل فج وصوب جاؤوا ليصلوا صلاة واحدة، ألوان بشرتهم تتدرج من الثلج إلى الليل، وأزياؤهم تحكي قصص بلادهم، جلابيب سودانية، قمصان باكستانية، ودشداشة خليجية، جلباب مع جانبية يمنية، وغيرها من الأزياء التي لم يقصد بها التمايز بقدر ما قصد بها الحنين، ورغم اختلاف اللغات واللهجات، فإن التكبيرات تذيبها جميعا، وترفع الحواجز، وتداوي الغربة، لتجعل من كل واحد منهم خيطا في لحمة هذه الأمة، وكل مجموعة، إنما هي موجة في بحر هذه الحضارة، فرغم الاختلاف تذوب الفوارق، فحتى وإن تعددت الألوان، فإن العيد بين المسلمين واحد، كما أمر الواحد، سبحانه، وكما يحب ويباهي.
في الوطن، للعيد زينة وعادة؛ لكن الغربة، العيد له جوهر، في الوطن نبحث عن الفرحة في التفاصيل، لكن في الغربة نجد للعيد معاني وقيما غفلنا عنها مع ألفة الأهل والأحباب، العيد في الغربة ليس لباسا جديدا، أو مائدة عامرة، بل لقاء الأرواح، والتفاف القلوب، وامتداد الجذور في أي أرض، تجمع المسلمين، العيد كما هو شعائر؛ فهو مشاعر لا تُشترى، هو دفء أمة كُتب لها أن يسعى بذمتها أدناهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء شعائر المشاعر مناسك العيد العيد مشاعر شعائر مناسك الج قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الغربة فی الوطن
إقرأ أيضاً:
هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
تدرس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خيارات عدة بعد انتهاء عملية "عربات جدعون"، التي لم تنجح في إحداث تحول في قضية الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، وفق هيئة البث الإسرائيلية، ومن هذه البدائل ما وصفته بـ"خيار متطرف" إلى جانب ضم أراضٍ أو الحكم العسكري.
وأوضحت الهيئة، أن الخيار المتطرف هو فرض حصار على التجمعات السكانية في غزة، ومنع دخول أي مساعدات أو طعام أو ماء، سواء عبر الشاحنات برا أو بالإسقاط جوا، وذلك لإجبار الفلسطينيين على التوجه جنوبا.
وحسب هيئة البث، فإن من يغادر المناطق المحاصرة سيحصل على مساعدات دون قيود.
وفي هذا السياق، يرى المحلل العسكري العميد حسن جوني، أن المؤسسة الأمنية تبحث هذه الخيارات مع المستوى السياسي، لكن "لا يعني بالضرورة أن تكون فكرة المستوى العسكري".
ووصف جوني -في حديثه للجزيرة- هذه البدائل بأنها جرائم حرب وليست خيارات عسكرية، معربا عن قناعته بأن التهجير القسري والتغيير الديموغرافي "غير قابل للتنفيذ عمليا في غزة"، في ظل وجود دور للمقاومة واستمرار تحركاتها وعملياتها وكمائنها المركبة.
وحسب جوني، فإن جزءا من أهداف عملية "عربات جدعون" كان تهجير سكان شمالي القطاع بشكل كامل للتعامل مع المقاومين في المنطقة بشكل ساحق، في وقت لا تزال فيه المقاومة تفرض نفسها في الميدان ومنها مناطق أقصى الشمال.
وشدد الخبير العسكري على أن المستوى العسكري في إسرائيل يبحث خيارات عسكرية "قابلة للتنفيذ"، خاصة أن أهداف الحرب متضاربة، وهو ما أظهر خللا كبيرا في التخطيط الإستراتيجي في بداية الحرب.
ووفق جوني، فإن جيش الاحتلال أخذ 22 شهرا لتنفيذ عملية عسكرية في غزة أهدافها متضاربة، مما أدى إلى سقوط خسائر بشرية أكبر.
وبناء على هذا المشهد الميداني، فإن جيش الاحتلال وصل إلى نقطة الذروة، وهو ما يدركه رئيس الأركان إيال زامير، الذي صار يدعو إلى حل سياسي في قطاع غزة، بعدما "لم يعد بمقدور الجيش تحقيق أشياء إضافية".
إعلانوأشار الخبير العسكري إلى أن جيش الاحتلال لم يحقق أهداف الحرب طيلة المدة التي تمتع فيها بالطاقة القصوى لقدراته، لافتا إلى أنه يستحيل عليه حاليا تحقيق هذه الأهداف بعدما تناقصت هذه القدرات العسكرية بشكل كبير.
ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل 898 عسكريا إسرائيليا، وفق إحصائيات جيش الاحتلال المعلنة، في وقت تؤكد فيه فصائل المقاومة أن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الخسائر الحقيقية.