موقع 24:
2025-08-01@08:25:50 GMT

المصالحة لا تلغي المنافسة بين مصر وتركيا

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

المصالحة لا تلغي المنافسة بين مصر وتركيا

طوت عودة العلاقات السياسية بين مصر وتركيا الكثير من الصفحات القاتمة، لكنها لن تلغي المنافسة الإقليمية بينهما، فكل دولة لها مصالح تريد الدفاع عنها وطموحات تسعى إلى تحقيقها، والتطبيع الذي تُوّج أخيراً بعودة تبادل السفراء ثم لقاء الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة العشرين في نيودلهي منح التهدئةَ بين البلدين دفعةً معنوية جديدة.

لا تلغي ملامح المصالحة التي طفت على السطح تحركات كل دولة للحفاظ على مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة، فقط يمكنها أن تحد من الصدام أو اللجوء إلى الأدوات الخشنة أو التهديد بها، وقد ظهرت معالم من ذلك وقت الخصام بينهما، في كل من ليبيا، والسودان، عندما نجحت أنقرة في تثبيت أقدامها في طرابلس وغرب ليبيا، وحاولت وضع قدميها للاستثمار في جزيرة سواكن بالسودان على البحر الأحمر.
لم تلجأ تركيا إلى التعدي مباشرة على المصالح المصرية في البلدين، حتى وهي تسير بوارجها العسكرية في شرق المتوسط تحاشت الاحتكاك بالقاهرة، لكن ذلك لم يمنع وجود مخاوف من تأثير الطموحات التركية الإقليمية على مصر في لحظة معينة، ما أوجد لدى كل طرف صيغة تجنبه الدخول في مرحلة يصعب الخروج منها.
تمترست أنقرة في غرب ليبيا، وخرجت من سواكن بهدوء، ولا تزال مناوراتها مستمرة في شرق المتوسط، ولم تصل في أي مرحلة إلى استفزاز القاهرة وخروج التفاهمات الضمنية عن السيطرة، وهما في أوج خلافاتهما، ومن المتوقع أن تكون الأمور أقل حدة وأكثر ليونة في مرحلة الوئام التي دخلها الطرفان.

مر الوئام باختبار جديد الأيام الماضية، حيث بادرت مصر بتقديم مساعدات سخية إلى منطقة شرق ليبيا بعد أن ضربت عاصفة دانيال والفيضانات عددا من مدنها، وظهرت جهودها واضحة ومقدرة عند الليبيين وسبقت نسبيا ما قامت به تركيا في المسار نفسه.
خشيت القاهرة أن يعيد تأخرها في نجدة الليبيين سيناريو سابق حصل في غرب ليبيا وكاد يتكرر في شرقها، حيث بادرت تركيا بالتواجد العسكري، ونشر المرتزقة، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع حكومة طرابلس، وسعت إلى سحب ذلك على بنغازي، لكن مصر هرعت مبكرا هذه المرة ولم تعلن أنها في صراع مع دولة أو سباق مع قوة إقليمية معينة، وبدت المنافسة المستترة بينهما هادئة.
قد يصبح الموقف في سواكن أكثر صعوبة هذه المرة، إذ جددت زيارة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى أنقرة قبل أيام جراحا سابقة، فالرجل ذهب إلى تركيا باحثاً عن مساعدات لم يحصل عليها من مصر، وكشفت تصريحات رسمية في تركيا عن بحث آفاق التعاون في اللقاء الذي ضم البرهان الجريح، مع أردوغان الطموح، وربما تظهر أهداف تركيا في البحر الأحمر لاحقا مستفيدة من الموقف الأمني الحرج الذي يواجهه السودان.
لم يتم الإعلان عن مناقشة قضايا بهذا المعنى تفصيليا أو الحديث عن صفقات عسكرية محددة، غير أن الموقف الذي يواجهه قائد الجيش يمكن أن يدفعه إلى مغازلة تركيا وتستطيع أن ترجح كفته إذا قررت مده بما يحتاجه من مساعدات عسكرية غير مجانية، ما جعل التوقعات تذهب إلى إمكانية إحياء مشروع التواجد التركي في جزيرة سواكن.
لا توجد معالم واضحة حول هذه المسألة حتى الآن، لكن مد خيط العلاقات على استقامته بين البرهان وأردوغان يعيد إحياء المشروع وما هو أكبر منه في البحر الأحمر، ما ينتج مناوشات خفية بين القاهرة وأنقرة أو يدفع الأولى إلى إظهار انحيازها إلى البرهان، وربما تتحول المناوشات إلى تعاون في السودان أو على الأقل ترسيم خطوط حمر تمكن كل طرف من التحرك في المساحة التي تمنع الصدام مع الآخر.
ويبدو ترسيم الخطوط والالتزام بها عملية مصرية تركية، ظهرت تجلياتها في ليبيا ولم يتم تجاوزها من قبل أنقرة، بما حافظ على الحد الأدنى من الوفاق في خضم توتر العلاقات، فما بالنا إذا جرى ترسيمها وسط التحسن الحاصل فيها؟
الواضح أن طرق الجنرال البرهان أبواب أنقرة في هذا التوقيت يقول إنها يمكن أن تصبح لاعباً مهماً في السودان، ومهما كانت حيوية المصالح التركية لن تضاهي نظيرتها المصرية التي تتعلق بالحدود المباشرة، ومكافحة الإرهاب، ومياه نهر النيل، وعلاقات متجذرة، وحزمة طويلة من دواعي الأمن القومي لا تسمح للقاهرة بالتفريط فيها أو المس بها من قبل أي دولة ولو بلغت صداقتها معها طورا متقدما.

ومن الضروري أن تحسم مصر موقفها مما يجري في السودان لتتمكن من القيام بدور يتناسب مع موقعها وأهمية هذا البلد بالنسبة إليها، فهي لا تخفي دعمها للجيوش والمؤسسات العسكرية النظامية، لكنها لا تبدي تحمّسا للوقوف خلف الجنرال البرهان لما يتردد من معلومات حول علاقته بقيادات تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
يتجول الرجل في محيط الدول التي يمكن أن يحصل منها على دعم عسكري، وعون إستراتيجي على أمل أن يغيّر موازين القوى لصالحه، وقادته جولاته الخارجية إلى كل من مصر ،وتركيا، وقطر ، وجنوب السودان، وإريتريا وأوغندا، وإذا حسمت أنقرة رؤيتها ووقفت إلى جواره فهذا يعني أن هناك تحولات في المعادلة الحالية، تفرض على القاهرة تغييرا في حساباتها، وحتى لو كانت تركيا في حالة تفاهم مع مصر، فقد علمتنا التجارب أن أنقرة إذا دخلت بلدا لا تخرج منه بسهولة.
هنا تكمن العقدة، فكما استفادت مصر من التطورات في ليبيا وسارعت إلى التفاعل مع ما حدث في شرقها، يمكنها أن تبادر وتتفاعل مع ما يجري الترتيب له في شرق السودان بعد أن لاحت مؤشرات تقول إن البرهان ورفاقه يلوحون بتشكيل حكومة مؤقتة في بورتسودان، الأمر الذي رد عليه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، حميدتي بتشكيل حكومة موازية في العاصمة الخرطوم.
يمكن أن يعاد تكرار نموذج ليبيا في السودان. وبصرف النظر عن الوجود التركي في التوازنات الجديدة، فإن القاهرة عرضة لأن تجد نفسها في موقف بالغ الحرج إذا أيدت حكومة شرق السودان أو رفضتها، فالتأييد يشير إلى اختيار صف البرهان ومن يقفون خلفه من عناصر إسلامية وترك الخرطوم في يد قوات الدعم السريع، والرفض يعني أن قائد الجيش يمكن أن يلجأ إلى دولة مثل تركيا لتثبيت أركان حكومته.
في كل الأحوال لن تنهي المصالحة بين مصر وتركيا حدوث تقاطعات إقليمية عديدة بينهما، منها السلبي ومنها الإيجابي، لكن التعامل معها سيكون أقل خشونة، لأن كل طرف يعلم جيدا الحدود التي يقف عندها بما يبعده عن الصدام مع الآخر.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني مصر تركيا فی السودان یمکن أن فی شرق

إقرأ أيضاً:

كيف أقلق البرهان واشنطن وتل أبيب؟

في ظلّ السيولة الأمنية التي يعيشها السودان بسبب تداعيات الحرب ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة، أصدر رئيس مجلس السيادة في السودان وقائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان قرارًا بتفريغ العاصمة الخرطوم من المظاهر المسلحة.

ومن المؤكد أن القرار لم يعد مجرد مطلب أو طموح، بل ضرورة وطنية ملحّة في مسار استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها. ولا بد أن يصدر هذا القرار من موقع امتلاك زمام المبادرة، خصوصًا بعدما أثبت الجيش السوداني قدرته على مواجهة مليشيا الدعم السريع التي كانت الأكثر تجهيزًا وتسليحًا، وتحظى بدعم خارجي، وتتمدد في مفاصل الدولة بأكثر من 120 ألف مقاتل، وباغتت الجيش بهجومها في 15 أبريل/ نيسان 2023.

نجاح الجيش في التصدي لهذا الخصم عالي التنظيم والتسليح يعيد التأكيد على قدرته على فرض قراراته الإستراتيجية، وفي مقدمتها إعادة تنظيم المشهد الأمني داخل المدن.

وأمام هذا المشهد، تصبح المقارنة بين مليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى غير واقعية؛ فهذه الأخيرة ما زالت تُبدي التزامًا بالاتفاق السياسي الذي وقّعته في جوبا، وتقر بمركزية الدولة وضرورة دمج قواتها في الجيش الوطني.

لا تنبع أهمية انتصارات الجيش السوداني فقط من قدرته على كسر شوكة أخطر المليشيات في تاريخ الدولة، بل من التحولات الجيوسياسية التي أفرزتها على المستويين؛ الإقليمي والدولي.

ففي مقال تحليلي نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أشار الصحفي البريطاني المتخصص في الشأن الأفريقي، جافين سيركين، إلى أن "الواقع الجديد" في السودان، بعد انتصارات الجيش في الخرطوم وود مدني ومناطق من دارفور، قد أربك حسابات العواصم الكبرى، وعلى رأسها واشنطن وتل أبيب.

ونوّه سيركين إلى أن موازين القوى انقلبت جذريًا لصالح الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، مما دفع قوى دولية مثل دول الترويكا لإعادة النظر في إستراتيجيتها، والبحث عن تسوية "تُرضي الجيش السوداني"، بعدما بات واضحًا أن أي مشروع سياسي لا يحظى بموافقته لا يمكن فرضه على أرض الواقع.

إعلان

هذه المعطيات تُمكن الجيش السوداني من التحرك داخليًا بثقة أكبر لفرض قرارات إستراتيجية مثل تفريغ المدن من السلاح، ليس فقط كضرورة أمنية، بل كإعلان عن استعادة زمام المبادرة على كافة المستويات.

إذن، فإن قرار تفريغ المدن لا يُقرأ كرهان محفوف بالمخاطر، بل كمحطة منطقية وممكنة في مشروع إعادة بناء الدولة، تسانده قوة عسكرية على الأرض، وتدفع نحوه ضرورات الأمن والاستقرار، لا سيما في ظل إجماع متنامٍ على أن الدولة وحدها يجب أن تحتكر السلاح وتعيد ضبط التشكيلات العسكرية ضمن الأطر النظامية.

ولا يمكن النظر إلى هذا القرار بمعزل عن السياق السياسي والأمني الأوسع؛ فوجود السلاح خارج المنظومة الرسمية لا يهدد العاصمة وحدها، بل يهدد وحدة الدولة ذاتها.

إن تفريغ المدن من المليشيات المسلحة ليس إجراءً تقنيًا، بل فعلًا سياديًا يعكس قدرة الدولة على حصر القوة في يد واحدة. كما أنه ضرورة لحماية العملية السياسية ذاتها، إذ لا يمكن تصور انتقال مدني أو ديمقراطي في ظل تعدد القوى المسلحة داخل الحواضر.

الجيش السوداني، بعد أكثر من عام من الحرب، أثبت أنه الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على فرض الاستقرار الميداني. فهو لم يكتفِ بالصمود، بل استطاع أن ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، وأن يحرر مدنًا رئيسية، ويكسر النفوذ العسكري لمليشيا الدعم السريع في مناطق عدة. هذه التجربة العملية تمنح القرار الجديد مصداقية أكبر، وتؤسس لمرحلة يكون فيها تفكيك المظاهر المسلحة جزءًا من سياق إستراتيجي شامل لإعادة هندسة الدولة.

الحركات المسلحة من الشراكة إلى النفوذ

حين وُقّع اتفاق جوبا للسلام 2020، رُوّج له باعتباره بداية جديدة للسلام وبناء الشراكة بين المركز والهامش. لكن ما حدث لاحقًا أظهر انحرافًا في المسار؛ فقد تحولت بعض الحركات المسلحة إلى مراكز نفوذ تسعى للمحاصصة لا لبناء الدولة، واحتفظت ببنيتها العسكرية دون أن تُقدم على خطوات جدية لنزع السلاح أو إعادة الهيكلة.

في بداية الحرب تغيّبت هذه الحركات، وتذرعت بالحياد، ثم عادت وانحازت للجيش لاحقًا، عدا بعض القيادات منها التي اختارت الاصطفاف إلى جانب مليشيا الدعم السريع، أو تبنت مواقف رمادية مرتبكة.

الأخطر من ذلك، أن بعض هذه الحركات تمارس ذات السلوك الذي طالما اشتكت منه: تسييس الجغرافيا، وتكريس الجهوية، والاستحواذ على السلطة دون مسؤولية. وبدل أن تذوب في الدولة، بدأت تُعيد تشكيل الدولة وفق حساباتها، وتفاوض على أساس ميزان القوة، لا على أساس برنامج وطني مشترك.

وقد فاقم هذا الوضع من ظاهرة "الجيش السياسي"، حيث دخلت بعض الفصائل العمل السياسي دون أن تنزع بزّتها العسكرية، وأصبحت تُدير الوزارات والمنصات التنفيذية بنفس عقلية المعسكر: أوامر، محسوبيات، وولاءات. بل أصبح بإمكان فصيل مسلح أن يُعرقل قرارًا سياديًا إن شعر أنه لا يخدم مصالحه أو يقلص نفوذه.

وإذا نظرنا إلى تفاصيل تنفيذ اتفاق جوبا، نجد أن البنود المتعلقة بإعادة هيكلة القوات ودمجها في الجيش لم تُطبّق فعليًا. بل إن بعض الحركات توسعت عسكريًا بعد دخولها العاصمة، وأنشأت معسكرات جديدة، وواصلت التجنيد.

إعلان

هذا التوجه يضع علامات استفهام كبرى حول مدى التزامها بروح الاتفاق، ويثير مخاوف من أن تتحول إلى كيانات سياسية عسكرية موازية، تمارس الضغط من الداخل لا بهدف الإصلاح، بل بهدف تأمين مواقعها.

كما أن كثيرًا من القواعد الميدانية لهذه الحركات ما زالت تعيش حالة من التعبئة والصدام مع الدولة، وتحمل في خطابها الكثير من العداء للمؤسسات المركزية. بعض التصريحات التي تصدر من القيادات الوسطى تتحدث عن امتيازات مناطقية أو مطالب تتجاوز بكثير ما أقره الاتفاق، ما يؤشر إلى خلل في الالتزام والانضباط السياسي داخل هذه الكيانات.

مكاتب الحركات: قنابل موقوتة

المشهد في الخرطوم اليوم يكشف عن تناقض جوهري مع روح اتفاق جوبا؛ فمكاتب بعض الحركات المسلحة تنتشر داخل الأحياء السكنية، تحت حراسة عسكرية علنية تُربك الأحياء وتقلق المدنيين، ويُجنَّد فيها أفراد ذو سوابق إجرامية في السطو والاعتداء.

وهذا أمر شاذ، إذ كان من الطبيعي أن تكون هذه المكاتب ذات طابع مدني، وتخضع لحماية الشرطة النظامية، بينما يكون المقاتلون على خطوط المواجهة الحقيقية في دارفور وغيرها، لا في قلب العاصمة وبقية المدن.

هذه الحركات لم تأتِ إلى الخرطوم لتُجند مزيدًا من العناصر، بل جاءت ـ بموجب الاتفاق ـ لتضع السلاح، وتنخرط في مشروع وطني لبناء الدولة والمساهمة في الانتقال السلمي. وأي سلوك يخالف هذا المسار يُعد انتهاكًا للاتفاق، وتهديدًا مباشرًا لأمن المجتمع ولأسس الدولة.

ورغم أن بعض القيادات العليا لهذه الحركات تُبدي تفهمًا سياسيًا وتطرح مواقف عقلانية، فإن الإشكال الحقيقي يكمن في القيادات الوسطى والميدانية، حيث ما تزال الحمولات التعبوية القديمة فاعلة، وتتحكم في السلوك السياسي والميداني، وكأن اتفاق السلام لم يُوقّع، وكأن الحرب لم تُفرز دروسها بعد.

إلى جانب ذلك، فإن سلوك بعض هذه الحركات في الحياة العامة بات يثير قلق المواطنين، حيث تُسجل حالات استيلاء على مقرات رسمية أو عقارات خاصة، ويجري فرض النفوذ بالقوة في بعض الأسواق، بل وتُستخدم الأسلحة في فضّ النزاعات البسيطة، دون رادع قانوني فعّال. هذه الممارسات تنسف الأساس الأخلاقي والقانوني لوجود هذه الحركات داخل المدن، وتضع الحكومة أمام مسؤولية واضحة: إما أن تفرض هيبة الدولة، أو تفقد ما تبقى منها.

كما أن ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة والحركات المسلحة في المجال الأمني يجعل العاصمة عرضة للاختراق، ويُعرقل جهود إعادة الإعمار والاستقرار. وجود هذه القوات بصورتها الحالية يُسهم في تضييق مساحة الدولة، ويقوّض سلطة القانون، ويجعل من أي حديث عن استحقاقات ديمقراطية مجرد وهْم لا يستند إلى واقع فعلي.

حين لا تكفي البنادق لبناء وطن

في كل مرة تُمنح الحركات المسلحة فرصة للاندماج في الدولة، دون أن تُسلم سلاحها أو تُراجع خطابها، تُضاف حلقة جديدة في سلسلة الفشل الوطني. فالوطن لا يُبنى بالمحاصصة، ولا تُؤسس له شرعية بالرصاص، ولا تُدار مدنه بمزاج العائدين من الميدان.

لقد آن للسودان أن يضع حدًا لهذه الحلقة المفرغة التي تُنتج حركات مسلحة من رحم الإقصاء، ثم تُعيد إنتاج الإقصاء من داخل السلطة. آن له أن يتحرر من "جمهورية البنادق المؤجلة"، ويعود إلى مشروع الدولة الجامعة، لا السلطة الموزعة.

فإما أن تعود الحركات المسلحة إلى حضن الوطن بلا سلاح، أو تبقى في هامش التاريخ، تتآكل خلف شعاراتٍ بلا جمهور، وبنادقَ بلا معنى. وإما أن تتوحد راية السلاح تحت علم الدولة، أو نظل نعيش دويلة داخل الدولة، ومرحلة انتقالية بلا انتقال.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن اتفاق جوبا للسلام، كما نُفّذ، لم يعد صالحًا كمرجعية لبناء السلام أو إعادة تشكيل الدولة. لقد تجاوز الواقع السياسي والميداني في السودان اتفاق جوبا، الذي بُني على شروط لم تعد قائمة، وأصبح استمراره كمرجعية ضربًا من التجميل السياسي لا أكثر.

إعلان

إن ما تبقّى من اتفاق جوبا اليوم لا يتجاوز كونه غطاءً سياسيًا يُستخدم في كثير من الأحيان لتبرير الامتيازات، لا التزامًا فعليًا ببناء الدولة. وعليه، فإن السؤال لم يعد: كيف نُفعّل الاتفاق؟ بل: كيف نتجاوزه ببديل أكثر واقعية وشمولًا؟ بديل يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والسلاح، ويمنح السياسة مكانتها، ويُعيد الاعتبار للمواطنة، لا للتهديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • كاتب تركي: ما أهمية ميثاق التعاون الدفاعي بين تركيا وسوريا؟
  • الماء مقابل التجارة والنفط.. العراق يفاوض في العطش وتركيا تصمت بحسابات السدود والنفوذ
  • البرهان يفاجئ أهالي حطاب بهذه الخطوة
  • تركيا تلغي الرسوم الجمركية على واردات قطر وتعلن اكتشافات طاقية بقيمة 34 مليار دولار
  • هل تشهد السياسة التركية في ليبيا تحولا استراتيجيا جديدا؟
  • البرهان يلتقي ممثل الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم يدين الحكومة الموازية
  • كيف أقلق البرهان واشنطن وتل أبيب؟
  • ‘الاتحاد الإفريقي” يكشف موقفه من “الدعم السريع” ويفاجئ “البرهان”
  • يديعوت أحرونوت: تأثير تركيا العسكري والسياسي المتزايد بات التهديد الأكبر لإسرائيل
  • تركيا تشترط الاستخدام الكامل لخط كركوك-جيهان في اتفاقها مع العراق