مجلس الكنائس العالمي يدعو جميع الأطراف إلى وقف تصعيد الحرب من أجل إنقاذ أرواح الأبرياء
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
دعا مجلس الكنائس العالمي مرة أخرى بشكل عاجل إلى الوقف الفوري لهذا العنف المميت، ووقف حماس لهجماتها.
وقال الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس البروفيسور الدكتور جيري بيلاي: "إننا نطلب بشكل عاجل من الطرفين وقف تصعيد الوضع". "إننا نشعر بقلق عميق إزاء الصراع بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية، والعواقب المأساوية الحتمية لشعوب المنطقة - الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء - في أعقاب فترة من التوترات المتصاعدة والعنف في الضفة الغربية والقدس".
وأشارالأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، إلي انضمام المجلس إلى البيان الذي أصدره البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس في 13 أكتوبر، والذي حث على اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة. إن الوضع في قطاع غزة لا يطاق بدون إمكانية الحصول على المياه والغذاء والدعم الطبي والكهرباء.
وقال بيلاي في بيان له أمس الأحد: “ندعو إسرائيل، بدعم من المجتمع الدولي، إلى السماح للمساعدات الإنسانية بدخول غزة حتى يتمكن ملايين المدنيين الأبرياء، بما في ذلك العديد من الأطفال، من الحصول على العلاج الطبي والإمدادات الأساسية”.
وشدد بيلاي على الحاجة الملحة للتحرك. "علاوة على ذلك، ندعو جميع الأطراف إلى وقف تصعيد هذه الحرب من أجل إنقاذ أرواح الأبرياء مع خدمة قضية العدالة".
وكشف الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، عن أن المستشفى العربي الانجليكاني الأهلي في غزة، تعرض مساء السبت الماضي، لقصف إسرائيلي، ولحقت أضرار جزئية بطابقين وأصيب أربعة أشخاص.
ودع بيلاي إلى احترام القانون الدولي – بما في ذلك اتفاقية جنيف – والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان من أجل حماية جميع المدنيين والإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة.
واختتم بيلاي: “إننا ندعو جميع القادة إلى العمل من أجل السلام العادل في الأراضي المقدسة. العدالة وحدها ستؤدي إلى السلام والسلامة والأمن للجميع.
كما دعا مجلس الكنائس العالمي جميع الكنائس الأعضاء وذوي النوايا الحسنة إلى الانضمام إلى دعوة رؤساء كنائس القدس لاقامة غدا الثلاثاء يوم صلاة وصوم من أجل ان يعم السلام والعدالة .
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: العنف الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي الإسرائيليين الفلسطينيين المياه الغذاء الدعم الطبي الكهرباء احترام القانون الدولي اتفاقية جنيف من أجل
إقرأ أيضاً:
في الحرب «لا تنس من يطلبون السلام»
لطالما ترسّخ في الوعي السياسي الحديث أن السياسة نقيضٌ للحرب، ووسيلة لتجنّبها، أو على الأقل احتوائها. غير أن مقولة ميشيل فوكو جاءت لتمتحن هذا التصوّر، وتكشف عن طبيعة أكثر عمقًا للعلاقات السياسية في بنياتها المتعددة. ذلك أنه في المحاضرات التي ألقاها عام 1976م في الكوليج دو فرانس، ضمن سلسلة بعنوان «يجب الدفاع عن المجتمع» يرفع الغطاء عن المقولة الكلاسيكية للمفكّر العسكري البروسي، وصاحب الكتاب الأشهر «عن الحرب- 1832 م» كارل فون كلاوزفيتز، التي تقول: إن الحرب استمرارٌ للسياسة بوسائل أخرى؛ ليقدّم بدلًا منها أطروحة أكثر زعزعة لهذا الاستقرار المفاهيمي، ليقول: إن السياسة هي استمرار للحرب، ولكن بأدواتٍ مغايرة. وهو ما يعني أن السياسة لم تعد حقلًا للتوافقات، أو أنها ذلك الفضاء الذي تُختبر فيه القدرة على التفاوض المفضي إلى توازن المصالح، بل أصبحت بحسب فيلسوف الخطاب ساحة لتمديد الصراع، وميدانا لممارسة الهيمنة عبر الخطاب لا السلاح وحده. واليوم في ظل الحرب المفتوحة بين إيران والكيان تبرز مقولة فوكو بوصفها أداة تفسير فعَّالة؛ فقد شاهدنا كيف أن هذه الحرب لم تُخَض بالسلاح وحده، بل بتوظيف الذاكرة، والاستثمار في العاطفة المكبوتة. وهنا لا يبدو أن التفاوض بقادرٍ على إنهاء الحرب، بل حتما سيُعيد تنظيمها ضمن منطقٍ جديد للصراع، هذا إن لم يعِ العقل العربي مأزقه، ويعمل على الخروج منه ولو بأقل التكاليف.
وبهذا المنطق الذي يفكك حدود السياسة التقليدية، ويكشف عن طابعها الرمزي يجد المجال السياسي العربي نفسه؛ بسبب من تراخي الإرادة في حسم الصراع سواء عبر تفاوضٍ حقيقي أو الدخول في حرب ضروس- يجد نفسه مجبرا على مواجهة السؤال الكامن في بنية الصراع، وهو: كيف يمكن إدارة تفاوض بين أطرافٍ تعيش حالات من الحدود الميتة في الفعل السياسي؟ إذ إن الواقع ذاته يشهد بذلك؛ فمنذ حرب أكتوبر 1973م تضعضع الوعي العسكري العربي، وأُصيب بالشلل، ما أفسح المجال للبعض في الاستثمار غير النهائي في نصر أكتوبر، باعتباره لحظة فارقة في الوجدان العسكري العربي. لكن ما لم يُعلَن بوضوح خلف رمزية النصر، هو أنه مهّد فعليًا لإنهاء حالة المواجهة العسكرية مع الكيان، لا لاستمرارها.
لذا أصبح هذا النصر مع الزمن غطاءً ناعمًا؛ لإخراج الفعل السياسي من منطق الصراع، وإدخاله في منطق «إدارة الممكن» داخل شروط ما بعد الحرب. ومعه انتهى المسار السياسي العربي إلى تقتيرٍ متعمّد، وتموضُع مسلوب أمام منطق «تصنيع النصر»، ما يكشف عن تقييد مقصود؛ لإنتاج فعل سياسي حقيقي ينتقل بالقضية من التناول إلى التداول. فبدلاً عن أن يُستثمر النصر بوصفه لحظة تأسيس لحل جذري جرى عزله، وتحويله إلى طقس للاندماج في منظومة الهيمنة ذاتها. وما زيارة السادات إلى الكنيست ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978م إلا تتويج ملموس لهذا المنحى؛ إذ حوّلت الحرب من فعل مقاومة إلى حيز سياسي مقهور، لتصبح القضية مرتهنة لا ضمن شروط المنتصر، بل وفق إرادة العدو.
ومن تداعيات هذا التحوّل في تمثُّل السياسة كامتدادٍ للصراع لا نقيضٍ له، لم تكن حالة «اللاحرب واللاسلم» التي تحكّمت بالفضاء السياسي للشرق الأوسط منذ زمنٍ طويل مجرّد لحظةٍ عارضة، بل أصبحت بنيةً شبه دائمة تُدار فيها التوازنات لا لحسم الصراع، بل لإدارته على نحوٍ يضمن استمراره. والحال كذلك، فإنه وإن كان البعض ينظر إلى هذه الحالة كنتاجٍ طبيعيٍّ لتفوّق طرفٍ على آخر فإن الحقيقة الأعمق تكشف عن حالة «توازن للضعف»؛ حيث لا أحد يملك القدرة الكاملة على الحسم، ولا أحد يجرؤ على الاعتراف بالعجز، لتستقرّ حالة «اللاحرب» هنا بوصفها تأجيلًا دائمًا لـ«السِلم»، لا خطوةً نحوه. ومع ذلك فإن هذا لا يعني أننا ضعفاء، بل يعود الأمر إلى استراتيجية أمريكية مكينة تجاه المنطقة تتمثّل في تصوير العرب وكأنهم غير قادرين على المواجهة؛ بهدف تقزيمهم اجتماعيًا، وتوتير العلاقة بين السلطة والشعب. ومن الواضح أن المسألة كلّها تعود إلى أن الأمريكي وهو يُدرك تمامًا الحمولة العاطفية التي تهيمن على الشعوب العربية تجاه قضية فلسطين لا يتوقّف عن إدارة تناقضٍ من صُنعه؛ إذ يُراقب تطوّر نبض الشارع، ويدفع بمؤسساته المُوصوفة بـ«البحثية» إلى تتبّعه، ومعرفة المدى الذي قد يبلغه، ما يُوفّر له مادةً سياساتية تصلح للتوظيف في عمليات تغييرٍ بنيويٍّ للنُّظُم السياسية في الشرق الأوسط. إذن فالهشاشة العربية كما يُراد تقديمها ليست نتيجة عجز، بل ثمرة تصميمٍ واعٍ على الإبقاء على الانفعال الشعبي؛ ليصبح أداة من أدوات الضغط على النظم الحاكمة، ليبتزها متى لزم الأمر واقتضت مصلحة البيت الأبيض.
وما يريد هذا المقال أن يشير إليه هو أن ميدان الصراع في الشرق الأوسط لم يعد يُختبر فقط على جبهاته المكشوفة؛ فالحرب اليوم لا تُخاض بالسلاح وحده، بل بما يُعاد إنتاجه في الوعي. والواقع أنها -رغم سيل التحليلات الذي يتكاثر بها «حكماء» الشاشات الملونة، تارةً بتصويرها انتصارًا تاريخيًا للمقاومة، وتارةً أخرى باعتبارها فرصةً للتخلّص من أحد أطرافها- تبقى مقولات مضطربة؛ فما يهيمن هنا ليس الحدث ذاته، بل ذلك الانغماس المفرط فيه دون قراءته ضمن سيرورةٍ محكومة بحقائق الصراع الكبرى، وهي تلك التي وحدها تمنح الحدث معناه، وتُضيء تخمّراته التاريخية العميقة؛ لأن فاعلية الحروب لم تعد تقاس بما يتبدى على سطح الظاهرة، بل هي -كما يشير ريجيس دوبريه- محكومة أيضًا بما تنتجه المخيّلة الجماعية. وقد كشفت هذه الحرب عن مظاهر للتوسّل العقائدي لدى كلا المعسكرين؛ فمن الموسيقى والأناشيد والأهازيج، إلى الصور المُصمّمةٍ عبر الخوارزميات، وكذلك أسماء العمليات العسكرية، كل ذلك يكشف عن فضاء، وهنا وجد «إياجو» القرن الحادي والعشرين (دونالد ترامب) بشخصيته الشكسبيرية التي تُتقن فنّ التلاعب الفرصة لا لعقد اتفاق فحسب، بل فرصة لإرضاء هوسه عبر مداعبةٍ خَشِنة لذاكرة ثقافية مُترَعةِ بالمظلومية. وهذا ما مَكن لخزّانات الثأر أن تنفتح، ليبدو المشهد وكأنّه تنفيذٌ للوعدِ، وعدُ النصرةِ التي لا تتحقّق.
إننا في ظل هذه الحرب بإزاء بنيةٍ مفاهيمية يصح لنا تسميتها بـ«ميثيولوجيا السياسة»، وهي لحظة تتحوّل فيها الرموز والخطابات إلى أدوات أيديولوجية مغلقة تُبنى عليها شرعية الفعل، وتُصاغ حولها أساطير الجماعة. أما البُعد غير المُعلن في هذه الحرب فهو رسملة الوعي الاجتماعي عبر توظيف انتقائي للمقدّس؛ بحيث يُؤسَّس إهلاك الآخر على ضوء نبوءاتٍ مخبوءة تنتظر من يُعلنها. إنّه استثمارٌ رمزيّ ينزع عن المقدّس قداسته؛ إذ يُصوَّر العالم داخل ثنائيةٍ مطلقة للمواجهة، لا مجال فيها للتأويل، بل فقط للاصطفاف والتمكين. ومن هنا يقتضي الأمر إعادة فهم طبائع الصراع في الشرق الأوسط، لا بوصفه ساحةً لتنازع المصالح فحسب، بل كمسرحٍ مركّبٍ لإنتاج الأساطير، وصياغة الوعي، وإعادة تمثيل الذات والآخر عبر اللغة، والصورة، والدم. ومع ذلك فإننا نرى أن هذه الحرب تُشكّل فرصةً نادرةً لضخّ دفقة دماء جديدة في شرايين المسألة الفلسطينية؛ فرصة ينبغي ألّا تُهدر في صخب التحليل الذي يكتفي بالوصف. فهل يمكن التقاطها لإعادة الأوكسجين النقي إلى رئة العقل السياسي العربي؟
إننا أمام لحظة ثمينة يمكن فيها للعقل السياسي العربي أن ينهض، ويُدرك أن حسم الصراع لا يكون بتأجيج العاطفة المُرهِقة، بل بتقييدها، وتحويلها إلى طاقةٍ أخلاقية تنظر إلى الإنسان لا بوصفه لحظةً مُوظَّفة في سياق العنف، بل قيمة في ذاته، أي أن ينظر إليه خارج مدار الكراهية، ونعلم أن مجرد الحديث في هذا المستوى من الوعي يُثير شيئًا من (الحشومة) المقنّعة التي تستقرّ في وجدان العربي المُولَع بتركيب الآخر من خلال إلغائه. وهذا بالتحديد ما يجب تفكيكه؛ فلا معنى لتحرّرٍ يتنكّر لإنسانية البشر، ولا لمظلوميةٍ تُبنى على محو الآخر. والاختبار اليوم ليس في الصمود وحده، بل في القدرة على تحويل هذا الصمود إلى وعي، والوعي إلى مشروع، والمشروع إلى أفقٍ لا يُدار فيه العرب بردود الفعل، بل بإرادةٍ تُعيد رسم شروط الفعل ذاته.
إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. قالها درويش ذات مرة، وهو الأمين على جماليات القضية، لا على شعاراتها. وهذه المقالة رسالة وفاء إلى صاحب «الجدارية» حين أرادنا أكثر إنسانية، وآمن أن العدل لا يتحقّق إلا عندما يشتبك الجاني والضحية معًا في اكتشاف العالم لا هدمه. وقد قالها مرة: «وأنت تخوض حروبك فكّر بغيرك. لا تنسَ من يطلبون السلام».
غسان علي عثمان كاتب سوداني