أمل خالد الشيخ تكتب: إلى خليلة قلبي ابنتي التي لم أرها
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
أسميتكِ خليلة لقلبي لأني بحاجة إلى خليلٍ يا عزيزتي، و أحسبكِ تستحقين هذا آملة أن تشبهي أمكِ و تمنحيها معنى الخلّ الذي تطمح و تبتغي،
يا بنيّة!
الدنيا تقسو على أمكِ، كادت أن تفتك بها،
لكنها يا حبيبتي تعدّ لكِ قلبًا،
تحارب الحَزن،
تحارب اليأس و الظلام،
تحارب السوء و البؤس
و لا تخلق إلّا الأمل،
أمكِ من تصنع الأمل يا بنيّة، تضعه في قلوب المارّة و العابرين إليها تبتغي من ذلك سبيلًا حسنًا،
تجتهد حتى تصنع قلبًا يخلو من القسوة، يعرف الحبّ و الأمل،
قلبٌ مِعطاءٌ،
تهديه لكِ، تسكب ما تعدّه في أعوامها الزاهرة في قلبكِ،
تعلمكِ الحبّ
المنح و العطاء
تعلمكِ الحنان،
و تعلمكِ كيف تكونين الوجهة لمن أضلّ الطرق،
تجمّل لكِ الأحداث
تحبّر لكِ الأحزان
حتى تأتي تقولي: ما أجمل شبابكِ يا أمي! كنتِ خير ساعٍ،
ف تُقرّ عيني،
لم تتوقف أمكِ عن كونها كريمة الودّ، تعطي و لا تنتظر و تحتسب،
تحزن يا بنيّة إن ما صادفت قلوبًا لا تعرف للدينِ مكان، لا تعرف الخلق، لا تمنح، تجرح و هذا ما تعرفه، لكنها الحبيبة تقاوم الحَزن و تحفظ هبة الله لها و تحلُم و تصبر، و تزكّي هذا القلب المسكين الذي تدنسه الدنيا،
تعدّ لكِ ثمرة غَالية،
و أمكِ تُعرف بأنها ذو جمعٍ لكل شيءٍ
ترقى في الفكرِ
العقلِ
الفعلِ
ترقى في العملِ
العلمِ
و حتى السعي
تحب أن تبدأ في كل شيء، تتعلم، تعلّم، تجرب و تجرب، تعرف المحاولات بشكل جيّد،
لا تترك متّسع للسكون إثر اللحظة إنما تمضي و تمضي لسويعات و أيام و أعوام تحاول و تجاهد و تبني مجدًا تعرفه جيدًا ستأتي أنتِ ترينه محققًا بإذن الله،
يا حبيبة أمكِ،
لم أخبركِ بأنني سأكون أفضل الأمهات و لا الأحن و الأسمى،
لا آمن الزمان و نفسي و إبليس،
لكن قلبي كما هو أحاول جاهدة أن أحفظه لكِ خاليًا من بغضاء أو ضغينة، قلبٌ يحبّ الله ورسوله، أسأل الله أن يغير ما فيه من سوءٍ ويثبّته لي،
أواسي نفسي بأن أكتب إليكِ، أعدّ لكِ أحاديثًا طويلة،
أحاديث الأعوام
أنتظركِ حتى أقصّها عليكِ، تتعلمين منها،
تأخذين الحق و تتركين الباطل،
أعلمكِ أن الحياة كدرٌ،
لا يبقى خيرها و لا يدوم، لن تجدين الراحة فيها،
جُبِلت على كدرٍ يا رفيقتي
إنما الراحةُ في الجنة فقط،
فلنجتهد
و لنسعى سعي المجاهدين،
الذي يجاهد نفسه في ترك الباطل لا يخيب يا إبنتي،
أثمري الحق
اصنعيه
بثّيه
تعلّميه
و لا تنطقي بغيره
صاحب الحق لا يضلّ و لا يشقى،
و أخيرًا يا إبنتي.
كتبت لكِ هذه الخاطرة في ليلةٍ قاسيةٍ عليّ، ليلة موجعة ظننت أنني لن أفيق لصباح الليلة الآتية،
لكن ها أنا استيقظت أدقق النص الذي كتبته إلى صنيعة قلبي أمس و أحبّره و أسكب لكِ عليه الأمل!
فاعلمي أن الحَزن يمحوه الله، و يسكّن القلب، و يمرّ الصعب مهما كان صعبًا،
فقط اثبتي و اصنعي الأمل
اصنعي الأمل حتى تحيي يا رفيقة،
و السلام.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.