كتب اللواء عباس ابراهيم عبر حسابه على منصة "إكس": "شكراً لكل من يسعى لتخفيف التوتر على حدودنا الجنوبية مطالباً بتطبيق القرار ١٧٠١. لكن للعلم فقط فإن من خرق هذا القرار أكثر منذ إقراره وحتى الآن بما يقارب الـ ٣٠ ألف مرة هو ⁧‫العدو الإسرائيلي⁩، وكل ما جرى لاحقاً ما هو إلا ردة فعل على تلك الخروقات. السؤال هو: هل لدى احدكم ضمانة لتنفيذ إسرائيل لهذا  القرار؟ ‏دون ذلك عبثاً تحاولون".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الكرسي لا يفكر

 

 

خالد بن حمد الرواحي

في كثيرٍ من المؤسسات الحكومية في عالمنا العربي، لا يُدهشك أحيانًا القرار، بل من أصدره. ففي زحمة الخطط، والتغييرات، والتعيينات المتسارعة، تطفو على السطح تساؤلاتٌ شجاعة، يتردد صداها بين أروقة الموظفين والمواطنين على حدٍّ سواء: هل من يتصدر المنصب هو الأكفأ فعلًا؟ هل يُبنى القرار على خبرة وبصيرة؟ أم على توقيع وولاء؟

لسنا بحاجة إلى وظائف أكثر، بل إلى "شخصيات وظيفية" تفهم طبيعة القرار وأثره، وتملك الجرأة على التصحيح قبل التصفيق. ففجوة الكفاءة لم تعد خفية، بل باتت ماثلةً في مخرجاتٍ ضعيفة، ومؤشراتٍ متراجعة، وخططٍ معلّقة، وخطاباتٍ رسمية لا تعكس واقع الميدان.

حين تتحول المناصب إلى مكافآت لا مسؤوليات، تضيع بوصلة القرار. ففي الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه القائد الإداري مرآة المؤسسة وناطقها العملي، نجد في بعض المواقع وجوهًا غريبة عن واقع العمل، غريبة عن مبدأ "الكفاءة أولًا"، وجوهًا لا تؤمن بالتطوير، بل تنتمي إلى جيل الصمت الإداري، حيث يغيب الصوت، وتذبل المبادرة.

تُسلَّم لهم مفاتيح القيادة، لكنهم لا يفتحون بها إلا أبواب المكاتب، وتُمنَح لهم السلطة، لكنهم لا يعرفون طريق التأثير؛ فلا خريطة طريق، ولا معرفة بالإجراءات، ولا حتى رغبة في التعلُّم. وبينما تتسابق الدول في استقطاب العقول، ما زالت بعض المؤسسات تُدوّر الكراسي... وتنتظر معجزة.

ولا يعني هذا المشهد غياب النماذج المشرّفة. فبعض المؤسسات العربية تزخر بكفاءاتٍ نزيهة ومؤمنة برسالتها، تصنع أثرها بصمت، وتدير التغيير بشجاعة. لكن هذه النماذج ما زالت تُقاوِم في الظل، تنتظر بيئةً أكثر عدلًا، تُنصت لها وتمنحها المساحة لتقود كما تستحق.

الوظيفة العامة ليست منصبًا للتجريب، ولا منبرًا للارتجال، لكن ما يحدث أحيانًا يُشبه التجربة الإدارية المفتوحة: مسؤولون يُكلَّفون بمهام لم يُهَيَّؤوا لها، ويُسألون عن نتائج لم يخططوا لها أصلًا، والضحية غالبًا هي المؤسسة نفسها، التي تصبح رهينةً لاجتهاداتٍ فردية، بدلًا من أن تكون مؤسسة قراراتٍ مدروسة.

ووسط هذا المشهد، يُهمَّش صوت الخبرة، وتُقصى الكفاءات الصامتة التي لا تجيد فن التقرّب، فيغيب التوازن، وتطغى المجاملة على الاستحقاق، وتُستبدل المعايير بالاعتبارات. وفي كل ذلك، تبهت روح الإنجاز، وتتوارى الثقة في جدوى الإصلاح.

أظهرت تقارير دولية، مثل تقارير منتدى الحكومة العالمية، أن ضعف الكفاءة القيادية يُعد من أبرز التحديات التي تواجه القطاع الحكومي في العديد من الدول. فقد لاحظ القائمون على الدراسة ارتفاعًا ملحوظًا في حالات التوتر بين القادة وبين موظفي الصفّ الأول، بسبب قيادات تفتقر إلى الرؤية والجاهزية، مما يؤثر سلبًا على أداء المؤسسات وثقة الجمهور (FT, 2023).

كما أكدت تقارير البنك الدولي أن تحسين أداء القطاع العام يتطلب وجود قيادة فعالة ومؤهلة قادرة على تحويل السياسات إلى نتائج ملموسة، بينما يُعد ضعف التنسيق والقيادة أحد العوامل الجوهرية لفشل الأداء الحكومي حتى في دول تشهد تجارب إصلاح ملحوظة (World Bank, 2018).

الكفاءة ليست مجرد شهادة، بل سلوكٌ وموقفٌ وحضور. فمن يملك القرار عليه أن يملك الرؤية، ومن يتصدر المنصب عليه أن يتحمّل الأسئلة قبل التصفيق. لكن الواقع يكشف أحيانًا عن مفارقة مؤلمة: من يملكون الكفاءة في الظل، ومن يملكون التفويض في الواجهة. وما بين الاثنين، تضيع الفرص، وتتراكم الأخطاء، ويُحمَل المواطن كلفة قرارات لا علاقة له بها.

نحن بحاجة إلى إعادة تعريف المنصب الإداري، لا باعتباره سُلّمًا للترقية، بل أمانة مؤسسية لا يُمنح إلا لمن أثبت قدرةً واستعدادًا. نحن بحاجة إلى أن تتحوّل معايير الاختيار من "من نعرفه" إلى من يستحقها فعلًا.

إن وضع الشخص غير المناسب في موقع القيادة لا يظلمه وحده، بل يظلم كل من حوله. الموظفون يُحبطون، والمراجعون يتضررون، والمجتمع يفقد ثقته، والقدوة تضعف، والاحترام للمنصب يبهت، فالمسؤول غير المؤهل لا يسقط وحده... بل يأخذ معه سمعة المؤسسة، وهيبة القرار، وروح الفريق.

إذا أردنا مؤسسات أقوى، فعلينا أن نبدأ باختيار قادتها على أساس أوضح، فلا تنمية تُبنى بكوادر مرهَقة، ولا إصلاح يُدار بعقليات مجاملة، ولا مستقبل يُرسم بأيدٍ لا تجيد الإمساك بالبوصلة، وإن كانت لكل مسؤولٍ صلاحية، فالأجدر أن تُقابل كل صلاحيةٍ بمسؤولية، ويُرفق كل موقعٍ بثقلٍ معرفي يوازيه.

العدالة الإدارية لا تعني فقط الإنصاف في الحقوق، بل تعني أيضًا الإنصاف في التمكين. وكما تؤكد كثير من الرؤى الوطنية في منطقتنا، ومنها رؤية "عُمان 2040"، فإن تمكين الكفاءات، والحوكمة، والقيادة المؤسسية ليست رفاهية، بل ضرورة تنموية، ولعلَّ أقصر الطرق لإصلاح المؤسسات أن يعلو صوت الكفاءة على همس العلاقات، وأن تتقدم الكفاءات من الظل... إلى الضوء.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • ابراهيم في عيد الجيش: تبقى البوصلة في زمن التيه السياسي
  • السيد القائد يوجه اقوى تحذير لادوات اسرائيل في الداخل
  • وزير الدفاع وبلاسخارت: تشديد على التعاون مع اليونيفيل والالتزام بالقرار 1701
  • المطران ابراهيم مهنئاً الجيش بعيده الثمانين: كنت ولا تزال صمام امان الوطن وحصنه المنيع
  • الكرسي لا يفكر
  • تقرير صادم.. اسرائيل تخطط لتفكيك غزة وفرض حصار تام
  • تقرير أمني ايراني يكشف عن خسائر اسرائيل في الحرب
  • متري: لبنان ملتزم بتنفيذ القرار 1701
  • واشنطن تضغط على لبنان بشأن نزع سلاح الحزب.. وهذا ما طلبه بري ورفضته اسرائيل
  • أحمد موسى يعرض صورا للقاءات بين قيادات الإخوان ومسؤولين بارزين في اسرائيل