مجلة أمريكية: حكم العدل الدولية آخر فرصة قانونية لبايدن لكبح جماح إسرائيل
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
يرى ديفيد كاي، أستاذ كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، والحاصل على كرسي فولبرايت المتميز في القانون الدولي العام بجامعة لوموند السويدية، أن حكم محكمة العدل الدولية الأخير يعطي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة ذهبية للضغط على إسرائيل لكبح جماح حربها في غزة، ويضع واشنطن أمام اختبار مهم لإثبات نجاعة ما تطالب به من "نظام دولي قائم على القواعد".
ويقول كاي، في تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إن محكمة العدل ألقت بـ"طوق نجاة" لبايدن لانتهاج سياسة جديدة تجاه الصراع المتجذر في المعايير الدولية.
الحكم كأداة دبلوماسيةويطالب الكاتب البيت الأبيض بتبني حكم المحكمة ونشره كأداة دبلوماسية جديدة لإنهاء العملية العسكرية لإسرائيل، وبالتالي دفع "حماس" لإطلاق الأسرى في غزة.
اقرأ أيضاً
اجتماع طارئ لمجلس الأمن للنظر بقرار محكمة العدل.. وجوتيريش: التدابير ملزمة
وبناء على ما سبق، يعتبر الكاتب أن كيفية استجابة الولايات المتحدة وأوروبا لحكم المحكمة أكثر أهمية من الحكم نفسه.
ويمضي محذرا بالقول إنه إذا كانت واشنطن والسلطات الغربية الأخرى مصممة على الطواف حول العلم الإسرائيلي ، فإنهم يخاطرون بإلحاق مزيد من الأضرار بالقانون الدولي وما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد الذي تبنته في قضايا محكمة العدل الدولية السابقة، مثل مطالبة أوكرانيا لعام 2022 ضد عدوان روسيا و مطالبة الإبادة الجماعية لعام 2019 في غامبيا ضد ميانمار لعلاجها من الروهينجا.
كما أنهم يخاطرون بزيادة تنفير عدد كبير من الحكومات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الكثير من دول الجنوب العالمي، التي دعمت قضية جنوب أفريقيا أمام المحكمة ضد إسرائيل.
ويرى أن الهجوم الخطابي على حكم المحكمة سيكون له عواقب سياسية محلية على الرئيس الأمريكي جو بايدن حيث يبدأ في حملة انتخابية صعبة، بالنظر إلى خيبة الأمل على نطاق واسع التي تشعر بها الجاليات العربية والمسلمون في أمريكا، والناتجة عن احتضان الإدارة غير المشروط لممارسات إسرائيل.
اقرأ أيضاً
لهذه الأسباب.. حكم العدل الدولية يدمر سمعة إسرائيل دوليا ويضر أمريكا ويقسم أوروبا
باب رجعةويرى الكاتب أن عدم وصول المحكمة في حكمها لمسألة إلزام إسرائيل بإنهاء عدوانها في غزة يعطي بابا للإدارة الأمريكية لتدخل منه نحو الضغط على تل أبيب بشكل أكثر أريحية.
وفي الواقع، يسمح قرار المحكمة لجنوب أفريقيا بالمضي قدما في الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، وهو ما يمكن أن تفعله بريتوريا، في حالة عدم امتثال تل أبيب للإجراءات المؤقتة التي أمرت بها المحكمة، وهو ما يشكل ضغطا إضافيا قد تستغله الإدارة الأمريكية، بحسب الكاتب.
ويخلص الكاتب إلى أن قرار المحكمة منح الولايات المتحدة وأوروبا أداة جديدة لمطالبة إسرائيل بتغيير نهجها في غزة. ويتيح الحكم لإدارة بايدن فرصة للتأكيد على استيائها الشديد، المدعوم بالقانون الدولي، من الخطاب اللاإنساني الذي صدر عن أعضاء الحكومة اليمينية في إسرائيل.
اقرأ أيضاً
العدل الدولية تفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل دون الدعوة لوقف إطلاق النار
كما أنها توفر لواشنطن فرصة للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقيام بأكثر من مجرد إعادة التأكيد على أهداف إسرائيل المتمثلة في "القضاء على حماس"، ومحاسبة أولئك الذين يستخدمون لغة تدمير غزة وسكانها الفلسطينيين.
وحتى في حين أنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فإن الولايات المتحدة قادرة على دعم مطالب المحكمة باتخاذ خطوات إسرائيلية ملموسة لمنع ومعاقبة العنف ضد المدنيين في غزة والتدمير المتفشي للبنية التحتية التي تجعل غزة صالحة للعيش.
المصدر | ديفيد كاي / فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: محكمة العدل الدولية بايدن الإبادة الجماعية غزة جنوب افريقيا العلاقات الأمريكية الاسرائيلية العدل الدولیة محکمة العدل فی غزة
إقرأ أيضاً:
الهندية بانو مشتاق الحائزة بوكر: على الكاتب وصف الوردة وأشواكها
تؤمن الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق، التي نالت في مايو/أيار الماضي جائزة بوكر الأدبية الدولية، بأن الكتابة الحقيقية تستلهم من الواقع، ولو كان شديد العنف والقسوة. ومن هذا المنطلق، لم تتردد في جعل إحدى أقصوصات مجموعتها الفائزة بالمكافأة المرموقة تتناول محاولة انتحار حرقا، مشابهة لتلك التي أقدمت عليها بنفسها.
وقالت بانو، البالغة 77 عاما، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: "لا يمكن للمرء أن يكتب لمجرد وصف وردة. لا يكفي أن يقول إن لها هذا العطر وتلك البتلات وذلك اللون. عليه أيضا أن يكتب عن الأشواك. إنها مسؤوليته، وعليه أن يفعل".
في مجموعتها القصصية الفائزة بجائزة بوكر، والتي تحمل عنوان "هارت لامب" (Heart Lamp) (سراج القلب)، تتناول بانو في أقصوصاتها الـ12 القوية، جوانب من حياة نساء مسلمات يعانين توترات أسرية ومجتمعية، تحمّل بعضهن العنف المنزلي، أو ابتليت أخريات بوفاة أطفالهن، أو تعرضن للخيانة من أزواجهن.
القصص، التي كتبتها بين عامي 1990 و2023، شكلت أول عمل أدبي بلغة "الكانادا" (Kannada) (وهي اللغة التي يتحدث بها نحو 65 مليون شخص في جنوب الهند) يترجم إلى الإنجليزية، وهو ما جعل فوزها بالجائزة حدثا فارقا في تاريخ الأدب الهندي والعالمي على حد سواء.
إعلانقامت بترجمة العمل إلى الإنجليزية ديبا بهاستي، الصحفية والكاتبة من جنوب الهند، وقد وصفت لجنة التحكيم الترجمة بأنها "جذرية ومبتكرة تحدث اضطرابا في اللغة وتخلق نسيجا جديدا لتعددية الإنجليزية".
وقد نالت الجائزة مناصفة مع المؤلفة، في تكريم مزدوج للنص والترجمة، رغم الرقابة التي تعرض لها الكتاب من جانب الدوائر المحافظة في الهند، كما ذكر منظمو الجائزة، وتجاهله من قبل الجوائز الأدبية الكبرى في الدولة الآسيوية العملاقة.
نال أسلوب بانو إعجاب النقاد لما يجمعه من فكاهة ساخرة تخفي خلفها ألما عميقا وقسوة واقع شخصياتها. ووصفت لجنة تحكيم جائزة بوكر شخصيات قصصها بأنها "صور مذهلة للقدرة على الاستمرار"، مشيدة بموقفها الحازم بلا مهادنة من طغيان النظام الأبوي والطبقية والتطرف الديني على المجتمع الهندي.
واحتفت لجنة التحكيم بالمجموعة بوصفها "قصصا جميلة مليئة بالحياة، تترجم بلغة مبتكرة توسع فهمنا للترجمة والاختلاف الثقافي"، مؤكدة أن هذه القصص الحية والمؤلمة تقدم "وثيقة أخلاقية وسياسية" عن معاناة النساء المسلمات في جنوب الهند.
وتنتمي بانو المولودة عام 1948 إلى عائلة مسلمة، لكنها تلقت تعليمها بلغة الكانادا لا بالأردية، اللغة الثقافية التقليدية لمسلمي الهند. وبعد أن بدأت حياتها المهنية في مجالي الصحافة والتعليم، عملت لاحقا في المحاماة، وناضلت بصفتها الحقوقية ضد الأصولية وغياب العدالة الاجتماعي.
أما حياتها الخاصة، فلم تكن أقل قسوة من قصصها. فقد تزوجت بعد قصة حب، لكنها شعرت لاحقا بالاختناق بسبب القيود المفروضة عليها. وقد قالت "لم يكن يُسمح لي بنشاطات فكرية (…) وبالكتابة".
إعلانحتى وصلت بها المعاناة النفسية إلى محاولة إحراق نفسها في أواخر العشرينيات من عمرها، وهرع زوجها إليها مع ابنتهما البالغة 3 أشهر، واسترجعت هذه اللحظة قائلة: "وضع زوجي ابنتنا الصغيرة عند قدمي، وجعلني أركز انتباهي إليها، وعانقني، ثم ضمني إليه، وبهذه الطريقة تمكن من ثنيي عن الانتحار".
وفي أقصوصتها، تستلهم الكاتبة هذه اللحظة، إذ تكون الطفلة هي صاحبة الفضل في إنقاذ أمها. وعن هذا التقاطع بين السيرة الذاتية والخيال، تقول بانو: "شيء من شخصية الكاتب ينعكس في مؤلفاته، سواء بوعي أو من دون وعي".
اليوم، تمتلئ جدران منزل بانو في بلدة حسان الصغيرة جنوب الهند بالشهادات والجوائز، وآخرها جائزة بوكر التي تسلمتها في لندن، والتي تصفها بأنها غيرت حياتها "بشكل إيجابي"، مع أنها شكت مما تفرضه هذه الشهرة من عبء عليها.
وتستقبل الكاتبة الكثير من الزوار، لكنها قالت بأسف "لم يعد لدي وقت للكتابة التي تشعرني بمتعة وارتياح كبيرين".
وشددت بانو مشتاق على أن شخصياتها ليست خاصة ببلد بعينه أو مجتمع بذاته، بل تنطبق على كل زمان ومكان. وقالت "في كل مكان، تعاني النساء هذا النوع من القمع والاستغلال والسلطة الأبوية. المرأة هي المرأة، في كل مكان من العالم".
مع ذلك، لا تنوي بانو التوقف عن الكتابة، حتى لو لم تحظ أعمالها دائما بإعجاب من تكتب عنهن أو لأجلهن. وتقول: "الكاتب دائما مؤيد للشعب".
وتتألف مجموعة بانو مشتاق من 12 قصة قصيرة، كتبت بأسلوب سردي يتميز بالحيوية والعاطفة اللاذعة، وترسم صورا عميقة لحياة نساء وفتيات يعشن في مجتمعات أبوية محافظة. وتدور القصص حول أمهات، وجدات، وأطفال أذكياء، وأزواج مهزوزين، ومشايخ ساخرين، وإخوة متسلطين، وسط واقع تحكمه قيود اجتماعية ودينية صارمة.
إعلانوجاء تتويج "سراج القلب" في وقت يشهد فيه الهند توترات متزايدة حول قضايا الحريات الفردية وحقوق الأقليات. ويعد فوز هذا العمل المكتوب بلغة محلية ومن منظور امرأة مسلمة تحديا صريحا للهامشية الثقافية السائدة في البلاد، ورسالة دعم للغات الأصلية والمهمشة.
جدير بالذكر أن بانو مشتاق تنتمي إلى الجيل الذي انخرط في حركة "باندايا ساهيتيا" (الأدب الاحتجاجي) في السبعينيات والثمانينيات في جنوب غرب الهند. وهي واحدة من النساء القلائل اللواتي برزن في هذه الحركة التي انتقدت النظام الطبقي والاجتماعي الهندوسي، وأبرزت أصوات المنبوذين (الداليت) والمسلمين.
وإلى جانب عملها محامية وناشطة نسوية، ألفت 6 مجموعات قصصية، ورواية واحدة، ومجموعة مقالات، وديوان شعر، جميعها بلغة الكانادا. كما حازت جوائز كبرى منها جائزة أكاديمية كارناتاكا ساهيتيا وجائزة دانا تشينتاماني أتيمابي.
وقد عبرت عن رؤيتها الأدبية بقولها: "قصصي تدور حول النساء، كيف يطالب الدين والمجتمع والسياسة بالطاعة العمياء منهن، وبذلك، يلحقون بهن قسوة غير إنسانية. لا أجري أبحاثا مستفيضة، قلبي هو مجال دراستي".
ومع هذا الفوز، دخلت لغة الكانادا ولأول مرة إلى المحفل الأدبي العالمي، ليصبح "سراج القلب" شهادة ثقافية وأدبية نادرة في مشهد الأدب العالمي الذي طالما هيمنت عليه أصوات المركز الثقافي الغربي.