هل سبق لك أن تأمّلت وجهك في المرآة ولاحظت عدم التطابق التام في ملامحك؟ ربما انحراف بسيط في أنفك، تجعيدة صغيرة تحت إحدى عينيك، أو أذن أعلى بقليل من الأخرى.

لقرون عديدة، كان يعتقد أن هذا الخلل في التناظر يقلّل من جمالنا، ويمكنك أن تجد العديد من الخدمات، بدءًا من فلاتر الصور إلى عمليات التجميل، التي تهدف إلى «تصحيح» هذا الخلل.

ولكن الحقيقة أن عدم التناظر هو جزء أصيل من جسم الإنسان ودماغه، ولأسباب وجيهة. كما أن الأبحاث الجديدة أشارت إلى أن تأثيره ضئيل على جاذبيتنا للآخرين.

لنبدأ بتوزيع أعضائنا الداخلية غير المتكافئ، بالنسبة لمعظم الناس، يقع القلب والمعدة والطحال جميعًا على يسار الحبل الشوكي، بينما يقع الكبد والمرارة على اليمين. وهذا يجعل استخدام المساحة في صدرنا وبطننا أكثر كفاءة مع وظيفة كل عضو.

ماذا عن الدماغ؟ قد يبدو أن نصفي الكرة المخية انعكاس لبعضهما البعض، لكن المنطقتين المقابلتين على كل جانب لهما مسؤوليات مختلفة. ستلاحظ تأثيرات ذلك على حركاتك. فإذا كنت أعسر، فهذا لأن نصفك الأيسر من المخ -المتصل بالجانب الأيمن من الجسم- أصبح أكثر تخصصًا قليلًا في التحكم الدقيق في عضلات أصابعك، مما يمنحك مهارة أكبر في تلك اليد.

قد يفاجئك اكتشاف أن هذا «الانحياز الجانبي» يمكن العثور عليه في العديد من السلوكيات الأخرى. فمعظمنا لديه أذن أو عين مهيمنة، على سبيل المثال. يقول أونور جونتورك من جامعة رور بوخوم في ألمانيا: «إذا نظرت من خلال ثقب المفتاح، فإن غالبية الناس سيستخدمون عينهم اليمنى، بغض النظر عن مكان ثقب المفتاح - سواء كان على اليسار أو على اليمين من الباب».

ويجادل بأن الانحياز الجانبي يسرع التغييرات العصبية المرتبطة بالتعلم. فإذا استخدمنا كلا اليدين للمهام اليدوية أثناء النمو، فسيتم تقسيم تأثيرات هذا التدريب عبر نصفي الكرة المخية. ولكن إذا استخدمنا يدًا واحدة فقط، فسيتم تركيز تأثيرات هذا التدريب على نصف كرة واحد - مما يؤدي إلى تخصص عصبي أسرع وتقدم أسرع. وينطبق نفس المنطق على معالجة الحواس. يقول جونتورك: «كلما زدنا من تدريب قشرتنا البصرية على رؤية أنماط معينة في الصور المعقدة، تحسنا في ذلك». وتزيد من هذه الميزة من خلال التأكد من أن معظم الممارسة تذهب إلى تطوير جانب واحد فقط من القشرة البصرية.

ماذا عن عدم التناظر في الوجه؟ عند الحمل، تخطط جيناتنا لتطور ملامحنا الخارجية بنسب متناسبة تمامًا مع بعضها البعض. ومع ذلك، فإننا جميعًا نواجه ضغوطًا - مثل المرض - يمكن أن تخلق اضطرابات صغيرة في نمونا تنحرف عن هذه الخطة. وتؤدي هذه الاضطرابات إلى عدم التناظر البسيط الذي نلاحظه في المرآة.

وفقًا لفرضية «الجينات الجيدة»، فإن الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جينية أفضل، يطورون عيوبًا أقل أثناء النمو، مع وجوه أكثر تناسقًا. لذلك، يجب أن يكون تناسق الوجه أولوية للأشخاص الذين يبحثون عن شريك له جينات جيدة.

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حين تُزيّف الكاميرا الحقيقة.. هل أصبحت الفلاتر مرآة النساء الجديدة؟

في عصر باتت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم فيه بكل شيء تقريبا، لم تسلم الحياة بكل تفاصيلها من تدخل هذه الأداة في إعادة في تعريفنا للعديد من المعايير.

وبالنسبة للنساء، أصبحت صورتهن الشخصية وتقديرهن لذواتهن منوطا بما يظهرن عليهم عند استخدامهن لهذه الوسائل، إذ تتوفر عبر التطبيقات ما يُعرف بـ"مرشّحات الصور" أو "الفلاتر"، التي تقدم حلولا تجميلية فورية لا تقوم فقط بتحسين الصورة، بل قد تكون لها آثار طويلة الأمد على معايير المرأة للجمال والقيمة الذاتية.

الثقة بالنفس في العالم الرقمي

لطالما كانت المرآة وسيلتنا المباشرة لاكتشاف ملامحنا الحقيقية كما هي، دون تعديل أو تزيين. لكن مع انتشار الكاميرات الأمامية في الهواتف الذكية، وأدوات التعديل والتنقيح الرقمي، تغيّر هذا المفهوم؛ إذ أصبحت الصور تُلتقط وتُعالج لتُظهر ملامح أكثر جمالًا، وبشرة أنقى، وإضاءة تجعل كل التفاصيل تبدو مثالية.

ولم يعد الفلتر اليوم مجرد أداة تجميل بسيطة، بل تحول إلى وسيلة للتعبير عن الذات أو للتوافق مع نمط جمالي معين. وهكذا أصبحت الصورة التي تُعرض على منصات التواصل الاجتماعي، بفضل تقنيات التجميل الرقمي، المرجع الذي تقارن به كثير من النساء أنفسهن، بدلًا من صورتهن الحقيقية في المرآة.

الاعتماد المفرط على الفلاتر والتعديلات الرقمية يترك آثارًا سلبية (بيكسلز)تأثيرات عميقة وتداعيات خطيرة

تكشف دراسات عدة أن الاعتماد المفرط على الفلاتر والتعديلات الرقمية يترك آثارًا سلبية على الثقة بالنفس وصورة الجسد، خصوصًا لدى الفتيات اليافعات.

فقد توصل باحثون في جامعة لندن إلى وجود علاقة واضحة بين استخدام الفلاتر وتراجع الرضا الذاتي. وفي دراسة شملت 175 مشاركة بمتوسط عمر 20 عامًا، قالت 90% منهن إنهن يستخدمن الفلاتر أو يعدّلن صورهن بشكل متكرر.

أما أكثر الفلاتر شيوعًا فكانت تلك التي تُوحّد لون البشرة وتفتحها، وتُبيّض الأسنان، وتُضيف لونا برونزيا للجسم، أو تُغيّر ملامح الوجه مثل تصغير الأنف أو الفك، وتكبير الشفاه وتوسيع العينين. وعند سؤال المشاركات عن سبب اللجوء لهذه الأدوات، أقرت 94% منهن بشعورهن بضغط كبير للظهور بمظهر مثالي يتوافق مع المعايير المنتشرة على هذه المنصات.

إعلان

وفي تجربة أخرى نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب، صُممت لدراسة العلاقة بين تعديل صور السيلفي وعدم الرضا عن شكل الجسم، طلب الباحثون من 130 امرأة (متوسط ​​أعمارهن 20 عاما) مشاهدة صور إنستغرام لنساء نحيفات أو متوسطات الحجم كوسيلة لإثارة عدم الرضا عن شكل الجسم لدى المجموعة الأولى.

ثم طُلب من المشاركات التقاط صورة سيلفي على جهاز آيباد، وأُعطيت لهن 10 دقائق لتعديلها. بعدها أكملن استبيانات حول حالتهن المزاجية، ومستوى عدم الرضا عن شكل الجسم، وعدم الرضا عن شكل الوجه في البداية، ثم بعد مشاهدة الصور، وبعد تعديل صور السيلفي.

أدى عرض صور النحيفات إلى زيادة المواقف السلبية وعدم الرضا عن شكل الجسم/الوجه. كما أدى التقاط وتعديل صور السيلفي إلى زيادة الحالة المزاجية السلبية وعدم الرضا عن شكل الوجه لدى كلتا المجموعتين. علاوة على ذلك، يُنبئ الوقت المُستغرق في تعديل صور السيلفي بارتفاع مستوى عدم الرضا عن الوجه.

مقارنة النفس بنسخ غير واقعية

يبدو أن الإفراط في تعديل الصور الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي أصبح ممارسة تؤثر سلبًا في الشابات، فكلما زاد الانشغال بتحسين المظهر رقميا، تعمقت آثاره الضارة على النفس والجسد.

فالفتيات لا يقارنَّ أنفسهن اليوم بصور المشاهير أو الأصدقاء المثالية فحسب، بل أيضًا بنسخ مصفّاة من ذواتهن؛ إذ أصبحت صور السيلفي المُفلترة مرجعًا لتقييم الجمال الشخصي. هذه المقارنة المستمرة -كما يوضح خبراء سيكولوجي توداي- تضعف الثقة بالنفس وتشوه الصورة الإيجابية للجسد.

وتؤكد الدراسات أن هذه الظاهرة تُغذّي ما يُعرف بـ المقارنة الاجتماعية، حيث يسعى المستخدمون إلى بلوغ معايير جمال غير واقعية تفرضها الفلاتر الرقمية.

ومع الوقت، تنشأ فجوة مؤلمة بين المظهر الحقيقي والصورة المُعدّلة التي تُعرض للعالم، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة، أبرزها اضطراب تشوّه الجسم -وهو انشغال مَرَضي بعيوب جسدية متخيلة- إضافة إلى مشكلات أعمق مثل القلق والاكتئاب.

الفتيات لا يقارنَّ أنفسهن اليوم بصور المشاهير أو الأصدقاء المثالية فحسب، بل أيضا بنسخ مصفّاة من ذواتهن (بيكسلز)غياب الفاصل بين الواقع والخيال

لم يتوقف الأثر النفسي العميق لاستخدام الفلاتر عند حدود المظهر الخارجي؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن هذه التقنية قد تُحدث تشويشًا في إدراك الذات، ففي عام 2018، كشفت دراسة نُشرت في مجلة (JAMA Facial Plastic Surgery) أن الصور المُفلترة تُضعف قدرة الأفراد على التمييز بين الواقع والخيال، ما يزيد احتمال الإصابة باضطراب تشوّه الجسم.

وفي السياق نفسه، أوضحت بيريز إشبيلية، المتخصصة في جراحة تجميل الوجه والفكين، في حديث لمجلة (El Pais)، أن الاستخدام المتكرر للفلاتر يُعيد برمجة الدماغ تدريجيا، قائلة: "عندما تنظر إلى نفسك من دون مكياج أو فلتر، قد تشعر بالنفور من ملامحك، لأن دماغك أصبح يفضّل النسخة المحسّنة رقميا".

وتُظهر الإحصاءات حجم انتشار الظاهرة، إذ يستخدم أكثر من 90% من الشباب في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة فلاتر الواقع المعزّز عبر تطبيق سناب شات، بينما تشير بيانات "ميتا" (Meta) إلى أن أكثر من 600 مليون شخص جرّبوا هذه التأثيرات على فيسبوك وإنستغرام. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسب الاستخدام في العالم العربي لا تختلف كثيرًا.

إعلان

ومع هذا الانتشار، يتزايد الهوس بالمقارنة الرقمية والحكم الذاتي عبر الصور المعدّلة، فقد رصدت الباحثة أشنا حبيب هذا الاغتراب عن الواقع في دراستها المنشورة عام 2022 حول تأثير فلاتر سناب شات على الشابات.

وقالت: "تبدأ الفتيات بملاحظة عيوب لم يكن أحد يراها -مثل شكل الأنف أو عرض الجبهة- ثم يقضين وقتا طويلا في تعديل الصور للوصول إلى مظهر مثالي، قبل أن يحاولن لاحقًا مطابقة هذه النسخة الرقمية من خلال عمليات التجميل".

وفي الختام، ورغم تزايد حملات التوعية الإيجابية بالجسد والتحذير من مخاطر الفلاتر، فإن الطريق نحو بناء علاقة صحية مع الصورة الذاتية ما زال طويلًا.

فالمسؤولية، كما يرى خبراء الصحة النفسية، تقع في المقام الأول على الفرد نفسه، من خلال تنظيم وقته أمام الشاشة، ومراجعة المحتوى الذي يتابعه، والابتعاد عن الحسابات التي تُضعف ثقته بذاته بدل أن تعززها.

مقالات مشابهة

  • قراءة في تأثيرات العقوبات الأميركية.. الاقتصاد العراقي ليس المتضرر الوحيد
  • كيم جونغ أون.. الوجه الآخر للرئيس الأكثر غموضا في العالم
  • حين تُزيّف الكاميرا الحقيقة.. هل أصبحت الفلاتر مرآة النساء الجديدة؟
  • الرياضة وحدها لا تكفي.. كيف يؤثر الجلوس الطويل على الصحة؟
  • دراسة كندية: الإفراط في استخدام الشاشات يمكن أن يؤثر على أداء الأطفال
  • السيسي يقول إن ترامب يستحق نوبل للسلام ويدعوه لرعاية اتفاق غزة
  • ملامح خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج في مصر.. فيديو
  • "أين ملفه وماذا قال عمر سليمان عنه ومن اغتاله".. الأسرار تتكشف عن أشرف مروان
  • وقف إطلاق النار بغزة يؤثر على مباراة النرويج وإسرائيل المصيرية
  • بن غفير يقول إنه سيصوت ضد اتفاق إنهاء الحرب في غزة