بقلم: د. محمد نعناع – باحث عراقي ..

استبق الحزب الديمقراطي الكردستاني زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن ليستعرض وجهة نظره حول الأوضاع في العراق، وتجول رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني في المؤسسات الرسمية والمنتديات النخبوية مستوضحاً وموضحاً طبيعة العلاقة بين واشنطن وأربيل، وسعى بارزاني مستفيداً من الدعوة التي وجهت له من الرئيس الامريكي جو بايدن لتجديد إهتمام واشنطن بأربيل بعد التهديدات التي تعرضت لها خلال الثلاث سنوات الماضية.

ولقد كانت زيارة مسرور بارزاني التي جرت في شهر مارس الماضي تستبطن التحضير لانعكاس الجهود التي تُبذل فيها على زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لأن زيارة الأخير كانت معلومة التوقيت في ذلك الوقت، وفي الوقت الذي انبرت فيه وسائل إعلام مقربة من الإطار التنسيقي لتُشيع أخباراً غير صحيحة حول زيارة مسرور بارزاني، بقصد التسقيط والتقليل من تأثيرها والتشويش على مضمونها، وان البارزاني ذهب الى الولايات المتحدة الامريكية استجابةً لدعوى قضائية تخصه شخصياً وكذلك إضافةً إلى وظيفته في الإقليم، فأن الرجل كان يعمل على صياغة “إلفات نظر” لواشنطن حول طبيعة سلوكيات النظام الذي سيستقبلون رئيس وزراءه في الشهر المقبل، وقد شكل إلفات النظر هذا حمولة مسبقة على مهمة السوداني في المكتب البيضاوي، لأن الأمريكيين قد تلقوا المعلومات والملاحظات التي عرضها برازاني بإهتمام وعناية، وعند هذه النقطة تركز البعد الدبلوماسي في حملة الديمقراطي الكردستاني في واشنطن على ثلاثة ملفات مهمة بالنسبة للإقليم وهي: ]احترام البنية الدستورية للإقليم ضمن نظام العراق الإتحادي التعددي – الاستحقاقات المالية للإقليم – التهديدات الأمنية[ وهذا ما جعل المؤسسات الاستراتيجية الأمريكية بالإضافة إلى سيد البيت الابيض يُشددون على ربط زيارة السوداني بتفعيل إتفاقية الإطار الاستراتيجي، وعدم الخوض في مسألة الانسحاب الأمريكي من العراق، لأن هناك أطرافاً عراقية أكثر نشاطاً ودبلوماسية من بغداد استطاعت شرح وجهات نظرها بدقة حول طبيعة إدارة المؤسسات الرسمية العراقية ومدى تأثير الأجندات الايديولوجية والطائفية والمصلحية عليها، فلا انسحاب أمريكي بدون اكتمال السيادة العراقية وحيازة الردع الوطني المناسب وتأسيس الشراكة السياسية الحقيقية، لقد أخطأت قوى الإطار التنسيقي والفصائل والمليشيات في كيفية تعاملها مع ملفات الإقليم، وخصوصاً في مسألة اللعب على ورقة الاختلافات الكوردية، فمحاولة إضعاف الإقليم وتشتيت جهوده من قبل قوى السلطة الإتحادية أظهرت نتائج عكسية من أهمها تفرد الديمقراطي الكردستاني بإدارة الملف الخارجي لإقليم كردستان، لقد قدمت القوى التي حاولت ضرب كيان الإقليم – كما يقول مسعود بارزاني- هدية للديمقراطي الكردستاني بأن يكون الممثل الأول والأكثر تأثيراً في القضايا الخارجية واللاعب السياسي الوحيد الموثوق في واشنطن بعدأان صُبغت الأطراف الكردية الأخرى بنفس لون القوى الإطارية المتهمة من قبل واشنطن بالانسجام مع الدور الإيراني في العراق والمنطقة، كما إن هذه القوى أثقلت كاهل رئيس وزرائها عند مناقشته لقضايا العراق في البيت الابيض والمؤسسات الأمريكية الأخرى.
إن ضغوط قوى السلطة واستخدامهم للعنف مع إربيل – كما ذكرنا هذا المضمون أكثر من مرة سابقاً– سيجعل من العامل الخارجي متحكماً في القضايا العراقية الداخلية، وهذا ما سينعكس سلبياً على إداء الحكومة العراقية.

د. محمد نعناع

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الدیمقراطی الکردستانی

إقرأ أيضاً:

العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!

تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!

فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!

كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!

يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!

أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!

أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.

واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!

وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!

على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.

فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.

لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!

والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!

أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!

وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • زيارة مرتقبة للمستشار الألماني إلى واشنطن
  • السوداني: انخفاض نسبة البطالة إلى 13% في العراق
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • مصدر سياسي: زيارة السوداني المرتقبة إلى مصر من أجل دعم الولاية الثانية له
  • الاتحاد المغربي يعاقب رئيس نادي الشباب البيضاوي بالإيقاف 3 سنوات
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • المكتب الوطني للمطارات يحتفي بالإبداع الفني لموظفي المديرية العامة للأمن الوطني
  • دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يستقبل الشخصية الإعلامية المعروفة والكاتب والمحلل السياسي هادي جلو مرعي
  • السوداني يوجه بتسهيل عمل المقاولين ومعالجة المعوقات التي تواجههم
  • عودة دبلوماسية أمريكية لدمشق بعد غياب 13 عامًا: واشنطن تعلن قرب رفع اسم سوريا من قائمة الإرهاب