ما الخطاب الذي تتبناه أكبر كتلتين إنتخابيتين في الهند؟
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
نيودلهي- يتوجه اليوم الجمعة الناخبون في الهند لانتخاب نواب 102 دائرة، في عملية ستستمر عبر 7 مراحل، تنتهي في الأول من يونيو/حزيران القادم، وإلى جانب بعض الأحزاب الصغيرة، تنتمي معظم الأحزاب المتنافسة إلى كتلتين رئيسيتين، هما التحالف القومي الديمقراطي "إن دي إيه" المتكون من 38 حزبا بزعامة حزب الشعب الهندي، والتحالف الهندي القومي للتنمية المتكون من 41 حزبا بزعامة حزب المؤتمر والذي يعرف بأحرفه الأولى (إنديا) المطابقة لاسم الهند باللغة الإنجليزية.
وتُعتبر القضايا الاقتصادية أساسا في هذه الانتخابات، حيث تصل نسبة البطالة إلى 44.9% بين الشباب بعمر 20-24 عاما، كما خرج الفلاحون الذين يمثلون ما نسبته أكثر من 40% من سكان الهند مرتين للاحتجاج ضد سياسات الحكومة الموالية للشركات الكبرى، ويستمر احتجاجهم حتى الآن منذ 13 فبراير/شباط الماضي.
ولجأ كلا الحزبين لنشر إعلانات صاخبة لاستمالة الناخبين، وإظهار عيوب الحزب الآخر، حيث يروج زعماء حزب الشعب، ابتداء من رئيس الوزراء ناريندرا مودي ووزير الداخلية أميت شاه ووزير الدفاع راج ناث سينغ، أن الهند ستدمر أي قوة تريد النيل من أمنها أو احتلال أراضيها، معتبرين أن جيران الهند كالصين وباكستان قد اعتدوا على البلاد خلال فترة حكم حزب المؤتمر، وأن هذا لن يحدث في ظل حكومة حزب الشعب.
يثير حزب الشعب قضايا عاطفية، مثل المباهاة ببناء معبد راما فوق أرض المسجد البابري، وإلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير، والوعد بتمرير قانون مدني موحد يحرم المسلمين من العمل بقانون الأحوال الشخصية الإسلامية، وتنفيذ قانون الجنسية المعدَّل الذي يحرم ملايين المسلمين من الجنسية الهندية، بالإضافة لإلغاء قانون حماية دور العبادة كما وجدت عند الاستقلال، وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه لمطالبة الهندوس بآلاف من المساجد الأثرية.
يرى مراقبون أن الأوضاع الاقتصادية في الهند قد ساءت في عهد رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، حيث شهدت الهند تدهورا في العديد من المجالات، كقلة الوظائف وتدني مستوى دخل الفرد، وانتشار البطالة بين الشباب، وارتفاع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بسبب سياسات مودي وتفضيله بعض رجال الأعمال مثل "أداني" و"أمباني" على الآخرين.
وكان مودي قد أعلن مرارا قبيل انتخابات 2014 أنه سيعمل على خلق 20 مليون وظيفة جديدة كل عام، وأنه سيسترجع الأموال السوداء المودعة في البنوك السويسرية ليوزعها على الهنود، بواقع 1.5 مليون روبية لكل هندي، لكن هذه الوعود لم ينفذ أيّ منها.
في مقابل ذلك نفذت الحكومة الهندية مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي ساهمت في زيادة البطالة، مثل إلغاء الفئات العالية من أوراق النقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وفرض الضريبة المركزية، وهو ما أثر على صغار التجار وساهم بإغلاق مئات آلاف الورش والمصانع الصغيرة، وسد الطريق أمام صغار المورّدين الذين كانوا يعملون من الأرياف، بسبب عدم قدرتهم على تحمل الإجراءات القانونية والمحاسبية المطلوبة للوفاء بمتطلبات الضريبة المركزية.
كما سعى حزب مودي خلال فترة ولايته لاستقطاب الهندوس باستخدام أدوات التكنولوجيا الجديدة، مثل نشر الشائعات على شبكات التواصل الاجتماعي، أو إنتاج مواد إعلامية مضللة باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يمتلك الحزب مجموعة كبيرة من النشطاء الذين يروجون لأعمال الحزب وأفكاره، بهدف تشجيع الهندوس على التصويت لمرشحي حزب الشعب باعتباره حاميا لهم.
برنامج كتلة حزب المؤتمرفي مقابل ذلك، تركز الكتلة التي يتزعمها حزب المؤتمر على القضايا الاقتصادية، مثل خلق وظائف جديدة، وإعطاء المعاشات للمسنين، وإعفاء المزارعين من الديون واستثنائهم من الضريبة المركزية، إلى جانب تحرير البلاد من القيود الكثيرة التي أدخلها حزب الشعب لكبح الصوت الحر وإلجام الإعلام.
وقد توجهت كتلة حزب المؤتمر بصورة خاصة نحو المرأة، التي تشكل ما نسبته 48% من الناخبين، فوعدت بتنفيذ 5 مشاريع في حال فوزها بالانتخابات، وهي البدء بإعطاء معاش للنساء المسنات بقيمة 100 ألف روبية (1,200 دولار) سنويا، وتخصيص نصف الوظائف الجديدة للمرأة، ومضاعفة مرتبات النساء العاملات في المشاريع القروية والتعليمية، وتعيين موظف في كل مجلس قروي لتعريف المرأة بحقوقها، وبناء مبانٍ لإسكان المرأة العاملة في كل المديريات.
كما أعلنت الكتلة أنها ستقرر حدّا أدنى للأجور، وأنها سوف تفتح ملفات قضايا الفساد في عهد مودي، مثل شراء طائرات رافايل المقاتلة الفرنسية بأسعار مرتفعة، وإلغاء أوراق النقد الهندية، واستخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسس، ومشروع "السندات الانتخابية" الفاقد للشفافية والذي استغله حزب مودي للاستحواذ على نحو 80% من التبرعات للأحزاب السياسية.
وأعلنت الكتلة أنها سوف تعطي ضمانات قانونية للحد الأدنى من أسعار المنتوجات الزراعية، وستقوم بتخصيص 10% من الوظائف للطبقات الفقيرة، كما وعدت بإجراء إحصاء في مختلف أنحاء الهند للطبقات، وهو ما يعارضه حزب الشعب الهندي بشدة، لأن معرفة النسب الحقيقية لمختلف الطبقات سيجعلها تطالب بحصصها من الوظائف ومخصصات التنمية، علما أن آخر إحصاء من هذا النوع جرى في عهد الاستعمار البريطاني.
وأكدت الكتلة رفضها دمج الانتخابات البرلمانية والإقليمية والبلدية والقروية في وقت واحد، كما أعلنت أنها ستعيد وضع جامو وكشمير وبودوتشيري كولاية، وستغير القانون بخصوص ولاية دلهي الذى تستخدمه حكومة مودي للتدخل في اختصاصات حكومة الولاية.
وأضافت الكتلة أنها ستمنع هدم البيوت بالبلدوزرات، وهي سياسة يتبعها حزب الشعب دون إجراءات قانونية بحق من يعتبرهم "مجرمين ومشاغبين"، بينما جلهم مسلمون، وأعلنت أنها لو فازت بالأكثرية فلن تتحكم فيما يأكله الناس ومن يتزوجون، في إشارة لحملات زعماء حزب الشعب ضد اللحوم وزواج الهندوسيات من الآخرين وخصوصا المسلمين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات حزب المؤتمر حزب الشعب
إقرأ أيضاً:
أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وجودي وحقوق الإنسان استُخدمت أداة هيمنة
في حوار معمّق مع المفكر وأستاذ الدراسات الشرقية أوليفييه روا (المولود عام 1949) قدّم الأكاديمي الفرنسي قراءة نقدية جذرية لمسار العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، مركزاً على تطور مفهوم الاستشراق وتحولاته، ودور الخطاب الغربي في إنتاج تصورات سلبية عن الإسلام والمسلمين، واستخدامه مفاهيم مثل التقدم وحقوق الإنسان كأدوات استعمارية مغطاة بغلاف أخلاقي.
وجاء ذلك في حوار مدير "الجزيرة 360" جمال الشيال مع روا مدير أبحاث مركز البحوث العلمية ومدير دراسات المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الفرنسي السابق، ضمن بودكاست (Center Stage) للجزيرة الإنجليزية الذي يستضيف شخصيات من قادة الفكر المؤثرين ويستطلع وجهات نظرهم حول القضايا العالمية الملحة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رفاعة الطهطاوي أيقونة الحوار بين الشرق والغربlist 2 of 2الأنثروبولجية مايا ويند: هكذا تتواطأ "الجامعات الاستيطانية" مع الحركة الاستعمارية الإسرائيليةend of listوبدأ روا عمله في أفغانستان التي ذهب إليها صبيا عام 1969 عندما كان بالكاد قد أنهى دراسته الثانوية (الليسيه) وذهب مترحلا ومتجولا في شوارع كابل ومستكشفا الحياة في مدن الشرق، ولاحقا درس آسيا الوسطى في مدن أوزبكستان وطاجيكستان العريقة، قبل أن يعود لباريس وينال دكتوراة الفلسفة، ويدرّس في عدة جامعات ومعاهد فرنسية.
وقدم مؤلفات مهمة في علم اجتماع الإسلام والأديان ترجمت أغلبها للعربية، ومنها "الإسلام والعلمانية، الجهل المقدس.. زمن دين بلا ثقافة، الجهاد والموت، عولمة الإسلام، فشل الإسلام السياسي" وغيرها، واستضافت الجزيرة نت روا ليتحدث عن مستقبل الأديان والهوية والعلمانية، وفيما يلي أبرز ما جاء على لسانه من أفكار خلال المقابلة:
يؤكد روا أن الاستشراق لم يكن نتاج الحقبة الاستعمارية فقط، بل سبقها بكثير. فقد نشأ أواخر القرن الـ18 كمجال معرفي أكاديمي يتمحور حول دراسة "الشرق" بوصفه حضارة متميزة. وكان أول المستشرقين في أوروبا من المعجبين بالحضارة الإسلامية، ولكنهم نظروا إليها كماضٍ مجيد فقد صلته بالحاضر.
إعلانويرى أن تلك النظرة تغلغلت في الخطاب الغربي، إذ اعتُبر أن العالم الإسلامي "فاته ركب التقدم والعلمانية" وأن عليه أن يبدأ من جديد، وأن يتعلم من الغرب مسار "الحداثة". ويشير روا إلى أن هذا التوجه لم يقتصر على الغرب، بل تبناه عدد من القادة السياسيين في العالم الإسلامي، مثل مصطفى كمال أتاتورك الذي رأى ضرورة محو المؤسسات التعليمية والثقافية التقليدية وبناء مؤسسات "حديثة" على النموذج الغربي.
العلمانية كوسيلة للسيطرةينتقد روا الفرضية الغربية القائلة بأن "التقدم لا يتحقق إلا من خلال العلمانية" ويعتبر أنه تم تعميمها لتصبح شرطاً حضارياً للانتماء إلى العصر الحديث.
ويضيف أن تلك الرؤية لم تكن بريئة، بل وظفت سياسياً في سياق الاستعمار. ويضرب مثلاً بفرنسا التي لم تكن في البداية معنية بثقافة الجزائر، لكنها لاحقاً أنشأت مؤسسات مثل كليات الشريعة الإسلامية بإدارة فرنسية، لا بهدف الاعتراف بالثقافة المحلية بل بهدف السيطرة عليها وإعادة إنتاجها بما يخدم هيمنة المستعمر.
عالمية مزعومةينتقد روا بحدة الاستخدام الغربي لخطاب حقوق الإنسان، ويؤكد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1947 كان بتمثيل غربي شبه حصري، مما جعل "العالمية" المفترضة تميل إلى كونها "خصوصية غربية مصدَّرة".
ويشير إلى أن ذلك الخطاب تحول إلى وسيلة لفرض نموذج ثقافي محدد، يتجاهل السياقات المحلية أو يصنّفها كمعارضة للمفاهيم الكونية، مثل الدين أو القيم المجتمعية غير الغربية.
ويضرب مثلاً بالمواقف الغربية المتباينة من القضايا العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا والمجازر في غزة، ليوضح أن ما يُفترض أنه موقف مبدئي "يُكيف حسب المصلحة الجيوسياسية".
من الحضارة إلى "مشكلة الإسلام"يُبيّن روا أن التحول الأخطر في الخطاب الاستشراقي الحديث يتمثل في الانزياح من رؤية "الشرق الإسلامي كحضارة" إلى رؤيته كـ"مشكلة دينية". فمنذ السبعينيات، لم يعد الإسلام يُنظر إليه كمكون ثقافي، بل كتهديد مباشر للغرب، وتحوّل إلى "ذريعة لتجريم المجتمعات الإسلامية". فالرموز الدينية مثل الحجاب أو الامتناع عن الخمر أصبحت تلقائياً تُربط بالسلطوية وغياب الحريات.
ويضيف أن الإسلام لم يعد يُعالج كجزء من تنوع الثقافات، بل كعدو مبدئي لحقوق الإنسان، في رؤية تُختزل في عنوان "الإسلام ضد الحداثة".
أزمة الغرب المعاصرة: الهوية بدل المبادئيقول روا إن الغرب يشهد اليوم انحداراً من "الخطاب القيمي الكوني" إلى "خطاب الهوية والإقصاء" وتحديداً مع تصاعد الخطاب الشعبوي. ويضرب مثلاً بفرنسا، حيث تُعامَل المظاهر الدينية الإسلامية كتهديد لوحدة الأمة، رغم أن دساتيرها تنص على حرية المعتقد. ويشير إلى أن المفارقة تكمن في أن تلك الدول التي تدّعي نشر التعددية في الخارج تسعى لطمس التنوع داخلياً.
ويضيف أن الديمقراطيات الغربية تعاني أزمة بنيوية، وليست "تتعرض لتهديد الإسلام" كما يُروّج، بل تُقوَّض من الداخل على يد الحركات الشعبوية، في حين أن المسلمين من الجيلين الأول والثاني بأوروبا في الغالب يؤمنون بالديمقراطية ويريدون الاندماج، لكن مع احترام حريتهم الدينية.
ويلفت روا إلى أن المسلمين في الغرب يطالبون بحقوق مضمونة في الدساتير، مثل الحق في المظاهر الدينية أو الغذاء الحلال، لكن يُواجَهون بالرفض. ويقول إن المسلمين ليسوا ضد الديمقراطية، ولكن يُصوَّرون كذلك في الخطاب السياسي الغربي، ويجري استثمار هذا الخطاب لأغراض سياسية داخلية.
إعلانويشير إلى أن الفارق في التعامل مع الأحزاب السياسية الإسلامية، مقارنة بالأحزاب القومية المتطرفة الصاعدة في أوروبا، مثل "رالي الوطنية" في فرنسا و"البديل من أجل ألمانيا" يُظهر الكيل بمكيالين، إذ يُحرَّم على الإسلاميين ممارسة السياسة، في حين يُسمَح لليمين المتطرف بالتمدد في السلطة.
أزمة الاستشراق ومأزق الغربيختتم روا بأن العالم الغربي يعيش اليوم صراعاً داخلياً بين مبادئ الكونية ونزعات الهوية والإقصاء. ويقول إن النزاع لم يعد بين حضارتين، كما ذهب صموئيل هنتنغتون، بل بين الهوية والمبدأ، في ظل تحوّل الإسلام في المخيال الغربي إلى تهديد جوهري لا مجرد اختلاف ثقافي أو ديني.
ويخلص المفكر والأكاديمي الفرنسي إلى أن مأزق الغرب يكمن في فشله في تحقيق المساواة في الداخل، وازدواجية معاييره بالخارج، وتراجع إيمانه بقيمه المؤسسة نفسها، وعلى رأسها الديمقراطية.