خطط ترامب قد تُحيي تضخم سبعينيات القرن العشرين
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
إن أهم درس تعلمناه من الأعوام الثلاثة الماضية هو أن هبوط معدلات التضخم مسألة لا يجب الاستهانة بها. ومع أن معدلات التضخم في الولايات المتحدة لا تزال أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في استقرار الأسعار بمعدل 2%، إلا أن مستشاري الرئيس السابق، دونالد ترامب، يناقشون نهجًا جديدًا وخطيرًا في التعامل مع السياسة النقدية.
ويقال إن مستشاري ترامب يدرسون مشروع إدخال تعديلين سياسيين يكمل أحدهما الآخر. وإن أحد المقترحات يتضمن زيادة السيطرة الرئاسية المباشرة على قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة ووضع القواعد التنظيمية. وفي الوقت نفسه، يبدو أن فريق ترامب التجاري، بقيادة الممثل التجاري الأمريكي السابق، روبرت لايتهايزر، يريد إضعاف سعر صرف الدولار. وفي حين نفى بعض مستشاري ترامب أي خطط لخفض قيمة الدولار، فإن تفضيل ترامب لانخفاض أسعار الفائدة وضعف العملة كان واضحًا خلال فترة ولايته الأولى. ومن شأن السياستين المقترحتين أن تسهّلا عليه تجاوز استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي وتحقيق الهدفين كليهما، وهو ما من شأنه أن يولّد ضغوطًا تضخمية كبيرة.
إن ما يجعل ترامب يرغب في إضعاف الدولار هو اعتقاده، الذي يتقاسمه مع لايتهايزر، والذي مفاده أن الدولار «أقوى من اللازم». وهذا بدوره يجعل صادرات الولايات المتحدة باهظة الثمن في الأسواق الخارجية، ويجعل الواردات أرخص بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، مما يؤدي إلى عجز تجاري كبير. ويرى كل من ترامب ولايتهايزر أن هذا يخلق مشكلة؛ لأنه في غياب التجارة المتوازنة حيث تساوي الواردات الصادرات من حيث القيمة، فإن الولايات المتحدة تموّل عجزها التجاري عن طريق الاقتراض من الكيانات الأجنبية أو التنازل لها فعليًا عن الأصول المحلية. ولكن هذا التفسير يُظهر فهمًا قصير النظر للتجارة والاقتصاد الذي ساد في القرن السابع عشر.
وفي الواقع، يمكن استخدام تدفقات الأموال التي تدعم العجز التجاري لبناء مصانع جديدة، أو تشجيع الاستخدام الأفضل للأصول الأمريكية القائمة، أو تمويل استثمارات ومؤسسات محلية جديدة، مما له آثار إيجابية على العمال والشركات الأمريكية. ومن المؤكد أن المرء يمكنه أن يزعم أن انخفاض العجز التجاري يعزز الطلب على المنتجات الأمريكية، ثم خلق فرص العمل. ولكن مع تحقيق الولايات المتحدة بالفعل للعمالة الكاملة، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي يُبقي أسعار الفائدة مرتفعة، وذلك بالتحديد للحد من الطلب وخفض التضخم.
وفي حين ساعد ارتفاع قيمة الدولار بنك الاحتياطي الفيدرالي في مهمته، كان انخفاض العملة سيؤدي إلى نتائج عكسية. وفضلا على ذلك، على غرار التعريفات الجمركية على الواردات التي يفضلها ترامب ولايتهايزر، من شأن انخفاض قيمة الدولار أن يلحق الضرر بالمستهلكين بسبب رفع أسعار السلع التي تتكون من أجزاء مستوردة.
وحتى لو كان إضعاف الدولار والتجارة المتوازنة هدفين جديرين بالاهتمام، فإن الخيارات السياسية المتاحة لتحقيقهما إما غير ممكنة أو مُضرة. فعلى سبيل المثال، تستطيع وزارة الخزانة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي شراء الأوراق المالية بالعملة الأجنبية وبيع السندات المقومة بالدولار. ولكن نظرًا لكون حجم التداول اليومي لسوق الصرف الأجنبي يقترب من 8 تريليونات دولار، فإن هذه المشتريات سوف تحتاج إلى التنفيذ على نطاق واسع، وهو ما من شأنه أن يعرض الميزانية العمومية لحكومة الولايات المتحدة لخسائر ضخمة إذا ارتفعت قيمة الدولار.
وقد يكون التدخل في سوق العملة أكثر فعالية إذا دعمه حلفاء أمريكا كما دعموا اتفاق «بلازا» في عام 1985. ولكن في حين أصبحت دول مثل اليابان وكوريا تشعر بقلق متزايد إزاء ضعف عملاتها، فإن أغلب الدول الأخرى ليست كذلك، وسوف تحتاج إلى الإقناع. وسيكون من الصعب تنسيق الجهود الدولية التعاونية بينما يهدد ترامب بالانسحاب من الناتو.
إن تهديدات الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على البلدان التي يُنظر إليها على أنها ذات عملات ضعيفة، من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من عدم اليقين في التجارة العالمية؛ وربما تلحق الضرر بالاستثمار والنمو. وفضلًا على ذلك، ليس من المؤكد أن يؤدي أي من هذا إلى إحداث تحسُّن كبير في الميزان التجاري الأمريكي.
ويعد تعديل أسعار الفائدة وسيلة أكثر موثوقية للتأثير على قيمة الدولار. ولكن نظرًا إلى أنه من غير المرجح أن ترفع البنوك المركزية الأجنبية من أسعار الفائدة، وتخاطر بدفع اقتصاداتها إلى الركود لمجرد إرضاء ترامب، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يتعرض لضغوط لخفض أسعار الفائدة قبل الأوان. وستؤدي هذه الاستراتيجية إلى التضخم وستأتي بنتائج عكسية، حيث إن ارتفاع الأسعار المحلية سيبطل أي وفورات محتملة في التكاليف التي قد تُوفّر للمشترين الأجانب عن طريق خفض قيمة الدولار. ومع ذلك، قد تكون هذه الاستراتيجية الطريقة الأسهل إذا تمكّن ترامب من فرض سيطرة رئاسية أكبر على سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، مع أنها قد تؤدي بسهولة إلى تفاقم الميزان التجاري الأمريكي بقدر ما قد تؤدي إلى تحسينه. إن الطريقة المضمونة لإضعاف الدولار وتقليص العجز التجاري الأمريكي هي تقليص العجز المالي المتفاقم لدى الحكومة الفيدرالية، على النحو الذي يُمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مع السيطرة على التضخم.
ومع أن هذه السياسة من شأنها أن تعود بفوائد طويلة الأمد على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، إلا أنها لا تحظى فعليا بأي دعم سياسي سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، بمن فيهم ترامب. ومع ارتفاع التضخم العالمي في أعقاب جائحة كوفيد-19، يخشى بعض المراقبين العودة إلى سبعينيات القرن العشرين، عندما زاد التضخم المرتفع والمستمر من صعوبة التنبؤ بالحياة الاقتصادية ومن الضغوطات التي تسببها للأسر والشركات. وفي ذلك الوقت، حدث ركود دولي كبير قبل استعادة استقرار الأسعار. ولكن هذه المرة، انخفض التضخم بسرعة دون أن يحدث ركودا عميقا، نظرا لتخفيف الضغوط على سلسلة العرض واتخاذ بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب البنوك المركزية الأخرى، لقرارات حاسمة للحد من الطلب عن طريق رفع أسعار الفائدة. وكان من أهم عوامل هذا النجاح هو أن توقعات التضخم طويل الأمد ظلت ثابتة. وكانت الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية، إلى جانب سجلاتها الثابتة على مدى عدة عقود من الزمن والاستقلال المؤسسي، سببًا في تعزيز الثقة في نجاح جهودها الرامية إلى السيطرة على التضخم. وكانت هذه التطورات الإيجابية ستكون مستحيلة في عالم تُسيس فيه السياسة النقدية، وتخضع فيه لسيطرة رئاسية، وتركز على القيمة الخارجية للدولار بدلًا من قيمته الداخلية الأهم بكثير. إن خطط ترامب فيما يتعلق ببنك الاحتياطي الفيدرالي والدولار ستؤدي حتما إلى فوضى التضخم التي سادت في سبعينيات القرن العشرين.
موريس أوبستفيلد كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وزميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وأستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
خدمة برجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی الولایات المتحدة التجاری الأمریکی أسعار الفائدة قیمة الدولار
إقرأ أيضاً:
تباطؤ نفقات الاستهلاك الشخصي الأميركي إلى 2.5% على أساس سنوي
الاقتصاد نيوز - متابعة
أفادت وزارة التجارة يوم الجمعة بأن التضخم شهد تغيرًا طفيفًا في أبريل، إذ لم تظهر الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في بداية الشهر آثارًا ملموسة على أسعار المستهلك.
ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس الرئيسي للتضخم لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بنسبة 0.1% فقط خلال الشهر، ليبلغ معدل التضخم السنوي 2.1%. وجاءت القراءة الشهرية متوافقة مع توقعات "داو جونز"، بينما تراجع المعدل السنوي بمقدار 0.1 نقطة مئوية.
وباستثناء الغذاء والطاقة، أظهرت القراءة الأساسية – التي تحظى باهتمام أكبر من صانعي السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي – زيادات بلغت 0.1% على أساس شهري و2.5% على أساس سنوي، مقابل تقديرات بلغت 0.1% و2.6% على التوالي.
مع ذلك، تباطأ إنفاق المستهلك بشكل حاد خلال الشهر، مسجلًا زيادة بنسبة 0.2% فقط، وهي متوافقة مع التوقعات، لكنها أبطأ من المعدل المسجل في مارس البالغ 0.7%. وارتفع الدخل الشخصي بنسبة 0.8%، وهو تحسّن طفيف مقارنة بالشهر السابق، لكنه أعلى بكثير من التوقعات التي بلغت 0.3%.
لم تُبدِ الأسواق رد فعل يُذكر على هذه البيانات، إذ استمرت العقود الآجلة للأسهم في التراجع، بينما ارتفعت عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل.
يضغط ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض معدل الفائدة الرئيسي، مع استمرار عودة التضخم إلى هدف البنك المركزي البالغ 2%. ومع ذلك، لا يزال صانعو السياسات مترددين في اتخاذ إجراء، في ظل ترقبهم للآثار طويلة الأمد للسياسة التجارية التي ينتهجها الرئيس.
يوم الخميس، عقد ترامب ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أول اجتماع مباشر لهما منذ تولّي الرئيس ولايته الثانية. إلا أن بيانًا صادرًا عن المجلس أشار إلى أن المسار المستقبلي للسياسة النقدية لم يكن موضوع نقاش، مؤكدًا أن القرارات ستُتخذ بمعزل عن أي اعتبارات سياسية.
وكان ترامب قد فرض رسومًا جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية، في إطار جهوده الرامية إلى موازنة المشهد التجاري، الذي شهدت فيه الولايات المتحدة عجزًا قياسيًا بلغ 140.5 مليار دولار في مارس. إلى جانب تلك الرسوم العامة، فرض ترامب رسومًا جمركية انتقائية أعلى بكثير على بعض الدول، في إطار إجراءات متبادلة.
ومنذ ذلك الحين، تراجع ترامب عن فرض رسوم أشد صرامة، مفضلًا فترة تفاوض تمتد لـ90 يومًا مع الدول المتضررة. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألغت محكمة دولية تلك الرسوم، معتبرة أن ترامب تجاوز سلطاته ولم يُثبت أن الأمن القومي مهدد بسبب الخلل التجاري.
وفي أحدث تطورات هذه القضية، سمحت محكمة استئناف للبيت الأبيض بمحاولة تعليق تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة التجارة الدولية الأميركية مؤقتًا.
ويخشى اقتصاديون أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى إشعال موجة جديدة من التضخم، رغم أن السجل التاريخي يُظهر أن تأثيرها غالبًا ما يكون محدودًا.
وفي اجتماع السياسة النقدية الذي عُقد في وقت سابق من هذا الشهر، أعرب مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي عن قلقهم من التضخم المحتمل الناجم عن الرسوم، لا سيما في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن سوق العمل. إذ قد يؤدي ارتفاع الأسعار إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي إلى حالة من "الركود التضخمي"، وهي ظاهرة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ أوائل الثمانينيات.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام